الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[مَسْأَلَة اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَسِيرًا مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ]
(7564)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَسِيرًا مِنْ أَيْدِي الْعَدُوِّ، لَزِمَ الْأَسِيرَ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ) لَا يَخْلُو هَذَا مِنْ حَالَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِإِذْنِهِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الْمُشْتَرِي مَا أَدَّاهُ فِيهِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، إذَا وَزَنَ بِإِذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَذِنَ فِيهِ، كَانَ نَائِبَهُ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ، فَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى الْآمِرِ، كَالْوَكِيلِ. وَالثَّانِي، أَنْ يَشْتَرِيَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَيَلْزَمُ الْأَسِيرَ الثَّمَنُ أَيْضًا عِنْدَ أَحْمَدَ.
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَبَرَّعَ بِمَا لَا يَلْزَمُهُ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَمَّرَ دَارِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ إنْ كَانَ الْأَسِيرُ مُوسِرًا كَقَوْلِنَا، وَإِنْ كَانَ مُعَسِّرًا، أَدَّى ذَلِكَ مِنْ بَيْتِ الْمَالُ.
وَلَنَا.
مَا رَوَى سَعِيدٌ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَطَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَرِيزٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَغَارَ أَهْلُ مَاهَ وَأَهْلُ جَلُولَاءَ عَلَى الْعَرَبِ، فَأَصَابُوا سَبَايَا مِنْ سَبَايَا الْعَرَبِ، فَكَتَبَ السَّائِبُ بْنُ الْأَقْرَعِ إلَى عُمَرَ فِي سَبَايَا الْمُسْلِمِينَ وَرَقِيقِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ، قَدْ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ مِنْ أَهْلِ مَاهَ، فَكَتَبَ عُمَرَ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَصَابَ رَقِيقَهُ وَمَتَاعَهُ بِعَيْنِهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ أَصَابَهُ فِي أَيْدِي التُّجَّارِ بَعْدَمَا اُقْتُسِمَ، فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَأَيُّمَا حُرٍّ اشْتَرَاهُ التُّجَّارُ، فَإِنَّهُ يُرَدُّ إلَيْهِمْ رُءُوسُ أَمْوَالِهِمْ؛ فَإِنَّ الْحُرَّ لَا يُبَاعُ وَلَا يُشْتَرَى. فَحَكَمَ لِلتُّجَّارِ بِرُءُوسِ أَمْوَالِهِمْ. وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ يَجِبُ عَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ، لِيَتَخَلَّصَ مِنْ حُكْمِ الْكُفَّارِ، وَيَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَيْدِيهِمْ، فَإِذَا نَابَ عَنْهُ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ، وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ قَضَى الْحَاكِمُ عَنْهُ حَقًّا امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهِ.
(7565)
فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَسِيرِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إذَا أَذِنَ لَهُ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي فِعْلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِفِعْلِهِ.
وَلَنَا، أَنَّ الْأَسِيرَ مُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، فَيَتَرَجَّحُ قَوْلُهُ بِالْأَصْلِ.
[مَسْأَلَةٌ سَبَى الْمُشْرِكُونَ مَنْ يُؤَدِّي إلَيْنَا الْجِزْيَةَ]
(7566)
مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا سَبَى الْمُشْرِكُونَ مَنْ يُؤَدِّي إلَيْنَا الْجِزْيَةَ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ، رُدُّوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، وَلَمْ يُسْتَرَقُّوا، وَمَا أَخَذَهُ الْعَدُوُّ مِنْهُمْ مِنْ مَالٍ أَوْ رَقِيقٍ، رُدَّ إلَيْهِمْ، إذَا عُلِمَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ، وَيُفَادَى بِهِمْ بَعْدَ أَنْ يُفَادَى بِالْمُسْلِمِينَ)
وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَى أَهْلِ ذِمَّتِنَا، فَسَبَوْهُمْ، وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمْ وَجَبَ رَدُّهُمْ إلَى ذِمَّتِهِمْ، وَلَمْ يَجُزْ اسْتِرْقَاقُهُمْ. فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ ذِمَّتَهُمْ بَاقِيَةٌ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ مَا يُوجِبُ نَقْضَهَا.
وَحُكْمُ أَمْوَالِهِمْ، حُكْمُ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي حُرْمَتِهَا. قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا، وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا. فَمَتَى عُلِمَ صَاحِبُهَا قَبْلَ قَسَمَهَا وَجَبَ رَدُّهَا إلَيْهِ، وَإِنْ عُلِمَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ. وَالثَّانِيَةُ، هُوَ لَهُ بِثَمَنِهِ؛ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ مَعْصُومَةٌ كَأَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا فِدَاؤُهُمْ، فَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ، سَوَاءٌ كَانُوا فِي مَعُونَتِنَا أَوْ لَمْ يَكُونُوا. وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَاللَّيْثِ؛ لِأَنَّنَا الْتَزَمْنَا حِفْظَهُمْ، بِمُعَاهَدَتِهِمْ، وَأَخْذِ جِزْيَتِهِمْ، فَلَزِمَنَا الْقِتَالُ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَالْقِيَامُ دُونَهُمْ، فَإِذَا عَجَزْنَا عَنْ ذَلِكَ، وَأَمْكَنَنَا تَخْلِيصُهُمْ، لَزِمَنَا ذَلِكَ، كَمَنْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ شَيْءٍ، فَإِذَا أَتْلَفَهُ غَرِمَهُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يَجِبُ فِدَاؤُهُمْ إذَا اسْتَعَانَ بِهِمْ الْإِمَامُ فِي قِتَالِهِ فَسُبُوا وَجَبَ عَلَيْهِ فِدَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَسْرَهُمْ كَانَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَمَتَى وَجَبَ فِدَاؤُهُمْ، فَإِنَّهُ يُبْدَأُ بِفِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمُسْلِمِ أَعْظَمُ، وَالْخَوْفَ عَلَيْهِ أَشَدُّ، وَهُوَ مُعَرَّضٌ لِفِتْنَتِهِ عَنْ دِينِ الْحَقِّ، بِخِلَافِ أَهْلِ الذِّمَّةِ.
(7567)
فَصْلٌ: وَيَجِبُ فِدَاءُ أَسْرَى الْمُسْلِمِينَ إذَا أَمْكَنَ. وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ. وَيَرْوِي عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَأَلَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ: عَلَى مَنْ فِكَاكُ الْأَسِيرِ؟ قَالَ: عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي يُقَاتِلُ عَلَيْهَا.
وَثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ، وَعُودُوا الْمَرِيضَ، وَفُكُّوا الْعَانِيَ» . وَرَوَى سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:«إنَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي فَيْئِهِمْ أَنْ يُفَادُوا أَسِيرَهُمْ، وَيُؤَدُّوا عَنْ غَارِمِهِمْ» . وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَتَبَ كِتَابًا بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ " أَنْ يَعْقِلُوا مَعَاقِلَهُمْ، وَأَنْ يَفُكُّوا عَانِيَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ". وَفَادَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالرَّجُلِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ بَنِي عَقِيلٍ، وَفَادَى بِالْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَوْهَبَهَا مِنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَجُلَيْنِ.