الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في بيان شرط البخاري وموضوعه
اعلم أن البخاري لم يوجد عنه تصريح بشرط معين، وإنما أخذ ذلك من تسميته للكتاب، والاستقراء من تصرفه.
فأما أولًا فإنه سماه: "الجامع الصحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُنَنه وأيامه".
فعلم من قوله "الجامع": أنه لم يخص بصنف دون صنف، ولهذا أورد فيه الأحكام والفضائل والإخبار عن الأمور الماضية والآتية، وغير ذلك من الآداب والرقائق.
ومن قوله "الصحيح": أنه ليس فيه شيء ضعيف عنده، وإن كان فيه مواضح قد انتقدها غيره، فقد أجيب عنها، وقد صح عنه أنه قال: ما أدخلت في "الجامع" إلا ما صح.
ومن قوله "المسند": أن مقصوده الأصلي تخريج الأحاديث التي اتصل إسنادها ببعض الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت من قوله أم فعله أم تقريره، وإن ما وقع في الكتاب من غير ذلك فإنما وقع تبعًا وعرضًا لا أصلًا مقصودًا (1).
وأما ما عرف بالاستقراء من تصرفه: فهو أنه يخرج الحديث الذي اتصل إسناده، وكان كل من رواته عدلًا موصوفًا بالضبط، فإن قصر احتاج إلى ما يجبر ذلك التقصير، وخلا عن أن يكون معلولًا، أي: فيه علَّةٌ خفية قادحة، أو شاذًا، أي: خالف رواية من هو أكثر عدلًا مَنه، أو أشد ضبطًا مخالفة تستلزم التنافى، ويتعذر معها الجمع الذي لا يكون مُتَعَسَّفًا.
والاتصال عندهم: أن يعبر كل من الرواة في روايته عن شيخه بصيغة صريحة في السماع منه: كـ "سمعت"، و"حدثني"، و"أخبرني"، إذ ظاهره فيه كـ "عن"، أو "أن فلانًا قال"، وهذا الثاني في غير المدلس الثقة، أما هو فلا يقبل منه إلا المرتبة الأولى،
وشرط حمل الثاني على السماع عند البخاري أن يكون الراوي قد ثبت له لقاء من حدَّث عنه، ولو مرة واحدة.
وعرف بالاستقراء من تصرفه في الرجال الذين يخرج لهم أنه ينتقي أكثرهم صحبة لشيخه وأعرفهم بحديثه، وإن أخرج في حديث من لا يكون بهذه الصفة، فإنما يخرج من المتابعات، أو حيث تقوم له قرينة بأن ذلك مما ضبطه هذا الراوي، فبمجموع ذلك وصف الأئمة كتابه قديمًا وحديثًا بأنه أصح الكتب المصنفة في الحديث.
وأكثر ما فضل كتاب مسلم عليه بأنه يجمع المتون في موضع واحد، ولا يفرقها في الأبواب، ويسوقها تامة، ولا يقطعها في التراجم، ويحافظ على الإتيان بألفاظها، ولايروى بالمعنى، ويفردها، ولا يخلط معها شيئًا من أقوال الصحابة ومن بعدهم.