الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
38 - بَابُ سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الإِيمَانِ، وَالإِسْلَامِ، وَالإِحْسَانِ، وَعِلْمِ السَّاعَةِ وَبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ
ثُمَّ قَالَ: «جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ» فَجَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ دِينًا، وَمَا بَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ عَبْدِ القَيْسِ مِنَ الإِيمَانِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85].
50 -
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: مَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَبِلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ» . قَالَ: مَا الإِسْلَامُ؟ قَالَ: " الإِسْلَامُ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ". قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» ، قَالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: " مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الأَمَةُ رَبَّهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رُعَاةُ الإِبِلِ البُهْمُ فِي البُنْيَانِ، فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ " ثُمَّ تَلَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآيَةَ، ثُمَّ أَدْبَرَ فَقَالَ:«رُدُّوهُ» فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا، فَقَالَ:«هَذَا جِبْرِيلُ جَاءَ يُعَلِّمُ النَّاسَ دِينَهُمْ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: جَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الإِيمَانِ.
(إسماعيل): هو ابن عُلية.
(بارزًا): ظاهرًا غير محتجب ولا ملتبس بغيره، لأبي داود (5) في
أول هذا الحديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو، فطلبنا إليه أن يجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه، فبنينا له دكانًا من طين كان يجلس عليه، فأتاه رجل -أي ملك- في صورة رجل، وأفاد مسلم في رواية سبب ورود ذلك: وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سلوني"، فهابوا أن يسألوه فجاء رجل". وعند أبي داود: "إذ أقبل رجل أحسن الناس وجهًا وأطيب الناس ريحًا كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط، فقال: السلام عليك يا محمد، فرد عليه السلام، قال: ادن يا محمد، قال: ادنه، ففيه زيادة السلام. وكذا للطبراني من حديث ابن عمر قال: "ما الإيمان؟ ". وفي رواية عند مسلم: الابتداء بالسؤال عن الإسلام. وعند أبي عوانة: الابتداء بالإسلام ثم بالإحسان ثم بالإيمان، وهو من تصرف الرواة.
(قال: الإيمان أن تؤمن): ليس حدًّا للشيء بنفيه، بل بيان أن الإيمان المعروف عندهم لغة أنه التصديق هو في الشرع تصديق مخصوص.
(وملائكته): قدمها على الكتب والرسل نظرًا للترتيب الواقع، لأنه تعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول.
(وكتبه) هذه للأصيلي وحده.
(وبلقائه)، قيل: هي مكررة مع البعث، وقيل: لا، والمراد بها الرؤية، قيل: البعث القيام من القبور واللقاء بعد ذلك، وقيل: اللقاء بالانتقال من دار الدنيا، والبعث بعد ذلك.
(ورسله)، للأصيلي:"وبرسله، وتؤمن بالبعث". عند أبي عوانة وغيره: "وبالموت والبعث، وبالبعث بعد الموت". وعند ابن خزيمة: "وبالحساب والميزان والجنة والنار"، وعند مسلم زيادة:"وتؤمن بالقدر كله". زاد ابن خزيمة: "خيره وشره"، زاد الطبراني:"حلوه ومره من الله".
(الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به): المراد بالعبادة هنا النطق بالشهادتين، ولفظ مسلم عن عمر:" أن تشهد أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة"- زاد مسلم: "المكتوبة".
وعدم ذكر الحج في هذه الرواية إغفال من الراوي، فقد ذكر في غيرها من الطرق وفي بعضها، ويذكر الصوم، وفي بعضها لم يذكر سوى الشهادتين، وأتمها عنه ابن خزيمة ذكر الشهادتين والصلاة والزكاة والصوم، وزاد:"ويحج ويعتمر ويغتسل من الجنابة وتتمم الوضوء".
(أن تعبد الله)، لمسلم: أن تخشى الله.
(كأنك تراه)، قال النووي: هذا من جوامع الكلم، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة ربه وهو يعاينه سبحانه وتعالى لم يترك شيئًا عما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت، واشتماله بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، فقال صلى الله عليه وسلم:"اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان".
فإن التتميم المذكور إنما كان تعلم العبد باطلاع الله عليه فلا يقدم على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع مقدرة العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام: الحث على الإخلاص ومراقبة العبد ربه.
(متى الساعة) مبتدأ وخبر، أي: متى قيامها، ولمسلم:"متى تقوم الساعة؟ "، ولأبي داود:"فنكس فلم يجبه، ثم أعاد فلم يجبه فطأطأ ثم رفع رأسه فقال: ما السئول عنها بأعلم من السائل؟ "
عدل إليه عن قوله: "منك" لعمومه تعريضًا للسامعين إلى أن كل مسئول وكل سائل فهو كذلك.
(فائدة): وقع هذا السؤال والجواب بين عيسى ابن مريم وجبريل، لكن كان عيسى سائلًا وجبريل مسئولًا، أخرج الحميدي في "أفراده" عن الشعبي قال:"سأل عيسى ابن مريم جبريل عن الساعة فانتفض بأجنحته، وقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، وسأل عن أشراطها"، لأبي داود:"ولكن لها علامات تعرف بها"، ولمسلم:"فأخبرني عن أماراتها"، وظاهره: أن السائل سأله عن الأمارات وظاهر ما قبله أنه ابتدأه بها ويجمع بأنه ابتدأ بقوله: وسأخبرك، فقال له السائل: فأخبرني، ويدل على ذلك رواية ابن خزيمة وأحمد:"ولكن إذا شئت نبأتك عن أشراطها، قال: أجل فحدثني".
و"الأشراط": بالفتح: جمع شرط: العلامات.
(إذا ولدت الأمَة ربّها): في التفسير: "ربتها"، زاد مسلم:"يعني السراري"، ولأحمد:"الإماء أربابهن"، والمراد بالرب: المالك أو السيد.
قال الخطابي (3): معناه: اتساع الإسلام واستيلاء أهله على بلاد الشرك وسبى ذراريهم واتخاذهم سراري، فإذا ملك الرجل الجارية واستولدها كان الولد منها بمنزلة ربها، لأنه ولد سيدها.
ونقل النووي ذلك عن الأكثرين (1)، ويقرب منه قول وكيع في "تفسيره": أن يلد العجم العرب ووجهه بأن الإماء يلدن الملوك فتصير الأم من جملة الرعية، والملك سيد رعيته، وذلك لأن الرؤساء في الصدر الأول كانوا يستنكفون غالبًا عن وطيء الإماء، ويتنافسون في الحرائر، ثم انعكس الأمر خصوصًا في أثناء دولة بني العباس، وقيل: معناه: كثرة العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أَمته في الإهانة بالسب والضرب والاستخدام، فأطلق عليه ربها مجازًا وحقيقة بمعنى المربي.
(تطاول): تفاخر في تطويل البنيان.
(رعاة الإبل) بضم الراء، جمع "راع".
(البهم) بضم الموحدة ورفع الميم: صفة رعاة، وجرها: صفة الإبل، فعلى الأول المراد: أنهم مجهولون الأنساب، وقيل: سود الألوان، وقيل: الذين لا شيء لهم، وعلى الثاني المراد: الإبل السود؛ لأنها شر الألوان عندهم، وخيرها: الحمر التي يضرب بها المثال، فيقال: خير من حمر النعم.
وللأصيلي: بفتح الباء، ولا يتجه مع ذكر الإبل، بل مع ذكر الشياه، أو مع الإضافة كما في رواية مسلم:"رعاة البهم".
(تنبيه): زاد في "التفسير" شرطًا ثالثًا: "وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس"، أي: ملوك الأرض، وصرح به في رواية أبي داود.
قال القرطبي: المقصود: الإخبار عن تبدل الحال بأن يستولى أهل البادية على الأمر ويتملكوا البلاد بالقهر، فتكثر أموالهم وتنصرف هممهم إلى تشييد البنيان والتفاخر به.