الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - باب فضل من شهد بدرًا
3982 -
عن أنس رضي الله عنه قال: «أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع. فقال: ويحك - أوَهَبِلتِ - أوَجنة واحدة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس» (1).
3983 -
عن علي رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير - وكلُّنا فارس - قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين. فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب فقالت: ما معنا كتاب، فأنخناها، فالتمسنا فلم نر كتابًا، فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك. فلما رأت الجدًّ أهوت إلى حجزتها - وهي محتجزة بكساء - فأخرجته. فانطلقا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمر: يا رسول الله، قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حمَلَك على ما صنعت؟ قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمنًا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم، صَدَق، ولا تقولوا له إلا خيرًا. فقال عمر: إنه قد خان الله والمؤمنين، فدعني فلأضرب
(1) هذا من فضل الله شهادته لحارثة، قبله الله وأعطاه الشهادة.
عنقه. فقال: أليس من أهل بدر؟ (1)
3986 -
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «جعل النبي صلى الله عليه وسلم على الرماة يوم أحد عبد الله بن جُبير، فأصابوا منا سبعين (2)، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة: سبعين أسيرًا، وسبعين قتيلًا. قال أبو سفيان: يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال» (3).
(1) أهل بدر لهم فضل كبير، وهم من خيرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فأفضل الناس أصحابه وأفضلهم الأربعة الخلفاء ثم بقية العشرة ثم أهل بدر.
* وعدهم الله المغفرة والرحمة ما ليس لغيرهم لشهودهم لبدر، وليس إذنًا لهم بالمعاصي.
* وهذه زلة من حاطب رضي الله عنه، ليس شكًا في دينه ولا رجوعًا عن دينه ولكن نزغة من الشيطان أراد بها الدفع عن نفسه وأهله عند أهل مكة، وفيه فضيلة أهل بدر، والمراد سوف يوفقهم للتوبة ويسددهم حتى لا يَقَع منهم شيء، وإن وقع أن الله يغفرها.
* قلت: وبمثل ما قال شيخنا هنا قال ابن القيم في الفوائد ص (14 - 17).
(2)
ولم يأسروا سبعين.
(3)
الله يبتلي هؤلاء بهؤلاء يوم أحد بيوم بدر، وهرقل قاله: هكذا الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة. ولو أن الرسل تنتصر دائمًا لما بقي على الشرك أحد بل دخلوا في الإسلام جميعًا.
3987 -
عن أبي موسى - أُراه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال: «وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد، وثواب الصدق الذي آتانا بعد يوم بدر» (1).
3988 -
عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصفِّ يوم بدر إذا التفتُّ فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السنِّ فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سرًا من صاحبه: يا عمِّ أرني أبا جهل. فقلت: يا ابن أخي وما تصنع به؟ قال: عاهدت الله إن رأيته أن أقتُله أو أموت دونه. فقال لي الآخر سرًا من صاحبه مثله. قال: فما سرَّني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء» (2).
3989 -
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينًا وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى إذا كانوا بالهدة بين عُسفان ومكة دُكروا لحيٍّ من هُذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه، فقالوا: تمر يثرب. فاتبعوا آثارهم فلما حسَّ بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا فأعطوا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا. فقال عاصم ابن ثابت: أيها القوم، أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر. ثم قال: اللهم أخبر عنا نبيَّك صلى الله عليه وسلم. فرموهم بالنبل فقتلوا عاصمًا، ونزل إليهم ثلاثة نفر على
(1) من ذلك قوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9].
(2)
معاذ ومعوذ.
العهد والميثاق، منهم خُبيبٌ وزيد بن الدَّثنة ورجل آخر. فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار فسيِّهم فربطوهم بها. قال الرجل الثالث: هذا أول الغدر، والله لا أصحبكم، إن لي بهؤلاء أسوة - يريد القتل - فجرَّروه وعالجوه، فأبى أن يصحبهم. فانطلق بخبيب وزيد ابن الدَّثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر، فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خُبيبًا - وكان خبيب هو قتلَ الحارث بن عامل يوم بدر - فلبث خبيب عندهم أسيرًا حتى أجمعوا قتله، فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحدُّ بها، فأعارته، فدرج بُني لها وهي غافلة حتى أتاه، فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده. قالت: ففزعت فزعة عرفها خُبيب. فقال: أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك. قال: والله ما رأيت أسيرًا قط خيرًا من خُبيب، والله لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد، وما بمكة من ثمرة (1). وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا.
فلما خرجوا به من الحرم لقتلوه في الحِلّ قال لهم خبيب: دعوني أصلِّي ركعتين، فتركوه فركع ركعتين فقال: والله لولا أن حسبوا أن ما بي جزع لزدت. ثم قال: اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددا، ولا تُبق منهم أحدا. ثم أنشأ يقول:
فلست أبالي حين أُقتل مسلما
…
على أيِّ جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يُبارك على أوصال شلوٍ ممزَّع
ثم قام إليه أبو سروَعة عقبة بن الحارث فقتله. وكان خبيب هو سنَّ لكل مسلم قُتل صبرًا الصلاة. وأخبر - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - أصحابه يوم أصيبوا خبرهم. وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حُدِّثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يُعرف - وكان قتل رجلًا عظيمًا من عظمائهم - فبعثَ
(1) وهذا من كرامات الله جل وعلا يكرم المؤمنين، والكرامة تكون لحاجة في الدنيا أو حجة في الدين.
الله لعاصم مثل الظُّلة من الدَّبر فحمته من رُسُلهم، فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا». وقال كعب بن مالك «ذكروا مرارة بن الرَّبيع العمريًّ وهلال ابن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا» .
3990 -
عن يحيى عن نافع «أن ابن عمر رضي الله عنهما ذُكر له أن سعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل - وكان بدريًا - مرض في يوم جمعة، فركب إليه بعد أن تعالى النهار واقتربت الجمعة، ترك الجمعة» (1).
3991 -
(1) انظر: طبقات ابن سعد (3/ 383 - 385) والحاكم (3/ 438) وأعلام النبلاء (1/ 139) وعبد الرازق (3/ 240).
(2)
الحامل أجلها وضع جملها {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ
…
} [الطلاق: 4] سواء كن مطلقات أو متوفى عنهن.