الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بنفس الاختيار الذي ذكرناه في سورة الأحزاب، أية التخيير أيضًا التي في سورة الأحزاب، حتى العلماء يسمونها آية التخيير:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (الأحزاب: 28)، يخيرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين هذا الأمر:{وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (الأحزاب: 29)، هذه الآيات يسمونها: آيات التخيير؛ لأن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخير أزواجه بين البقاء معه على ما هو عليه، أو بين أن يمتعهن، ويسرحهن يعني: يطلقهن، ويعطهن حقوقهن من متعة وغيرها، وهكذا فالأمر محسوم بالنسبة لأمنا عائشة بدأ بها، وقال لها:((لا تجيبي حتى تستأمري، أو حتى تستشيري أبويك. قالت: أفيك أستشير يا رسول الله!)) القضية محسومة هذه قدوة حين يكون حكم لله تبارك وتعالى أو حكم لرسوله صلى الله عليه وسلم فإن المؤمن أبدًا لا ترد على باله أو على عقله قضية الاختيار من أساسها، بل الأمر محسوم لصالح حكم الله تعالى، وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم.
الآيات التي نهت عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم
-
الآيات التي نهت عن مخالفته صلى الله عليه وسلم:
إذا جئت إلى سورة النساء، وكنا قد تكلمنا عن آيات المواريث ختمها الله تعالى بقوله:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (النساء: 13).
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ} (النساء: 14) هذا هو النهي عن المخالفة {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (الأحزاب: 36) ويتجاوز حدوده لا
يطبقها، وهي تشريعاته التي حدها الله لعباده يهدده الله تعالى بجهنم، {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (النساء: 14)، انظروا إلى عقاب المخالفين، حتى مهما يقول: إنني أمنت بالله وبرسوله، ثم يوزع الميراث مثلًا بهواه، مخالفا في ذلك حكم الله تعالى، وحكم نبيه صلى الله عليه وسلم.
وفي سورة النساء أيضًا: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115)، مشاققة الرسول ومخالفته كلها شر بلاء ووباء على من يقع فيها، والعياذ بالله. حتى هنا يعني: ذكر الرسول وحده صلى الله عليه وسلم {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء: 115).
وإذا ذهبت إلى سورة الأنفال، الله عز وجل يقول:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (الأنفال: 13) هو يتحدث عن الكفار {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر: 4)، تحذير بعقاب شديد، مهين مؤلم لمن وقف موقف المعاندة والمشاققة، والمخالفة لما جاء من عند الله تبارك وتعالى، وما جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
في سورة التوبة: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 63)، نار جهنم خالد فيها وله خزي، وليس خزيا عاديا، إنما هو خزي عظيم والعياذ بالله، كل ذلك من جزاء المخالفين المبتعدين عن هديه صلى الله عليه وسلم.
في سورة النور: {فَلْ يَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور: 63) فليحذر الذين يخالفون عن أمره، يعني: لا ينبغي أن
يصدروا في أي شأن من شئونهم إلا عن أمره صلى الله عليه وسلم، يعني: يردون مورده، ويشربون تشريعه، ولا يبتعدون عن ذلك قيد أنملة. {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} (النور: 63)، وفسر الفتنة بما شئت: ابتلاء، عذاب، هي كل ذلك من معانيها، خزي في الدنيا، وفي الآخرة، كل ذلك من معاني الفتنة، والعياذ بالله، وقد خصت بالكفر أيضًا. "تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم" كل ذلك من جزء ينتظر الذين يخالفون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصدرون عن أمره في كل شأن من شئون حياتهم.
إذا انتقلت إلى سورة محمد صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (محمد: 33){إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} (محمد: 32)، مشقاقتهم للرسول لن تضر الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا، وإنما الخسارة ستعود عليهم، وسيحبط أعمالهم.
وأيضًا في سورة الفتح {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} (الفتح: 17). وفي سورة المجادلة: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (المجادلة: 5)، كبتوا يعني: هزموا، باءوا بالخسران، وبالكبت، وبالضيق، أحاط بهم البلاء والوباء من كل جانب، وضربت عليهم الذلة، كما في الآية أيضًا في سورة المجادَلة أو المجادِلة:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ} (المجادلة: 20) هؤلاء من بين الأذلة الذين ألبسهم الله لباس الخزي والندامة، والمذلة والمهانة، والخسران في الدنيا وفي الآخرة.
هل بسرعة سريعة نتذكر الآن الجزاء للمخالفين من خلال الآيات التي ذكرت: كبت، ومذلة، وخزي، ونار خالدين فيها، وعذاب عظيم، وأكثر من ذلك: تصيبهم فتنة،