الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الأمة أننا نعمل بخبر الواحد ((نضر الله عبدا)) قد يكون واحدًا ((سمع مقالتي فحفظها ووعاها وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه))، وعلى كل نحن سنأتي بعد ذلك إلى مجموعة من الأدلة التي ذكرها العلماء في أن الصحابة رضي الله عنهم قد عملوا أو الأدلة على أن أخبار الآحاد يعمل بها في كل أمور الدين من عقائد وغيرها.
شبهة: أن خبر الآحاد لا يُعمل به في العقائد
من الشبهات التي يثيرونها أن خبر الآحاد لا يعمل به في العقائد؛ لأن العقائد كما يزعمون، وكما يقولون تتضمن الإيمان والكفر، وينبني عليها دخول الناس الجنة أو ذهابهم والعياذ بالله إلى النار، فلابد من أن تعتمد العقائد على أدلة قطعية، وليس على أخبار آحاد.
هذا أيضًا قول لا يعتمد على أدلة أيضا وأنا يعني أدخل هذه مع تلك يعني مع القضية الأولى لماذا؟ لأننا سنثبت من خلال عشرات الأدلة أن الصحابة وغيرهم من سلف الأمة الصالح قد عملوا بأخبار الآحاد في العقائد، وفي الأحكام وفي غير ذلك، وسننقل نصوصا عن العلماء هي في نفس الوقت تعتبر ردًا على قضية اتباع الظن وعلى قضية:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36) وعلى قضية أن بعض الصحابة رد حديث الآحاد فما دام عندنا عشرات الأدلة أنهم عملوا بها إذن هذه مواقف احتاجت إلى مزيد من التثبت.
النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى العقائد، وإلى الأحكام وإلى العبادات والأخلاق يعني دعاهم إلى الإسلام بكل جوانبه وبكل تفصيلاته.
كل الأمة تلقت عن النبي صلى الله عليه وسلم موقنين بصحتها عالمين يقينا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء بها أي: بالعقيدة كما جاء بالصلاة والزكاة جاء بأحاديث التوحيد، وهي عقيدة، وجاء بعذاب القبر أحاديث عذاب القبر ونعيمه، وجاء بأحاديث الشفاعة والحوض والميزان بعض هذه الأمور ثبت تواترها، وبعضها آحاد وكلها عقائد، المتتبع للصحابة رضوان الله عليهم، والأمة من بعدهم أهل السنة والجماعة تلقوا الأخبار كل الأخبار التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتسليم وبالقبول من غير تفريق بين متواتر وبين آحاد، ومن غير تفريق أيضا بين ما يتعلق بأمور المعتقد، وما يتعلق بالأحكام العملية يعملون بكل الأحاديث في كل المواضيع طالما ثبتت صحة الحديث عندهم.
وهذا الحديث أول الأحاديث في كتاب صحيح الإمام مسلم: لما ظهرت بدعة القدر في البصرة، وكان أول من قال بها: معبد الجهني والحديث يحيى بن يعمر، ومعه رفيق آخر قالوا: ذهبنا إلى حج أو عمرة يقول: لو وفق لنا أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسأله عن ذلك فوفق لهم عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه- أنا أذكر هذا الموقف من عبد الله بن عمر يستند للحديث وروايته آحاد، وهو يتكلم عن العقائد، فهذا موقف الصحابة يعني هذا الحديث هو من ضمن الأدلة على حجية خبر الآحاد.
ومن ضمن الأدلة على أن الصحابة يعملون بخبر الآحاد ردًا على من زعم أن موقف أبي بكر في ميراث الجدة، وموقف عمر رضي الله عنه يبين أن الصحابة قد توقفوا؛ فعبد الله بن عمر لما جاءه الرجلان يسألانه، فقال لهم:"فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر" ثم روى الحديث المشهور المعروف عند المحدثين بأنه حديث جبريل عليه السلام في أنه سأل
النبي: ((بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد)) إلى آخر الحديث وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان، وعن الإسلام وعن الإحسان، وعن الساعة وأماراتها إلى آخره.
إذن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر، اكتفى في هذه المسألة العقدية الكبيرة الخطيرة بالاحتجاج بالسنة مع أنه قد جاءت آيات في إثبات عقيدة القدر في القرآن الكريم كثيرة جدا مما يدل دلالة قاطعة على الأمرين معًا الذين أركز عليهما على أن الصحابة يعملون بخبر الآحاد، وأن الاستدلال بموقف أبي بكر وعمر إنما هو استدلال خاطئ، وأيضا يعملون بهما أو بخبر الآحاد في الأحاديث العقدية؛ لأن أيضا الأحاديث العقدية شبهة أخرى، فنحن نتكلم عن الشبهتين معا بعد أن وضحناهما وذكرنا بعض الأدلة على كل واحدة، لكن نشير إلى أن الصحابة عملوا بأخبار الآحاد في العقائد.
بل إنني أقول: الخبر الوارد في حديث الطاعون يعتبر عقيدة هل ندخل أو لا ندخل؟ نؤمن بالقدر أو لا نؤمن بالقدر؟ ماذا يفيد دخولنا؟ وماذا يفيد عدم دخولنا؟ هل هو اعتراض على القدر؟ هل هو كذا؟ ولذلك في بعض الروايات أن رجلا قال لعمر: أتفر من قدر الله، قال نفر من قدر الله إلى قدر الله يعني أين سنذهب نحن تحت قدرة الله وعظمته، ونعيش على أرضه وتحت سمائه، فأين نذهب؟ حتى لو لم ندخل فنحن لم نفر من القدر.
إذن هي مسألة عقدية الصحابة كلهم استندوا فيها إلى حديث عبد الرحمن بن عوف -رضي الله تعالى عنه.
الخلاصة في كل ذلك أن الصحابة والأمة كلها -كما سنذكر بعد قليل من
أقوالهم- أن العمل بخبر الآحاد في العقائد وفي غيره أمر مجمع عليه إنما كنا نتكلم عن الصحابة؛ لأن الذين أثاروا الشبه حاولوا أن يستندوا إلى موقف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في قصة الاستئذان وميراث الجدة على أن الصحابة لا يعملون بخبر الآحاد، وقلنا: إن هذا أمر مردود عليهم.
أما من ناحية أن سلف الأمة كلهم ساروا على العمل بخبر الآحاد في العقائد وغيرها، فأكثر من أن تحصى، يعني عبد الله بن أحمد في زوائده يروي الحديث بإسناده أن شريكة قال حدثني أبو معمر حدثني عباد بن عوام قال قدم علينا شريك فسألناه عن الحديث:((إن الله ينزل ليلة النصف من شعبان)) إلى آخره قال: إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن، وبأن الصلوات خمس، وبحج البيت، وبصوم رمضان فما نعرف الله تعالى إلا بهذه الأحاديث، انظروا إلى الكلام الذي يكتب بماء الذهب يعني كيف تفرق بين العقيد وبين غيرها، هؤلاء القوم الذين تقول إن الخبر الآحاد يعني خبرهم أو خبر الآحاد الوارد عنهم لا يعمل بهم في العقائد عملنا بأحاديثهم في الصلاة وفي حج البيت يعني: في الأحكام وبصوم رمضان، فكيف نفرق بين هذه وبين العقيدة؟.
أيضًا يعني البزدوي يقول نقلا عن بعض أهل الحديث في: أصوله في جزء 1 ص154: إن خبر الآحاد يفيد علم اليقين معللين بذلك، وقد وردت آحاد في أحكام الآخرة مثل: عذاب القبر، ورؤية الله تعالى بالأبصار، ولا حظ لذلك إلا العلم.
وأبو الحسن الأشعري -رحمه الله تعالى- في (الإبانة) يقول: وجملة قولنا: أنا نقر بالله وملائكته وكتبه ورسله، وبما جاءوا به من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا، وأن الله تعالى عز وجل إله واحد لا إله إلا هو فرد صمد لم يتخذ صاحبة، ولا ولدا إلى آخره، يقول أبو الحسن
الأشعري، وندين بأن الله تعالى يرى في الآخرة بالأبصار كما يرى القمر ليلة البدر، يراه المؤمنون كما جاءت الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول أبو مظفر السمعاني رحمه الله: وقد أثبت هو يعني: يثبت إفادة خبر الواحد بالعين بكلام نفيس قال -رحمه الله تعالى- شغلا أو اشتغالًا بالرد على من زعموا أن خبر الآحاد لا يعمل به يقول: ينقل رأيهم إن أخبار الآحاد لا تقبل فيما طريقه العلم، وهذا رأي شغب به المبتدعة في رد الأخبار، ويرد عليهم، ويقول: إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الثقات، والأئمة وأسنده خلفهم عن سلفهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقته الأمة بالقبول، فإنه يوجب العلم فيما سبيله العلم، هذا قول عامة أهل الحديث، والمتقنين من القائمين على السنة، وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، ولابد من نقله بالتواتر؛ لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأخبار، وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول واستطرد الرجل -رحمه الله تعالى- في كلامه هذا ذكر فيه مجموعة من الأدلة على أن خبر الآحاد يعمل به في العقائد، وفي الأحكام، وفي كل أمور الشرع، ولا تفرقة بين هذا وذاك، وجعل الرجل يذكر أدلة كثيرة على هذا.
مثلا النبي صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر ينادي في موكب الحج بمنى ألا لا يحجن بعد العام مشرك، ولا يطوفن بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة أليست هذه عقيدة، وهذا حديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير يعني من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - النبي صلى الله عليه وسلم ((بعث معاذا إلى اليمن)) أريد أن أبين أن عمل الصحابة جرى على قبول خبر الواحد في العقائد،
وفي الأحكام وفي التشريعات، وتضافرت عشرات الأدلة على إثبات هذه الحقيقة، وأنه لا ينازع في ذلك إلا كما قال أبو مظفر السمعاني: إلا بعض من يريد أن يضيع السنة، وأيضًا بعض الناس خدع بأقوالهم إما لأنه لم يطلع على الأدلة، أو أنه لم يفهم أو لم يشك في نية هؤلاء القوم في محاولة وضعهم للسنة.
إذن الخلاصة من هذا القول أن الشبه التي أثيرت حول {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (الإسراء: 36) أو العمل بالظن أو بعض المواقف من الصحابة رضي الله عنهم، أو محاولة التفريق بين العقائد وبين الأحكام في ثبوت الأدلة، وأن العقائد لا تثبت إلا بالأدلة المتواترة.
كل هذه الشبه التي أثاروها مردود عليها بعشرات الأدلة، وليس بدليل واحد وأيضًا بعمل الصحابة وبأقوال الأمة بسلوك الأمة -رضي الله تعالى عنهم- أجمعين يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في إفادة خبر الواحد عنده نقل ذلك عن الأئمة: مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة، وداود بن علي وأصحابه كأبي محمد بن حزم، ونص عليه الحسين بن علي الكرابيسي، والحارث بن أسد المحاسبي، وهذا كلامه في:(الصواعق المرسلة) أو (مقتضى الصواعق المرسلة) وابن خويز منداد في كتاب (أصول الفقه) يعني يقول ذكر خبر الواحد الذي لم يروه إلا واحد أو اثنان يقول: يقع من هذا الضرب أيضًا العلم الضروري نص على ذلك مالك.
وقال أحمد في حديث الرؤية: "نعلم أنها حق، ونقطع على العلم بها" وأيضا ابن القيم في كلام آخر: يقول الصحابة رضي الله عنهم تلقوا أحاديث الصفات بالقبول عن النبي صلى الله عليه وسلم وأخذوها على سبيل القطع واليقين من اعتقاد رؤية الرب، ومن تكليم الله تعالى، ومن ندائه يوم القيامة لعباده بالصبر إلى آخره، ومن نزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة، ومما ورد في ضحكه سبحانه وتعالى وفرحه إلى آخره، وإمساك
السماوات على أصبع من أصابع يده، وإثبات القدم له كل ذلك أحاديث الصفات، وهي عقيدة والرؤية إلى آخره كل ذلك اعتقد الصحابة رضي الله عنهم مقتضاها، وآمنوا بها، بل إن الأمة كلها تلقتها بالقبول لم ينازع في ذلك أحد لا نعلم بين السلف في ذلك نزاع، وحتى الذي جرى بين الخلف من تأويل للحديث هذا أمر يتعلق بفهم النص، وليس بالتوقف مع النص أو بالتردد فيه فهم حتى لا يشتبه الأمر يعني من يؤول أحاديث الصفات ويصرفها عن ظاهرها هو لم يرد الحديث؛ لأنه قد ثبتت عنده صحته، فهو عمل به غير أن هذا فهم يحاول به أن يدرك تنزيه الله تعالى مع أننا نقول: إن مذهب السلف في ذلك أسلم وأحكم وأعلم بإذن الله تبارك وتعالى.
إذن هذه النقول التي حاولنا أن نجتزئ على بعضها؛ لأن الإطالة فيها كثيرة جدا نقول: حجية خبر الآحاد ولزوم العمل به في أمور الدين كله أمر انعقد عليه إجماع سلف الأمة كما ذكرنا.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في (جامع بيان العلم): "ليس في الاعتقاد كله في صفات الله وأسمائه إلا ما جاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت عليه الأمة، وما جاء من أخبار الآحاد في ذلك كله أو نحوه يسلم له، ولا يناظر فيه" هذا كلامه في (جامع بيان العلم) في جزء 2 ص96.
وقال في كتابه (التمهيد) عن العلماء وموقفهم: "وكلهم يدين بخبر الواحد إن عد في الاعتقادات، ويعادي ويوالي عليها، ويجعلها شرع ً اودينًا في معتقده على ذلك جميع أهل السنة" هذا في التمهيد جزء1 ص8.
شيخ الإسلام ابن تيمية يعلق على كلام ابن عبد البر فقال: "قلت هذا الإجماع قلت -أي القائل ابن تيمية-: هذا الإجماع الذي ذكره في خبر الواحد العدل في
الاعتقادات يؤيد قول من يقول إنه يوجب العلم، وإلا فيما لا يفيد علما ولا عملا كيف يجعل شرعًا ودينًا يوالى عليه".
إذن الخبر المقطوع بصحته تلقته الأمة بالقبول هو خبر آحاد أو خبر متواتر حجة في العقائد، وفي الأحكام، وليس من قبيل الظن، وليس من قبيل أننا نقف ما ليس لنا به علم إلى آخر الشبه التي أثاروها.
مر بنا في الدرس الماضي أقوال العلماء في خبر الآحاد، ونزاعهم أو اجتهادهم ليس نزاعًا في الحقيقة حول إفادته للقطع أو للظن بما يغني عن ذكره، لكن نحن هنا معنيون بذكر الأدلة القاطعة من إجماع الأمة -كما قلت- على العمل بخبر الآحاد نثبت به جملة من المسائل، نثبت أن العمل بخبر الآحاد واجب، وهذه قضية قررناها، نثبت أن الصحابة يقبلون خبر الآحاد على عكس من شكك، وأن القصص التي ذكروها إنما كانت لمزيد من التثبت؛ لأن ظروفها التي أحاطت بها تدعو إلى ذلك، وأيضا فإن الخبر بعد مجيء شاهد لم يصبح خبرا متواترًا، وإنما هو خبر آحاد أيضا، وضممنا إلى ذلك بعض الأدلة في أن الصحابة عملوا بخبر الآحاد في العقائد، وفي غيرها، وذكرنا بعض أقوال الأمة أو علماء الأمة على أن الإجماع قد انعقد على حجية خبر الآحاد، وعلى وجوب العمل به في العقائد، وفي الأحكام، وفي غير ذلك هذا وبالله التوفيق.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.