الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس السادس
(حجية السنة (4) - دوافع الهجوم على السنة)
فهم الصحابة لمكانة السنة النبوية في التشريع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فبعون من الله تبارك وتعالى وتوفيقه نكمل الكلام عن بقية الأدلة على حجية السنة المطهرة:
ذكرنا الأدلة من القرآن الكريم، وذكرناها من السنة المطهرة، وقلنا: إن هناك دليل الإيمان، وخلاصته أن الإيمان لا يتم، وقد لا ينعقد إلا إذا اعتقد المسلمون حجية السنة، وحكموا الرسول في كل ما شجر بينهم، وهذه قضية أقسم الله تعالى عليها بذاته الشريفة {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (النساء: 65) من هذه الآية ومن غيرها من الآيات التي تعلق الإيمان على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم استنبط العلماء وأخذوا الدليل على حجية السنة، وأسموه دليل الإيمان.
مثلًا في سورة النساء -وهذه آيات تعرضنا لها حينما كنا نستعرض الأدلة من القرآن الكريم- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ} (النساء: 59) فيعلق القرآن الكريم الإيمان على اتباع السنة، وفي الآية الأخرى يبين أن الإيمان لا يتم، ولا ينعقد إلا إذا حكموا الرسول في كل ما شجر بينهم وهكذا.
إذن هناك دليل الإيمان الذي نقول مرة أخرى إن خلاصته أن الإيمان لا يتم، ولا ينعقد إلا إذا حكم المؤمنون رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الله تعالى في كل شأن من شئون حياتهم، والآيات في هذا واضحة جلية.
وأيضًا الأحاديث التي أشرنا إليها مثل ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى)) كل هذه الأدلة تبين أن الإيمان يحتم على أتباعه وعلى أبنائه، وعلى أصحابه أن يحكموا النبي -صلى الله عليه وسل م- في كل شأن من شئون حياتهم.
أيضًا هناك دليل العصمة الذي قلنا أيضًا أن خلاصته أن الأمة أجمعت على عصمته صلى الله عليه وسلم عما يخل بالتبليغ يعني عصمه الله عز وجل أن يقصر في شيء من أمور التبليغ، وهذه أيضًا مسألة ثبتت بالقرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: 67) والنبي -صلى الله عليه وسل م- في حجة الوداع أشهد الأمة على أنه قد بلغ في خطبته البليغة التي خطبها يوم عرفة: ((اللهم قد بلغت اللهم فاشهد اللهم فاشهد)) بعد أن علم الأمة أنهم مسئولون عنه -صلى الله عليه وسل م- فماذا أنتم قائلون؟ شهدوا أنه قد أدى وبلغ، فالنبي -صلى الله عليه وسل م- قام بالتبليغ.
فبما أنه معصوم من الإخلال بأمر من أمور التبليغ، وإلا لو كان هناك إخلال لما
بلغ، ولما شهدت له الأمة، وكان يكون هناك تقصير في الرسالة ذاتها، وهذا أمر خطير، فالنبي -صلى الله عليه وسل م- لم يخل بشيء من التبليغ، وما دام الأمر كذلك، فإنه قد بلغ أحاديثه بناء على تكليف الله تبارك وتعالى له بالتبليغ، فهل يقول هذه الأحاديث من عند نفسه أو هي من عند الله تبارك وتعالى؟
إذن هي من عند الله تبارك وتعالى إما ابتداء بمعنى أنه لا يقول إلا بعد أن يأتيه الوحي، وإما انتهاء بمعنى أنه يقولها باجتهاده ثم يأتيه الوحي إما مصححًا، وإما مقرًّا، يصحح الوحي إن كان الأمر يحتاج إلى تصحيح، ويقره إن كان الأمر لا يحتاج إلى تصحيح.
وأيضًا قلنا تمسك الصحابة -رضوان الله عليهم- بالسنة حتى في الأمور التي تحدث بعيدًا عنهم، وكنا قد توقفنا عند هذه النقطة، وذكرنا بعض مواقف الصحابة التي، يعرضون الأمر على النبي -صلى الله عليه وسل م- لأنهم يعلمون أنه يشرع كما يشرع الله تعالى، ذكرنا قصة أم سليم في غسل الجنابة، وذكرنا قصة علي رضي الله عنه في المذي.
أيضًا قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنه في طلاق الحائق لما طلق امرأته، وهي حائض وأبوه عمر -رضي الله تعالى عنه- رفع الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسل م- فقال له ((مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تتطهر
…
)) يعني الحديث طويل، لكن محل الشاهد أن عمر -رضي الله تعالى عنه- رد الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسل م- ليعلم منه الحكم الشرعي الصحيح.
أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة)) هذا أمر منه -صلى الله عليه وسل م- والمؤمنون صاروا وانقسموا إلى فريقين في فهم الحديث، هناك من صلى في الطريق مخافة أن يخرج الوقت عن وقته المحدد أو أن تخرج الصلاة عن وقتها المحدد شرعًا، فصلوا في الطريق؛ لأنهم فهموا أن النبي -صلى الله عليه وسل م- لا يريد إخراج الوقت عن وقته المحدد، وإنما يريد منهم الإسراع للذهاب إلى ديار بني قريظة، وفريق أجرى
الحديث على ظاهره، ولم يصل إلا في بني قريظة، فرفعوا الأمر إلى النبي -صلى الله عليه وسل م- فأقر كلًّا من الفريقين على فهمه.
وأيضًا الرجل الذي ولاه النبي -صلى الله عليه وسل م- قيادة بعث من بعوثه -صلى الله عليه وسل م- فكان يصلي به ويختم قراءته بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (الإخلاص: 1) ولما رجعوا أخبروا النبي -صلى الله عليه وسل م- هذا أمر جديد، يقرأ في الصلاة الفاتحة ثم يقرأ ما شاء الله له أن يقرأ من القرآن، ثم يختم قراءته بـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال:((سلوه لأي شيء يفعل ذلك؟)) فقال الرجل: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال له النبي -صلى الله عليه وسل م-:((بلغوه أن الله يحبه)).
هذه كلها مواقف وغيرها عشرات وعشرات، كلما حدث للصحابة أمر من أمور دينهم أو من أمور دنياهم أسرعوا إلى النبي -صلى الله عليه وسل م- ليسألوه لأنهم يعلمون أن قوله وفعله حجة، وأن ما يأمرهم به عليهم أن يسمعوا له وأن يطيعوا في الصلاة ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) في الحج ((خذوا عني مناسككم)) في البيع، في الشراء، في النكاح، في معاملة الأهل في البيت في تربية الأولاد، كل ذلك يتعلمونه من النبي -صلى الله عليه وسل م-.
إذن الصحابة يعلمون أن السنة حجة، وأنهم لا بد أن يرجعوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسل م- في كل أمر من أمورهم.
أيضًا من الأدلة التي قالها العلماء على حجية السنة أنه يستحيل لا نقول يتعذر فقط، بل يستحيل إقامة الشرع من خلال القرآن الكريم وحده، والموضوعات التي تكلمنا فيها قبل ذلك من بيان علاقة القرآن الكريم بالسنة المطهرة تؤكد ما كررناه مرارًا من أن فهم القرآن يتوقف على السنة، وأنه لولا السنة لما فهمنا القرآن الكريم.