الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في هذا الأمر: الأول إن هذا فعل للنبي صلى الله عليه وسلم وهم يقتدون به، لكن بمجرد أن نقل الخبر، وهم لم يروا ناقل الخبر، ولم يأتهم أكثر من واحد، ولم يأتهم خبر العامة كما قال الشافعي، ومع ذلك التزموا ولو لم يكن خبر الواحد حجة عندهم تقوم به الحجة عليهم في أمور عظيمة خطيرة: تحويل القبلة، وغيرها في العقائد، لكان رسول الله قد حاججهم على ذلك، ولكن ذلك لم يحدث، فدل على أن الجميع متفق على وجوب العمل بخبر الواحد.
هذه قضية مهمة، ولا ينبغي لكم أن تسمحوا أبدًا ـ نحن لا نقاتل بالسيوف نقاتل بالعلم بالأدلة ـ حين أقول: لا تسمحوا لا أقصد أننا سنحارب إننا نبين بالأدلة أن خبر الواحد حجة هذه قضية ثابتة بالقرآن والسنة نحن لم نتعرض لأدلة القرآن بعد لكن الإمام الشافعي يسوق أخبارًا، وهي موجودة في الصحيحين وأمامي الآن، وأنا أقرأ عشرات النقول من علماء الأمة، وقد أشرنا إلى بعضها سواء في قضية ثبوت خبر الواحد أو درجة العلم لم ينازع أحد في وجوب العمل بخبر الواحد أبدًا، ولا بالشبهات، ولا بالترهات التي أثارها البعض.
قصة تحريم شرب الخمر دليل على حجية خبر الواحد
أيضا يسوق الإمام الشافعي دليلا آخر من فعل الصحابة -رضي الله تعالى عنهم- ففي قصة: شرب الخمر لما حرمها الله تعالى الإمام الشافعي يقول: أخبرنا مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: ((كنت أسقي أبا طلحة، وأبا عبيدة بن الجرح، وابن الجراح، وأبي بن كعب شرابًا من فضيخ وتمر، فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا، فضربتها بأسفله حتى تكسرت)).
هذا الحديث أيضا مروي في الصحيحين في تحريم الخمر، وفي الحدود في حد شارب الخمر إلى آخره يذكرون الأدلة عند البخاري، وعند مسلم ـ رحمهما الله تعالى.
القصة واضحة أنس بن مالك هو: ابن أم سليم، وأم سليم كانت زوجًا لأبي طلحة -رضي الله تعالى عنه- الأنصاري، يعني نتصور المشهد كأنه جلسة عائلية، أبو طلحة جالس مع بعض أصحابه: أبو عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب -رضي الله عن الجميع- يشربون شرابا من فضيخ الفضيخ: يعني هو: البسر نوع من التمر يعني مشدوخ: مفرغ من النوى وصنع خمرا، ومن تمر أيضا، فجاءهم آت في بعض الروايات:((نادى في المدينة مناد إن الله قد حرم الخمر)) أبو طلحة ورفاقه يشربون كان من الممكن أن يقولوا: قم يا أنس انظر ما الخبر، ومن الذي يقول: إن الخمر قد حرمت، لاحظ أنهم يشربونها؛ لأنها لم تحرم إذن هي لهذه اللحظة حلال، وما كان للصحابة رضوان الله عليهم أن يفعلوا أمرًا قد حرمه الله، إذن هم يشربونها؛ لأنها لم تكن حرمت، وفي جلسة فيها صداقة كان من الممكن أن يقولوا: انظر يا أنس ما الخبر؟ من الذي يقول؟ هل هو ثقة؟ هذا كلام لم يحدث بالمرة، إنما قم يا أنس إلى هذه الجرار أي: جمع جرة الأواني المصنوعة من فخار أو غيره التي يصنعون فيها الخمر، قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا يعني: حجر كأنه إناء منقور من وسطه يتوضأ منه، ويدق فيه يقولون في وصفه: هو حجر منقور: مفرغ من وسطه كأنه مثل: الهون الذين يطحنون فيه مثلا الكحل، أو أي مادة يريدون أن يطحنوها هو الآن مصنوع من النحاس أو ما شاكل ذلك، لكن في القديم كان مصنوعًا من الحجارة مفرغ من داخله يدقون فيه ما يريدون أن يدقوه، وقد يضعون فيه ماء؛ ليتوضئوا منه، هذا هو المهراس قام أنس، فأخذ المهراس وضرب الجرار بالمهراس حتى تكسرت.
يعلق الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- على هذه الرواية فيقول: "وهؤلاء أي: أبو طلحة وأبو عبيدة بن الجراح، وأبي بن كعب رضي الله عنهم جميعا، وهؤلاء في العلم والمكان من النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عار".
أيضًا أريد أن أضع أرقامًا لمزيد من التوضيح، هذه واحدة، هؤلاء صحابة كرام لهم منزلة سامية عالية في العلم، وفي القرب من النبي صلى الله عليه وسلم ويكفي أن فيه مثلا أبا عبيدة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وأبو طلحة، وأبي بن كعب الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن عليهم إلى آخره، ويقول الشافعي أيضًا، وقد كان الشراب عندهم حلالا يشربونه، فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر، فأمر أبو طلحة وهو مالك الجرار بكسر الجرار، ولم يقل لا هو ولا هم ولا واحد منهم: نحن على تحليلها أي: على حلها الخمر حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قربه منا.
يعني لم ينقل عن واحد منهم، ولا عنهم مجتمعين أنهم قالوا: سنظل نشربها حتى نلقى الرسول صلى الله عليه وسلم ونسمعه منه، ولقاؤه ليس بعيدا نحن نسكن في نفس البلد التي هو فيها، وليس هذا فحسب، بل بيننا وبينه خطوات المدينة لم تكن كبيرة في ذاك الزمان، أو يأتينا خبر عامة يعني أو أن ينقل الأمر بخبر متواتر يعني لم يقولوا: سنظل نشرب حتى نلقى الرسول صلى الله عليه وسلم ونسمع منه، ولم يقولوا: لم نمتنع؛ لأن الخبر لم يأتنا كخبر عامة أي: خبر متواتر وإنما خبر حال، وإنما مباشرة، كسروا الجرار وامتنعوا عن الشرب.
يقول الشافعي رحمه الله: "وذلك لأنهم لا يهرقون حلالا إهراقه سرف، وليسوا من أهله" يعني: لو أن الخمر حلال وأراقوها بدون التثبت لكانوا قد أراقوا مالًا حلالا، وإراقة الحلال سرف لا يقع فيه مثل هؤلاء الأجلاء من الصحابة.
أيضًا هم لم يقولوا: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم أو أننا لن ندع حتى يخبرنا ونسمع منه أيضا لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم، لماذا فعلتم ذلك؟ ولم ينقل إليكم خبر مني ـ كما قلنا في القصة السابقة في تحويل القبلة ـ إنما يعلمون أن الحجة تقوم عليهم بهذا
الخبر الذي ليس بخبر عامة على حد تعبير الشافعي -رحمه الله تعالى- والذي يدل على تحريم الخمر، ولم حتى يستفصلوا أو يفسروا أو يتلكئوا أو يتأخروا، لن نقول حتى يلقوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى يتأكدوا من المخبر؟ وماذا يقول؟ ما دام سمعوا وعلموا أن الخبر أسند للنبي صلى الله عليه وسلم وتأكد إليهم صدقه بدون تردد أراقوا الخمر.
لقد كان هذا شأن الصحابة -رضوان الله عليهم- في كل شأن من شئون حياتهم كما نرى مر بنا في تحويل القبلة، مر بنا في قصة الخمر في مواقف كثيرة بمجرد أن يبلغهم الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: سمعنا وأطعنا، مر بهم في قضية الطاعون، والعياذ بالله ـ وقانا الله جميعا ووقى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ـ بمجرد أن أخبرهم المخبر، وهو عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يدخل أحد ولا يخرج أحد امتثلوا، وعشرات الأدلة تدل على ذلك، وكل هذا بخبر واحد وليس بخبر عامة.
أيضًا يستدل الشافعي -رحمه الله تعالى- بالحديث الذي هو معروف عند المحدثين بأنه حديث: العسيف، أو كان ابني عسيفا عند هذا فزنى بامرأته، فهذا في الصحيحين في كتاب: الحدود باب حد الزنا عند البخاري، وعند مسلم ـ رحمهما الله تعالى ـ من رواية أبي هريرة وأبي زيد الجهني، يقول الصحابي: ((إن ابني كان عسيفا عند هذا، فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني مائة شاة ووليدة، فافتديت ابني بمائة شاة ووليدة. حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم
…
)) يعني: سأل بعض الناس ماذا أفعل؟ وقد زنى ابنه بامرأة الصحابي الذي كان يعمل عنده أو بامرأة الرجل الذي كان يعمل عنده؟ أخبره من أخبره أن من الممكن أن يفتدي نفسه بجريمة الزنا بأن يتصدق بمائة شاة وبوليدة، يعني: فتاة جارية أمة حديثة السن صغيرة، رفع الأمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم طبعا أبطل هذا الحكم؛ لأن الولد عليه
جلد مائة؛ لأنه لم يكن محصنًا، لم يكن قد تزوج، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأنيس الأسلمي صحابي جليل:((واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها فاعترفت فرجمها))، غدا أنيس إلى المرأة بمفرده ينفذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم سيسألها سؤالا هل ما قاله الشاب أو أبوه في شأن زناكي معه ثابت؟ اعترفت المرأة فرجمها لم تقل ولم يقل أحد لا لن نقيم الحد حتى يأتينا الخبر المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخره كما نرى.
عشرات الأدلة ساقها الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- ونحيل على هذا الموطن في من كتابه: (الحجة في تثبيت الخبر الواحد) وفي الحقيقة أن الشافعي -رحمه الله تعالى- كان عمدة لكل من تكلموا في هذا الأمر.
الأحاديث كثيرة جدا ذكرها الإمام الشافعي وغيره في: العقائد، في الأحكام، في عمل الصحابة في الصحيحين حديث معاذ بن جبل في كتاب: الإيمان عند البخاري ومسلم ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن إنك تأتي قومًا أهل كتاب ماذا تطلب منهم: أن يشهدوا ألا إله إلا الله، وأني رسول الله))، هذه عقيدة ذهب بها رجل واحد، ثم ((فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة))، هذا حكم من الأحكام في العبادات ((فإن هم أطاعوا لذلك، فأخبرهم أن الله تعالى قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)).
عندي الحديث تضمن عقيدة، وتضمن أحكاما شرعية، ثم بقية الحديث بسرعة ((قال وإياك وكرائم أموالهم)) يعني: إذا أخذت الصدقة فلا تأخذها من كرائم الأموال يعني: من أعزها وأنفسها خذها من الوسط إلا إن طابت نفوسهم بأن يعطوك من أكرم الأموال وأنفسها لكن المطلوب شرعًا هو الوسط من الأموال
الذي ليس رديئًا والذي ليس في أعلى درجات الجودة؛ لينتفع به أصحابه إلا أن تطيب نفوسهم كما قلنا: هذا حكم شرعي على كل حال لكن محل الشاهد أن الذي ذهب بالأمر في العقيدة والعبادات ((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) الذي ذهب بها واحد، وهو معاذ بن جبل -رضي الله تعالى عنه.
أيضًا الرسل الذين أرسلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الأرض ورؤسائها يدعوهم إلى الإيمان، قد بعث إلى كسرى عظيم الفرس، وبعث إلى هرقل عظيم الروم، وبعث إلى المقوقس عظيم مصر، وبعث إلى النجاشي عظيم الحبشة إلى آخره بعث إليهم يدعوهم إلى الإسلام لو كانت الحجة لا تقوم بخبر الواحد هل كان النبي صلى الله عليه وسلم سيرسل واحدًا فقط؛ ليبلغ دين الله، وهم لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوا منه وتقوم الحجة عليهم بذلك، وإن هم رفضوا أصبحوا كفارًا ودخلوا النار هرقل وكسرى ومن حولهم هل ستقوم عليهم الحجة بخبر الواحد؟ كما يزعم الزاعمون والنبي صلى الله عليه وسلم يرسل إليهم واحدًا بالعقيدة إن هم خالفوه وأصروا على طغيانهم سيكونون من أهل النار والعياذ بالله، ما هذا؟ كيف يفهمون الأدلة؟
واضح جدًا بعث رسلا كل واحد بمفرده إلى ملوك الأرض ورؤسائهم يدعوهم إلى الإسلام، وهذا معروف عند علماء الأمة بأنه عام الرسائل في عام سبعة هجرية بعد صلح الحديبية، وبعد أن أمن الناس النبي صلى الله عليه وسلم انطلق بالدعوة إلى الآفاق العالمية أو ابتدأ في ذلك إلى آخره.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث رسلا كل واحد بمفرده إلى ملك يدعوه إلى الإسلام، وأرجو أن ننتبه يدعو الملك والأمة واحد فقط، وهذه الدعوة ستقوم بها الحجة عليهم هذا الأهم، بمعنى أنهم ما دام قد علموا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم إن هم أطاعوا أصبحوا من المؤمنين، وإن أصروا على موقفهم هم لا يزالون كفارًا وسيحاسبون قبل بلوغ الدعوة لم يكونوا من أهل التكليف، أما بعد بلوغ الدعوة فقد أصبحوا من أهل التكليف.
أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم يبعث أبا بكر، وهو واحد، ويؤمره عليهم في عام الحج في سنة تسعة، والحديث في الصحيحين في الحج من أول أن فرض الله تعالى الحج أرسل أبا بكر وعلمهم الحج وحج بهم إلى آخره.
هؤلاء قوم الصحابة كانوا مع أبي بكر، وأناس من الأعراب كانوا مع أبي بكر، وهو يحج بهم ويؤدي معهم، وتقوم الحجة عليهم بولاية أبي بكر رضي الله عنه عليهم وبفعله أمامهم وهو رجل واحد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم.
أيضًا من الأدلة التي ذكرها الإمام الشافعي أنه بعث أمراء سرايا، وهذا موجود عند البخاري ومسلم أيضًا في كتاب: المغازي غزوة مؤتة بعث مولاه زيد بن حارثة، وولاه القيادة في أول الأمر، فإن أصيب فجعفر، فإن أصيب فابن رواحة، فهل كان الصحابة ينفذون الأمر؟ وهو لا تقوم عليهم بهم حجة؛ لأنه خبر واحد، ونفذوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم إن أصيب زيد فجعفر، فإن أصيب فابن رواحة، والثلاثة أصيبوا، وولى المسلمون أمرهم بعد ذلك، أو أسندوا أمرهم إلى خالد بن الوليد -رضي الله تعالى- عنه إلى سيف الله الذي سله الله تعالى على الكفار.
لقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في دهر واحد كما يقول الشافعي رحمه الله أي: في وقت واحد اثني عشر رسولا إلى اثني عشر ملكا يدعوهم إلى الإسلام، ولم يبعثهم إلا لمن قد بلغتهم الدعوة، وقامت عليهم الحجة بهذا البعث أو بهذا الرسول الذي جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: عشرات الأدلة، وسار المسلمون على ذلك بعد هذا استخلفوا أبو بكر، واستخلف أبو بكر عمر، ثم استخلف عمر أهل الشورى؛ ليختاروا واحدًا من بينهم.
والولاة والقضاة يقضون بالأمر بالشرع تنفذ أحكامهم، والناس يسمعون لهم ويطيعون يسمعون لولي الأمر وهو واحد أبو بكر وعمر وإلى يوم القيامة،
ويسمعون للقضاة والحكام وهم واحد حين تنفذ الأحكام، وتقام الحدود ويؤمر الناس بأوامر الشرع وبنواهيه، ويستجيبون لكل ذلك ويقولون: سمعنا وأطعنا بدون تردد، وكل ذلك بأخبار الآحاد.
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عقد كتابًا في صحيحه أنا تركت أدلة كثيرة من التي ذكرها الإمام الشافعي، وأنا قلت: أن الحديث سيحتاج إلى أكثر من ذلك لكن سنكتفي بهذا، والإخوة الذين يتلقون الآن من الممكن أن يرجعوا إلى هذه المصادر؛ ليستكملوا عدتهم للموضوع، ويحيطوه من كل جانب، وما ذكرناه إن شاء الله فيه كفاية بإذن الله رب العالمين، ويفتح الباب لمن أراد أن يبذل مزيدًا من الجهد للتوسع في الأمر.
لاحظنا في أدلة الإمام الشافعي اشتمالها على حجية خبر الآحاد في العقائد، وفي الأحكام، وفي كل أمور الإسلام، وفي السرايا، وفي غير السرايا، وأن الصحابة كلهم انعقد إجماعهم على ذلك واستجابوا وامتثلوا، وأن الأمة كلها كذلك عند البخاري -رحمه الله تعالى- في الباب رقم 95 في جزء 13 من كتاب:(فتح الباري) سماه: كتاب: أخبار الآحاد باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في: الأذان، وفي الصلاة، وفي الصوم، في الفرائض والأحكام، وقول الله تبارك وتعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122).
الأول: ننظر (الكتاب) اسم الكتاب عند البخاري: كتاب أخبار الآحاد، أول باب فيه باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق أي: الثقة يعني الصدوق في هذا السياق الذي نصدقه ونطمئن إلى سلامة خبره في: الأذان والصلاة والصوم والفرائض والعقائد والأحكام، ويستدل البخاري -رحمه الله تعالى- ويقول:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122) هنا يقول هذه طائفة ستتعلم، وتنذر قومها "الطائفة" في لغة العرب تعني الواحد، وتعني الجماعة يعني تنطبق على الواحد، وتنطبق على الجماعة بعكس ما قد يتبادر إلى الأذهان من
أنها تنطبق على الجماعة فقط، ويستدلون على انطباقها على الواحد بقول الله تبارك وتعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (الحجرات: 9) بإجماع الأمة ـ وأرجو أن ننتبه إلى ذلك ـ هذا الحكم ينطبق على المتقاتلين حتى لو كانوا واحدًا أمام واحد علينا أن نسعى للصلح بينهما {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} (الحجرات: 9) إذن من الممكن أن يكون المتقاتلان رجلين واحد في كل ناحية، ومن الممكن أن يكون أكثر من واحد، لكن لم يبلغوا الجماعة، فالحكم ينطبق عليه مما يدل على أن الطائفة تطلق على الواحد وعلى الاثنين وعلى الجماعة، فحين يقول الله تعالى:{فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (التوبة: 122) علينا أن نسمع لهم ونطيع يرجعون إلى قومهم بعد أن يتعلموا، وبعد أن تفقهوا في الدين؛ لينذروا قومهم وليعلموهم أمور دينهم، وعلينا أن نسمع لهم وأن نطيع وهم واحد أو أكثر في إطار خبر الآحاد.
أيضًا الله تبارك وتعالى يقول في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحجرات: 6) يطلب منا التوقف والتثبت في قبول خبر الفسخ، فسبب التوقف في قبول خبره أنه فاسق، وليس لأنه واحد، والمفهوم من نص الآية أنه لو كان عدلا لقبلنا خبره يعني: لم يقل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم واحد بنبأ فتبينوا" إنما قال: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ} ، فعلة التوقف في خبره هي: فسقه، أما أنه واحد عدل هذا مفهوم الآية، فيقبل خبره.
هذه أدلة من القرآن الكريم بعض الأدلة على أن القرآن والسنة، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم وعمل الصحابة، وإجماع الأمة كلها تدل على حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به بصرف النظر عما ناقشناه من قضية هل يفيد الظن أو يفيد القطع؟ هذه قضية تتعلق بالثبوت ولا تتعلق بوجوب العمل.
عشرات الأدلة، أصدق ذو اليدين؟ النبي صلى الله عليه وسلم خلاص ما دام صدق نصلي ونتم صلاتنا إلى آخره، إذن هذه بعض شبههم التي أثاروها، وهذه بعض الأدلة التي رددنا بها عليهم بعد أن بينا شبههم، أو بعض شبههم التي أثاروها، وعلى ذلك تستطيع أن تقيس بقية الشبه، وهي بصدق الإيمان ليست ضعيفة متهافتة، والباعث عليها هو نوع إما من عدم الفهم، أو سوء القصد تجاه السنة، وتجاه الإسلام، ونسأل الله عز وجل أن يبرأنا، ونخلص من كل ذلك إلى أننا ندين الله تعالى بأن خبر الآحاد الصحيح والحسن حجة علينا في عقائدنا، وفي أعمالنا، وفي عباداتنا، وفي أحكامنا، وتشريعاتنا، وأنه متى ثبت الخبر وجب العمل به، ولا يسعنا إلا أن نعمل به إلا أن يكون هناك مانع شرعي يمنع من العمل به كالنسخ وما إلى ذلك.
هذا وبالله التوفيق وصلى الله وسلم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.