المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهات التي أثيرت حول الرواية بالمعنى - الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (ماجستير)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 السنة عند أهل الاختصاص

- ‌معنى " السنة " و"الحديث " في اللغة والاصطلاح

- ‌تعريف الإقرار لغة واصطلاحًا

- ‌الدرس: 2 علاقة السنة بالقرآن الكريم

- ‌دور السنة مع القرآن الكريم

- ‌تخصيص العام

- ‌تقييد المطلق

- ‌توضيح المبهم

- ‌الدرس: 3 السنة هي المصدر الثاني للتشريع - حجية السنة (1)

- ‌معنى كون السنة هي المصدر الثاني للتشريع

- ‌الأدلة من القرآن على حجية السنة

- ‌الدرس: 4 حجية السنة (2)

- ‌استكمال الأدلة من القرآن على حجية السنة

- ‌الآيات التي نهت عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الأدلة من السنة على وجوب اتباع السنة

- ‌الدرس: 5 حجية السنة (3)

- ‌استكمال الأدلة من السنة على وجوب اتباع السنة

- ‌السنة وحي من عند الله

- ‌الدرس: 6 حجية السنة (4) - دوافع الهجوم على السنة

- ‌فهم الصحابة لمكانة السنة النبوية في التشريع

- ‌إجماع الأمة على حجية السنة

- ‌دوافع الهجوم على السنة وإثارة الشبه حولها

- ‌الدرس: 7 شبهة حول تدوين السنة (1)

- ‌ميدان المعركة مع السنة، ومواطن الهجوم عليها

- ‌معنى كلمة "شبهة" ومدلولاتها

- ‌شبهة حول تدوين السنة

- ‌الدرس: 8 شبهة حول تدوين السنة (2)

- ‌الأحاديث الدالة على الإذن بتدوين الحديث والحث عليه

- ‌الصحابة الكاتبون، وصحف تم تدوينها في عهد الرسول

- ‌الدرس: 9 شبهة حول تدوين السنة (3) - الحديث المتواتر

- ‌استكمال الأدلة على تدوين السنة في عصر النبوة

- ‌مراحل كتابة الحديث

- ‌الحديث المتواتر

- ‌الدرس: 10 تابع: الحديث المتواتر - حديث الآحاد (1)

- ‌شروط الحديث المتواتر، وأقسامه، ومؤلفات العلماء فيه

- ‌حديث الآحاد: أقسامه، وشروطه

- ‌الدرس: 11 حديث الآحاد (2)

- ‌الدرجة التي يفيدها خبر الآحاد من العلم

- ‌مسألة وجوب العمل بخبر الآحاد

- ‌الدرس: 12 حديث الآحاد (3)

- ‌شبهة: أن العمل بخبر الآحاد إنما هو عمل بالظن

- ‌شبهة: أن العمل بخبر الآحاد يقتضي العمل بما ليس لنا به علم

- ‌شبهة: أن خبر الآحاد لا يُعمل به في العقائد

- ‌الدرس: 13 حديث الآحاد (4)

- ‌الدليل علي حجية خبر الآحاد من العقائد والعبادات

- ‌الدليل علي حجية خبر الواحد من عمل الصحابة

- ‌قصة تحريم شرب الخمر دليل على حجية خبر الواحد

- ‌الدرس: 14 الرواية باللفظ

- ‌التعريف بالرواية، وأركانها

- ‌أهمية الرواية، وأقسامها

- ‌مميزات وخصائص الرواية

- ‌الأصل في الرواية هو الرواية باللفظ

- ‌الدرس: 15 الرواية بالمعنى

- ‌تعريف الرواية بالمعنى، وبيان شروط ها وما يُستثني من جوازها

- ‌الشبهات التي أثيرت حول الرواية بالمعنى

- ‌الدرس: 16 الرد على دعوى اهتمام المحدثين بنقد السند دون المتن

- ‌تعريف النقد لغةً واصطلاحًا

- ‌الضرورات التي تحتم على أهل العلم توجيه العناية إلى نقلة الأخبار

- ‌هل اهتمام العلماء بالسند كان على حساب عنايتهم بالمتن

- ‌نقد المتن، والقواعد الضابطة لنقده

- ‌الدرس: 17 تابع: الرد على دعوى اهتمام المحدثين بنقد السند دون المتن

- ‌القواعد الدالة على عناية المحدثين بالمتن

- ‌من القواعد التي وضعوها لدراسة المتن: قانون الاعتبار

- ‌الضوابط التي وضعها ابن القيم لمعرفة كون الحديث موضوعًا

- ‌الدرس: 18 الاستشراق ومنهجه وموقفه من السنة المطهرة

- ‌تعريف الاستشراق ومنطلقه، وأغراضه الأساسية في الدراسة

- ‌منهج المستشرقين وقواعدهم الجائرة في دراسة الإسلام

- ‌الدرس: 19 رد شبهات المستشرقين ودفع افتراءاتهم تجاه السنة

- ‌رد شبهة: أن الأحاديث وُضعت نتيجة لتطور المسلمين

- ‌رد شبهة: أن الاختلاف بين المذاهب كان من أسباب الوضع

- ‌اتهام الإمام ابن شهاب الزهري بوضع الأحاديث التي تخدم مصالح أمراء وحكام بني أمية

- ‌الدرس: 20 حديث الذباب والرد على الشبهات التي أثاروها حوله

- ‌رد الشبه المثارة حول حديث الذباب

- ‌المعجزة النبوية في حديث الذباب، ودفع شبهة تعارضه مع الطب

- ‌الدرس: 21 الرد على كتاب (الأضواء القرآنية) للشيخ سيد صالح

- ‌التعريف بكتاب (الأضواء القرآنية)، وبيان شُبهه ومصادره

- ‌بتر استخدام النصوص فيما يوافق أغراضهم

الفصل: ‌الشبهات التي أثيرت حول الرواية بالمعنى

النبي صلى الله عليه وسلم استعمل هذه اللغة؛ فهي جائزة وأنها من الفوائد الدعوية أنه يجوز لنا أن نخاطب بعض الناس الذي يجهلون العربية، أو الذين يدخلونها، أو حتى من أرباب العربية لكنهم ليسوا على اللغة الأم لغة قريش، لأوضح لهم المعنى، فالخطاب بهذه اللغة مقصود، فلا يجوز تغييره حتى لو أتينا بالمعنى كاملًا.

إذن، الذين تكلموا على أن الرواية بالمعنى جائزة قالوا: إنها رخصة، وقالوا: إن ذلك كان قبل عصر التدوين، واستثنوا روايات، لا يجوز لنا أن نرويها إلا باللفظ، ولا تجوز روايتها بالمعنى.

‌الشبهات التي أثيرت حول الرواية بالمعنى

الشبهات التي أثارها البعض حول الرواية بالمعنى:

لقد أثاروا شبهًا كثيرةً رد عليها العلماء، من هذه الشبه قولهم: أن الأحاديث كلها رويت بالمعنى، ولا نكاد نطمئن إلى حديث واحد قد ورد بلفظه كما هو عن النبي صلى الله عليه وسلم. الحقيقة مشايخنا الكرام جزاهم الله خيرًا ردوا على هذه الفِرية بأدلة كثيرة؛ فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو شهبة رحمه الله في رده على كتاب (أضواء على السنة النبوية)، والدكتور صبحي الصالح في (علوم الحديث)، وكثير من العلماء، والدكتور مسفر الدميني في كتابه عن (مقاييس النقد عند المحدثين)، والدكتور مصطفى الأعظمي في (منهج النقد عند المحدثين) ردوا على هذه الفرية وعلى غيرها من الفريات التي أثاروها.

وخلاصة أقوالهم مثلًا قضية أن "لا يوجد حديث روي باللفظ" نقول: هذا زعم يرده اتفاق الروايات على ألفاظ أحاديث كثيرة جدًّا، مما يؤكد أن النقلة جميعًا قد نقلوه بلفظه، ورووه بكلماته كما هي، يعني: مجرد بعض الأمثلة نضربها مثلًا: ((آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)((أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق)

ص: 304

((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما

)) وإن كان هناك بعض الألفاظ اليسيرة في هذا الحديث: ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))، ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت)).

مستعد أن أذكر عشرات الأحاديث حيثما قلبت روايتها المتعددة، فأنت أمام لفظ واحد قد اجتمع الرواة جميعًا عليه، مما يدحض هذه الفرية من أساسها وهي أن الأحاديث قد رويت كلها بالمعنى بدون اللفظ، وهو يقول هذه الكلمة ليشكك فيها، فأي لفظ أعتمد، وأي كذا، وأي حكم آخذ، يعني: كما يريدون أن يثيروا الشبهات حول السنة من رواء هذا الكلام.

وأنا كما قلت أنتهج الفرصة لأنبه الآن أبنائي السامعين وأطلب منهم حسن المعايشة للسنة واتساع هذه المعايشة، نقرأ في مصادرنا، الحمد لله التي اجتهد العلماء جزاهم الله خيرًا في تركها لنا ستجد لن أقول حديثًا واحدًا ولا عشرات الأحاديث، ولا أبالغ إذا قلت مئات الأحاديث قد اشتركت في اللفظ، وحين اختلفت اختلفت اختلافًا يسيرًا لا يكاد يُذكر، ولا نستطيع مع هذا الخلاف اليسير أن نقول: إن هناك خللًا في الأداء باللفظ، ولذلك نجد علماءَنا قد اصطلحوا على ألفاظ تؤدي هذه الأغراض حين نقارن بين الروايات، هل رواه بمثله؟ هل رواه بمعناه؟ هل رواه بنحوه؟ هل رواه مختصرًا؟ هل رواه جزءًا من حديث؟ كل هذه عبارات اصطلح عليها العلماء ووضعوها للمقارنة بين الروايات؛ ليميزوا بين الراوي الذي أورد الحديث بلفظه، أو الذي لم يورد الحديث بلفظه.

إذن، الأدلة من خلال السنة نفسها ترد على هذه الفرية.

أيضًا كثير من الروايات الطويلة تكاد تكون رويت بألفاظها مع طولها، وخير مثال لهذا حديث بَدْء الوحي الذي روته أمنا عائشة -رضي الله تعالى عنها- وذكرت فيها قصة بدء الوحي حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء، وأول الحديث: ((أول ما بدئ

ص: 305

رسول الله من الوحي الرؤية الصادقة -أو الصالحة- فكان لا يرى رؤيًا إلا جاءت مثل فلق الصبح)) إلى آخر الحديث، وهو في الصحيحين وفي غيرهما، ويكاد يجمع الرواة على لفظه.

إذن، الإتيان بالأحاديث بألفاظها لم يقتصر فقط على الأحاديث القصيرة التي يسهل حفظها أو استيعابها، ومنها العشرات بل المئات، وإنما أيضًا وجد اتحاد الألفاظ أو مع تفاوت يسير جدًّا لا يخل برأس القضية من أنها رويت باللفظ ولم ترو بالمعنى في أحاديث طويلة كثيرة جدًّا، والذي يراجع أحاديث الشفاعة وصفة الجنة والنار وما إلى ذلك يجد الأمثلة التطبيقية على هذا كثيرة.

أيضًا مما يثيرونه من شبه: أن الرواية بالمعنى تتعارض مع الحث على الأداء باللفظ، كما في الحديث الذي أشرنا إليه من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فأداها كما سمعها

)) إلى آخر الحديث، الرد نحن ذكرناه أثناء تعرضنا لهذه المسألة، ونحن نتكلم عن الأمور المتعددة المتعلقة بالرواية، لكننا نشير إليه على كل حال، نقول: لا ننسى ما ذكرناه من أمور هامة تتعلق بهذه القضية مثل أن أهل العلم جميعًا متفقون على أن الأصل في الرواية إنما هو الرواية باللفظ، حتى الذين أجازوا الرواية بالمعنى بشروط مع هذا الرأي، ونستطيع أن نقول: لا يسع عالم أن يتمكن من أداء الحديث بلفظه، ثم ينتقل إلى الرواية بمعناه، لا يقبلون منه ذلك. هذه نقطة ترد على هذه الفرية.

أيضًا مما يرد عليها: أنهم قالوا: إن الرواية بالمعنى رخصة وليست عزيمة، كما في العبادات بشكل عام، الرخص يلجأ إليها عند الضرورة، فمثلًا المسافر يجوز له أن يقصر الظهر والعصر مثلًا، وأن يجمع بينهما، على تعدد في آراء المذاهب في ذلك، فهل يجوز لغير المسافر أن يفعل ذلك؟ لا، مثلًا المسافر يفطر في رمضان إذا أراد، لكن المقيم بدون عذر لا يفطر، وهكذا. إذًا هذه رخصة تستعمل.

ص: 306

أيضًا قالوا: إن الرواية بالمعنى كانت قبل عصر التدوين، أما بعد عصر التدوين فكأنهم الآن يقولون: إنها غير جائزة في زماننا هذا، إذا فهمنا هذه القضايا، نقول: إن هذا لا يتعارض مع حديث: ((نضر الله امرأً))، وأيضًا إن حديث:((نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فأداه كما سمعه)) هو حث -يعني: فهم الحديث هو حث- على الرواية باللفظ، لكنه لا يغلق الباب، ليس فيه نهي عن الرواية بالمعنى، وليس فيه ما يدل على أن الذي يروي بالمعنى إنما هو آثم إن لم يفعل ذلك، فالحديث يُفهم على بابه أنه حث على الالتزام باللفظ، لكنه لا يؤثم الرواية بالمعنى، وحثه على الرواية باللفظ -كما قلنا- هذه قضية اتفق عليه أهل العلم حتى مَن قالوا بجواز الرواية بالمعنى.

أيضًا من الشبه التي أثاروها أن الرواية بالمعنى أضرت بالدين -أعوذ بالله- كلام يدل على عدم صلة صاحبه بقضايا الاجتهاد في الأمة المسلمة، الصواب أن نقول: إنها أثرت الدين وكانت سببًا في تعدد الآراء الفقهية، فأعطت الأمة السعة في الأحكام الشرعية، يعني هناك من اعتمد رواية للحديث فأخذ بالحكم المستفاد من الرواية، وهناك من اعتمد رواية أخرى فأخذ بالحكم المستفاد من الرواية، وسنضرب بعض الأمثلة، لكن على كل الخلاصة أن الرواية بالمعنى أضافت إلى الدين ولم تضر بالدين، يضرب المتضرر أو القائل بأن الرواية بالمعنى أضرت الدين يضرب مثالًا بحديث التشهد الذي نقوله في الصلاة، وأنه ورد بألفاظ متعددة؛ منها حديث ابن مسعود، ومنها حديث ابن عباس رضي الله عنهما وغير ذلك، ماذا قال العلماء في ذلك؟

في (المغني) مع الشرح ال كبير ينقل عن الإمام أحمد يقول: "تشهد عبد الله أعجب إلي -تشهد عبد الله بن مسعود يعني الصيغة التي رواها عبد الله بن مسعود أعجب إلي- وإن تشهد بغيره جائز" إذًا المسألة لم تؤدِ إلى ضرر بالدين، وعلماء الأمة

ص: 307

فهموا على أن هذه سعة قد يرجح لفظًا على لفظ لكنه لم يؤثم المخالف، ولم يقل بابتداعه، ولم يقل بخطئه، ليس بالبدعة، ولم يقل شيئًا من هذا.

ونقل ابن حجر -رحمه الله تعالى- في (الفتح) عن الإمام الشافعي حين أخذ بحديث ابن عباس في التشهد، قال:"لما رأيته واسعًا -يعني: ألفاظه واسعة فيها معاني كثيرة- وسمعته عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيحًا -يعني: يقصد الشافعي رحمه الله أن يقول: هو روى هذا الحديث بأسانيد صحيحة عن ابن عباس فثبت صحته، يعني: لما رأيته رأيته واسعًا وسمعته عن ابن عباس رضي الله عنهما صحيحًا- كان عندي أجمع، وأكثر لفظًا من غيره، وأخذت به غير معنف لمن يأخذ بغيره مما صح".

إذن، هذان عالمان جليلان من أصحاب المذاهب المتبعة، ومن أهل القدوة في أهل الإسلام، الإمام الشافعي والإمام أحمد -رحمهما الله تعالى ورحم سائر علمائنا الأماجد الأماثل على مدار التاريخ كله- الإمام أحمد مال إلى تشهد عبد الله، والإمام الشافعي مال إلى تشهد ابن عباس وكلاهما أباح أن لكل مسلم أن يستعمل اللفظ الآخر ما دام قد ورد ذلك صحيحًا، فأي ضرر مثلته الرواية بالمعنى؟

أيضًا يضرب مثالًا آخر بحديث المرأة التي جاءت تهَب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين من رواية سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه يروي لنا: أن امرأة جاءت تهب نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي، والمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع في أمرها بشيء حتى طال الوقت؛ فقام صحابي جليل مؤدب محترم يقول:"يا رسول الله إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها" فالنبي صلى الله عليه وسلم سأله: ((ما معك؟)) يعني: ماذا ستدفع من صداق، الحديث طويل وبعد مراجعات، قال:((زوجتكها على ما معك من القرآن)) يعني: كان صداقها القرآن، والنبي صلى الله عليه وسلم زوجها للرجل على أن يحفظها ما يحفظ من كتاب الله تعالى.

ص: 308

ما محل الشاهد في هذا الحديث؟

محل الشاهد أن اللفظ الذي استعمله النبي صلى الله عليه وسلم قد تعددت فيه الروايات: ((أمكنكتها)) يعني: من التمكن، ((أنكحتكها)((ملكتكها))، ((زوجتك إياها بما معك من القرآن الكريم)). هذه الألفاظ المتعددة هم يقولون: مؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل لفظًا واحدًا خصوصًا أن الواقعة لم تتعدد، يعني: قصة المرأة الواهبة قصة واحدة، فالأغلب أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعمل لفظًا واحدًا وتعددت ألفاظ الرواة في التعبير عنه، لا بأس هذا ولد ضررًا كما يقولون أبدًا، كل الذي في الأمر أن العلماء ناقشوا ما هو اللفظ الذي يجوز به تزويج المرأة للرجل.

هل إذا قال لها: "ملكتكها" مثلًا يجوز النكاح بلفظ التمليك، أو لا يجوز؟ عند بعض العلماء جاز وعند بعض العلماء لم يجز، أنا قلت: أثرت الدين وسببًا في تعدد الآراء الفقهية التي تحمل سعة للمسلمين، واستعملت عبارة "قل" قلت: سببًا في تعدد الآراء الفقهية ولم أقل: في تعارض الآراء الفقهية، أو فالتعدد ليس دائمًا شيئًا سيئًا، لا بالعكس هو تعدد تنوع وليس تعدد تضاد، فهذا ثراء وهذه سعة من الله تبارك وتعالى على عباده.

إذن، المسألة لم تضر بالدين أبدًا، وليأتِ لنا الذين يزعمون ذلك بأي حديث تسببت تعدد الرواية فيه في خلل في المعنى، أو فساد في التطبيق، ولن يستطيعوا أبدًا أن يأتوا بمثال واحد على ذلك، وإنما هي عبارات يفخمونها، ويجازفون من غير أدلة علمية حين يزعم أحدهم أنه لا يوجد حديث واحد روي بلفظه. أنا لا أميل أبدًا إلى استعمال عبارات شديدة، لكن هذا بصر واحد لم يتعامل مع كتب السنة، هذا رأي واحد لم يقرأ البخاري كاملًا، أو لم يقرأ مسلمًا، أو لم يرَ الحديث الوارد عن جملة من الصحابة وقد اتفقوا على اللفظ إلى آخره.

إذن، لم تضر بالدين في شيء.

ص: 309

أيضًا النبي صلى الله عليه وسلم هو نفسه الذي كان في كثير من الأحيان يجيب على السؤال الواحد بإجابات متعددة، فلم لم يكن في الأمر روايات بالمعنى، إنما كان الأمر متعلقًا بالنبي صلى الله عليه وسلم هو يوسع لهم في أمور الدين، وأيضًا قد يكون ذلك لمراعاة الأشخاص، أو الأزمنة، أو الأمكنة، أو ما نحو ذلك، نضرب أمثلة أو مجرد مثال: النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أي العمل أفضل؟ قال: ((الصلاة لوقتها، ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله)) مرة ثانية مثلًا: ((أن تطعم الطعام، وأن تقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف)) إلى آخره: أي الإسلام خير؟ أي الإسلام أفضل؟ هو هنا الذي عدد الإجابات، والعلماء حين نظروا في هذه المسألة استنتجوا استنتاجات متعددة كلها محتملة ورائعة وعظيمة، قالوا: هذا من باب التيسير على الأمة، قالوا: هذا أيضًا من باب مسايرة الوحي، بمعنى أن الوحي كلما أخبره بشيء أخبر به.

التيسير على الأمة أيضًا له أشكال متعددة، يعني: لا يخبرها بالأمور الواحدة أو المتعددة في حديث واحد وفي سياق واحد حتى يسهل عليها أن تستوعبه، لو ذكر لهم مثلًا كل صفات الفضل في الإيمان قد تطول، لو ذكر لهم الكبائر في سياق واحد قد تطول، لو ذكر لهم مثلًا مكارم الأخلاق في سياق واحد قد تطول، فإذًا هذا من باب مسايرة الوحي، ومن باب التخفيف على الأمة، ومن باب مراعاة الأزمنة والأشخاص والأحوال، بمعنى: مثلًا لو كنا في بيئة بخيلة مثلًا، أو مع شخص بخيل، أو في زمن فيه مجاعة، يعني: أقصد أن تكون مراعاة الأشخاص، أو الأزمنة، أو الأمكنة مثلًا أفضل الأعمال إطعام الطعام، الرجل البخيل نحثه على ذلك، البيئة المحتاجة نشيع هذا الأمر فيها، أيضًا لو كان مسافرًا وانقطع زاده أيضًا إطعام الطعام في حقه وهكذا.

بيئة نزل العدو بأرضها أفضل الأعمال بالنسبة لها الجهاد، قوم يقصرون في الصلاة فأفضل الأعمال لهم الصلاة لوقتها، أو يؤخرونها عن وقتها وهكذا، مع

ص: 310

اشتراك الجميع في نهاية الأمر أن كل هذه الأعمال تشترك في كونها من أفضل الأعمال عند الله تبارك وتعالى.

إذًا الأمر حتى كان من النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يعدد الروايات وليس النقلة لحكم شرعية كثيرة، وإذا كان بعض النحاة لم يستدل به في النحو تحت دعوى أن الحديث قد روي بالمعنى وليس بالضرورة هو لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فإن العلماء قد ردوا عليه؛ الدكتور صبحي الصالح رحمه الله يرى أن النحاة واللغويين الذين وقفوا هذا الموقف أخطئوا خطأً جسيمًا على حد تعبيره؛ لأن الذين أولًا رووا بالمعنى هم الفصحاء البلغاء من الصحابة ومن بعدهم، وثانيًا النحاة استشهدوا بأشعار لم تصب في صدق نسبتها، وفي تحري ألفاظها كما فعل بالأحاديث النبوية، يعني: ينسبونها إلى أي شعر ونحن لسنا متأكدين من هذه النسبة، وأحيانًا قصائد تروى بألفاظ متعددة ولم نتأكد، يعني: لم يبذل فيها ما بذل في الأحاديث النبوية من التأكد من صحة السند ومن صحة المتن، ومع ذلك استدلوا بها، وعند الأحاديث وقف بعض -النحاة كلهم لم يقفوا هذا، وقف البعض- منهم هذا الموقف مما جعل بعض الناس يقول: إن الرواية بالمعنى أضرت وجعلت الحديث لا يستدل به، فالعيب ليس عيب الحديث وإنما عيب النحاة، وكما قلت الذي يستعمله الحديث يصبح أصلًا لغويًّا يجب على الأمة كلها أن تعمل به في لغتها وفي كل أمورها.

هذه بعض أهم الشبهات المثارة حول الرواية بالمعنى أنها أضرت بالدين، أنها تتعارض مع حديث:((نضَّر الله امرأً))، أن بعض العلماء أخذ موقف من الاستدلال بالنحو، أن الأحاديث كلها رويت بالمعنى، كل ذلك رددنا عليه بإيجاز.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

ص: 311