الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثامن عشر
الاستشراق ومنهجه وموقفه من السنة المطهرة
تعريف الاستشراق ومنطلقه، وأغراضه الأساسية في الدراسة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فبعون من الله تبارك وتعالى وتوفيقه نتكلم عن الاستشراق وموقفه من السنة المطهرة، وعن المنهج الذي اتبعه المستشرقون في الدراسة، كمقدمة لدراسة شبهاتهم التي أثاروها حول السنة.
معنى الاستشراق:
الاستشراق كما نقول في لغتنا العربية: الألف والسين والتاء للطلب، إذا قلتُ: أستغفر الله، يعني: أطلب من الله تعالى المغفرة، إذن المادة فيها معنى الطلب.
"شرق" جاءت من شرقت الشمس؛ أي: طلعت، والمقصود بها أيضًا الجهة الشرق، فنقول مثلًا: شتان ما بين مشرق ومغرب، فمادة شرق إذا أطلقت تُطلق على الجهة التي تُشرق منها الشمس، عندي جهة وهي الشرق وعندي ألف وسين والتاء للطلب، فالاستشراق يعني: معناها طلب دراسة ما يتعلق بالشرق، بِناءً على أن الألف والسين والتاء للطلب، فيكون "المستشرِق" بكسر الراء: اسم فاعل مِن استشرق، أي: الذي طلب دراسة ما يتصل بالشرق، هذه مناقشة لُغوية ندخل منها إلى معنى الاستشراق اصطلاحًا كما عرّفته كثير من المصادر: هو علم الشرق أو علم العالم الشرقي.
الغربيون انكبوا على دراسة العالَم الشرقي بكل تفاصيله، دراسة الشعوب وتاريخهم وأديانهم ولغاتهم، وأوضاعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وحضارتهم، وكل ما يتعلق بهم.
العالم الغربي يدرس العالم الشرقي، أين يقع العالم الإسلامي؟ العالم الإسلامي يقع في شرق الكرة الأرضية، والعالم الغربي يقع في غربها. إذًا علماء الغرب اتجهوا لدراسة الشرق بكل التفاصيل التي أشرت إليها؛ التاري،
خ العادات، اللغات، الأديان، الأوضاع الاجتماعية الاقتصادية، السياسة، الحضارة، إذًا أهل الغرب يدرسون أهل الشرق، ثم حُصر معنى الاستشراق في دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية.
العالم الشرقي جغرافيًّا يشمل حتى اليابان والصين شرق الكرة الأرضية، في الغرب، إذن الدراسة تشمل كل هذا، لكنها في النهاية انحصرت لدراسة الإسلام والشعوب الإسلامية، لماذا؟
ما دام الاستشراق في النهاية استقر على دراسة أحوال المسلمين فقط ودراسة الإسلام ذاته كدين بكل تفاصيله، كان ذلك لخدمة أمرين: لخدمة أغراض التبشير، ولخدمة أغراض الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، فالاستشراق قام بإعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام، وتحطيم الأمة الإسلامية، يعني: هذه الدراسة الاستشراقية لم تكن للعلم أو لمعرفة أحوال هذه الشعوب؛ لكي يتفاعلوا معها أو يتعاونوا معها ويستفيدوا بطيبها ويتوقوا خبيثها مثلًا، ويتبادلوا المنافع فيما بينهم، إنما كانت لغرضين؛ أغراض التبشير التي تعني ردّ المسلمين عن دينهم، وأغراض الاستعمار الذي يعني السيطرة على بلاد ومُقدّرات المسلمين؛ الاحتلال العسكري والاقتصادي والسياسي كما نعلم جميعًا.
هذا الكلام الذي أقوله لم آتِ به من عند نفسي، كل الذين تكلموا في الاستشراق مثلًا كِتاب (أجنحة المكر الثلاثة) للأستاذ عبد الرحمن الميداني (الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري) للدكتور محمود زقزوق، (المستشرقون والتاريخ الإسلامي)، (رؤية إسلامية للاستشراق) للدكتور أحمد غراب، كثير من الكتب قالت هذا الكلام.
هذا الاصطلاح الذي اصطلح عليه في تعريف الاستشراق استقر عليه القول عند أهل العلم والمتخصصين في هذا الأمر، وهو بعد أن كان الأمر يقوم على دراسة الشرق كله، حُصر الأمر في دراسة الإسلام والشعوب الإسلامية، وكما قلنا الغرض من هذه الدراسة:
1 -
خدمة أغراض التبشير.
2 -
خدمة أغراض الاستعمار.
3 -
إعداد الدراسات اللازمة لمحاربة الإسلام.
هذه الدراسات كانت ليقدموها إلى العسكريين وإلى السياسيين، كيف تتوغلون في الأمة الإسلامية؟ يدرسون عادات الشعوب وأخلاقها وتقاليدها .. إلخ لكي يجدوا سبلًا ينفذون من خلالها للسيطرة بمعنى الاستعمار، وللتبشير الذي يعني محاولة إخراج المسلمين عن دينهم.
الدراسات التي قام بها المستشرقون بهذا الهدف، يدرسون المنافذ التي تؤدي بهم إلى ذلك.
إذن، عرفنا الاستشراق وأغراضه والهدف من دراسته، مَن هو المستشرق إذن؟
المستشرقون هم الذين يقومون بهذه الدراسات من غير الشرقيين، المستشرقون جهة علمية في المقام الأول، يقومون بهذه الدراسات من غير الشرقيين، يعني هم من أبناء الغرب، ويقدمون هذه الدراسات -كما قلنا- للمبشرين وللقائمين على قيادة الدوائر الاستعمارية؛ لكي يستفيدوا بتلك الدراسات في تحقيق أغراضهم، التي يبحثون عنها للأمة الإسلامية، من الاستيلاء على المصادر الاقتصادية والسياسية، من محاولة توهين عقيدة الأمة الدينية، من صرف الأمة عن الجهاد
والعلو العلمي؛ لتظل ضعيفة إلى آخر ما يرصدونه من أغراض وأهداف، وهم دائمًا يدرسون ويجددون أهدافهم ويعقدون المؤتمرات لبيان ما تحقق من أهدافهم، وما الذي لم يتحقق، والذي لم يتحقق لماذا لم يتحقق؟ وما هي العوائق؟
في الحقيقة، لا بد أن نقر بنفسهم العلمي المستمر في ذلك، وتعاقب الأجيال على هذا وتعاونهم مع بعضهم، بل ربما أحيانًا يوظفون بعض أبناء الشرق الذين تأثّروا بمناهجهم أو بفكرهم ليقوموا بهذه الدراسات وليعاونوهم فيها، لكن الأصل أن هذه الدراسات يقوم بها الغربيون.
إذن، هذا الاستشراق دوره خطير، لماذا؟ لأنه هو الذي صاغ التصورات الغربية عن الإسلام وأهله لكل أبناء الغرب، من سياسيين ومن اقتصاديين، بل للعوام، اليوم مثلًا وقبل اليوم كيف يتلقى أبناء الغرب المعلومات عن الإسلام المشوشة، الذي يتهمونه بالاضطراب أو بالإرهاب أو ما شاكل ذلك أو التخلف، يستمدون هذه المعلومات من دراسة المستشرقين، إذًا هذا الاستشراق دوره خطير؛ لأنه يقع في المقدمة من هذه الجيوش الغربية المتقدمة الأغراض السياسية والعسكرية، هو الذي يقدم لهم التصورات عن الإسلام، ويقدم لهم الدراسات، ويحدد لهم السبل التي يتسللون من خلالها للنيل من أمة الإسلام.
يعني نقول: الاستشراق له أكبر الأثر في التصور العام عن الإسلام، الذي استمد الغرب المعلومات عن الإسلام من خلاله بناء على هذه الدراسات الاستشراقية، وفي الحقيقة هذا وجه الخطورة في جانب الاستشراق؛ ولذلك لأن الهدف كما قلنا الإسلام ونحن يشهد الله لا نفتري عليهم بل نستعين بكتب المتخصصين في هذا، كان هجومهم أيضًا على عقيدة الإسلام وهجومهم على السنة النبوية التي هي محل دراستنا والتي سنتكلم عن موقفهم منها، المستشرقون لماذا يهتمون
بالسنة؟ السنة مصدر تشريع هام، وحياة المسلمين تتوقف على السنة، إذًا نفسد عليهم حياتهم بمحاولة اتهام السنة إلى آخره.
إذن الاستشراق يعبّر عن موقف فكري معادي للإسلام بكل أسف، لم ينطلق من أغراض طيبة معاوِنة للشرق أو بمحاولة فهمه أو بإحسان التعامل معه، إنما نبين أنه لخدمة التبشير والاستعمار والقضاء على الأمة الإسلامية.
وجه الخطورة فيه أنه انطلق من موقف معادٍ بادئ ذي بدء، لم ينطلق من موقف محايد -كما يزعمون- أو محاولة بحث عن حق، هو من الأصل انطلق من موقف معادٍ رافض للإسلام وأهله، وبالتالي أثار الاتهامات حتى من غير دراسة، ولهم مواقفهم -كما قلت- من كل أمور الإسلام، وبالضرورة دراستنا هنا ستقتصر على موقفهم من السنة، إنما أردنا فقط في الأول أن نبين المنطلق السياسي والفكري والعقدي الذي انطلقوا منه لمواجهة الإسلام كعدو -بكل أسف- وليس كقاسم مشترك يعيش معهم على الأرض، يشاركهم ملكية الأرض، ويشاركهم اقتصادها ومواردها إلى آخره.
هم انطلقوا من نظرة استعلائية استعمارية تبشيرية، فأساءوا سواء في التصرفات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وأيضًا في هذا المنطلق الخطير، أنا حينما أدرُسك من موقف معادي لك أنا أبحث عن المثالب بل أفتري المثالب، إنما لو كنت أدرسك لكي أتعاون معك ولكي أصاهرك مثلًا أو أشاركك في التجارة أو كذا، قطعًا فإن الدراسة ستختلف، وستبحث عن القواسم المشتركة التي تجمع بين الجميع؛ لكي نحسن التعامل مع بعضنا.
وبكل أسف، فإن المتهم في النهاية هم المسلمون، الذين يرفضون الآخر! نتعجب الحقيقة أنا دائمًا أعلل هذا بأن السبب هو ضعف المسلمين الذي أغرى بهم أعداءهم ويجعلون يتكوكبون عليهم من كل حدب وصوب، ولكي يجعلونا