المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دوافع الهجوم على السنة وإثارة الشبه حولها - الدفاع عن السنة - جامعة المدينة (ماجستير)

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 السنة عند أهل الاختصاص

- ‌معنى " السنة " و"الحديث " في اللغة والاصطلاح

- ‌تعريف الإقرار لغة واصطلاحًا

- ‌الدرس: 2 علاقة السنة بالقرآن الكريم

- ‌دور السنة مع القرآن الكريم

- ‌تخصيص العام

- ‌تقييد المطلق

- ‌توضيح المبهم

- ‌الدرس: 3 السنة هي المصدر الثاني للتشريع - حجية السنة (1)

- ‌معنى كون السنة هي المصدر الثاني للتشريع

- ‌الأدلة من القرآن على حجية السنة

- ‌الدرس: 4 حجية السنة (2)

- ‌استكمال الأدلة من القرآن على حجية السنة

- ‌الآيات التي نهت عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الأدلة من السنة على وجوب اتباع السنة

- ‌الدرس: 5 حجية السنة (3)

- ‌استكمال الأدلة من السنة على وجوب اتباع السنة

- ‌السنة وحي من عند الله

- ‌الدرس: 6 حجية السنة (4) - دوافع الهجوم على السنة

- ‌فهم الصحابة لمكانة السنة النبوية في التشريع

- ‌إجماع الأمة على حجية السنة

- ‌دوافع الهجوم على السنة وإثارة الشبه حولها

- ‌الدرس: 7 شبهة حول تدوين السنة (1)

- ‌ميدان المعركة مع السنة، ومواطن الهجوم عليها

- ‌معنى كلمة "شبهة" ومدلولاتها

- ‌شبهة حول تدوين السنة

- ‌الدرس: 8 شبهة حول تدوين السنة (2)

- ‌الأحاديث الدالة على الإذن بتدوين الحديث والحث عليه

- ‌الصحابة الكاتبون، وصحف تم تدوينها في عهد الرسول

- ‌الدرس: 9 شبهة حول تدوين السنة (3) - الحديث المتواتر

- ‌استكمال الأدلة على تدوين السنة في عصر النبوة

- ‌مراحل كتابة الحديث

- ‌الحديث المتواتر

- ‌الدرس: 10 تابع: الحديث المتواتر - حديث الآحاد (1)

- ‌شروط الحديث المتواتر، وأقسامه، ومؤلفات العلماء فيه

- ‌حديث الآحاد: أقسامه، وشروطه

- ‌الدرس: 11 حديث الآحاد (2)

- ‌الدرجة التي يفيدها خبر الآحاد من العلم

- ‌مسألة وجوب العمل بخبر الآحاد

- ‌الدرس: 12 حديث الآحاد (3)

- ‌شبهة: أن العمل بخبر الآحاد إنما هو عمل بالظن

- ‌شبهة: أن العمل بخبر الآحاد يقتضي العمل بما ليس لنا به علم

- ‌شبهة: أن خبر الآحاد لا يُعمل به في العقائد

- ‌الدرس: 13 حديث الآحاد (4)

- ‌الدليل علي حجية خبر الآحاد من العقائد والعبادات

- ‌الدليل علي حجية خبر الواحد من عمل الصحابة

- ‌قصة تحريم شرب الخمر دليل على حجية خبر الواحد

- ‌الدرس: 14 الرواية باللفظ

- ‌التعريف بالرواية، وأركانها

- ‌أهمية الرواية، وأقسامها

- ‌مميزات وخصائص الرواية

- ‌الأصل في الرواية هو الرواية باللفظ

- ‌الدرس: 15 الرواية بالمعنى

- ‌تعريف الرواية بالمعنى، وبيان شروط ها وما يُستثني من جوازها

- ‌الشبهات التي أثيرت حول الرواية بالمعنى

- ‌الدرس: 16 الرد على دعوى اهتمام المحدثين بنقد السند دون المتن

- ‌تعريف النقد لغةً واصطلاحًا

- ‌الضرورات التي تحتم على أهل العلم توجيه العناية إلى نقلة الأخبار

- ‌هل اهتمام العلماء بالسند كان على حساب عنايتهم بالمتن

- ‌نقد المتن، والقواعد الضابطة لنقده

- ‌الدرس: 17 تابع: الرد على دعوى اهتمام المحدثين بنقد السند دون المتن

- ‌القواعد الدالة على عناية المحدثين بالمتن

- ‌من القواعد التي وضعوها لدراسة المتن: قانون الاعتبار

- ‌الضوابط التي وضعها ابن القيم لمعرفة كون الحديث موضوعًا

- ‌الدرس: 18 الاستشراق ومنهجه وموقفه من السنة المطهرة

- ‌تعريف الاستشراق ومنطلقه، وأغراضه الأساسية في الدراسة

- ‌منهج المستشرقين وقواعدهم الجائرة في دراسة الإسلام

- ‌الدرس: 19 رد شبهات المستشرقين ودفع افتراءاتهم تجاه السنة

- ‌رد شبهة: أن الأحاديث وُضعت نتيجة لتطور المسلمين

- ‌رد شبهة: أن الاختلاف بين المذاهب كان من أسباب الوضع

- ‌اتهام الإمام ابن شهاب الزهري بوضع الأحاديث التي تخدم مصالح أمراء وحكام بني أمية

- ‌الدرس: 20 حديث الذباب والرد على الشبهات التي أثاروها حوله

- ‌رد الشبه المثارة حول حديث الذباب

- ‌المعجزة النبوية في حديث الذباب، ودفع شبهة تعارضه مع الطب

- ‌الدرس: 21 الرد على كتاب (الأضواء القرآنية) للشيخ سيد صالح

- ‌التعريف بكتاب (الأضواء القرآنية)، وبيان شُبهه ومصادره

- ‌بتر استخدام النصوص فيما يوافق أغراضهم

الفصل: ‌دوافع الهجوم على السنة وإثارة الشبه حولها

‌دوافع الهجوم على السنة وإثارة الشبه حولها

نطرح سؤالًا أراه هامًّا جدًّا: لماذا يهاجمون السنة؟ ولماذا هذه الحرب الضروس الشرسة على السنة؟ ولماذا كلما وجد -سواء من أبناء الإسلام الذين تبنوا أفكارًا خاطئة، فأصبحوا خارج الدائرة الإسلامية الصحيحة- لماذا يكون هدفهم السنة؟ ولماذا كل فرقة من فرق: المعتزلة، الخوارج، هكذا، كل من يقف من الإسلام موقفًا في أي جزئية من جزئياته يكون همه الأول موجهًا ناحية السنة المطهرة؟ ثم جئنا إلى المحدثين من المستشرقين، ومن العلمانيين، ومن كل من يسير على دربهم وفي طريقهم، الكل يتجه ناحية السنة؟

لأن السنة هي خط الدفاع الأول عن الإسلام بإيجاز شديد، وسنحاول أن نوضح هذه الفكرة في نقاط محددة. حتى يسهل استيعابها بإذن الله رب العالمين، إذا جعلت الموضوع الذي أتكلم فيه الآن تحت هذا العنوان: لماذا يهاجمون السنة؟

فسأقول: هناك جملة من الأسباب:

أولًا: لأنها هي التي تبينا لقرآن الكريم وتوضحه، وهذا أمر قررنا له دروسًا وتكلمنا فيه بالتفصيل، وأنه لولا السنة لما فهمنا القرآن، ولاستعجم علينا القرآن، فلا نستطيع أن نفهمه، ولا أن نطبقه.

كلمة "استعجم علينا القرآن" استعمالها شيخنا العلامة الشيخ محمد أبو شهبة -عليه رحمة الله تعالى- في كتابه الماتع (دفاع عن السنة) قال وهو يبين غرض المحاربين للسنة أنهم يقصدون تضييع القرآن، لأنه لولا السنة لما فهمنا القرآن الكريم، ولما طبقناه، فبالتالي هذا هدفهم أن يعطلوا القرآن عن التطبيق، أمر خطير جدًّا.

ص: 117

مع ملاحظة أن أدلة الشرع قامت ودلت على أن القرآن الكريم نزل ليعمل به، القرآن الكريم لم ينزل لكي نتلوه فقط، ولا لكي نحفظه فقط، مع الإقرار بأهمية التلاوة، وأهمية الحفظ، فحفظ القرآن وتلاوة القرآن وردت فيها أحاديث كثيرة، هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، لكن صلتنا بالقرآن الكريم لا تتوقف عند قراءته فقط أو عند حفظه فقط، أن الذين يفهمون أن لو كانت القضية قضية حفظ القرآن فقط وتلاوته فقط فإن أحدًا من أعداء الإسلام لن ينازع في ذلك، اقرءوه كما شئتم، واملئوا الدنيا دموعًا وأنتم تقرءونه، في الصلاة وفي غير الصلاة، لا حرج عليكم في ذلك.

أما أن ينزل القرآن إلى حياة المؤمن ليقود حركته في كل جوانب حياته، فمن هنا يأتي الصدام وتأتي المعركة إذا جاز التعبير، ونحن -يشهد الله- لا نفتعل معارك، ولا نريد أن ندخل في معارك مع أحد، وإنما نريد أن نفهم ديننا على الوجه الذي يرضي ربنا عز وجل.

فالقرآن الكريم جاءت عشرات الأدلة لتبين لنا أن القرآن الكريم نزل ليعمل به، وأنه لن يكون حجة لأهله إلا إذا عملوا به، والأحاديث في الصحيحين نجدها في كتاب فضائل القرآن وغيره عند البخاري ومسلم ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب)) إلى آخر الحديث، محل الشاهد:"ويعمل به".

الحديث الآخر: ((يؤتى يوم القيام بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة: البقرة وآل عمران. تحاجان كأنهما غمامتان)) ((كأنهما غيابتان)) الروايات متعددة ((تحاجان عن صاحبهما)) يعني: تدافعان، تجادلان عن صاحبهما، ماذا سيقولان؟ أمر معروف حفظنا، وقرأنا وعلمنا وتعلمنا، وطبق أحكامنا.

ص: 118

وكان من المعلوم من منهج الصحابة في التعامل مع القرآن الكريم أن أحدهم كان إذا حفظ عشر آيات لا يتجاوزها حتى يعمل بما فيها من أحكام؛ لأنهم يعلمون أن القرآن الكريم نزل ليعمل به، إذًا هي معركة المصحف، ومعركة الإسلام أن تهاجم السنة.

الهجوم على السنة هجوم على القرآن، هجوم على الإسلام؛ لأن الإسلام في نهاية الأمر عبارة عن قرآن وسنة، نستمد كل أحكامنا، وكل أدلتنا على أي مسألة من مسائل شرعنا في العقيدة، في التشريع، في الأخلاق، في العبادات، في المعاملات، في الأسرة، في الاقتصاد، كل ذلك وغيره نستمد أدلته من قرآن ربنا، ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

إذن تتوجه الحملة والهجمة الشرسة على السنة؛ لأنه لو فرض نجحت الحملة، فبالتالي سيصبح القرآن نصًّا مقدسًا، نعم لن يتغير، ولن يتبدل، لكنه سيعطل عن العمل، وهذا معنى قول شيخنا "استعجم القرآن" أي: أصبح فهمه مشكلة، وبالتالي سيكون تطبيقه مشكلة أشد؛ لأننا لن نفهمه حتى نطبق هذا إذن أول غرض هي تبين القرآن وتوضحه، القرآن نزل ليعمل به.

إذا استعجم القرآن واستبعدت السنة، فماذا بقي من الإسلام؟ ضاع الإسلام، والأعداء الذين يتربصون بالإسلام وأهله الدوائر يعلمون هذه الحقيقة جيدًا، يعلمون أن الهجوم على السنة هو هجوم على القرآن وعلى الإسلام، حتى وإن ألبسوا كلامهم أثواب الغيرة على السنة، هناك من ألف الكتب يهاجم السنة، ويهاجم رواتها ويهاجم كل شيء يتعلق بها، ثم هو يقول في نهاية كلامه أو في نهايته أنه كتب هذا الكلام دفاعًا عن السنة ودفاعًا عن الإسلام.

لا أدري هو حاله، ومن على شاكلته يدور بين أمرين، إما أنه لا يفهم وتلك مصيبة، وإما أنه يفهم ويدبر ويخطط والمصيبة حين أذن أعظم، أما إذا كان لا يفهم، فلماذا

ص: 119

تدخل فيما لا يفهمه، إذا كان لا يفهم أن الهجوم على السنة هو هجوم على الإسلام والقرآن، فهذا أمر خطير، كيف لا يدرك العلاقة بين القرآن والسنة؟ وإذا كان يفهم إذن، فهو مخلب القط الذي يوجهه الأعداء ناحية السنة؛ لينالوا من الإسلام ما يريدون أن ينالوه.

أيضًا من الأسباب التي تجعلهم يهاجمون السنة أن السنة تشرع كما يشرع القرآن الكريم، فإبطال السنة يعني تضييع جزء كبير من تشريعات الإسلام، يعني في جوانب الحياة المتعددة، بل إن أكثر التشريعات تستمد من السنة المطهرة، وخصوصًا الأحكام التفصيلية، يعني للمسائل الشرعية، وأيضًا كثير من المسائل لا تجد دليلها إلا في السنة المطهرة، لم يرد لها ذكر في القرآن الكريم.

هذا أمر مفهوم جدًّا، السنة تشرع كما يشرع القرآن الكريم، وأيضًا من الأسباب تتمة لنقطة السابقة أن أثر السنة المطهرة في التشريع الإسلامي، وأيضًا أثرها في الفقه الإسلامي من لدن عصر النبي -صلى الله عليه وسل م- والصحابة الراشدين حتى عصور أئمة الاجتهاد من أصحاب المذاهب المتبوعة وغيرهم، السنة هي زادهم في اجتهادهم كله. السنة زادهم، وماؤهم، وطعامهم، وشرابهم بعد القرآن الكريم يعني إذا قلت مثلًا: ما هي الأصناف التي يدخلها الربا؟ اذهب إلى السنة، ما هي صور البيع الحلال وصور البيع الحرام؟ اذهب إلى السنة.

القرآن قعد القاعدة: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (البقرة: 275) لكن ما هي صور البيع الحلال؟ ما هي صور الربا الحرام؟ ما هي الأمور التي يدخلها الربا والتي لا يدخلها الربا؟ وكيف يكون الربا؟ كل ذلك وغيره، يعني مما يطول المقام بذكره تكلمت عنه السنة المطهرة.

إذًا السنة وأثرها في الفقه وفي استمداد الأدلة من عصر النبي -صلى الله عليه وسل م- وعصر الصحابة وعصر الاجتهاد، وأئمة الاجتهاد، وحتى إلى يوم أن يرث الله الأرض

ص: 120

ومن عليها، السنة هي الزاد في كل هذا، ولن يكون هناك مجتهد لا يتجه إلى السنة ليستمد منها الأدلة على ما يريد أن يقول.

أيضًا الفقه الإسلامي ثروة تشريعية، تشمل كل جوانب الحياة، كما قلنا، والسنة المطهرة لها الدور الأكبر في ذلك.

هذه نقطة مهمة جدًّا أرجو أن ينتبه المستمع الكريم، العمل بالسنة المطهرة -ورب الكعبة- هو الذي أدى إلى حفظ كيان الإسلام، وعدم ذوبانه في الحضارات الأخرى، وأنا هنا أقرأ كلمة قالها الدكتور محمد أسد، ذلك الذي أسلم بعد أن لم يكن مسلمًا، يقول في توضيح هذه المسألة: "لقد كان السنة مفتاحًا لفهم النهضة الإسلامية منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنًا، فلماذا لا تكون مفتاحًا لفهم انحلال الحاضر؟

إن العمل بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسل م- هو عَمِلَ على حفظ كيان الإسلام وعلى تقدمه، وأن ترك السنة هو انحلال الإسلام. لقد كانت السنة هي الهيكل الحديدي الذي قام عليه صرح الإسلام، وإنك إذا أزلت هيكل بناء ما أفيدهشك بعد أن يتقوض ذلك البناء كأنه بيت من ورق؟

إن التعبير الذي يتردد على مسامعنا اليوم كثيرًا لنرجع إلى القرآن الكريم، ولكن يجب ألا نجعل من أنفسنا مستعبدين للسنة، هذا التعبير يكشف بكل بساطة عن جهل بالإسلام، إن الذين يقولون هذا القول يشبهون رجلًا يريد أن يدخل قصرًا، ولكنه لا يريد أن يستعمل المفتاح الأصلي، الذي يستطيع به وحده أن يفتح الباب. المفتاح للإسلام وبناء الإسلام وقصر الإسلام هو السنة، فهل يمكن أن يدخل أحد القصر بدون أن يستعمل المفتاح؟

ويكشف الرجل السر في محاربة السنة فيقول: "إن الهدف إسقاطها حتى يفقد المسلمون الصورة التطبيقية الحقيقية لحياة رسول الله -صلى الله عليه وسل م- والمسلمون الأوائل، وبذلك يفقد الإسلام أكبر عناصر قوته".

ص: 121

يعني إن معي الآن كثيرًا من النقول التي تبين مثل هذا الأمر، وكلامًا للدكتور محمد أسد وغيره يبين جملة من المسائل الهامة، يعني نقول: العمل بالسنة المطهرة هو الذي حفظ كيان الإسلام، هو الذي منع الإسلام من أن يذوب في الحضارات الأخرى، وهذا هو سر عداء المستشرقين وغيرهم للسنة، أو هذا على رأس الأسباب أن السنة حفظت كيان الأمة ومنعتها من الذوبان في الحضارات الأخرى.

ماذا نقصد بقولنا: حفظت لنا كيان الأمة؟ يعني جعلت لنا اقتصادًا إسلاميًّا، جعلت لنا أسرة إسلامية، جعلت لنا مجتمعًا إسلاميًّا، له قيمه، له مبادئه، له أسسه التي يقوم عليها، له قوانينه التي تحكمه، ليس مجرد عبادة فحسب بين العبد وربه، إنما منهج حياة كامل، السنة تقوم بدور هاما في ذلك، هم يريدوننا مثلًا أن يكون نساؤنا كنسائهم في كل شيء، في عدم الحجاب، في العلاقات المفتوحة، كما نعلم وكما يعلم الجميع هم يريدوننا في المسائل المالية أن نكون مثلهم، هم يريدون في شكل مجتمعنا أن يكون كمجتمعهم، يبيح الخمر ويبيح الشذوذ، ما الذي يعصمنا من التردي في كل ذلك؟ هي السنة المطهرة.

لذلك كانت الحرب شرسة عليها، هي تبين القرآن وتشرع مع القرآن، وهي تضمنت كثيرًا من الأحكام التي وقفت بالمرصاد لهذه الأفكار الخطيرة التي تضيع كيان الأمة الإسلامية وتذيبها في حضارات الأمم الأخرى خصوصًا في هذا الزمان بالذات؛ لأن الحضارات الأخرى يعني حضارات تفوقت من الجوانب المادية، وأصبحت تملك القوة على فرض أجندتها -كما يقال- أي فرض أهدافها ووسائلها وأخلاقها ومبادئها على الأمم الأخرى إن لم يكن اقتناعًا فبقوة القهر والغلبة. على ضعف أمة الإسلام في واقعها المعاصر هي معصومة من الذوبان، ما السبب؟

على رأس الأسباب السنة المطهرة؛ لذلك تشتد الحملة الشرسة من المستشرقين

ص: 122

الذين يخدمون الأغراض الاستعمارية كما سنبين فيما بعد على السنة المطهرة، وتأثر بأقوالهم فريق من أبناء الإسلام.

أيضًا السنة المطهرة هي مع السيرة، السنة والسيرة، والسيرة جزء من السيرة، العلماني كلاهما متعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم السنة تتعلق بأقواله، وأفعاله، وتقريراته، إلى آخر ما عرفناها، والسيرة هي التطبيق العملي لحياة النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أردنا أن نقتدي بالنبي -صلى الله عليه وسل م- فلا بد من معرفة السنة ومعرفة السيرة.

واقتداؤنا بالنبي -صلى الله عليه وسل م- ليست مسألة ترفيهية أو كمالية أو متروكة لخيارنا، لا، نحن بمقتضى إيماننا لا يجوز لنا أن نقتدي بغير النبي -صلى الله عليه وسل م- وقد حصر الله تعالى قدوتنا وأسوتنا في النبي -صلى الله عليه وسل م- وغير مسموح لأمة الإسلام أن تقتدي بغيره أو أن تمتثل لهدي غير هديه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (الأحزاب: 21).

فتطلع المسلمين إلى هذا المثل الأعلى الراقي من حياة النبي -صلى الله عليه وسل م- وقد أمروا أن يتقدوا به، هذا يعصمهم من الجري، ومن الذوبان -كما قلنا من قبل- وهذا هو سر العداء للسنة أيضًا أنها تضمنت الجوانب التطبيقية في حياة النبي -صلى الله عليه وسل م- ويعضدها في ذلك علم السيرة الطاهرة المباركة.

إذن هذا أيضًا من الأسباب التي جعلتهم يوجهون سهامهم المسمومة نحو السنة.

أيضًا نقطة مهمة جدًّا، السنة النبوية من الأسس القوية التي قامت عليها وحدة المسلمين. المسلمون أوطانهم متعددة، وألسنتهم متعددة، وأشكالهم متعددة، وأجناسهم متعددة بفضل من الله تعالى لا توجد دولة من دول العالم إلا وفيها مسلمون بصرف النظر عن قلة العدد أو كثرته، فقد بلغ الإسلام بفضل الله عز وجل ما بلغ الليل والنهار، ووصل إلى مشارق الأرض ومغاربها، ويعيشون كمسلمين في دول خاصة بهم، ويعيشون أيضًا مع غيرهم من أبناء الديانات الأخرى في الأوطان المتعددة.

ص: 123

كل ذلك والمسلمون جميعًا يأكلون مثل بعضهم، ويلبسون مثل بعضهم، ويتزوجون كما يأمرهم إسلامهم، ويبيعون ويشترون ويكوّنون علاقاتهم الاجتماعية، ويعرفون صلة الرحم، وحقوق الجيران، وكيف يربى الأولاد، وحقوق الزوجة، وكيف يجمعون أموالهم من الحلال الطيب؟ وكيف ينفقونها في الحلال الطيب؟ يا رب العالمين، كل ذلك على تباعد الأوطان، واختلاف الألسنة والألوان، وعلى تعدد اللهجات، وتعدد أشكال، ما بين أسود وأصفر وأبيض

إلخ

إلخ.

ومعصومون بحول الله تعالى من أن يذوبوا، لا يوجد مسلم مثلًا مهما كان في أرض يبيح أكل الخنزير، حتى وإن أكله في بلاد تسمح بذلك، لكنه يعتقد أنه حرام، لا يوجد مسلم في بقاع الدنيا يقول إن الخمر حلال، لا يوجد مسلم يأكل بغير أدب الإسلام، يأكل بيمينه، أنا أقول باعتبار ما يجب أن يكون.

إذن هذه الوحدة التي عصمت المسلمين أولًا أقامت صرح الود بينهم والأخوة والتلاحم، وعصمتهم من الزلل، كل ذلك الفضل فيه لله -تعالى- ثم للقرآن والسنة، فهي التي احتوت على المناهج التشريعية التي تعصم الأمة من التفرق، ومن الاختلاف، ومن الجري وراء الأعداء والتشبه بأخلاقهم أو سلوكياتهم إلخ.

كل مسلم في الدنيا يكره الشذوذ وينبذه، كل مسلم في الدنيا حتى وإن وقع من البعض بعض الرذائل، وبعض النقائص وبعض الكبائر، فهم يعلمون أنهم يفعلون محرمًا، غيرهم ينعزل عن قضية الدين بالمرة لا يفكر في حلال، ولا في حرام.

إذن السنة النبوية أولًا هي من الأصل قامت عليها وحدة الأمة، ثم هي بعد حافظت على تلك الوحدة، تأتي على المسلمين عصور ضعف، يتفرقون فيها في

ص: 124

بعض الأمور السياسية وغير السياسية، لكن يبقى أن لحمة البناء الإسلامي واحدة، وهذه حقيقة يدركها القاصي والداني، ويعرفها الأعداء قبل الأصدقاء، وهذا سر من أسرار حربهم الشرسة على الإسلام ككل، وعلى السنة بشكل خاص؛ لأنهم يعلمون أن للسنة دورًا خطيرًا جدًّا في الحفاظ على هوية الأمة، على وحدة الأمة، على كيان الأمة، على ترابط الأمة في أكلها في شربها في لباسها في عاداتها، في تقاليدها في علاقتها إلى آخر ما ذكرناه من صور.

أيضًا أمر خطير آخر، إذا أبعدوا السنة أمكنهم تأويل آيات القرآن الكريم وفق أهوائهم، السنة هي العائق الأكبر والسد المنيع أمام تدخل الأهواء في تأويل القرآن، لماذا؟ ما هو دور السنة في هذه المسألة؟

دورها خطير، فهي التي تبين القرآن، فإذا أراد أحد أن يبين القرآن على غير بيان السنة، فلن نقبله، ثم هي تشرع وتتم القرآن الكريم في التشريع، فإذن لن يستطيع أحد أن يبتعد بالقرآن عن مراميه ومقاصده ومعانيه التي تلقتها الأمة عن رسول الله -صلى الله عليه وسل م- ووالله لو لم تكن هناك السنة لفتحت الأقاويل المتعددة في تفسير وتأويل آي القرآن الكريم، وللوى كل واحد عنق الحقيقة وعنق الآية على الوجه الذي يريد في فهمه، وهناك محاولات في هذا، ولكنها تبوء بالخسران.

ولذلك كثيرًا ما يتشدق المتشدقون أتريدوننا أن نحكم بفقه الخلفاء الراشدين؟! أنحكم بفقه مضى عليه أربعة عشر قرنًا؟! كلام يعني ماذا نقول في وصفه؟ إن الأمة لها فهمًا أجمعت عليه تلقته عن سيد الخلق -صلى الله عليه وسل م- تلقاه جيل الصحابة، ونقلوه لمن بعدهم، في كل شيء، في

ص: 125

الحدود، في العبادات، في العقائد، في المعاملات في الأخلاق، في التشريع كل ذلك حفظته السنة، تممت القرآن الكريم في التشريع وبينته، وحافظت على القرآن وعلى الإسلام.

إذن أيضًا السنة لها دورها في الحفاظ على القرآن، وعصمته من تدخل الأهواء فيه، ومن تأويله حسب الأغراض أو تفسيره حسب الأغراض، إنما الله عز وجل عصم الإسلام من ذلك، وعصم القرآن من ذلك بأساليب متعددة، ومن بينها أو على رأسها أيضًا السنة المطهرة الشريفة.

أيضًا من أسباب الهجوم على السنة هو أن كثيرًا من الأعداء هاجموا الإسلام، فعداوتهم للسنة هي عداوة للإسلام؛ يعني هذا أمر أيضًا وجدت فيه أقوال كثيرة من أعداء الإسلام بينوا فيها أن الإسلام هو العقبة الكئود في سيطرة الغرب على العالم، فيحاربونه، وحربهم أيضًا موجهة إلى السنة باعتبارها جزأ من الحرب على الإسلام.

"مرماديوك" يقول: إن المسلمين يمكنهم أن ينشروا حضارتهم في العالم الآن بنفس السرعة التي نشروها سابقًا بشرط أن يرجعوا إلى الأخلاق التي كانوا عليها حين قاموا بدورهم الأول؛ لأن هذا العالم الخاوي لا يستطيع الصمود أمام روح حضارتهم؛ لذلك يحاربون الإسلام.

يجب أن نستخدم هذا المبشر "تاكلي" يقول: يجب أن نستخدم القرآن، وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه حتى نقضي عليه تمامًا. يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد فيه ليس صحيحًا.

ص: 126

ويقول يعني "وليم جيفورد": متى يتوارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب يمكننا حينئذ أن نرى العربي يندرج في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه".

الحرب على الإسلام، وعلى السنة، وعلى القرآن، وألفت الكتب في الهجوم على السنة، والمعركة خطيرة وشرسة، ولذلك لو أردنا أن نعدد العبارات التي تبين عداءهم للإسلام وللقرآن وللسنة، فسيطول بنا المقام جدًّا، لكن أنا أتكلم عن أسباب هجومهم على السنة. قلت أسبابًا كثيرة حتى نفهم طبيعة المعركة، هل نحن نحارب طواحين الهواء؟ هل نفتعل معارك؟ والله هذه كتبهم، وهذه أقوالهم تفصح، وهذه أيضًا أفعالهم تفصح عن مراميهم ومقاصدهم وأهدافهم في الهجوم على السنة.

وأكرر وأختم هذه النقطة بما بدأت به: لو نلاحظ ونستقرئ المعركة عبر التاريخ كله قلت حتى من داخل الإسلام نفسه، حينما تشذ طائفة ما في فهمها عما أجمع عليه المسلمون من أهل السنة والجماعة، فإنهم يتجهون في حربهم على السنة، ولذلك سبحان ربي العظيم هؤلاء جميعًا جمعهم العداء للسنة، والعداء للإسلام، وخططوا ودبروا، وتعاونوا، واستفادوا مما قيل قديمًا ومما قيل حديثًا، يجمعون الأقوال ويلمعونها تجد الشبه الحديثة آثارها المعتزلة قبل، بعضها قالها الخوارج، الشيعة لهم موقف من السنة أيضًا كثير يحاول أن يسير على دربه، التقت الأهداف التقت الأغراض حول العداء للإسلام وللقرآن ولنبي الإسلام -صلى الله عليه وسل م- وللسنة المطهرة، فاندفع الجميع في حربهم على السنة.

ولذلك أنا أقول وأبنائي السامعين الآن أرجو أن يدركوا هذه الحقيقة جيدًا، نرجو أن نقبل على دراسة السنة بروح الجندية، فنحن على ثغر من ثغور الإسلام، يحاول الأعداء أن ينالوا من الإسلام

ص: 127

من قبله حقيقة، يشهد الله أني أقولها بمنتهى الصدق والإخلاص؛ لأن هذا ما أفهمه، ولذلك لا تنبغي أن تكون دراستنا مقتصرة على كونها تريد أن نحصل على شهادة فقط، هذا يعني الأمر ليس مرفوضًا، لكن ينبغي أن تتوجه النية نحو الدفاع عن الإسلام، وأن يعلم كل متخصص في السنة أنه على ثغر من ثغور الإسلام يحاول الأعداء أن ينالوا من الإسلام من قبله، فليكن هو الجندي الأمين الحريص المتيقظ.

وذلك بالعلم وبالفهم، نحن لا نحمل أسلحة، إذا كنا نعبر بتعبير المعركة، فهذه من عندهم، لكننا لا نقصد المعارك يعني أننا سنحمل أسلحة ونقتل، لا والله، هذا لن يكن ولن يكون أبدًا في فهم المسلمين الأسوياء، وإنما المقصود أن نتسلح بالعلم وبالمعرفة، بالفهم الصحيح للسنة وبدورها؛ لكي نرد كيد الكائدين إلى صدورهم، وتبقى المسيرة كما كانت دائمًا نقية واضحة جلية، لا شبهة فيها، ولا غبش، ولا عكارة، ولو يسيرة تؤثر على مسيرتنا.

هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم بارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 128