الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الذي يَسير عليه العالم كله؛ إذن الاهتمام بالسند أمر طبيعي جدًّا؛ بل هو الاهتمام الأول، بل هو الأصل الذي تتوجه إليه العناية، ومن ثَمّ فإنّ اهتمام المحدثين بالأسانيد إنما هو اهتمام متوافق مع العقل ومع الواقع ومع الضرورة الشرعية والواقعية والعملية
…
إلى آخر ما ذكرنا، وهذا أمر قد وفقهم الله إليه، وسبقوا إليه لدرجة أن حُسدوا عليه فلم يجد الحاسد إلا أن يشكك فيما حباهم الله به من تلك الميزات.
هل اهتمام العلماء بالسند كان على حساب عنايتهم بالمتن
؟
لكنّ السُّؤال الذي ننتقل إليه بعد ذلك: هل اهتمامهم بالسند مع أنه الأصل ومع أنه الأول كان على حساب عنايتهم بالمتن، هذا ما يُرْجِف به المُرجفون، وهذا ما نتحدث حوله.
النقد عند المحدثين دار حول ثلاثة: دار حول الراوي، ودار حول السند، ودار حول المتن. فنقدوا الراوي ونقدوا السند ونقدوا المتن، كيف؟
قد يَشْتَبه القول بأنّ عِندنا نقدًا للراوي ونقدًا للسند وهما ليسا شيئًا واحدًا، نقد الراوي أي: نقد الراوي على حدة مثلًا: حدثني سفيان بن عيينة، عن يحيى بن سعيد. مَن هو سفيان بن عيينة؟ وما هي صفاته؟ طبعًا هو عالم كبير أنا أضربه فقط لمجرد مثال؛ هذا أبين معنى نقد الراوي. نقد الراوي أحوال الراوي من حيث الصدق والأمانة إذا اجْتَمَع عند الراوي الصدق والعدالة واجتمع له الضبط الدّقيق، فقد حاز على لقب الثِّقَة وروايته صحيحة.
ماذا يعني نقد السند؟ نَقْدُ السَّنَدِ يَعني نقد السند جملة، السّند عبارة عن مجموعة من الرُّواة، قد يكون كل راو منهم عدلًا لكن هل التقوا ببعضهم؟ هل لا يوجد في السند
انقطاع من أي زاوية أو من أي مكان؟ طبعًا عند المحدثين اصطلاحات تبين الخلل في الإسناد، وعلم دراسة الأسانيد هو عبارة عن التّأكُد من استيفاء شروط الصحة الخمسة، التي اصطلح عليها العلماء لصحة السند، وهي: اتصال السند، عدالة الرواة، ضبط الرواة، خلو الحديث من الشذوذ، خلو الحديث من العلة القادحة.
قد يسلم الرواة ولا يسلم الإسناد ككل. وهذا معنى قولنا: "نقد الرواة ونقد السند"، ولذلك نجد بعضَ العُلماء يقول: هذا إسناد رجاله موثقون؛ فنجد بعض الباحثين يحمل هذه الكلمة على صحة الإسناد، لا، لماذا عدل العالم الجهبذ الكبير عن قوله: هذا إسناد صحيح، إلى قوله مثلًا: هذا إسناد رجاله ثِقَات؟
رجاله ثقات معناه: أن العالم الذي حكم بهذا الحكم قد اطمأن إلى أحوال الرواة من ناحية العدالة والضبط، فدرسها واطمأن إلى أنه من الثقات؛ لكن لم يطمئن إلى بقية شروط الإسناد من اتصال السند، بمعنى أن يكون كل راو قد أخذ الحديث عن شيخه، بمعنى خلو الإسناد من الشذوذ ومن العلة القادحة إلخ.
فقد يكون الرواة موثقين لكن بقية الشروط لم تتحقق؛ وهذا معنى أنه يلزمنا أن ندرس الراوي على حدة، وأن ندرس السند وأن ندرس المتن، وهذه الدراسة أوجدت قواعد عند علماء الحديث لنقد الراوي ونقد السند، ونقد المتن، إذن الدراسة الحديثية اقتضت دراسة الثلاثة ونقد الثلاثة، واقتضت وضع الضوابط لدراسة الثلاثة: نقد الراوي، نقد السند، نقد المتن.