الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث عشر
حديث الآحاد (4)
الدليل علي حجية خبر الآحاد من العقائد والعبادات
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه، وأصحابه، وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنختم الكلام عن خبر الآحاد، وفي يقيني أن الكلام عنه يحتاج إلى أكثر من ذلك؛ لأنه من الأمور الهامة جدا في قضية السنة سواء من ناحية الاحتجاج بها أو من ناحية من أثاروا الشبه حولها، ذكرنا مرارًا أن أكثر من خمسة وتسعين بالمائة من أحاديث السنة هي: أحاديث آحاد، ولذلك فإن الذين يشككون في حجية خبر الآحاد نقطع بأنهم يريدون تضييع الدين، وتضييع الإسلام؛ لأن القرآن الكريم لا نستطيع أن نفهمه إلا في ضوء السنة، وهذا أمر كررناه كثيرا، والسنة معظمها آحاد لو نشك في أحاديث الآحاد ولا نعمل به لن نفهم القرآن، فضاع القرآن وضاعت السنة، وبالتالي ضاع الإسلام، وهذا هدفهم الذي يسعون إلى تحقيقه، والعياذ بالله ولن يتمكنوا من ذلك أبدًا.
الإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ورضي عنه- في كتابه الماتع العظيم كتاب: (الرسالة) عقد فصلا عظيما تحت عنوان: "الحجة في تثبيت خبر الواحد" يبدأ من ص 401 في الطبعة التي حققها العلامة الشيخ أحمد شاكر ـ رحمه الله تعالى- ووضع لها أو لفقراتها أرقامًا من الفقرة 1101.
قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: فإن قال قائل: اذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر أو دلالة فيه أو إجماع. يعني إذا قال قائل: اذكر لنا الحجة في تثبيت خبر الواحد أي في ثبوته، وفي وجوب العمل به بنص خبر أو دلالة في خبر تدل على ذلك إن لم يكن بالنص القاطع أو إجماع انعقد على هذا، سرد كثيرا من الأدلة، فقلت له: أخبرنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نضر الله عبدًا سمع مقالتي فحفظها ووعاها، وأداها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه))، ((ثلاث لا يغُل، ويجوز أيضا لا يغَل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) يعني لا يغُل بهذا الضبط بفتح الياء مع ضم العين هو من: الغُل أو الغَل الحقد أو من الخيانة إذا أخذناها من الغَلول يبقى من الغل اللي هو الحقد أو الغلول وهي الخيانة، الحديث يعني رواه الإمام الشافعي بإسناده كما نرى، وهو رواه الترمذي في كتاب: العلم باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع، ورواه أبو داود في كتاب:(العلم) باب نشر العلم ورواه غيرهم أيضا، وفي روايات متعددة عن بعض الصحابة زيد بن ثابت عبد الله بن مسعود عن حديث زيد بن ثابت قال: حديث حسن وعن حديث عبد الله بن مسعود قال: إنه حسن صحيح إلى آخره، بعد أن ذكر الشافعي -رحمه الله تعالى- الحديث يبين وجه الدلالة فيه يقول: "فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالتهم، وحفظها وأدائها امرأ يؤديها والامرؤ واحد.
ننتبه إلى كلام الشافعي: نضر الله امرأ إذا هو يتكلم عن امرئ، والامرؤ واحد، فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها امرأً يؤديها، والامرؤ واحد دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه.
يعني حين يقول: يعني بلغ عني مثلا ((نضر الله امرأ سمع مقالتي فأداها)) إذن النبي صلى الله عليه وسلم هنا يأمر من تقوم الحجة به عند الناس بأن يؤدي الحديث، أداؤه للحديث أصبح ملزمًا لمن تلقى عنه الحديث ما دام لا يشك في صدقه.
لأنه يؤدى عنه حلال وحرام يجتنب، حلال يفعل وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا، وعقيدة وعبادة إلى آخره، يؤدي كل ما يتلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم بمجرد أن أدى من سمع فقد أصبح حجة على من تلقى، ووجب عليه العمل بما تلقى، وهذا الذي تلقاه إنما هو خبر واحد، ودل الحديث أيضًا على أنه ـ هذا كلام الشافعي، لكنه فائدة إضافية بالإضافة إلى دلالتها على حجية خبر الواحد ـ يعني واحد النبي صلى الله عليه وسلم كلف واحدا هو ليس واحد بذاته إنما كلمة: امرؤ التي قال: ((نضر الله امرأ)) تنطبق على الواحد إذن هذا الواحد سيحمل الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وسيؤديه إلى غيره، وهذا الغير بصرف النظر عن كونه واحدًا أو أكثر، أصبح ما أدي إليه من حديث حجة عليه إن كان في العقائد عليه أن يعمل به إن كان في العبادات عليه أن يعمل به، ولا يملك أن يتوقف ما دام قد وصل إليه النقل بطريق صحيح.
ودل الحديث على أنه قد يحمل الفقه غير فقيه يكون له حافظًا لكنه لا يكون فيه فقيها، وأيضا في الحديث أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلزوم جماعة المسلمين مما يحتج به في أن إجماع المسلمين ـ إن شاء الله لازم ـ هذا هو الدليل الأول وتعليق الإمام الشافعي عليه أو وتوضيحه له وشرحه له، النبي صلى الله عليه وسلم يأمر امرأً يقول يؤده عنا يبقى عليه أن يؤدي، وحين يؤدي إلى غيره هذا الغير أصبح ملزمًا بما أدي إليه من نصوص الأحاديث سواء دلت على عقيدة، أو على عبادات، أو على أحكام، أو على أي جانب من جوانب التشريعات الإلهية.
ينتقل الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- إلى دليل آخر يقول: أخبرنا سفيان قال أخبرني سالم أبو النضر أنه سمع عبيد الله بن رافع يخبر عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما نهيت عنه أو أمرت به، فيقول: لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه))، هذا حديث ورد بصيغ متعددة ورواه أيضا أبو داود في كتاب السنة: باب في لزوم السنة، وأيضا رواه
الترمذي وابن ماجه وغيره في كتب السنة، قال ابن عيينة يعني الإمام البخاري يروي رواية لهذا الحديث مرسلة أخرى يقول: وفي هذا تثبيت الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعلامهم أنه لازم له، وإن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله يعني: الإمام الشافعي يوضح أيضًا هذا "وفي هذا تثبيت" ما معنى كلمة: تثبيت في كلام الشافعي؟ أي: دليل قاطع على الخبر يعني: عن وجوب العمل بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تثبيت وتأكيد، وقطع بوجوب العمل به، دليل حتى هو اختار هذا العنوان للباب كله: الحجة في تثبيت خبر الواحد، لما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا ألفين أحدكم متكئًا على أريكته إلى آخره يقول: لا ندري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه)) ما معنى الحديث؟ يقول النبي صلى الله عليه وسلم يخبرهم أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لازم لهم حتى إن لم يجدوا له نص حكم في كتاب الله.
وينتقل إلى دليل آخر: أخبرنا مالك هذا كلام الشافعي رحمه الله عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: ((أن رجلا قبل امرأته وهو صائم، فوجد من ذلك وجدا شديدا يعني: حزن الوجد هنا بمعنى: الحزن والألم- فأرسل امرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة -أم المؤمنين رضي الله عنها فأخبرتها فقالت أم سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، فرجعت المرأة إلى زوجها، فأخبرته فزاده ذلك شرا وقال الرجل: لسنا مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحل الله لرسوله ما شاء، فرجعت المرأة إلى أم سلمة، فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة، فقال: ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت أم سلمة: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته، فزاده ذلك شرا، وقال لسنا مثل رسول الله -صلى عليه وسلم- يحل الله لرسوله ما شاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والله إني لأتقاكم لله، ولأعلمكم بحدوده)) صلى الله عليه وسلم.
الحديث في (مسند الإمام أحمد) حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج أخبرنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار: أن الأنصاري أخبر عطاء أنه قبل امرأته إلى آخره، الهيثمي في (مجمع الزوائد) جز3 ص166 حكم على هذا الحديث بأن رجاله رجال الصحيح هذا الحديث، ومضمونه ورد في الصحيحين عند البخاري -رحمه الله تعالى-، وعند الإمام مسلم من حديث عمر بن أبي سلمة أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم:((أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سل هذه لأم سلمة فأخبرته أن الرسول صلى الله عليه وسلم يصنع ذلك، فقال يا رسول قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له)).
هذا في كتاب الصيام باب: المباشرة للصائم عند كل من البخاري ومسلم، إذن هو حديث صحيح بماذا يعلق عليه الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول في ذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم:((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) دلالة على أن خبر أم سلمة عنه مما يجوز قبوله؛ لأنه لا يأمرها بأن تخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وفي خبرها ما تكون الحجة لمن أخبرت، انظر لاستدلال الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- بهذا الأمر أو بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأم سلم:((ألا أخبرتيها)) هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يطلب من أم سلمة أن تخبرها؟ وخبر أم سلمة ليس ملزما، وليس حجة، ولا يقوم به الدليل، أو لا تقوم به الحجة عند المرأة التي تقولها له.
هذا لا يقول به عاقل النبي صلى الله عليه وسلم لا يأمر أن تخبر إلا إذا كان خبرها حجة يلزم من تلقاه بأن يعمل بمضمونه؛ لأنه خبره حجة نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.