الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس العاشر
(تابع: الحديث المتواتر - حديث الآحاد (1))
شروط الحديث المتواتر، وأقسامه، ومؤلفات العلماء فيه
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزوجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد.
ففي الدرس الماضي بدأنا كلامنا عن المتواتر والآحاد، ذكرنا تعريف ابن حجر -رحمه الله تعالى- وتعريف البغدادي، وتعريف ابن الصلاح -رحم الله الجميع، ورضي عنهم أجمعين-:
وقلنا: إن هذه التعاريف تحمل في طياتها الشروط التي لا بد من توافرها في الحديث المتواتر، ونجمل هذه الشروط كما ذكرها ابن حجر وغيره فيما يلي:
أول شرط العدد الكثير، وذكرنا مناهج العلماء أو اعتبارات العلماء في قضية العدد، وفي تحديد العدد، ولا نرجع إليها إنما نحيل إليها، ونقول: إن العدد إما أن نقول إنه إذا توفر عشرة من الصحابة بطرق صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا الحديث متواتر، وهذا أشار إليه السيوطي -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه، ومنها أن نقول: إن العدد إذا حصل الاطمئنان إلى صدقه وإلى عدم وقوع الكذب منه وله اتفاقًا فقد بلغ التواتر أيًّا كان الرقم.
وقلت أيضًا: إن الذي جرى عليه عملهم في مؤلفاتهم سواء وهم يشرحون الأحاديث يعرجون على هذه القضية أو في الكتب التي جمعت الأحاديث المتواترة حين يجمعون عشرة من الصحابة رووا الحديث، فيعدونه في الأحاديث المتواترة.
إذا رجعنا إلى مؤلفاتهم في هذا سنتأكد من ذلك، ونحن بإذن الله سنذكر بعض مؤلفاتهم في التواتر، إذن العدد الكثير.
ثانيًا: أن يطمئن القلب والعقل إلى عدم اتفاقهم على الكذب، وأن الكذب لا يقع منهم، ولو من قبيل المصادفة.
والشرط الثالث: أن يتوافر هذا العدد المطلوب بتلك الصفات؛ أي باطمئنان القلب والعقل لهم في كل حلقة من حلقات الإسناد؛ يعني لو اختل العدد أو اختل اطمئنان القلب والعقل ولو في حلقة واحدة من حلقات الإسناد فقد فقد
الحديث شرط التواتر. نحن عرفنا معنى الإسناد، ومعنى كل حلقة فيه، يريد العلماء في كل حلقة توافر العدد واطمئنان القلب والعقل معهم، وجعلوا ذلك شرطًا ثالثًا من شروط الحديث المتواتر.
الشرط الرابع: أن يكون منتهى خبرهم الحس، ما معنى هذا الشرط؟
منتهى خبرهم يعني: الخبر الذي ينقلونه لنا في النهاية، حلقة سلمت حلقة إلى أن وصل الأمر إلى الخبر الذي ينقلونه، لا بد أن يعتمد هذا الخبر على أداة من أدوات الحس المعتمدة عند أهل العلم، مثلًا يقولون رأينا أو سمعنا أو تذوقنا أو شممنا مثلًا مجرد مثال توضيحي؛ يعني رأيت كتابًا موضوعًا على المنضدة مثلًا فظننته كتاب (الأم) للشافعي، فظننته لا تصلح، لا يكون الخبر متواترًا حتى لو نقله لنا ملايين لأنه ليس منتهى الخبر الآن الاعتماد على الحس.
الاعتماد على الحس يفيد مزيدًا من اليقين، مثلًا لو قال عشرة من طلاب العلم: رأينا الكتاب موضوعًا على المنضدة، وقرأنا عنوان الكتاب، واسمه، إذن نعتمد هنا على الحس على القراءة بالعين، وقرأنا اسم الكتاب فوجدناه كتاب (الأم) للإمام الشافعي.
رأينا جوالًا أبيض فظنناه مملوءًا بالسكر لا، إنما فتذوقناه فوجدناه سكرًا أو ملحًا مثلًا هذا يعتمد على الحس، وهكذا. رأينا مثلًا زجاجة أو آنية بها ماء أو بها سائل، فظنناه ماء، لا، لا يصلح، إنما فشربناه فوجدناه ماء اعتمد هنا على التذوق، وهكذا.
إذن لا بد من أن يعتمد خبرهم على الحس، وكما لاحظنا من خلال الأمثلة التي ذكرناها، فإن الحس هنا يكسب الخبر مزيدًا من التوثيق، ومزيدًا من اليقين حتى يقبله العقل والقلب معًا.
هناك شرط ذكره ابن حجر، وهو أن يفيد الخبر اليقين أو القطع لدى سامعه؛ يعني أنت بمجرد أن تسمعه يتأكد لديك صدق الخبر ويقين مضمونه، يعني أن
مضمونه متيقن مائة في المائة، أيًّا كان مضمون الخبر يعني يخبرون بحديث يخبرون بأي أمر من الأمور، سافر محمد مثلًا، هذا خبر قاله عشرة، فأصبح خبرًا متواترًا.
الشرط الخامس: أن قلبك كمستمع يتأكد ويتيقن من هذا الأمر. هذا معنى قولهم يفيد اليقين لدى سامعه.
كثير من العلماء يقول: إن هذه نتيجة، وليست شرطًا؛ يعني لا ينبغي أن نعتبره شرطًا من شروط التواتر، بل هو نتيجة للتواتر؛ يعني أنا إذا توفر العدد المطلوب في كل حلقة واطمأن القلب والعقل إلى صدقهم، وتوافر ذلك في كل حلقة من حلقات الإسناد، وكان منتهى خبرهم الحس، فإن النتيجة الحتمية المترتبة على ذلك هي أن نتأكد، وأن نثق، وأن نتيقن، وأن نقطع بصدق الخبر؛ يعني أي مستمع يسمع بهذا.
فإذن هو نتيجة، وليس شرطًا، وبالتالي فإننا في النهاية نقول: إن شروط المتواتر أربعة، هي: أن يتوافر العدد في كل حلقة، وناقشنا فضيلة العدد، وأيضًا أن يطمئن القلب والعقل إلى وقوع الخبر يعني إلى صدقهم وأمانتهم، وهذا الشرط الثاني، هذا له صلة بمواصفات العدد يعني ليس العدد فقط.
لنفترض مثلًا أن مجموعة من الناس أجمعوا على خبر هم أصحاب مصلحة فيه، كأن يخبروا عن من يتحاربون فقال فريق: إنا قتلنا من الفريق الآخر مائة مثلًا. هذا القول قد يقوله ملايين، لكنهم أصحاب مصلحة فيه، فهنا العقل والقلب لا يطمئنان أبدًا إلى صدق خبرهم، مهما كان عددهم، لماذا؟ لأنهم تطرق الشك إلى مضمون الخبر من كونهم أصحاب مصلحة فيه، وهكذا.
أيضًا الشرط الثالث كما قلنا أن يتوافر العدد في كل حلقة من حلقات الإسناد، وأن يعتمد الخبر في نهايته على الحس، ولا يعتمد على شيء من غير الحس.
هذه هي شروط الحديث المتواتر، نقول بعد ذلك انتقالًا إلى نقطة جديدة، إذا أصبح الخبر متواترًا ما الدرجة التي يفيدها من العلم؟ يعني توفرت هذه الشروط في أي خبر من الأخبار، بصرف النظر عن كون هذا الخبر حديثًا أو ليس حديثًا، كما ذكرنا قبل، يعني مثلًا إذا قالوا لنا: محمد سافر. إذا قالوا لنا: إن أمريكا فعلت كذا وكذا. إذا قالوا لنا: إن أول شهر ذي الحجة يوم كذا. أيًّا كان الخبر ما درجة العلم التي تقع في خاطري أو في عقلي نتيجة هذا الخبر؟
هو أولًا خبر متيقن؛ يعني مقطوع بصدقه يقينًا، وأنا هنا يعني أشير في إيجاز حتى تتضح المسألة؛ لأني سأحتاجها في قضية المتواتر، وسأحتاجها في قضية الآحاد، وسأحتاجها وأنا أرد الشبه عن حديث الآحاد؛ لأن هذه الشبه دراستها والرد عليها وتفنيدها هو الغرض الأساسي من إثارة هذا الموضوع، ونحن في مادة تتعلق بالدفاع عن السنة المطهرة.
المتواتر، إذا أصبح الخبر متواترًا أفاد القطع كما قلنا، ما معنى القطع؟ يعني أن السامع قد تيقن بأن الخبر صحيح، بالنسبة للأحاديث النبوية إذا كان الحديث متواترًا قطعنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، هذا معنى القطع يعني قطعنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، وأن نسبة هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم نسبة يقينية مقطوع بها.
هذا القطع وصلنا إليه عن طريق تواتر الخبر، بعد أن يتواتر الخبر لا نحتاج إلى أدلة أخرى؛ لأن القطع في مسألة ما نصل إليه بوسائل كثيرة، مثلًا إذا قلنا: إن السماء فوقنا، وإن الأرض تحتنا، هذه قضية مقطوع بها، مبنية على المشاهدة، نحن نشاهد السماء فوقنا، والأرض تحتنا، فنحن وصلنا إلى القطع هنا عن طريق المشاهدة.
أيضًا إذا قلت: إن الواحد نصف الاثنين، هذه مسألة بدهية، وصلنا إليها بالقطع بها، لا نجادل ولا نماري فيها بالبداهة.
أيضًا قد نصل إلى القطع بعد نظر واستدلال؛ يعني نستدل على مسألة ما، وبعد الاستدلال قطعنا بمضمون الخبر، كان الخبر قبل هذه الأدلة احتماليًّا؛ يعني نعم أو لا سيان، أو ترجيح أحدهم على الآخر، لكننا لم نصل إلى القطع، سأضرب مثالًا وأرجو أيضًا أن نكون على ذكر منه؛ لأنني أيضًا سأحتاجه في قضية خبر الآحاد، مثلًا، من الأمثلة الواضحة لهذا نظريات هذه الهندسة، مثلًا إذا أخذنا نظرية من النظريات، مثلًا نظرية "فيثاغورس" في المثلث القائم الزاوية "المربع المنشأ على الوتر يساوي مجموع المربعين المنشأين على الضلعين على الآخرين".
هناك نظريات هندسية كثيرة، ومعظم السامعين الآن قد درسوا شيئًا من الهندسة "المثلث المتساوي الأضلاع متساوي الزوايا" هذه نظرية، كيف نصل إلى اليقين فيها؟ هل هي حقيقة أو غير حقيقة؟ المثلث المتساوي الأضلاع متساوي الزوايا إذا كانت أضلاعه متساوية فزواياه متساوية، يعلموننا في الهندسة مثلًا هذا الترتيب، رأس النظرية يقولون مثلًا الفرض أي: الأمر المفترض الذي يحتاج إلى إثبات، ويكتبون رأس النظرية: المثلث المتساوي الأضلاع متساوي الزوايا.
المطلوب إثبات ذلك، المطلوب إثبات رأس النظرية هذه، البرهان هو هذه الأدلة بما أن وبما أن، لو أننا كلنا نتذكر الآن دراستنا للهندسة، سنجدهم أنهم كانوا يعلموننا إثبات صدق النظرية بهذه الطريقة: الفرض، المطلوب، البرهان. والبرهان بما أن، وبما أن وبما أن، أصل إلى رقم 4، وهي النتيجة.
إذن النتيجة أن المثلث المتساوي الأضلاع متساوي الزوايا، كانت هذه النتيجة نظرية، مجرد فرض، مجرد احتمال قبل أن أستدل عليها، فلما استدللت عليها أصبحت قضية يقينية مقطوعًا بها، كيف وصلت إلى هذا اليقين والقطع؟
عن طريق النظر والاستدلال، هذه أمور تدرس في علم المنطق والبحث والنظر
والاستدلال، أنا أشير إليها لارتباطها بما نحن فيه؛ يعني أنا أصل إلى القطع في مسألة ما، في خبر ما، بطرق بهذه الطرق التي أشرت إليها وبغيرها، كما قلت بالمشاهدة والنظر بالفطرة والبداهة أو بالبداهة، بتواتر الخبر، بالنظر والاستدلال، لكن المحصلة في النهاية هي أن أصبح مضمون الخبر يقينيًّا ومقطوعًا به.
نحن نقول: إن القرآن ثبت بالتواتر يعني: رواه جمع عن جمع، أصبح كل حرف من حروف القرآن يقينيًّا، لا يستطيع أحد أن يماري أبدًا في أمر ولو حرف، لن أقول كلمة أو آية، ولو حرف واحد، ولذلك قال علماؤنا، إن منكر حرف واحد من حروف القرآن كافر؛ لأنه أنكر التواتر.
إذن التواتر أفادني العلم الضروري، العلم الضروري يعني العلم الذي بمجرد أن يتوافر الخبر لا أحتاج بعده إلى أن أستدل بأدلة أخرى، أنا عندي فقط أن أثبت أن هذا الخبر نقل إلينا بالتواتر، محمد سافر نقل إلي بالشروط التي ذكرناها: جمع عن جمع، يستحيل كذا إلى آخره التي ذكرناها، متى تواتر الخبر، فأنا لا أحتاج بعد ذلك إلى أدلة أخرى لأثبت أن محمدًا قد سافر، وإنما قضية سفره أصبحت قضية يقينية مقطوعًا بها لا يماري فيها إلا مجادل.
سيكون بحثي في المتواتر أن أثبت أنه متواتر فقط، فإذا ثبت لدي التواتر بالشروط التي ذكرناها أصبح الخبر يقينيًّا.
إذن هذه أهم النقاط التي أتكلم فيها في الخبر المتواتر تعريفه لغة واصطلاحًا، شرح هذا التعريف وهو المتضمن لشروط التواتر، ثم نتيجة العلم المترتبة على هذا التواتر، أنا عندي بعض النقاط الأخرى في التواتر، مثلًا الحديث المتواتر له قسمان؛ التواتر اللفظي، والتواتر المعنوي، والتواتر اللفظي هو: ما تواتر لفظه ومعناه؛ بمعنى أن الرواة جميعًا قد اتفقوا على لفظ واحد؛ يعني رووه باللفظ والمعنى معًا، ليس بالمعنى فقط، فألفاظهم جميعًا اتفقت.
يضربون مثالًا مشهورًا لهذا الحديث المتواتر لفظًا ومعنى حديث ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) هذا الحديث يعني بعض العلماء الذين عدوا الصحابة الذين رووه، بعضهم وصل به إلى أكثر من تسعين صحابيا، أو مائة صحابي، مثل الزبيدي في (لقط اللآلئ المتناثرة) لكن محل الكلام هنا أنه متواتر لفظًا ومعنًى.
عندي تواتر معنى؛ يعني الحديث متواتر، لكن ألفاظه ليست واحدة، أوضح مثال لهذا أحاديث الحوض، أحاديث الحوض متواترة؛ يعني متيقنون أن الحوض موجود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به، وأن أحاديثه بلغت حد التواتر، وكما قلت إن ابن حجر -رحمه الله تعالى- أشار إلى أن بعض المتأخرين عني بجمع طرقه، فوصلت إلى ثمانين صحابيًّا.
أيًّا ما كان الأمر، لو أنا نظرت إلى روايات حديث الحوض، سأجدها روايات متعددة، مثلًا بعضها يقول "حوضي مسيرة شهر" يعني مساحته مسيرة شهر، بعضها يقول "ما بين مكة مثلًا إلى صنعاء" أو "ما بين أذرح إلى أذرعات" إلى آخره، يعني ذكر مدنًا متعددة لبيان المسافة أو مساحة الحوض أنا لن أنتقل إلى شرح حديث الحوض أنا أضربه مثالًا للتواتر الذي يعني ورد بالمعنى روايات كثير جدًّا وردت في مساحة الحوض، كلها تؤكد أن الحوض موجود، وهذا هو القدر الذي نقوله: إن الحوض يقيني أو إن خبر الحوض خبر متواتر، لكن بألفاظ متعددة.
عندي أيضًا تواتر ثبت فيما يسميه العلماء بتعدد الواقعة، يعني هناك وقائع متعددة فيها أمر مثل قدرًا مشتركًا بينها جميعًا، يضربون مثالًا لهذا يقولون مثلًا أحاديث رفع اليدين في الدعاء، بعض العلماء يقول إنه قد ورد في أكثر من مائة واقعة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يده، وهو مثلًا في الاستسقاء، وهو يدعو على
رعل وذكوان في قصة بئر معونة أو الرجيع، وهو يستنصر الله عز وجل في بدر، وهو في البناء الذي بنوه له لكي يمكث فيه النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويتضرع إلى ربه.
رفع اليدين في الدعاء لم يأت من رواية واحدة بالتواتر إنما عندي عشرات الوقائع، وكلها تقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيها فيرفع يديه، هذه الوقائع المتعددة وصلت حد التواتر، دعاء في الاستسقاء، دعاء في الحرب، دعاء على قوم كادوا ضد المسلمين إلى آخره، هنا دعاء الواقعة مختلفة، لكن القدر المشترك بينها أنه كان يرفع يديه في هذا الدعاء، هذا أيضًا يسمونه التواتر بتعدد الواقعة.
إذن التواتر له قسمان، متواتر لفظي، ومتواتر معنوي، أيضًا التواتر موجود بكثرة الأغلب في أحاديث السنة أنها أحاديث آحاد، ولذلك كانت قضية حديث الآحاد وحجيتها يعني قضية مهمة جدًّا، وهي من أخطر المسائل التي أثارها أعداء السنة كشبهة يحاولون أن يقضوا بها على السنة تمامًا أو أن يفقدوا المسلمين العمل بها تحت حجة أنها آحاد وليست متواترة.
أنا أذكر فقط بعض المعلومات عن الحديث المتواتر حتى أنتقل إلى حديث الآحاد.
بعض العلماء كابن الصلاح مثلًا قال: إن الحديث المتواتر عزيز؛ يعني نادر في السنة، لكن إذا نظرنا إلى الكتب التي جمعت الأحاديث المتواترة، نجدها كثيرة بعضها أكثر من مائتين حديث، لكن أيضًا في النهاية سيبقى أن الحديث الآحاد هو عمدة السنة، وهو الأغلب فيها، ولكن ليس التواتر نادرًا إلى الحد الذي عبر عنه بعضهم بأنه نادر جدًّا إلى درجة القلة الغريبة، لكن كما قلت هو موجود بإذن الله تبارك وتعالى.
وهناك بعض الكتب التي ألفها العلماء في الحديث المتواتر، ونحن نقولها تمامًا للفائدة، لمن أراد أن يقتني مرجعًا أو أكثر في مسألة الأحاديث المتواترة، هناك السيوطي له (الفوائد المتكاثرة في الأخبار المتواترة) ثم (الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) وهذان الكتابان أشار إليهما الكتاني في (نظم المتناثر في الحديث المتواتر) لأبي الفيض جعفر بن الحسن الكتاني، وكتاب السيوطي موجود على كل حال.
وأيضًا (البرهان) الزركشي ألف قبل السيوطي كتابًا في الأحاديث المتواترة، أشار إليه السخاوي في (فتح المغيث) عندي (اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة) لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن محمد بن علي بن طولون الحنفي الدمشقي الصالحي. وعندي أيضًا (لقط اللآلئ المتناثرة في الأحاديث المتواترة) لأبي الفيض محمد مرتضى الحسيني الزبيدي المصري.
الكتب موجودة كثيرة، مطبوعة، وهي اقتناؤها لا يكلف جهدًا، ولا حتى مالًا لأنها كلها تقع في مجلد واحد؛ يعني أقصد أي كتاب مؤلف في الأحاديث المتواترة، في الأعم الأغلب هو في جزء واحد، فاقتناؤه ليس صعبًا، ويعني من الأفضل أن يكون في مكتبة كل عالم من أهل العلم، لا أقول من الأفضل، بل لعله من الأوجب، وخصوصًا أهل العلم خاصة، ولأهل الحديث على وجه الخصوص أن يكون في مكتبتهم بعض الكتب، إن لم يكن كل الكتب المتعلقة بالأحاديث المتواترة.
وعادة أصحاب هذه الكتب يذكرون الحديث المتواتر، ويذكرون الأدلة على تواتره وذلك بذكر من رواه من الصحابة، وبعضهم يزيد فائدة مثل صاحب (لقط اللآلئ المتناثرة) فيقول مثلًا رواية أبي هريرة في البخاري، رواية أنس في الصحيحين، وهكذا، يعني يعطيني مزيدًا من الفائدة ببيان رواية كل صحابي، وأين توجد في كتب السنة.
عندنا أحاديث كثيرة، نذكر بعضها كأمثلة مثلًا، ذكرنا حديث ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) كمثال للمتواتر الذي فيه التواتر اللفظي والمعنوي معًا، وكثير من العلماء ذكره كمثال لهذا.
أيضًا ((الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة)) وفي بعض الروايات ((رؤيا المؤمن)) هذا رواه عشرة من الصحابة: أبو هريرة، وابن عباس، وابن عمر،