الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دائمًا في موقف الدفاع، ويحصروننا في الدائرة الضيقة، هم يوجهون التهم وعلينا أن ندافع، يوجهون التهم إلى موقف الإسلام من المرأة موقف الإسلام من الميراث موقف كذا، وكما قلت: أنا أركز على دراستي للسنة.
إذن، انطلق من موقف عدائي للإسلام، يشهد الله أننا لا نفتعل معارك، إنما هذه هي الحقيقة، والله عز وجل سجل ذلك في القرآن الكريم:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} (البقرة: 105) وقوله تعالى أيضًا: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ @@ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (البقرة: 109).
إذن، القرآن يسجل موقفهم قديمًا وحديثًا، ومهما يكن من أمر فإنهم قد انطلقوا من هذه الروح العدائية التي اتجهوا بها ناحية الشرق، لغرض الاستعمار والتبشير، والسيطرة على الأمة الإسلامية، وإضعافها، أو القضاء عليها اقتصاديًّا وسياسيًّا
…
إلى آخره.
منهج المستشرقين وقواعدهم الجائرة في دراسة الإسلام
بعد هذه اللمحة في تعريف الاستشراق ومنطلقه وأغراضه الأساسية في الدراسة، نتكلم الآن عن منهج المستشرقين في دراسة الإسلام، والمستشرقون لهم منهج على عكس ما يزيفون به وعلى عكس ما يخدعوننا به.
بكل أسف كثير منا خُدع بكلام المستشرقين، وكأنهم يسوقون الكلام في قوالب علمية أو في قواعد دقيقة! هم أبعد ما يكونون عن ذلك بالأدلة العملية الواقعية التي تؤكد هذا، هم يحاولون أن يلبسوا دراستهم أثواب الدراسة العلمية الدقيقة، يُكثرون جدًّا لدرجة المبالغة في كثير من الأحيان من استعمال مصطلحات
خادعة، مثل قولهم: التحقيق، الموضوعية، التدقيق، التمحيص، هو منهجهم في كل ما يبحثونه، يزعمون أن دراساتهم محايدة لا تفرق بين عدو أو صديق أو قريب أو بعيد، ويقولون: إنهم يعتمدون على المنهج التجريبي وعلى المنهج العلمي، وأنهم يدرسون العقائد الدينية على أسس، ووفقًا لقواعد مستمدة من العقل ومن المنطلق.
كل هذا زعم، وهذا كلام بعيد جدّا عن الحقيقة، لا توجد هناك أمانة علمية ولا ثوب علمي، ولا يمتون إلى ذلك بصلة، حتى من وُصف منهم بالإنصاف والدقة، ومحاولة إظهار الحياد، كثير من علمائنا الذين درسوا الاستشراق يقطعون بأنه لا يُوجد مستشرق محايد ولا نزيه، حتى مَن أصدر بعض الكلمات التي يُشعر ظاهرها بالإنصاف للإسلام ولنبي الإسلام، إنما هو دَسٌّ للسم في وسط العسل كما يقولون، للخداع، أنت حين تجد جملة يمدحون فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو القرآن تتصور أن القوم منصفون، فتقرأ كلامهم إلى نهايته، فيدسون السم في العسل، فينخدع بهم مَن لا رصيدَ من العلم والثقافة من ورائه، أو من يعتمد عليهم فقط، أو مَن يحسن النية بهم، ويصدقهم في دعاواهم من اتباع المناهج العلمية إلى آخره.
ملامح المنهج أو القواعد التي يحتكمون إليها ومدى بُعده عن الحقائق العلمية، وعن المناهج العلمية المتبعة عند كل العلماء في كل زمان.
هل تتصور أن هناك منهجًا علميًّا رصينًا ممن ينطلقون المنطلق الأساسي كان من موقف عدائي كما ذكرت قبل؟ الغرض نفسه من الاستشراق يدينهم، الغرض التبشير، الغرض استعمار البلاد الإسلامية، الغرض السيطرة على مقدّرات الإسلام، هل يصدق العقل أو المنطق أن مَن ينطلق من هذه الروح العدائية
سيكون حياديًّا في دراسته حتى وإن خدعنا أو حاول أن يزيّف علينا بإظهار أن بحثه يلبس الثوب العلمي، هذا لا ينخدع به إلا البسطاء، أما الحمد لله رب العالمين، علماؤنا الذين تصدوا لدراسة الاستشراق بينوا زيف هذا الكلام.
تحديد معالم منهجهم:
كثير من الباحثين لخص منهج المستشرقين في تناولهم للدراسات الإسلامية تلخيصًا حسنًا، نعتمد نحن عليه هنا، وذكرنا المصادر، وسنذكر أيضًا المصادر الأخرى لمن يريد أن يرجع إليها.
أول سمة من سماتهم يقبلون على دراسة النصوص بفكرة مسبّقة، ويقدِمون أيضًا على دراسة الإسلام بفكرة مسبقة، الإسلام متهم، هم يدرسون الإسلام المتهم؛ ليثبتوا أنه متهم فعلًا، فهو لا ينطلق من البحث عن الحقيقة، تخيّل أنا أعتقد أنك متهم بشيء ما، فدراستي ستقوم على البحث عن الأدلة التي تؤكد اتهامي، أنا لم أنطلق في دراستي من البحث عن الحقيقة، لا، أنت في نظري متهم بأنك القاتل مثلًا، كل دراستي ستتجه إلى إثبات أنك القاتل، هل أنا تجردت عن هذا الأمر وبحثت عن الحقيقة: من القاتل؟ لا، أنا عندي قناعة مسبّقة بأنك القاتل مثلًا، إذن كل دراساتي ستدور في هذا الإطار، هو نفس ما فعله المستشرقون؛ أقدموا على دراسة الإسلام بفكرة مسبقة، خلاصتها: أن الإسلام متّهم في تشريعاته وفي عقيدته، متهم في ظلمه للمرأة، وأقم الأدلة على ذلك، متهم أنه إرهاب يدعو للقتل وأقم الأدلة على ذلك، إلى آخر ما كُتب.
وهم يطبقون قاعدة: أن خير وسيلة للدفاع هي الهجوم، هم دائمًا يضعوننا في موقع الاتهام، وعلينا أن نثبت أننا غير متهمين، انظروا إلى هذه المعادلة العجيبة؛
كل هَم المسلمين أن يثبتوا أنهم غير متهمين، ونفي هذه التهمة هم نجحوا فيه، أنت إرهابي؛ لكي تثبت أنك لست إرهابيًّا اترك الجهاد. أنت لا تظلم المرأة، إذن شرّع قوانينَ تخالف شرع الله بالمساواة في الميراث وبالسماح بالتبرج، وما إلى ذلك، هذا الإصرار على الاتهام جعلنا في موقع المدافع دائمًا الذي لا يملك المبادرة، والأخطر من كل هذا أنه جعلنا لكي ننفي التهمة ونثبِت أن هذا الكلام غير صحيح، تجدنا في النهاية نترك بعض أمور ديننا، وفي النهاية هم لا يرضون بعد كل ذلك:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (البقرة: 120).
إذن، أول خصيصة منهم أنهم أقبلوا على دراسة الإسلام بفكرة مسبقة، خلاصتها أن الإسلام متهم في كل جوانبه، وعليه أن يثبت العكس، واقتربوا من الإسلام لكي يؤكدوا هذا الفهم، وليس لكي يبحثوا عن الحقيقة؛ ولذلك أنا أقول: هم يقدمون نظرية غربية نحو الإسلام، وليس دراسة علمية، هم -كما قلت- حكموا على الإسلام أولًا، ثم راحوا يؤكدون هذا الحكم من خلال دراستهم، وهذا خلل في المنهج العلمي خطير، المفروض أنني أعرض رأيك كما هو من خلال مصادرك أو من أقوالك، ثم إذا بان لي أن هذا الرأي يحتاج إلى نقد أو إلى تصحيح أبيّن بالأدلة.
انظروا إلى الفرق، هذه من القواعد المقررة عند علمائنا؛ أنك إذا نقلت عن عالم خطأ فقد ظلمتَه، ومن الممكن أن تحاسَب على ذلك، ينبغي أن تنقل عن العالم بدقة رأيه وفهمه، إذا لم تفهمه لا تتعرض له، أما إذا فهمته وتحاول أن تشوّش عليه؛ فهذا ظلم بيّن، يبدأ الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم:((مَن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار))، ويستمر الأمر في تحريم الكذب على كل الخلق، بأي صورة من الصور، ومن أبشع صور الكذب أن تنقل رأيه خطأً وأنت تعلم أنك مخطئ في نقل أو في تصوير هذا الرأي، إنما تفعل ذلك لكي تخدم أغراضك، فهم يُقبلون
على الدراسة للإسلام انطلاقًا من فكرة مسبقة، ثم يضعون المسلمين والإسلام في قفص الاتهام، وعليهم أن يثبتوا العكس.
من خصائصهم: أنهم يشرحون الإسلام، أو يقدمون الإسلام من وجهة نظرهم هم، وليس من خلال حقيقة الإسلام، أو من خلال فهم علماء الإسلام للإسلام، كما قلت: أي نظرية أنا أريد أن أنقد النظرية الشيوعية، عليّ أن أقدمها أولًا كما هي، ثم أبين مثالبها وعيوبها، أي نظرية! هم -كما قلت- يقدمون الإسلام من وجهة نظرهم، ثم بعد ذلك يحكمون عليه كما فهموه هم، وليس كما هو عند المسلمين، أو كما تعمدوا أن يشوّهوه في الحقيقة، هم أحيانًا يفهمونه على الوجه الصواب، لكنهم يحسدوننا، فيمنعون إظهار الحق، هذا التناول هذا المنطلق جعلهم -كما قلت- يقدمون الإسلام من وجهة نظرهم، وليس من وجهة نظر أبنائه، من خلال مصادره من خلال القرآن والسنة ومن خلال فهم علماء الأمة للقرآن والسنة، إنما فقط -كما قلت- من فهمهم.
ثالثًا: قطعوا النصوص من سياقها: حتى النصوص الإسلامية ممكن يستشهد بكتابات المسلمين: الإمام النووي في (شرح مسلم) ابن حجر وهذا منهج في منتهى الخطورة؛ هذه النصوص ممكن أن يؤولها أو أن يقطعها من سياقها؛ أن يؤولها بما يخدِم فِكرَه، ما معنى يقطعها من سياقها؟ يعني: الكلمة في وسط السياق لها مفهوم، لكنه يقطعها من وسط السياق؛ لتخدم فكرة عنده، سأضرب مثالًا من عمل أحد العلماء المسلمين الذي تأثر بالدراسات الاستشراقية، مع أن كتابه في السيرة كتاب طيب، لكن انظروا إلى بعض الصنيع، هو لم يعتمد في كتابه في السيرة على القرآن والسنة كمصادر، وقال: أنا اعتمدت على المنهج التجريبي والمنهج العلمي كما يقول المستشرقون تمامًا، لما عوتب: لماذا لم تعتمد على السنة الصحيحة والسيرة التي كتبها علماء المسلمين؟ حاول أن
يُدافع عن منهجه الذي اختاره، فكان مما قال: أنا لم أعتمد على السنة؛ لأن السنة في مصادرها حولها كلام، وتأخر تدوينها.
تلك الطنطنة التي يتشدقون بها في كل وقت وحين، وهي مردود عليها من أساسها، ولكي يؤكد هذا قال: نحن نعلم أن (صحيح مسلم) هو ثاني المصادر الإسلامية بعد (صحيح البخاري)، الإمام النووي في مقدمة شرحه لـ (صحيح مسلم) يقدم مجموعة من الفصول، من ضمنها أنه يرد على مَن ادّعوا أن مسلمًا روى عن بعض الضعفاء، يبين وجه الرواية هذه، فماذا قال النووي رحمه الله؟ وضع عنوانًا قال فيه: عاب عائبون مسلمًا لروايته عن الضعفاء.
هذا العنوان وضعه النووي لكي يرد عليه والجواب شرع في الجواب، فماذا فعل هذا العالم الذي يقولون: إنهم يتحلون بالمنهج العلمي وبالحياد إلى آخره، جاء بهذه الكلمة مبتورة من سياقها، وكأن النووي رحمه الله يقر بأن هذا من العيوب التي وجهت لمسلم، يعني: هو جاء بها كإقرار من النووي رحمه الله بأنه مع هذا العيب الذي وجهه العائبون لـ (صحيح مسلم) أنه روى عن الضعفاء، ها هو النووي يعترف بأن مسلمًا فيه رواية عن الضعفاء، مع أن النووي قد أتى بالكلمة؛ ليرد على هذه الفِرية من أساسها.
إذن، هم أقبلوا على دراسة النصوص بفكرة مسبّقة، هم قدّموا الإسلام من وجهة نظرهم، هم أوّلوا النصوص؛ بالنسبة للنصوص فعلوا فيها الأفاعيل، تخيروا النص الذي يخدم فكرهم، أولوه إن عاكسهم على غير وجهه، صرفوه عن غيره وجهه، على الوجه الذي يرضي أفهامهم، بتروه من سياقه -كما قلت- حرّفوا في بعض كلمه، كما سنثبت بالأدلة، هذه كلها مواقف من منهجهم العلمي، الذي يزعمون أنهم اتبعوا المناهج العلمية الدقيقة في دراسة الإسلام.
أيضًا، هم يحللون الإسلام من خلال الدراسات الأوربية الغربية، بمعنى: يعتمدون على ما قاله المستشرق الفلاني، على ما قاله المستشرق العلاني، ما خطورة هذا الأمر؟ حين تُقدم على دراسة الأمر؛ يعني: مثلًا أنا لو درستُ مجتمعًا يبيح أكل بعض المحرمات التي ليست عندنا، هم لا يؤمنون بالإسلام حتى يؤمنوا بهذا حرام، إنما ممكن أنقد لو كان فيه ضرر صحي مثلًا وما إلى ذلك، إنما كونه حرام يحتاج أولًا إلى إيمانهم بالإسلام، ماذا يقولون؟ أن تدرس الأمر بعقليتك أنت بوجهة نظرك أنت، هذا أمر خطير، من أسوأ المناهج العلميّة، لماذا؟
مجتمعك مثلًا لا يرى عيبًا في عري النساء وهناك مجتمع يرفضه انطلاقًا من شريعته، حين يدرس دارس من المجتمع الذي يبيح عُري النساء المجتمع الذي لا يبيحه، سيكون منتقدًا وعيبًا من وجهة نظره؛ لأنه حكّم عقليته ومنهجه هو في الدراسة، لم يقل مثلًا: إنه محرم عندهم ويحترم هذا التحريم، لا، إنما عابه عليهم، أنا أضرب مثالًا لخطورة الاعتماد على هذا المنهج، أن تدرسني بعقليتك أنت وليس بعقليتي أنا أو بقيمي أنا أو بمصادري الشرعية، تحكم عليّ من خلال ما تربيت عليه أنت، لا.
عري النساء عندهم ليس عيبًا، يرونه حرية شخصية، أن تكشف المرأة عن مساحات واسعة من جسدها، هذا ليس عيبًا! أن تصادق خليلًا ليس عيبًا! لكننا نرفضه، هذا الذي يقبل هذا الأمر حين يتكلم عن مجتمعنا مؤكّد سينتقدنا، بينما هو مجتمع أخلاقي مثلًا، يبحث عن العفة والطهارة، له مقاييسه التي يرجع إليها، وليست مقاييسي أنا، التي يحكم عليها، هذا في الحقيقة خلل علمي رهيب، لا يمكن محاكمة منهج على غير قواعده، ولا محاكمة عصر على غي
ر عصره، مثلًا واحد يقول: الخلفاء الراشدون لم يكن حكمهم ديمقراطيًّا؛ لأنه لم يكن عندهم مثلًا مجلس نيابي، هذه سفاهة، يقيسون الديمقراطية بمقاييسهم هم، وأن الخلفاء الراشدون ليسوا ديمقراطيين؛ لأنه لم يكن عندهم مجلس نيابي! ما هذا السفه؟! لا يمكن محاكمة عصر على مناهج عصر آخر، أو محاكمة مجتمع على قيم ومبادئ مجتمع آخر، أو على أشخاص وسلوكهم أو فهمهم
…
إلى آخره.
هذا من الخلل في المناهج العلمية، والذين يزعمون أنهم يتبعون المناهج العلمية في الدراسة هم يخالفونها، فإذن أنت حين تحاكمني تحاكمني إلى قيمي ومبادئي، أضرب أمثلة من أجل أن أوضح خلل المنهج الذي احتكموا إليه: النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بنتًا صغيرة، هذه جريمة كبيرة!! مَن الذي قال؟ هل المجتمع كان يرفضها؟ هل انفرد النبي صلى الله عليه وسلم بها؟ لذلك لم نجد واحدًا من المشركين العتاة في عدائهم للإسلام عابوا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهم كانوا في خندق العداء للإسلام، لماذا؟ لأن الأمر كان مألوفًا عندهم.
أما أنت تأتي بعد أربعة عشر قرنًا وتحاكم الإسلام ونبي الإسلام وأخلاق الإسلام على قيمك أنت -على فسادها- وتزعم أن هذا هو الحق، ثم تثير الشبه وتخطئ في حق الآخرين، وتدعي أنك تتبع المناهج العلمية الرصينة، أي منهج علمي رصين وأي خداع فيها؟! الأمور واضحة، الخلفاء الراشدون كانت الرعية تخاطبهم على المنابر وهم على المنابر بكل ما يريدون، أعظم من الديمقراطية التي يزعمونها بكثير بكثير بكثير، وعندنا عشرات الأمثلة على هذا، لم يبرم أحدهم أمرًا بدون شورى، هذا لا ندخل فيه، إنما هذا مجرد أمثلة أضربها؛ لبيان خلل المنهج الذي اعتمدوا عليه في النقطة التي أتكلم فيها، وهو أنهم يدرسون الإسلام ويحللونه بعقليتهم الأوربية وبأخلاقهم، وبعرفهم الاجتماعي، ويحكمون على الإسلام من خلاله، وأبين أن هذا خلل علمي.
وصدقوني هذا كلام لا يستحق الرد عليه، ليس استعلاءً؛ لأنه خلل علمي، لكن ماذا نفعل! نجحوا في وضعنا في خانة المتهمين الذين عليهم أن يبرهنوا على نفي التهم التي يثيرونها مَن لا يفهموا الإسلام يومًا، أو من لا يتبعون المناهج العلمية.
أيضًا، من قواعدهم المختلة التي احتكموا إليها: اعتمادهم على كثير من الروايات الضعيفة والشاذة: الحقيقة، هذا أمر واضح جدًّا، وحين ننتقل إلى الشبه التي أثاروها، في الحقيقة سنضرب أمثلة لهذا كثيرة، إنما الآن نتكلم عن منهجهم في التعامل مع النصوص.
أيضًا، قلت: تحريف النصوص ونقلها نقلًا مبتورًا خارجًا عن سياقها ليخدم فكرتهم، وضربت مثالًا ما فعله بعضهم مع النووي، وكلامه -رحمه الله تعالى.
أيضًا جهل كثير منهم باللغة العربية، وفصاحتها، وبلاغتها، ودقتها، وعظمتها، وحملها لأوجه كثيرة، كان من بين الأسباب التي أوقعتهم في سوء الفهم، وقد انعكس ذلك على كتاباتهم عن الإسلام وأهله، وأنا حين أقول: ضعف اللغة كان سببًا في بعض أخطائهم، فإني والله أنصفهم، أنصفهم فعلًا؛ لأني أحاول أن أبحث عن أسباب علمية لبعض أخطائهم، مع أنه كان الممكن إذا لم يتقنوا اللغة ألا يتكلموا عنها، هذا منهج علمي، أو أن يستعينوا بالمتخصصين فيها، هذا الذي تقتضيه الدراسات العلمية الجادة.
أنا الآن مثلًا لا أجيد الإنجليزية، فلا أتكلم عنها، ولا أتكلم عن ثقافتها إلا إذا أتقنتها أو إذا استعنت بمتخصص فيها على مسئوليته ينقل لي ما أريد أن أنقله وما أريد أن أنقده، النبي صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن ثابت -انظروا إلى المنهج العلمي الدقيق-:((تعلم لي لغة يهود؛ فإني لا آمنهم على كتابي))، ما دمت تريد أن ترد على لغة بلغة أهلها أتقنها، يقول زيد بن ثابت رضي الله عنه:"فحذقتها في خمسة عشر يومًا" يعني: وصل إلى قمة الإتقان والإجادة في خمسة عشر يومًا، هذه قضية أخرى، لكن انظروا إلى منهج ومنهج.
قبل أن يتكلموا عن المناهج العلمية الدقيقة لماذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا: هاجم اليهود بلغتنا، وقل في شأنهم كذا، لا، إنما تريد أن تتكلم عنهم أتقن لغتهم، وافهمها على وجهها الصحيح، ثم بعد ذلك احتكم إليها أو تكلم عنها، فمن ضمن ما وقعوا فيه من أخطاء أنهم كان لديهم ضعف في اللغة العربية، بدل أن يعالجوه بإتقانها عالجوه بطريقة خطأ، ما هي؟ عالجوه بتحكيم فهمهم للغة على قواعد الشرع في الإسلام، أو على فهم المسلمين، لا، هو فهم من النص هذا، وفهمه هو الصواب، ويطرح فهم المسلمين ومصادرهم، ويريد أن يحتكم إلى ذلك.
أيضًا، يعتمدون على مصادر ليست معتمدة عند المسلمين في بعض المسائل، من البدهيات في هذا الأمر وفي المناهج العلمية، أن كل علم له مصادره المتعلقة به، أنا حين أريد أن أعرف رأي المذهب الشافعي رحمه الله في مسائل، أرجع إلى كتب الشافعية، أريد أن أعرف كلمة في اللغة، أرجع إلى قواميس اللغة، أريد أن أرجع في الحديث إلى كتب الحديث وإلى أهل الحديث، يعني: إلى الكتب المتخصصة وإلى العلماء المتخصصين، هذا من المقاييس العلمية المتفق عليها عند العلماء، إنما مثلًا أتكلم عن حديث عند البخاري ومسلم أرجع إلى كتاب (الحيوان) للدميري مثلًا أو للجاحظ، أرجع إلى كتاب (ألف ليلة وليلة) أرجع إلى كتاب (الأغاني) ما هذا السفه؟ ما هذا الأمر؟
كثيرٌ جدًّا يقول: قال في الكذا، أين مصادر السنة المحترمة عندنا المجمع عليها؟ يعني كما قلت: لكل علم مصادره، أنا إذا أردت مسألة في الطب سأرجع إلى كتب الطب وإلى أهل الطب، وحتى حين أبحث عن المصادر أبحث عن المصادر العلمية المحترم الموثقة، وليست المصادر التي تخدم غرضي وهي ليست موثقة عند أهل الاختصاص المعتمَدين في هذا الأمر، هذا أمر مصطلح عليه في كل الدنيا وفي كل التخصصات.
كل فن من الفنون له أمران: علماء متخصصون فيه، وكتب متخصصة أُلِّفت فيه، حين أريد معلومات عن هذا الفن أرجع إلى الأمرين؛ إلى العلماء
المتخصصين فيه وإلى الكتب المتخصصة في هذا، أما أن أقرأ أنا وأفهم أنا، وأجعل فهمي هو الحاكم على قواعدهم، فهذا ما لم يقل به أحد أبدًا في الدنيا إلا المستشرقين الذين يحكمون مناهجهم في دراساتهم عن الإسلام، خصوصًا إذا انضم إلى هذا الخلل المنطلق الذي انطلقوا منه -كما قلت- وهو العداء للإسلام؛ لأن عداءهم للإسلام -بالإضافة إلى وجوه الخلل التي ذكرتها- جعله يبحث عن المصادر غير المعتمدة، جعله يبتر النصوص من سياقها.
وأيضًا من قواعدهم التركيز على الجوانب الخلافية في المسيرة الإسلامية، وبيان أن هذه هي مسيرة الإسلام: كأن الإسلام طوال حياته كان كذلك، مثلًا يقدمون ويبرزون الخلاف الذي حدث بين الصحابة، ويصورونه على أنه هذا هو تاريخ الإسلام، كل المسيرة الإسلامية كانت حروبًا وكانت خلافًا وكانت مشقة
…
إلى آخره. ماذا تنتظر من شخص يكتب عن الإسلام بروح عدائية؟ هل سيبحث عن محاسن الإسلام؟ هل سيبحث عن المواقف العلمية الرصينة التي تؤكد عظمة الإسلام؟
لا، هي عين العدو اللدود، التي يبحث بها عن المثالب، وعن الأخطاء، وحتى يصطنع الخطأ اصطناعًا؛ يفسر القرآن وفقًا لهواه، أو يقرأ بعض الآيات الخطأ، ثم هو يروّج علينا أنه لا يخطئ، وأنه حيادي وأنه علمي، هذا الرصد الذي أقوله الآن إنما هو من خلال دراسات المتخصصين، لم أنقله من عند نفسي، تحريف الكلام عن مواضعه؛ يعني: حتى هم الذين ابتدعوا النظرية هذه في الإعلام نظرية "جوبلز": اكذب اكذب حتى تصدق نفسك، وحتى تخدع المتلقي عنك بأنك صادق، تكلم كثيرًا كثيرًا كثيرًا عن أن الإسلام أسقط حقوق المرأة، وعِدْ وزِدْ وكرِّرْ بمَلل وكذا، حتى تستقر القضية في وجدان المستمعين، وتصبح جزءًا من ثوابتهم؛ أن الإسلام ظلم المرأة.
وكلما دُعي أحدهم إلى نقاش أو إلى برنامج أو إلى كتاب، هو هذه قضيته، حتى من تلاميذهم من أبناء البلاد الإسلامية، هو يأتي إلى أي برنامج لإثبات هذه الحقيقة: أن الإسلام ظلم المرأة، ليس لبحث موقف الإسلام من المرأة مثلًا في ضوء الأدلة، إنما هو اقتنع كما قلت بالفكرة المسبقة.
أيضًا، الجانب الإيماني عندهم ضعيف جدًّا، فانعكس على دراستهم: قضية الأديان لا يبالون بها، بعضهم لا ديني، لا تهمهم قضية الأديان، هو يعيش في الدنيا يعمل ويكسب ويستمتع، أما جوانب الإيمان والجهاد والجنة والنار، البحث عن رضا الله تعالى وعن مغفرته، وعن الاستعداد للجنة، الخوف من الاستعداد ليوم الرحيل، كل هذا كلام في نظرهم كلام متخلف، كلام يفقد المرء الاستمتاع بالحياة، ويجعل الدنيا ظلامًا، ويجلس بجوار الحياة في انتظار الموت، كل كلام عن الآخرة وعن الاستعداد لها، وعن الجنة، هذا في نظره كلام عبث. فهو سلّط ابتعاده عن الدين على فكره، فرفض كل ما يعارض هذا الفكر.
وهذا في الحقيقة منهج نحن نفنده؛ لأنهم يزعمون أنهم يقولون إنهم أتباع منهج علمي، لا، القرآن حدثنا عن قوم لوط، ما موقفهم من لوط؟ ما دام قد رفض نجاستهم إذًا:{أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} (الأعراف: 82)، فجريمتهم التطهر، هو نفس المنهج، يحكّمون أخلاقهم ومبادئهم في الآخرين، ويريدون أن يقولوا إن هذا صواب وهذا خطأ، في ضوء ما يعتقدون وليس في ضوء الحقائق الثابتة.
هذه بعض الملامح العامة التي اتبعها المستشرقون في دراستهم الإسلام، وكما قلت كثير مَن تكلموا عن الاستشراق الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله في (السنة ومكانتها في التشريع) كثير من العلماء نقلنا بعض أقوالهم؛ لنبين أن هذا الخلل الذي اتبعوه علميًّا أدى إلى إثارة الشبهات حول السنة.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.