الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبذلك ننتهي من الحديث عن قضية تدوين السنة، وأنها لا تشكل شبهة أبدًا يعول عليها أعداء الإسلام، بل ثبت بالأدلة القاطعة أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للبعض، أو أذن للمسلمين أن يكتبوا السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكرنا واستعرضنا الحقائق التي أثبتت ذلك.
مراحل كتابة الحديث
بعد كل هذا الاستعراض نقول: إن مكتبة الحديث أو كتابته مرت بالمراحل التالية: كتابة الأحاديث، وفيها سجلت الأحاديث في هذه المرحلة في كراريس، في صحف؛ يعني الواحد منها اسمه الجزء أو الصحيفة، تمت هذه المرحلة في عصر الصحابة، وأوائل التابعين.
والمرحلة الثانية تدوين الحديث، وهي مرحلة ضمت فيها تلك التسجيلات متفرقة، وتم هذا في أواخر القرن الأول الهجري مع أوائل القرن الثاني، ثم جاء تصنيف الحديث؛ أي المصنفات التي كتبت وفق مناهج متعددة، فمنهم من رتبها على كتب وأبواب، ومنهم من رتبها على مسانيد إلى آخره، وهذه بدأت مع الربع الثاني من القرن الثاني الهجري؛ يعني لم تتأخر.
عندنا أجزاء حديثية وعندنا كتب كثيرة، وموطأ الإمام مالك قلنا: إنه كتب قبل وفاة أبي جعفر المنصور -رحمه الله تعالى- لماذا؟ أبو جعفر المنصور انتهت خلافته سنة 158 هجرية، والإمام مالك عرض عليه (الموطأ) أثناء خلافته، وأبو جعفر اقترح على الإمام مالك أن يجعل (الموطأ) الأصل لدى كل المسلمين، وأن يحرق كل ما سواه، ولم يقبل ذلك الإمام مالك، وقال له: إن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تفرقوا في الأمصار، وأصبح في بعض البلاد علم لم يكن عند علم أهل البلاد الأخرى وفقًا لتفرق الصحابة في الأمصار، فلم يقبل أن يكون كتابه هو القائد
وحده، وإنما علم أن هناك أحاديث كثيرة خارج دائرة (الموطأ) تناقلها الصحابة إلى البلاد، أو نقلها الصحابة إلى البلاد الذين دخلوها، وأقاموا بها.
في تصنيف الحديث كما قلنا، صنفت الكتب على الأبواب، وعلى المسانيد إلى آخره، وبالتالي نستطيع أن نتأكد من الرد على هذه الشبهة، وأن الحقيقة الساطعة هي أن السنة قد دونت خلال عصر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده، وأوائل التابعين، صحيح أنها في صحف وأجزاء، لكنها على أي حال قد دونت، وأنه قد تلت ذلك مرحلة تالية، وهي مرحلة طبيعية تترتب تلقائيًّا على المرحلة الأول، وهي مرحلة نسميها مرحلة التكوين أو الجمع، وهي ضم هذه الصحائف المتفرقة لتكون مع بعضها يعني نسيجًا في خدمة السنة المطهرة، ثم ندخل بعد ذلك إلى عصر المصنفات، وبالتالي لا يمكن لا عقلًا، ولا واقعًا أن يأمر عمر بن عبد العزيز بتدوين السنة، فلا تكون هناك جهود موجودة قبل ذلك، هذا مخالف لسنة الله في تكوين العلوم.
إن المراحل التي يمر بها العلم سبحان الله كنشأة الأطفال تمامًا، جنين ثم يعني حمل، ثم كذا ثم يولد طفلًا رضيعًا صغيرًا إلى أن يكبر.
عمر بن عبد العزيز يمثل مرحلة النضج، مرحلة تدوين السنة في مرحلتها الأخيرة، وحتى كلام عمر بن عبد العزيز يعطي في طياته الدليل على ذلك.
عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- يعلم أن الأمة الإسلامية، أو أن الساحة تمتلئ بكثير من الصحف، هو تولى الخلافة يعني إذا أردنا أن نفهم الظروف التي أدت إلى أمره بجمع السنة، يقول: اجمعوا وليس دونوا أو اكتبوا، "اجمعوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم فإني خفت دروس العلم وموت العلماء".
عمر بن عبد العزيز يحكم دولة نستطيع أن نعتبرها أنها كانت نصف الكرة
الأرضية الموجودة في ذاك الزمان السالف، من حدود الصين شرقًا إلى المغرب غربًا، ومن أواسط روسيا شمالًا إلى نيجيريا جنوبًا، هذا من حيث اتساع الدولة.
عمر بن عبد العزيز وجد، وقد أوشك عصر الصحابة أن ينتهي من ناحية الوجود، ومن ناحية التأثير العلمي يعني صحيح أن عصر الصحابة امتد بعد عمر بن عبد العزيز إلى سنة 110 هذا من الناحية التاريخية اتفاقًا، لكن الحقيقة أنه لم يكن قد بقي إلا الواحد بعد الواحد، عصر الصحابة نستطيع أن نقول: انتهى من الناحية السياسية من قيادة الأمة سنة 60 هجرية بموت معاوية رضي الله عنه وبقي تأثيرهم العلمي إلى قرابة نهاية القرن الأول؛ لأنه حين توفي معاوية رضي الله عنه كان جملة من الصحابة لا زالوا أحياء.
منهم خمسة من السبعة المكثرين: ابن عباس وابن عمر، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبو سعيد الخدري، وكان أيضًا هناك جملة من الصحابة الآخرين: عبد الله بن أبي أوفى، وعبد الله بن الزبير وغيرهم، وعبد الله بن عمرو بن العاص، موجودون، ولهم نشاطهم العلمي، وهم الأساتذة في العالم الإسلامي كله.
لما انتهت هذه الظروف عمر بحاسته الإيمانية القوية خاف -بعد انتهاء جيل الصحابة- أن يضيع شيء من العلم من السنة علينا أن نجمع الجهود التي سبقت في تدوينها قبل أن تضيع، فكتب إلى علماء الأمصار أنْ اجمعوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان يعلم أن المدونات تملأ أرجاء العالم الإسلامي، هو كان يريد أن يضم تلك المدونات المتفرقة أولًا ليكون عنده ديوان واحد في السنة، والأهم لكي يحفظ تلك الجهود التي كانت تملأ العالم الإسلامي.
أما أنه بدأ من فراغ، فهذا ما لا يجوز عقلًا، ولا واقعًا، ولا تقبله فطرة؛ لأنه كان