الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الرابع عشر
الرواية باللفظ
التعريف بالرواية، وأركانها
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنتكلم عن الرواية بالمعنى وعن الشبهات المثارة حولها.
الرواية بالمعنى ثار حولها كلام أثارته بعض الجهات المعادية للسنة، وسنرد بإذن الله تبارك وتعالى على الشبه المثارة حولها،
تعريف الرواية:
الرواية في اللغة: روي من الماء، نقول: روي من الماء يعني: شرب منه، روي على وزن رضي، والمصدر ريًّا ورِيًّا، ونقول: روى وتروَّى وارتوى، كلها بمعنى واحد، والراوية بالتاء المربوطة التي جاءت للمبالغة هي الآنية المزادة التي يجمع فيها الماء، القِربة مثلًا، ونقول: روى الحديث يروي، المصدر رواية، وهناك بالنسبة للشرب كان رَيَّا ورِيًّا، هنا بالنسبة للرواية روى الحديث يرويه روايةً، ويوصَف الرجل يقال: راوية، أيضًا هذه جاءت للمبالغة، الراوية لفلان من الشعراء مثلًا، أو راوية فلان إلى آخره، وروى البعير الماء يعني حمله -حمل الماء- على ظهره.
ثم أطلقت الرواية على كل دابة يستقى بالماء عليها من البعير وغيره، مثل الحمار والبغل والخيل ونحوها، ومن هنا نقول: روى الحديث يعني حمله، ونقله إلى غيره؛ فالرواية تعني أنه قد حمل الحديث، ثم نقله إلى غيره، لو لم ينقله إلى غيره لا يقال عنه: إنه رواه، ولذلك نرى الرواية قد مرت بطورين: طور التحمل، وهو الأخذ من الشيوخ أو عن الشيوخ أولًا، ثم طور الأداء وهو الأداء الحديث إلى غيره، يعني في المرحلة الأولى تحمله عن شيوخه وفي المرحلة الثانية أداه إلى تلاميذه.
والخلاصة: أن المادة "روى" تأتي بمعنى الحمل والنقل، تأتي بمعنى الإسقاء والإرواء من الماء، تأتي بمعنى الشرب من الماء، في اصطلاح المحدثين: هي نقل الحديث وإسناده إلى مَن رواه، نقل الحديث وإسناده يعني: عزوه أو نسبه إلى من رواه، أنا رويت الحديث يعني: تحملته عن شيخي، وإن كان شيخي له سند إلى منتهى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم مثلًا فأنا أقول أيضًا: شيخ شيخي وشيوخه إلى أن أصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأنا رويت الحديث يعني تحملته، ثم نقلته إلى غيره مع إسناده إلى مَن أخذته عنه، إلى مَن روي عنه الحديث.
لا يقال: إني رويت الحديث لو أني اكتفيت بتحمله فقط أنا لم أؤده إلى غيري، فلا يقال: إني رويته لغيري، ولا يمكن أيضًا رواية الحديث إلا بعد تحمله، فالجناحان -أي: جناحا الرواية- كلاهما يكمل بعضهما للآخر، ولا يمكن أن يقال: إن هناك رواية من غير أن يكون هناك تحمل وأداء.
الرواية في الاصطلاح هي: نقل الحديث وإسناده إلى مَن رواه أو إلى مَن عزي إليه، أو نسب إليه بصيغة من صيغ الأداء المعروفة عند المحدثين.
المحدثون عندهم مبحث مهم جدًّا جدًّا يدل على دقة متناهية في كيفية تحمل الحديث وكيفية أدائه، نحن أهل الحديث -بفضل الله عز وجل الذين شرفهم الله تعالى بالانتساب لهذه المدرسة- كل شيء عندنا منضبط منظم بخطوات، وكل خطوة عليها أدلتها الشرعية، نحن لا نتلقى أي نوع من أنواع التلقي ولا نؤدي بأي طريقة كانت، لا نحن منضبطون، لنا طرق للتحمل وطرق للأداء، أو هي طرق التحمل والأداء، مبحث من مباحث علوم المصطلح، العلماء حصروا الأداء والتحمل في ثمانية أنواع: السماع من لفظ الشيخ، والقراءة على الشيخ،
والإجازة من الشيخ، والمكاتبة، والوصية، والوجادة والإعلام إلى آخره، وكل طريق من طرق التحمل له ألفاظ يؤدى بها.
فلو أنني مثلًا أعطيت تلميذي كتابي الذي جمعت فيه الأحاديث التي رويتها وقلت له: أجزتك رواية الأحاديث التي في هذا الكتاب عني، هل يجوز له مثلًا أن يقول: سمعت شيخي فلانًا يقول كذا؟ لا، لا يستعمل لفظ السماع هنا؛ لأن التلقي لم يكن بواسطة السماع، يعني: أريد أن أقول: لأن هذا مبحث آخر غير الذي نتكلم فيه الآن إنما له صلة بما نعرفه -يعني: بتعريف الرواية- وهو أن التحمل والأداء مبحث هام جدًّا عند علماء الحديث، وتفصيلاته تؤكد ذلك الانضباط العظيم وتلك الدقة المتناهية، وهذا الحرص الشديد على السنة، وكيفية تلقيها، وحصروها في ثمانية طرق كما ذكرنا، ولكل طريق ألفاظه التي يؤدى بها.
والخلاصة: أن الرواية في اصطلاح المحدثين هي نقل الحديث وإسناده إلى من رواه، أو عزي إليه، ويكون ذلك بصيغة من صيغ الأداء المعروفة عند المحدثين، مثل: حدثنا، أو سمعت، أو أخبرنا، أو أنبأنا، أو أجازنا، أو نحو ذلك من التفصيلات التي يرجع إليها في علم المصطلح.
الرواية لها ركنان: التحمل، والأداء، التحمل: هو أن يأخذ التلميذ الحديث من شيخه، والأداء هو أن يؤدي الشيخ الحديث إلى تلميذه، يعني: عملية تبادلية، يعني: أنا أخذت الحديث من شيخي، فأنا متحمل وشيخي مؤدي، ثم نقلت الحديث إلى تلاميذي فأنا مؤد وتلاميذي متحملون عني، هذان هما الركنان في الرواية. وكما ذكرت منذ قليل فإن مبحث التحمل والأداء جدير بأن ندرسه، وأن نعتني به، وأن نفهمه؛ لأننا سنزداد احترامًا وحبًّا وتقديرًا لمدرسة الحديث وطلابها، وسنلمس عن قرب بالتحام شديد الجهد المبذول في صيانة السنة الشريفة،