الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الحادي والعشرون
الرد على كتاب (الأضواء القرآنية) للشيخ سيد صالح
التعريف بكتاب (الأضواء القرآنية)، وبيان شُبهه ومصادره
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنتكلم بعون من الله تبارك وتعالى وتوفيقه- على أحد الكتب التي اجترأت على السنة وعلى مصادرها الصحيحة، وحاولت أن تتهم أو تثير الشبهات حول الأحاديث النبوية.
والساحة الآن تمتلئ بكثير من هذه الكتب، التي تملأ الساحة، يعني: أمر يوجع القلب، لكن على كل حال، الحمد الله رب العالمين أهل العلم: يدافعون عن سنتهم، ويثبتونها بالأدلة القاطعة الصريحة.
هذا الكتاب اسمه (الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية، وتطهير البخاري منها) يعني: هذا الكتاب يكتسح الأحاديث الإسرائيلية، ويطهر البخاري منها، (صحيح البخاري) الذي أجمعت الأمة على تلقيه بالقبول، كان في انتظار من يأتي من أهل العصور المتأخرة، الشيخ سيد صالح أبو بكر صاحب هذا الكتاب؛ ليطهر البخاري منه، هو يضع لنفسه أسسًا؛ ليسير عليها، هو كتب عدة مقدمات. يعني: ما الغاية من هذا الكتاب؟
يقول: في أمرين، ألا نصدق بكلام يخالف كلام الله وهدي رسوله، فنقع في خطيئة الشرك العلمي، سماه هكذا شركًا علميًّا؛ وذلك بمنازعة الله في حق الكلمة والتشريع.
وأنا أهدف إلى أن أبين خطورة هذا الكلام، هذه الجملة:"وذلك بمنازعة الله في حق الكلمة والتشريع"، يريد من خلالها أن يقول: إن السنة لا تُشرع، من أجل أن تتضح هدفهم، هم: تختلط كلماتهم حتى يموه علينا، هذا في أول صفحات
الكتاب، انظر:"ألا نصدق بكلام يخالف كلام الله، وهدي رسوله" صلى الله عليه وسلم هو لم يقل صلى الله عليه وسلم وفي كل كتاب يضع "صاد".
لكن على كل حال قد يخدع البعض بكلمة: "وهدي رسوله" فيتصور هو لم يقل: وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي رسوله أحيانًا يقول في أثناء الكلام: السنة العملية المتواترة يعني: يعني: أنت إذا قلت له مثلًا: إن الصلاة أحاديث آحادية يقول: لا، هي سنة عملية تواترت بنقل الأمة كلها، فهو لا يريد أن يقبل من السنة إلا هذا الهدي المتواتر على حد جمع الهدي العملي، يعني: هو يؤلف الكتاب من أجل ألا ينازع أحد الله عز وجل في حق الكلمة والتشريع، يعني: لا نقول: إن السنة تشرع.
ثم بعد هذا، الكتاب قسمان: قسم أول يتعرض فيه لبعض القضايا، يقول: العرض الكامل لقضية الحديث، وأقوال العلماء فيها، تقدير حصيلة للفحص الدقيق للأحاديث المعارضة للقرآن، والمنافية لما يليق بالله ورسوله، والتي جمعناها في (صحيح البخاري) باعتباره عمدة المراجع في هذا المجال، وعددها مائة وعشرون حديثًا، والتعقيب القرآني على كل منها، بما يثبت أنها دخيلة على كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
ويسوق عشرة أهداف لا أدري ماذا أسميها، نسميها أسسًا يقيم عليها كتابه، يعني: هو يهدف إلى العرض الكامل لقضية الحديث، والدعوة العملية إلى تقسيم الحديث المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: حديث يوافق القرآن في المضمون أو في معناه.
والنوع الثاني: هو حديث يأتينا بفضائل الأعمال، ولا يعارض القرآن. وهذان النوعان يفرض الله تبارك وتعالى الإيمان بهما كجزء من رسالة النبي صلى الله عليه وسلم.
ونوع ثالث: يأتينا بمعان أو أحكام أو قصص يقرر القرآن في مضمونه أو في معناه، وهذا النوع يجب رفضه، وتبرئة النبي صلى الله عليه وسلم منه.
أنا أوضح الأهم أن نرد على الأسس التي أقام عليها الكتابة، أنا أشرت أنه يريد أن يبعد السنة عن كونها تشريعًا، هنا قضية أخرى. هو يقسم الأحاديث إلى ثلاثة أقسام، ليس التقسيم المعروف عند أهل العلم، صحيح وحسن وضعيف، إنما يقسمه إلى حديث يوافق القرآن في مضمونه أو في معناه، وحديث يأتينا بفضائل الأعمال ولا يعارضه القرآن، لم يأتِ في القرآن ما يعارضه، هذان نوعان مقبولان بالنسبة له، ونوع ثالث يأتينا بمعان أو أحكام أو قصص يخالف القرآن في مضمونه، أو في معناه، وهذا النوع يجب رفضه، وتبرئة النبي صلى الله عليه وسلم منه.
وذلك -انظر إلى كلامه- عمل على تطهير ديننا من شوائب الدس الإسرائيلي؛ حتى يعود إليه الرونق الجميل، الذي يحمل العالم على احترامه والدخول فيه.
تقديم حصيلة للفحص الدقيق للأحاديث المعارضة للقرآن، والمنافية لما يليق بالله وبرسوله، والتي جمعناها من (صحيح البخاري).
المحور الذي يدور عليه: الحديث الذي يوافق القرآن قبلناه، والحديث الذي لا يوافق القرآن لم نقبله، ضم هذه إلى تلك. الأولى: أن السنة ليست مشرعة. الثانية: أن المعيار في قبول الأحاديث أو رفضها هو موافقتها للقرآن، أو عدم موافقتها للقرآن.
إلى أن يقول: إلى إثبات أن دين الله هو القرآن بدايةً ونهايةً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ ذروة الأمانة وقمة الوفاء في بلاغه للناس نصًّا كاملًا، بالنسبة للقرآن، وفي
بيانه لهم تطبيقًا وعملًا، والتأكيد القوي على أن كل ما يأتينا من أخبار منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم وليس لها سند قرآني، إنما هي من وحي الخيال الخرافي الشارد.
انظروا إلى التعبيرات الجريئة، لا أريد أن أصفها بغير هذا، إنما هي من وحي الخيال الخرافي الشارد، أو الكيد الإسرائيلي اللعين، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صاحب الساحة البريئة من تلك الأخبار؛ لأنه لا يستطيع أن يضيف إلى كتاب الله شيئًا من عنده، بعد أن ضرب الله للناس فيه من كل مثل، وأكد تمامه بقوله:{مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيءٍ} (الأنعام: 38).
أظن أو أعتقد المحور الأساسي الذي يهدف إليه الكاتب قد وضح، هو له مقدمات أخرى غير ذلك.
يعني: يعرض الاهتمام بالأسانيد ويسميها عبادة الأسانيد، يقول: إقامة الحجة القوية على الذين يتعصبون لآراء شيوخهم، أو معتقدات آبائهم، أو يلغون عقولهم أمام أسانيد تأتيهم بأحاديثَ تكذب كتاب الله؛ زعمًا منهم أن الشلل الإرادي لعقولهم -هو طبعًا فيه أخطاء نحوية كثيرة- احترام لتلك الأسانيد، وهو التعبد المطلوب متناسين أن تقديس رجال الإسناد هو التعبد المرفوض، وقد أنساهم الشيطان أن تقديس هؤلاء الرجال في ما يخالف كتاب الله، هو أعظم أنواع الشرك الصريح؛ لأنه -انتبهوا- منازعة لله في حق الكلمة والتشريع، وذلك أعظم ما لله من حقوق على خلقه
…
إلى آخر.
ويعود إلى البند الحادي عشر: كتابنا هذا يستند إلى كتاب الله نصًّا ومعنًى. يؤكده مرة ومرات. وقد سلكنا في تدوينه درب الأحرار المفكرين من الموحدين والسلفيين، الذين يلتزمون بالقرآن، وبتطبيق النبي تعبدًا وتشريعًا. فقط.
إذن نفهم من الآن أنه يستبعد السنة التشريعية، وأنه القرآن فقط، إذن هو
قرآني، حتى وإن ادَّعى أنه يحتكم إلى السنة التطبيقية، أو المتواترة والعملية، إذًا المسألة واضحة في أنه يهدف إلى تضييع السنة.
ماذا نناقش هنا؟ ناقشناها كثيرًا، لكن لا مانع من أن نذكر أبناءنا بهذا، هنا الأمر متعلق بحجية السنة بكل المحاضرات، التي سمعتموها ودرستموها من عندي ومن عند غيري في حجية السنة، متعلق بالآيات القرآنية الكثيرة جدًّا، أنا في بداية الدروس تكلمت عن حجية السنة، وقلت: إنها قضية قرآنية، وقضية عَقَدية، وقضية إيمانية، إيماننا لا يتم ولا ينعقد إلا باعتقاد أن السنة تشرع كما يشرع القرآن، وأن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة كما يجب علينا طاعة الله تعالى، سواءً بسواء، ومثلًا بمثلٍ، من غير خوف أو اضطراب من أحد.
ذكرنا عشرات الأدلة، قلنا: قضية إيمانية، قضية عقدية، هي جزء من اعتقادنا، قضية قرآنية بمعنى: أن القرآن أولاها اهتمامًا كثيرًا جدًّا.
وهذا ينقلنا إلى القضية الثانية، هل هناك في القرآن أو في السنة أحاديث أو آيات طلبت منا أن نعرض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن والسنة قبل أن نقولها؟ نحن الآن نناقشه في الأساس الذي يبني عليه كتابه؛ لأنه متى انهدم هذا الأساس انهدمت كل القضايا التي في الكتاب.
عندنا لا توجد آية واحدة تقول: اعْرِضوا حديث النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن، فما وافقه فاقبلوه وما لم يوافقه فارفضوه، أو اتركوه، والقرآن الكريم موجود أمام الدنيا كلها، فليخرج لنا واحد آية، تقول: لا تقبلوا الحديث إلا بعد عرضه على القرآن.
في هذه الأسس هو يضع أساسًا جديدًا لقبول الأحاديث لم يسبق إليه أحد من علماء الأمة، وهي أن أنواع الأحاديث ثلاثة: يوافق القرآن في مضمونه أو في معناه، والنوع الثاني: حديث يأتينا بفضائل القرآن ولا يعارضه القرآن، هذان فقط، أما النوع الثالث الذي يأتي بمعان أو أحكام أو قصص يخالف القرآن في مضمونه، أو في معناه، هذا النوع يجب رفضه.
أساس المخالفة هنا كيف يكون؟
يخالف القرآن يعني: لم يذكره القرآن هو ليس مخالفًا، إنما لم يذكره القرآن، انظروا إلى التمويه في الكلام، يعني: هو سيعتبر أن كل حديث ذكر حُكمًا ليس في القرآن معارض للقرآن ومخالف للقرآن؛ لماذا؟ لأن القرآن لم يذكره، ولم يقل أحد
من علماء الأمة: إن هذه الأحكام التي سكت عنها القرآن مخالفة للقرآن، إنما يقولون عنها: إنها أحكام سكت عنها القرآن الكريم، كيف تعارضه وليس فيها -أي: ليس في القرآن- ما يعارضه، أو يخالفه؟ هذه المخالفة أن يقول القرآن شيئًا، وأن يقول الحديث شيئًا آخرَ.
أما أن يأتي الحديث بأمر لم يذكر في القرآن، أو يأتي القرآن بأمر لم يذكر في الحديث، هذا لم يكن، ولا هو عند العلماء من الذي يطلق عليه المخالف، هذا أمر جديد لم يسبق له ذكر في أحدهما، فهذا تشريع.
أنت تصدق أن السنة تشرع أو لا تشرع؟ إذا صدقتَ أن السنة تشرع، وهذا ثابت بالأدلة القطعية، فيجب عليك ما جاء في الحديث حتى لو لم يأتِ له ذكر في القرآن الكريم، هذه قضية إيمانية عقدية؛ ولذلك كان عندنا موضوع آخر، وهو علاقة السنة بالقرآن الكريم، ماذا تفعل السنة مع القرآن الكريم؟ واستدللنا على ذلك بأدلة كثيرة، السنة تبين القرآن، وتوافق القرآن، وتشرع مع القرآن.
وهناك قضية ناقشها العلماء لا يجب أن تلتبس علينا، وهي هل الأحكام النبوية تصدر عن أصل قرآني، أو ليس شرطًا؟
ذكرها الشاطبي وغيره يعني: بعض العلماء يستعملونها استعمالًا يوافق أغراضهم، القضية ليست خلافًا خطيرًا، هناك من يقول: إن كل الأحكام التي جاءت بها السنة الجديدة هي منبثقة عن أصل قرآني، ليست مشكلة، المهم: أنها حكم جديد، لا أحد ينازع في أنها حكم جديد، لم يسبق له ذكر في القرآن الكريم، لكن هل ينبثق عن أصل قرآني أو لا ينبثق؟ هذه قضية أخرى.
مثلًا: حين يحرِّم النبي صلى الله عليه وسلم الجمع بين المرأة وأختها، بين المرأة وعمتها أو خالتها، يقول فريق من العلماء: إن هذا منبثق عن أصل قرآني في فكرة تحريم الجمع
أحيانًا، وهي أن القرآن حرم الجمع بين المرأة وأختها، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم وحرم الجمع بين المرأة، وعمتها، أو خالتها، والفريق الآخر يقول: لا، هذا حكم جديد، لكن الفريق الأول لا ينكر أنه حكم جديد، وإن كان عنده منبثقًا من أصل قرآني، الخلاف ظاهري كما يقول أو خفيف، لكن في النهاية الكل يجمع على أنه حُكم جديد، لم يسبق له ذكر في القرآن الكريم، فهل تعرض القرآن لتحريم الجمع بين المرأة وخالتها وعمتها؟ هذا حكم في السنة انبثق عن أصل قرآني أو لم ينبثق، لكنه جديد، فالسنة تشرع كما يشرع القرآن الكريم.
إذن، الهدف هو نفي السنة عن التشريع، الهدف هو الاقتصار على القرآن، ونحن أشبعنا هذه القضية كلامًا الاقتصار على القرآن ضياع للإسلام، لماذا؟ لأننا سنضيع الأحكام التي جاءت في السنة، وفَهْمُنا للقرآن سيُعطل؛ لأننا لن نحتكم إلى السنة التي تبينه، هذا ما يهدفون إليه.
أقول: لا يوجد نص في القرآن الكريم يقول: علينا أن نعرِض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم على القرآن الكريم، فما وافق القرآن قبلناه، وما لم يوافق القرآن رددناه.
إذا انتقلنا إلى السنة المطهرة استندوا إلى حديث: "عَرْض السنة على القرآن" الكريم، انظروا إلى هذه الأحاديث كلها أو بعضها ضعيف جدًّا، وبعضها موضوع، والقرآن الكريم والسنة النبوية كلاهما وحيٌ من عند الله، لا يمكن أن يتعارضَا أبدًا؛ لأنهما نبعا من مشكاة واحدة، وهي أنهما وحي من عند الله عز وجل فالقرآن الكريم نور الله والسنة النبوية أيضًا من عند الله عز وجل.
الحديث الذي استندوا إليه: "إذا جاءكم عني حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافقه فهو مني وما لم يوافقه فإنه ليس مني"، إلى آخره، يروى الحديث بعبارات متعددة؛ ولأنه أصلًا موضوع، فعبارته ركيكة، يعني: أيًّا كان اللفظ الذي ورد، لكننا نناقش أصل القضية.
علماؤنا قالوا عن هذا الحديث: إنه يحمل الدليل على وَضْعه في طياته، وبالمناسبة فإن هذا من باب نقد المتن الذي أفردنا له دروسًا حسب المنهج، وبينَّا أن علماء السنة قد اهتموا بالمتن كما اهتموا بالأسانيد، ووضعوا لكل منهما ضوابطَ دقيقة؛ لتمييز الصحيح من غيره منها، والمهم هنا نقد للمتن.
الحديث على زعمهم هو حديث من باب المشاكلة اللغوية، لكنه ليس حديثًا بالمعنى الاصطلاحي، يعني: لم يأتنا عن النبي صلى الله عليه وسلم لا من قوله ولا من فعله ولا من إقراره، هو الحديث على زعمهم يحمل الدليل على وضعه في طياته، هو نفسه يعارض القرآن. كيف؟ هل في القرآن آية تطلب منا أن نعرض كلام نبينا على القرآن الكريم؟ وأن قبولَنا للأحاديث النبوية يتوقف على مدى موافقتها للقرآن الكريم؟ لا توجد آية تدل على ذلك، فهذا دليل على أن الحديث يحمل الدلالة على وضعه في طياته؛ حتى من غير أن نحتاج إلى دراسة أسانيده.
أيضًا أنتقل إلى نقطة هامة في للشيخ ما هي المصادر التي اعتمد عليها في كتابه؟
كلها بدون استثناء هي المصادر التي تناوئ السنة، يكاد يكون أخذ كتاب الشيخ أبي رية ووضعه في كتابه، لا توجد صفحة من صفحات الكتاب، إلا وفيها نقل عن الشيخ وعن صاحب كتاب (الأضواء) أبو رية، وهو متأثر جدًّا بكلام أبي رية.
أكثرَ جدًّا عن نقل من المستشرقين من "دائرة المعارف" وغيرها، وإن كان يحاول أن يلبس علينا بأن يتهم المستشرقين في نياتهم، لكنه يقبل كلامهم، فيقول مثلًا بعد أن نقل كلامهم، فيقول: بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تستطع الآراء والمعاملات الدينية الأصلية التي سادت الرعيل الأول أن تثبت على حالها من غير تغيير، فقد حل عهد جديد للتطور، وبدأ العلماء يدخلون شيئًا من التطور في النظام من الأعمال والعقائد، يتوائم والأحوال الجديدة، فقد أصبح الإسلام بعد الفتوح
العظيمة، يبسط سيادته على مساحات شاسعة، واستعمل الشعوب المغلوبة على أمرها آراءه الجديدة، وتأثرت حياة المسلمين وأفكارهم حينذاك في كثير من النواحي بآراء النصرانية والإسرائيلية وحدها، بل وبغيرها مثل البوذية وغيرها.
هذه المسألة رددنا عليها في الدرس قبل الماضي، حين استكملنا كلام المستشرقين وفكرة الشبهة أنه قد حدث تطور في حياة المسلمين، وهذا التطور ألجأهم إلى أن يضعوا أحاديث تواكب هذا التطور في الجوانب السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.
ها هو صاحب كتاب (الأضواء القرآنية) يردد هذا الكلام ويقبله، ويعقب عليه، ويقول: وما قاله المستشرقون هو حق أرادوا به باطل، يعني: هو أقرهم أن الأحاديث الموضوعة تناولت الأحكام، كالحلال والحرام والطهارة، وأحكام الطعام والشريعة وآداب السلوك إلى آخره.
ومع مضي الزمن ازداد ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول وفعل شيئًا فشيئًا، وغزوات إلى آخره. كلامه هنا طويل، لكنه يقبل أنه قد حدث تطور في حياة الأمة أدى إلى أن العلماء الكبار يضعون أحاديثًا تتوافق مع هذا التطور.
هل يخدعنا قوله: "إن المستشرقين أرادوا بهذا الكلام
…
". قد رردنا عليه وفندناه، وبينا حتى هذا اليوم لا يقبل أحد من المسلمين، حتى لو كان رقيق الدين، أن يضع حديثًا يؤيد به أمرًا جديدًا جاء في حياة الناس.
لا يمكن أمر جاءنا من شرق أو من غرب أو من هنا أو هنا نضع له حديثًا، هذه لم تحدث في العصور المتأخرة، بل قلت في ردنا: إن المجتمعات التي دخلت في الإسلام هي التي طورت -إن جاز التعبير- حياتها؛ لتتواءم مع الإسلام، فغيرت عاداتها وتقاليدها ونظمها الاجتماعية وأخلاقها وأعرافها
…
إلى آخره، وأصبحت تستمد ذلك كله من القرآن الكريم، ومن السنة المطهرة، ويشهد على ذلك واقعُ المسلمين، وقلنا: حتى عادتهم في الطعام كانت واحدة.
هل كان يأكل أحد بشماله؟ استجابةً لثقافة اجتماعية تركها قبل الإسلام؟ غُير كل شيء حتى يتوافق مع الإسلام.
فالشيخ هنا يقبل ما قاله المستشرقون، وكما قلت: يعتمد على مصادر هي التي تناوئ السنة.
في صفحة 30 يقول صاحب (أضواء على السنة)، ينقل كلامه ويقول الأستاذ أبو رية في كتابه (أضواء على السنة)، في صفحة 99، وهذا كلام الشيخ في صفحة 31 إلى آخره.
يكاد أن يكون قد نقل كلام الشيخ، وفرقه في كتابه كما نقول، وبنَى عليه كتابه هذا، أو تعاون معه، ثم إنه كما قلت: يكثر من النقل عن المستشرقين، ويكثر من النقل عن الكتب التي أصحابها هناك لها شبهات من التشيع، وما إلى ذلك، يزين بها كتابه أو يعتمد عليها في المصادر، ويستشهد بكلام الأستاذ أحمد أمين، وبكلام المدرسة التي حكَّمت العقل في النص، وأرادت أن تجعل العقل قاضيًا على النص، وما قبله العقل قبلوه، وما رفضه رفضوه
…
إلى آخره، كل ذلك اعتمد عليه في كتابه.
يقول: الوضَّاعون في عهد العباسيين بإرضائهم. يعني: كثر الوضاعون في العهد العباسيين؛ لإرضاء العباسيين، وهي نفس الفرية التي رددنا عليها، أن الحكام قد استمالوا من العلماء مَن يضع لهم أحاديثَ تُعضد مُلكهم، وهذه فرية، بل إن الحكام كانوا يتقربون إلى الله بدماء مَن تجرءوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو هنا في هذا الصدد، يأتي بأحاديث يضع عنوانًا، فيقول: معاوية يضع نفسه. يقول: يروي عن الواقدي: أين قال الواقدي هذا الكلام؟ انظر راجع ص361 (شرح نهج البلاغة) الحديث. وهو كتاب شيعي معروف.
أنا هنا أستعرض مصادره التي بنى عليها، يعني: استعرضت أسسه التي يبني عليها كتابه، وفكرته الأصيلة التي يدندن حولها، ويحوم حولها، وهي أنه يريد أن يهدم السنة وأن يضيعها. ويعتمد في ذلك على المصادر التي تشترك معه في الغرض وفي الهدف، من كتب المستشرقين، ومن كتب الشيعة، ومن كتب المحدثين الذين تجرأت على السنة، ومن الشيخ أبي رية وغيره، ويردد نفس الشبهات والفريات التي اجتمعوا حولها جميعًا، من اتهام الحكام بدفع العلماء للوضع، بأن العلماء تمالئوا مع الحكام، مع أن هذه كلها أحاديث أجمعت الأمة على أنها موضوعة.
يعني: روى البزار عن أبي هريرة أن رسول صلى الله عليه وسلم قال للعباس: "فيكم النبوة والمملكة"، وأخرجه كذلك أبو نُعيم في (الدلائل)، وابن عدي في (الكامل)، وابن عساكر:"فيكم النبوة وفيكم المملكة"، إلى آخره. هو هنا لا يذكر لا كتابًا ولا بابًا، يعني: إذا أردت أن تحاسبه فابحث، هذا الكلام حقيقة أو غير حقيقة، الله أعلم.
لكن على فرض حقيقته، مَن الذي قال: إن العلماء قبلوا هذه الأحاديث، وعملوا بمقتضاها؟
هي أحاديث موضوعة بإجماع الأمة، كيف تحاكم الأمة على أحاديث هي لم تقبلها، وعاقبتْ الوضَّاعين وفضحتهم، وألفت كتبًا حددتهم؛ ليكون الخزي لاحقًا بهم إلى يوم القيامة، وفي نفس الوقت جمعت هذه الأحاديث الموضوعة في كتب وبينت وَضْعها، وبينت الأسباب التي دعت إلى وضعها، وأن هناك مَن أراد أن يفتري على الله وعلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقبل الحكام ذلك، ولم يقبل العلماء ذلك، ولن تجد عالمًا أبدًا ذا شأن -ولو قليلًا- وضع حديثًا أبدًا، الوضاعون هؤلاء قوم كذابون، ليس من بينهم واحد من أهل العلم المحترمين أبدًا. إلخ.
إذن، هو يأتي بروايات وكأن العُرف الإسلامي أو كأن الواقع الإسلامي قبلها. وكأنهم أقروا أن هذه الأحاديث رضيناها، وعمِلنا بها، وأصبحت في مصادرنا المعتمدة، ولم نشر إلى ضعفها وإلى وضعها.
هذا خداع، هذا خلاف للمنهج العلمي، يعني: أنا لا أريد أن استعمل عبارات شديدة، كل كتابه مدمر من هذا الأمر من أساسه الذي بنَى عليه، من مصادره التي اعتمد عليها، من مخالفته لقواعد المنهج العلمي في أنه يسوق القضايا وكأنها مقررة عند الأمة، وكأنها رضيت به، من اعتماده على المصادر المناوئة للإسلام
…
إلى آخره.
يقول: نكتة لطيفة في التعريض بالوضاعين ومؤسفة في وضع الحديث ص139 من (أضواء على السنة) كتاب الشيخ أبي رية: وقد بلغ من أمرهم أنهم كانوا يضعون الأحاديث لأسباب تافهة، ومن أمثلة ذلك ما أسنده الحاكم عن سيف بن عمر التميمي، قال: كنت عند سعد بن طريف، فجاءه ابنه من الكتاب يبكي، فقاله: ما لك؟ قال: ضربني المعلم، قال: لأخزينهم اليوم، حدثنا عِكرمة عن ابن العباس مرفوعًا:"معلمو صِبيانكم شِراركم، أقلهم رحمةً لليتيم، وأغلظهم على المساكين". قال الأستاذ أبو رية صاحب (أضواء على السنة): سيف بن عمر كان كذَّابًا، وكان أشهرَ مَن روى عنهم الطبري في (التاريخ) وغيره من كتبهم.
ماذا أقول؟ كان كذابًا لم يأتِ بها صاحب (الأضواء) من عند نفسه، هو معروف عند المحدثين، هل وجده في كتب المحدثين؟ هل ذكره أحد؟ هذا التعقيب من أبي رية لماذا جاء به؟ كأنه يقول: إن سيفًا هذا كان معتمدًا عند أهل العلم. وانظر إلى الخداع، روى الطبري عنه في (التاريخ) الطبري معروف، هو يعلم أنه