الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يصيبهم عذاب أليم، تهديد بالعقاب الشديد، بعد كل ما ذكر، فإن الله شديد العقاب، نوله ما تولى، نتركه إلى ما اختار، ونصليه جنهم وساءت مصيرا، كل ذلك من جزء المخالفين، والعياذ بالله تبارك وتعالى.
فانظر إلى الآيات القرآنية التي تنوعت ما بين آيات حثت على الطاعة، وأيضًا تنوعت في أساليبها في الدعوة إلى الطاعة، وما بين آيات حذرت من المخالفة.
الأدلة من السنة على وجوب اتباع السنة
إذا انتقلت إلى السنة المطهرة لأستدل من خلالها على وجوب اتباع السنة -يعني: الأحاديث الشريفة- فسأجد جملة من الأحاديث، وسأذكر بعضها فقط، يعني: كإشارة إلى غيرها من الأحاديث:
في الحديث عند البخاري: ((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى))، هذا حديث رواه البخاري في كتاب الاعتصام، باب: الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. كل الأمة يدخلون الجنة إلا من أبى، سماها النبي صلى الله عليه وسلم إباء، معصية النبي صلى الله عليه وسلم سماها النبي صلى الله عليه وسلم إباء، إعراضا، توليا، جحودًا، بعدًا.
وأيضًا روى البخاري، ومسلم -رحمهما الله تعالى- من حديث أبي هريرة أيضًا، وهو عند مسلم وغيره، جزء من حديث:((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)). هذا رواه الإمام البخاري في كتاب الاعتصام، أيضًا باب: الاقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه مسلم في الحج في سياق طويل، النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا. قام رجل فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ يعني: هل يجب علينا الحج في كل عام؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم)). النبي صلى الله عليه وسلم سكت عن الرجل حتى كررها ثلاث مرات، وكان يحب صلى الله عليه وسلم أن ينتبه الرجل إلى أمر هام، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لو كان الحج واجبًا في كل عام سينبه إليه ابتداء من غير سؤال، يعني: لن ينتظر حتى يسأله أحد عن ذلك، لماذا؟ لأن هذا من أنواع البيان، إذا كان واجبًا في كل عام فعليه أن يبينه هل يمكن مثلًا أن يكون واجبا في كل عام، أي يكون الحج واجبا في كل عام، ثم يسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم. لنفترض أن أحدًا لم يسأل، ومن القواعد الأصولية: تأخير البيان عن وقت لحاجة لا يجوز.
فالنبي صلى الله عليه وسلم سكت عن الرجل؛ لعله ينتبه ثلاث مرات، فلما أصر الرجل على سؤاله قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت، أي: لوجب الحج في كل عام، ولما استطعتم. لو قلت نعم واضحة الدلالة. هذه الجملة في أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع، وأنه إذا شرع وجب، ويجب علينا أن نمتثل، ولو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم، ماذا سيكون شأنكم لو قلت نعم، وأنتم لا تستطيعون؟ إذا كلمة أو جملة "لو قلت نعم" هي تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يشرع، وأن على الأمة أن تقول: سمعنا وأطعنا.
أيضًا حديث العرباض بن سارية -رضي الله تعالى عنه- وهو عند الترمذي، وعند أبي داود -رحمهم الله تعالى-: ((صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة زرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدًا حبشيًّا، أي: وإن تأمر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين -عليكم بسنتي: الدعوة إلى اتباع السنة، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين- تمسكوا بها، وعضوا علينا بالنواجذ، وإياكم ومحدثات
الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة)). هذا رواه الإمام الترمذي في جامعه، وقال عنه: حسن صحيح. ورواه أبو داود أيضًا في كتاب السنة، باب: في لزوم السنة.
وأيضًا من الأحاديث الواردة في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني في عصى الله)) هذا حديث رواه البخاري في كتاب الجهاد، باب: السمع والطاعة. ورواه الإمام مسلم أيضًا في كتاب الإمارة، باب: طاعة الأمراء في غير معصية الله. "من أطاعني فقد أطاع الله" انظروا إلى هذا التلازم بين طاعة الله تعالى، وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، هما شيء واحد، لا يستطيع مسلم أبدًا أن يفصل بينهما، وهذا يغلق الباب أمام أي فهم عقيم يحاول أو يتصور أنه يعني يخالف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو في نفس الوقت يتصور أنه طائع لله تعالى، لن يكون ذلك أبدًا؛ التلازم بين الطاعتين واضح، وكذلك التلازم بين المعصيتين، فمن عصى الله، أو عصى رسوله فقد عصى الآخر باتفاق أهل العلم على ذلك، لا يخدعن الشيطان أحدنا عن هذا الفهم الذي ينبغي أن نكون عليه.
((من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله))؛ لأنه هو المبلغ عن الله؛ لأنه هو الذي نقل لنا ما يريده الله تعالى من عباده، أتى لنا بالحنفية السمحة وبالقرآن، والسنة
…
إلى آخره.
أيضًا من الأحاديث الواردة في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إني تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله، وسنتي))، وهذا حديث رواه الإمام الحاكم في كتاب العلم، في جزء واحد من الطبعة القديمة في ص 93.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.