الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سنة سبعة من الهجرة، لم تكن الجزية قد فرضت بعد. إذًا هو تاريخيًّا علم أن الجزية لم تفرض إلا بعد غزة مؤتة سنة تسعة في آيات التوبة وهي من آخر ما نزل:{حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة: 29).
ثم دليل آخر: أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لم يكن قد أسلم أيام خيبر، أيام خيبر سنة سبعة وهو أسلم في سنة ثمانية، هذا دليل آخر على البطلان.
أيضًا سعد بن معاذ الذين قالوا: إنه شهد على الكتاب مات بعد الأحزاب هو جرح في غزوة الأحزاب، وعاش بعدها بأيام قلائل وهو الذي حكم على يهود بني قريضة بالحُكم الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:((لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات يا سعد)).
إذن هذه وقائع نظر في المتن من خلالها وبالاستناد إليها؛ فثبت تزوير الكتاب وسعد به جدًّا الخليفة أمير المؤمنين بهذا التوفيق الذي حباه الله به.
أيضًا مُخالفة الحديث للأصول والقواعد الشرعية المقررة؛ هذا من القواعد التي وضوعها للنظر بالمتن. ومما يعرف به الحديث الموضوع ركاكة اللفظ أو ركاكة المعنى.
الضوابط التي وضعها ابن القيم لمعرفة كون الحديث موضوعًا
والآن ننتقل إلى ابن القيم -رحمه الله تعالى- وله كتاب في هذا اسمه (المنار المنيف في الصحيح والضعيف) وحققه فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله وكان قد طُرح على ابن القيم سؤال: هل يمكن النظر في الحديث والحكم عليه بدون الرجوع لإسناده، وبدون معرفة أحوال الإسناد؟ نلاحظ أن هذا السؤال يتعلق بالمتن، ابن القيم قال: هذا سؤال عظيم القدر، وإنما يعلم ذلك من تضلع في معرفة السنن الصحيحة، واختلطت بلحمه ودمه، وصار له فيها ملكة، وصار له اختصاص شديد بمعرفة السنن والآثار، ومعرفة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم-
وهديه فيما يأمر به وينهي عنه، ويخبر عنه ويدعو إليه، ويحبه ويكرهه، ويشرعه للأمة، بحيث كأنه مخالط للرسول صلى الله عليه وسلم كواحد من أصحابه.
روى جعفر بن جسر عن أبيه، عن ثابت، عن أنس يرفعه:"من قال: سبحان الله وبحمده غرس الله له ألف ألف نخلة في الجنة، أصلها من ذهب". قال: وجعفر هذا هو جعفر بن جسر بن فرقد أبو سليمان القصاب البصري، قال ابن علي: أحاديثه مناكير. وقال الأزدي: يتكلمون فيه إلى آخر ما ذكر نبين العلة.
الضوابط التي وضعها ابن القيم:
يقول: ونحن ننبه على أمور كلية، يُعرف بها كون الحديث موضوعًا، منها: اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة جدًّا كقولهم: في الحديث المكذوب: "من قال لا إله إلا الله خلق الله من تلك الكلمة طائرًا له سبعون ألف لسان؛ لكل لسان سبعون ألف لغة، يستغفرون الله له". إلخ
يقول: وأمثال هذه المجازفات البالغة، التي لا يخلو حال واضعها من أحد أمرين: إما أن يكون في غاية الجهل والحُمق، وإما أن يكون زنديقًا قصد التنقيص بالرسول صلى الله عليه وسلم بإضافة مثل هذه الكلمات إليه، كلمات تكتب بماء الذهب، الذي يقع في هذا إما إنه في غاية الجهل، لا يعرف بلاغة الكلم وفصاحته وقدره ومنزلته، وإما أن يكون زنديقًا يقصد الإساءة لمن سبق.
أيضًا: تكذيب الحس له: الحس والواقع مثل: "الباذنجان لما أكل له"، "الباذنجان شفاء من كل داء". يقول ابن القيم: قَبّحَ اللهُ وضاعوها؛ فإن هذا لو قاله يحنس أمهر الأطباء لسخر الناس منه، ولو أكل الباذنجان للحمى والسوداء الغالبة، وكثير من الأمراض لم يزيدها إلى شدة. ولو أكله فقير ليستغني يعني لن يغتني بأكل الباذنجان، ولو أكله جاهل ليتعلم لن يفيده العلم.
"إذا عطس الرجل عند الحديث فهو غير صدق" إلخ. "عليكم بالعدس".
منها: "سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه" ويذكر أدلة: "لو كان الأرز رجلًا لكان حليمًا، لو أكله جائع لأشبعه" فهذا من السمج البارد الذي يُصان عنه كلام العقلاء فضلًا عن كلام سيد الأنبياء، وحديث:"الجود دواء والجبن داء" إلخ. "لو يعلم الناس ما في الحوت لاشتروا ما بوزنها ذهبًا" إلى آخر ما يضربه أمثلة. يسميها: "سماجة الحديث".
أيضًا من القواعد: "مناقضة الحديث بما جاءت به السنة الصريحة مناقضةً بينةً" مثل حديث: "مَن اسمه أحمد أو محمد، وأن كل من يتسمى بهذه الأسماء لا يدخل النار" أو يُسمى بهذه الأسماء لا يدخل النار". يقول ابن القيم: هذا مناقض لما هو معلوم من دينه صلى الله عليه وسلم أن النّار لا يُجار منها بالأسماء والألقاب، وإنما النجاة منها بالأعمال الصالحة وبالإيمان.
أيضًا من العلامات: أن يُدّعَى على النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل أمرًا ظاهرًا بمحضر من الصحابة كلهم، وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه. كما يزعم أكذب الطوائف:"أنه صلى الله عليه وسلم أخذ بيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه بمحضر من الصحابة كلهم وهم راجعون من حجة الوداع؛ فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع، ثم قال: "هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوه". ثم اتفق الكل على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته. فلعنة الله على الكاذبين.
وكرواية: "أنّ الشمس رُدّت لعلي بعد العصر" لكنّ القاعدة هنا أن يدعى صلى الله عليه وسلم أنه فعل أمرًا ظاهرًا بمحضر الصحابة.
ومنها أيضًا: "أن يكون الحديث باطلًا في نفسه" فيدلُّ بُطلَانُه أنه ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مثل المِجَرّة التي في السماء من عرق الأفعى التي تحت العرش". و: "إذا غضب الله أنزل الوحي بالفارسية، وإذا رضي أنزله بالعربية" إلخ هذه كلها كلمات سمجة.
أيضًا منها: "أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء" يعني: ركيك في المعنى أو ركيك في اللفظ، فضلًا عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو وحي من يوحى مثلًا:"ثلاثة تزيد في البصر النظر إلى الخضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن". وهذا الكلام مما ينزه عنه أبو هريرة وابن عباس؛ لأنهم ينسبون الوقت إليهم، بل سعيد بن المسيب والحسن، وأحمد ومالك رحمهم الله يعني: هؤلاء لا يقولون هذا الكلام. هل يجوز النظر إلى الوجه الحسن؟! خصوصًا إذا كان امرأة، يعني لكي تزيد في البصر هل النبي صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام؟!
وحديث: "النظر إلى الوجه الحسن يجلي البصر"، و"عليكم بالوجوه الملاح والحدق السود، فإن الله يستحي أن يعذب مليحًا بالنار". يقول: فلعنة الله على واضعه الخبيث.
وحديث: "النظر إلى الوجه الجميل عبادة". "إن الله طهر قوم من الذنوب بالصلعة في رءوسهم، وإن علي لأولهم". يعني: هذا كلام لا يجوز أبدًا،
من العلامات الضابطة لنقد المتن: "أنْ يَكُون في الحديث تاريخ" مثل قوله: "إذا وقعت سنة كذا كذا إلى آخره هذا أيضًا؛ "إذا انكسف القمر في محرم كان الغلاء، والقتال وشغل السلطان كذا كذا" كلها كذب مفترى كما يقول ابن القيم.
منها: "أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأنيق" كحديث: "الهريسة تشد الظهر" أن "أكل السمك يوهن الجسد". إلى آخره.
منها أيضًا: أحاديث العقل كلها كذب "لما خلق الله العقل قال له: أقبل فأقبل" ثم إلى آخره. الأحاديث التي يُذكر فيها الخضر وحياته، كلها كذب وأنّ الخَضِر حيٌّ الآن، ولا يصح في حياته حديث واحد، مثل حديث:"إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في المسجد؛ فسمع كلامًا من ورائه فذهبوا ينظرون، فإذا هو الخضر". وساق ابن
القيم أدلة كثيرة على تعارض هذا الحديث مع القرآن الكريم ومع السنة المطهرة، وحتى مع المعقول بين أن هذا الحديث يُصادم العقول من وجوه عشرة.
كلامه طيب جدًّا في هذا.
أيضًا يقول: أن يكون الحديث مما تكون الشواهد الصحيحة على بطلانه.
يقول أيضًا: مُخالفة الحديث بصريح القرآن؛ كحديث: "مقدار الدُّنيا، وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن في الألف السابعة". إلى آخره كل ذلك الذي يهمنا هنا أن هذه كلها ضوابط للمتن، تضحد دحضًا شديدًا مُهلكًا فِرية أن المحدثين لم يعتنوا بالمتن، بل اعتنوا بالمتن، ووضعوا هذه القواعد.
أختم بالذي قاله ابن الجوزي: "إذا وجدت الحديث يُباين المنقول، ويُخالف المعقول، ويُصادم الأصول؛ فاعلم أنه موضوع". هذه الضوابط الثلاثة تكتب بماء الذهب إذا وجدت الحديث يباين المنقول يعني: المنقول من القرآن والسنة يُباينه مباينة تامة، بحيث لا يمكن الجمع، ويُصادم العُقول: العقول السليمة والفِطر النّقية، التي لم تتلوث بالمستشرقين ولا بغيرهم.
و"يصادم الأصول" أي: يصادم قواعد الشرع العامة، حديث يدعو إلى الشدة، ليخالف فرائض الإسلام
…
إلى آخره. كل هذه دلالة على وضع الحديث، غايةُ ما في الأمر أن الذي ينظر في المتن ليقول: إن هذا حديث مخالف للأصول، أو مباين للعقول أو مصادم لكذا، إنما هو عقل مسلم حريص مخلص، حريص على سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا ينظر عقل لم يقرأ في الإسلام شيئًا، وإنما كل ما قرأه إنما قرأه على يد أعداء الإسلام، ثم يأتي لينظر في الحديث، ويقول: هذا يصادم كذا أو هذا يصادم كذا، هذا لا يجوز أبدًا.
لكن الغرض كان هو إثبات أن المتن لقي عناية فائقة جدًّا من المحدثين كعنايتهم بالإسناد، بل إن العناية بالإسناد كانت لخدمة المتن.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.