الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسميهم أركان الرواية، عمد الرواية، الذين قاموا بدور كبير في صيانة السنة وروايتها وتناقلها
…
إلخ، مثل الإمام الزهري وغيره، يشككون فيه.
أيضًا يهاجمون تدوين السنة شككوا في حجية السنة، وأثاروا بعض الشبهات المتعلقة بها، ونحن سنرد على ذلك وفق لنقاط المنهج ومسائله بإذن الله تبارك وتعالى.
أيضًا أثاروا مشكلات كثيرة حول كثير من الأحاديث النبوية المتعلقة بالطب وبغير الطب حديث الذبابة، حيث فقء موسى لِعَيْن ملك الموت، حديث سحر النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث لا تعد ولا تحصى، بل إن الكتب تنزل إلى الأسواق، وهم يحملون وجهة نظرهم، بعضهم يقول ينقي البخاري ومسلم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، تخيلوا: الأمة أجمعت على تلقي البخاري ومسلم بالقبول، ثم يأتي من يجادل أو يثير هذه القضية ويعتبر نفسه غيورًا على السنة، ويريد تنقيتها مما علق بها من الأحاديث الضعيفة.
يعني الخلاصة في هذه المسألة أنهم لم يتركوا صغيرة، ولا كبيرة، ولا شاردة، ولا واردة تتعلق بالسنة إلا وهاجموها بضراوة وبشراسة، وأكرر: لأن الغرض هو القضاء على السنة هو القضاء على الإسلام، وبالتالي حدة المعركة تنسجم مع مقدار حقدهم الذي تمتلئ به قلوبهم على الإسلام وأهله، وعلى مصادره الشرعية التي يستمد منها أدلته على كل صغيرة وكبيرة من أمور الدين، هذا جانب.
معنى كلمة "شبهة" ومدلولاتها
أما النقطة الثانية التي أود أن أتحدث عنها فهي معنى الشبهة، ما المراد بالشبهة التي سندرسها ونرد عليها؟ الشبهة لها مدلول لغوي، ولها مدلول اصطلاحي. ومدلولها اللغوي سنرجع إليه في قواميس اللغة، فابن منظور -رحمه الله تعالى- في (لسان العرب) يقول، في جزء أربعة ص 289: وعلي أي طبق كانت من الممكن الرجوع إلى مادة شبه الشين والباء والهاء، الشين والهاء والباء كما يقول أيضًا صاحب (معجم مقاييس اللغة) هي لها معنيان
أصليان أو أصيلان، المعنى الأول أنها تدل على التماثل، هي كلمة تسوية وكلمة تمثيل، هذا شبه فلان أو شبه فلان يعني أنه مثله، فهما متشبهان ومتساويان، هذا معنى من معانيها.
وأيضًا تعني المشكلات، هذا الأمر مشتبه فيه أو مشبه عليه، يعني هناك مشكلة في فهمه، يقول ابن منظور: والفتنة إذا أقبلت شبهت على القوم، وأرتهم أنهم على الحق حتى يدخلوا فيها، ويركبوا متنها، يقصد يركبون متن الفتنة. يعني معنى كلامه يفعلون ما لا يحل، وإذا أدبرت وانقضت بان أمرهم، فعلم من دخل فيها أنه كان على الحق.
إذن الفتنة نوع من التلبيس شبهت على القوم، وزينت لهم أنهم على الحق، فإذا دخلوا فيها انحرفوا ووقعوا في أخطاء كثيرة، وبعد أن تنكشف هذه الفتنة يكتشفون أنهم كانوا على خطأ، لكن لا ينفع الندم في هذه الحالة.
وشبه الأمر عليه أي: اختلط عليه حتى التبس بغيره، والشبهة هي الالتباس، وأمور مشتبة ومشبهة يعني مشكلة، يعني يصعب فهمها والمعاني كلها تتقارب لنصل إلى أصلين من أصول الكلمة أو من معاني الكلمة، معنى التلبيس معنى الخلط، معنى الالتباس عدم الوضوح، هذا المعنى، وأيضًا معنى التشابه والتماثل.
وابن فارس -رحمه الله تعالى- في (معجم مقياس اللغة) يقول: الشين والباء والهاء أصل واحد، يدل على تشابه الشيء وتشاكله لونًا ووصفًا، يقال: هذا شبه وشبه وشبيه؛ يعني يماثله. والشبه من الجواهر هو الذي يشبه الذهب. والمشبهات من الأمور: المشكلات. واشتبه الأمران: إذا أشكلا. نفس كلام ابن فارس هو كلام ابن منظور في (لسان العرب) المعنيان الأصليان أو الأصيلان، وهما الاشتباه والالتباس، ومعنى المماثلة والمشابهة.
إذن هذا معنى الكلمة في الأصل، المعنى الثاني، وهو معنى الاشتباه والالتباس هو الذي سنسير عليه لأنه هو الذي له صلة بما نحن فيه من الكلام عن الشبه الموجهة إلى السنة المطهرة.
تعريف الشبهة في الاصطلاح: يقولون ما التبس أمره، فلا يدرى أحلال هو أم حرام، وحق هو أم باطل.
وهذا الالتباس يشمل كل الأمور قد يصل إلى بعض الأمور، نقول: هي في الاصطلاح أو في الشرع ما التبس وجه الصواب فيه فلم يدر الخطأ من الصواب، وجه الحل من الحرمة، والشبهة على كل كال تجمع على شبه، وهكذا نرى أن الكلمة لها معنيان أصليان وكثير من المعاني الأخرى، والمعنى الثاني بمعنى الإشكال والخلط والتلبيس هو الذي سنسير حوله في كلامنا هذا.
وهذا المعنى قد ورد في مجموعة من الآيات التي في القرآن الكريم، مثلًا: بمعنى المشابهة؛ أي المثل قول الله تبارك وتعالى: {قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} (البقرة: 25) أي: متماثلًا.
أيضًا في سورة البقرة، وقوم موسى يجادلونه في أمر البقرة {ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا} (البقرة: 70) الاشتباه هنا بمعنى الخلط، وبمعنى الالتباس؛ أي لا ندري ما البقرة المراد ذبحها، وأيضًا بمعنى الأول، كل ذلك في سورة البقرة {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (البقرة: 118) المشابهة هنا معناها: تشابهت قلوبهم مع قلوب الذين كانوا من قبلهم جميعًا قالوا قولًا واحد تشابهوا فيه في العمى والضلال والتكذيب
للأنبياء والبعد عن الحق، هذا وجه الشبه الذي جمع بين الأولين وبين الآخرين في موقفهم من رسل الله -عليهم جميعًا أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
في سورة آل عمران {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران: 7) إذًا المتشابه في القرآن له تفسيرات متعددة، هو الذي لا يعلم تأويله إلا الله، هذا معنى، وقد اختاره ابن حجر -رحمه الله تعالى- في "الفتح" في كتاب التفسير، هل هو المتشابه الذي يحمل وجوهًا متعددة من الفهم والتأويل والتفسير؟ هذا أمر ممكن، هل هو المتشابه الذي قد تعيا بعض العقول على فهمه فعليها أن تفوض أمر فهمه إلى الله تعالى؟
كل ذلك وارد، لكن المقصود لا يعلم تأويله إلا الله كما ذكرت الآية، لكن على كل حال هذه الآية يعني تبين أن المتشابه بمعنى الاشتباه الذي هو الالتباس على بعض الأفهام أن تفهم المراد عنه.
ووردت المادة في القرآن الكريم في آيات كثيرة {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} (الأنعام: 99) وفي الآية الأخرى {مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ} (الأنعام: 141) والآيتان هنا بمعنى التماثل {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} (الزمر: 23) أي هنا أيضًا بمعنى التماثل يعني يشبه بعضه بعضًا في الفصاحة والبلاغة والتناسق لا تعارض فيه، ولا تناقض إلخ.
أيضًا جاءت مادة شبه في السنة المطهرة في أحاديث كثيرة بالمعنيين أيضًا، فمن ذلك ما رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بسنده إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: " تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران: 7) ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن تلا هذه
الآية آية آل عمران ((رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه، فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم)) أي الذين يتتبعون المتشابه احذروهم، فهؤلاء الذين هم سماهم الله.
ما معنى هذا المتشابه؟ وما المراد به؟ وهل هذا الفهم الصحيح؟ إلخ، يعني يدخلون بنا إلى مشاكل، ولا يفضون الأمر إلى الله مع أن القرآن الكريم لا يناقض بعضه بعضًا أبدًا، ولا يعارض بعضه بعضًا، والمحكمات تضمنت كل الأحكام التي من الممكن أن يحتاج إليها البشر في كل شأن من شئون حياتهم.
هؤلاء الذين يتتبعون المتشابه من القرآن ويريدون أن يضربوا القرآن ببعض، ويحاولون أن يثبتوا أن بين القرآن اعتراضًا أو تضادًّا أو ما شاكل ذلك، هؤلاء في قلوبهم زيغ، وهؤلاء الذين سمى الله تعالى أي في قلوبهم زيغ، وبعدًا عن الحق، واستجابة للهوى وللشيطان، كل هؤلاء علينا أن نحذرهم وأن نبتعد عنهم، فلا نحاكيهم، ولا نكون منهم أبدًا.
أيضًا في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه وهو في الصحيحين يعني هذا الحديث الذي ذكرناه من معنى آية آل عمران، رواه البخاري في كتاب التفسير باب منه آيات محكمات، روى البخاري -رحمه الله تعالى- في كتاب البيوع، باب الحلال بين والحرام بين، وكذلك رواه الإمام مسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات. حديث النعمان بن بشير -رضي الله تعالى عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثيرًا من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) إلى آخر الحديث.
المشتبهات في هذا الحديث معناها واضح، يعني ليست هي بواضحة الحل أو الحرمة، فلهذا لا يعرفه كثير من الناس، ولا يعرفون حكمها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: