الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثاني
(علاقة السنة بالقرآن الكريم)
دور السنة مع القرآن الكريم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه وأصحابه، وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
ف نتكلم عن مكانة أو علاقة السنة بالقرآن الكريم:
هذه السنة التي عرفناها وهي: ما جاءنا عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو إقرار إلى آخر التعريف، ما دورها في التشريع؟ ما مكانتها، ما منزلتها؟ هل لها دور مع القرآن الكريم؟
هذا الموضوع مهم جدًّا؛ لأنه يعني يجيب على سؤال، هل من الممكن أن نكتفي بالقرآن الكريم عن السنة المطهرة؟ خصوصًا أننا بعد أن نشرح العلاقة بين القرآن الكريم، وعن دور السنة مع القرآن الكريم، وعن منزلتها في التشريع.
سنتعرض لبعض الشبهات التي تتعلق بهذا الموضوع، خصوصًا أن مادتنا هي دفاع عن السنة المطهرة، ونحن نعلم أنه توجد مدرسة، أو تحاول أن تسمي نفسها مدرسة الآن، وتسمي نفسها بالمدرسة القرآنية على زعمهم، وتزعم أنها من الممكن أن تكتفي بالقرآن الكريم، وتحاول أن تثير شبهًا حول منزلة السنة، وأن تستدل على موقفها، وأنها موافق للشرع.
نبدأ على كل ببيان دور السنة مع القرآن الكريم، نستطيع أن نقول عن هذا الموضوع يعني: نضع له عنوانًا، فنقول: علاقة السنة بالقرآن الكريم، أو إن شئنا قلنا: منزلة السنة من التشريع، أو إن شئنا قلنا: دور السنة مع القرآن الكريم، من أي عنوان من هذه العناوين نختاره، لكننا نتكلم عن مسألة هامة، كما قلنا تتعلق بمنزلة السنة، وأهميتها في حياة المسلمين، وفي دينهم، وفي ديناهم.
السنة لها أدوار مع القرآن الكريم، بادئ ذي بدئ ننطلق في هذا الأمر من المهمة، التي ذكرها الله تعالى في القرآن الكريم لرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذه المهمة قد جاءت في أكثر
من آية، في سورة النحل {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل: 44)، فالله تعالى قد فوَّض رسوله صلى الله عليه وسلم في بيان القرآن الكريم للناس؛ وذلك بنص الآية التي أشرنا إليها.
وفي سورة النحل أيضًا قبل ذلك {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64)، أنت الذي ستبين الكتاب يا رسول الله، وأنت الذي ستبين للناس ما اختلفوا فيه، فالمهمة المجملة الموجزة للسنة، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم هي أنها تبين القرآن الكريم في جزء من علاقتها بالقرآن الكريم، لكن هذه إشارة موجزة.
لكننا الآن ننتقل إلى التفصيل، فأنواع العلاقة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة، يمكن حصرها في ثلاثة: أن تأتي السنة موافقة لما جاء في القرآن الكريم، هذه أول علاقة بين القرآن الكريم وبين السنة المطهرة، بمعنى: أن المعنى يأتي في القرآن الكريم، ويأتي أيضًا في السنة المطهرة، فمثلًا يقول الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات: 10)، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول:((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله، ولا يحقره)) إلخ.
فأكد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأخوة، بقوله صلى الله عليه وسلم:((المسلم أخو المسلم))، ((المسلم أخو المسلم)) ما العلاقة بينه، وبين قول الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ؟ العلاقة علاقة توافق بمعنى: أن المعنى جاء في القرآن الكريم، ووافقته السنة المطهرة بقوله: صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم)) يعني: ((المسلم أخو المسلم)) هذا جزء من حديث طويل، رواه الإمام مسلم في كتاب البر والآداب والصلة، في باب تحريم ظلم المسلم.
إذن العلاقة بين هذه الآية، وبين هذا الحديث هي علاقة الموافقة، وأيضًا في قوله تبارك وتعالى:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102) ونفس المعنى تقريبًا في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه، لم يفلته))، هذا أيضًا حديث رواه الإمام البخاري في كتاب التفسير، باب تفسير سورة هود، ورواه الإمام مسلم في كتاب البر باب تحريم الظلم.
الآية قالت: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ} يعني: هذا عقاب ربك {إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} أي: بسبب ظلمها فإن عقابه أليم شديد، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته))، أي: لن يتركه بدون عقاب، فالآية والحديث توافقتا على إثبات المعنى المقصود، وهو أن عقاب الله شديد للظالمين إذا أخذهم، وأنه قد يتركهم بعض الوقت إملاءً لهم، أو لعلهم يراجعون أنفسهم، فإذا استمروا في غيهم وظلمهم فسوف يعاقبوا.
العلاقة في هذه الحالة علاقة توافق أو موافقة، وهذا دور للسنة مع القرآن الكريم، قد لا يقتنع به البعض قد يعقب البعض على هذا، فيقول: يكفينا القرآن، ولا نحتاج إلى أي شيء يوافقه، ومن ثم فإن هذا النوع من أنواع العلاقة بين القرآن الكريم، وبين السنة المطهرة لن يوضح الصورة تمامًا في أهمية السنة، أو في شدة الاحتياج إليها في الإسلام بشكل عام، وأنه لا يمكن الاستغناء عنها أبدًا، فنقول: ننتقل إلى النوع الثاني من أنواع العلاقة بين القرآن الكريم، وبين السنة المطهرة، هذه العلاقة أيضًا مأخوذة من الآيات، التي ذكرنها في سورة النحل، يعني: أن الله عز وجل {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (النحل: 64).
إذن النبي صلى الله عليه وسلم {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (النحل: 44)، فالذي يبين كتاب الله تعالى للخلق جميعًا إلى يوم القيامة، هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرف الخلق بمراد الله تبارك وتعالى الذي يبلغ عن الله هو خير خلق الله، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذن السنة تبين القرآن الكريم، ولولا بيان السنة للقرآن الكريم لما استطعنا أن نفهمه، وبالتالي لما استطعنا أن نطبقه.
الأول: نتكلم عن أنواع البيان وأمثلة له، ثم نتكلم عن أهمية المسألة، هذه كلمة موجزة: السنة تبين القرآن الكريم، كيف تبينه؟ تبينه بأنواع من البيان كثيرة منها مثلًا: تفصيل المجمل يعني: السنة تفصل مجمل القرآن الكريم، الشيء يأتي مجملًا، وموجزًا في القرآن الكريم، لا نستطيع أن نفهم المراد منه إلا بعد تفصيله، فتتولى السنة ذلك التفصيل، من ذلك مثلًا: ما ورد في القرآن الكريم عن الصلاة، وأنا هنا سأختار الأمثلة من خلال أركان الإسلام لماذا؟ يعني: أريد أن أقول من خلال هذه الأمثلة، وهي أمثلة مختصرة أو قليلة جدًّا في هذه الجزئية بالذات، يعني أريد أن أقول: إننا لن نفهم أركان الإسلام ولن نستطيع أن نطبقها إلا في ضوء السنة.
فمثلًا: الركن الأول بعد الشهادتين وهو الصلاة، ماذا جاء في القرآن الكريم عنه؟ قال الله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (النساء: 103)، فالآية تحث المؤمنين على المحافظة على الصلاة في أوقاتها، وقال -سبحانه-:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} (البقرة: 43) فعل أمر بإقامة الصلاة ورد في أكثر من سورة، وامتدح الله تعالى المؤمنين، فقال -سبحانه -:{وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (المؤمنون: 9){وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} (المعارج: 34)، وآيات كثيرة أيضًا تبين حث القرآن الكريم على الصلاة، وعلى أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر
…
إلخ.
هذه الآيات ماذا استفدنا منها؟ تبين أن الله تعالى قد أوجب الصلاة على المؤمنين، لكن لم يبين لنا أوقاتها، ولم يبين لنا الفرائض الواجبة علينا في كل يوم، ولم يبين عدد ركعات كل فرض، وأركان الصلاة، شروط الصلاة، سنن الصلاة غير ذلك مما يتعلق بالصلاة، جاءت السنة الشريفة، وفصلت ذلك المجمل، وعلمت الناس الصلاة، وعلمتهم كل ما يتعلق بتفصيلاتها، ولولا السنة لما عرفنا كيف نصلي، ونقولها بملء الفم لا نستطيع أن نصلي أبدًا الصلاة، التي نعرفها جميعًا بكل تفصيلاتها في ضوء القرآن الكريم وحده، وإنما لا بد من السنة، التي تبين لنا كيف تكون الصلاة بكل ما أشرنا إليه من تفصيلات.
ومثل ما نقوله عن الصلاة نقوله عن سائر العبادات، من زكاة، ومن صيام ومن حج، الزكاة أيضًا وردت الآيات تطلب: إيتاء الزكاة، وآيات كثيرة مدحت المتصدقين، {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (المعارج: 24، 25) إلى آخر الآيات، لكن ما هي تفصيلات الزكاة؟ من الذي يستطيع أن يستخرج لنا من القرآن زكاة الأموال مثلًا؟، يعني: يبين لنا نصابها يبين لنا القدر المطلوب إذا بلغ المال النصاب، يذكر لنا شروط إخراج الزكاة.
أيضًا زكاة الزروع والثمار ورد مجملًا {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (الأنعام: 141) فقط، لكن التفصيلات في زكاة المواشي عروض التجارة الركاز،
…
إلخ كل ذلك تكفلت ببيانه السنة المطهرة، وقل مثل ما شئت أو مثل ما قلنا عن الصلاة والزكاة، قل عن الصيام {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (البقرة: 185) فليصمه فعل مضارع اقترن بلام الأمر فأفاد الوجوب، صيام رمضان واجب على كل مسلم ومسلمة، متى نبدأ الصيام؟ ومتى ننتهي؟ وما هي المفطرات، وما هي كذا وكذا؟ كل ذلك تكلفت ببيانه السنة وكذلك الحج.
والعلماء يقولون: إن القرآن الكريم قد ذكر أركان الحج في القرآن، يعني: قد ذكر أركان الحج في كثير من آياته، مثلًا: ذكر الله تعالى الطواف {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (الحج: 29)، وذكر السعي {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (البقرة: 158)، وذكر الحلق والتقصير {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} (الفتح: 27)، ذكر الوقوف بعرفة {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} (البقرة: 199)، وهو أهم أركان الحج
…
إلخ.
لكنه ترك التفصيلات للسنة، ذكره كركن بإجمال، لكن مثلًا هل نستطيع أن نعلم أن يوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة؟ هل نعلم أن الوقوف على عرفة يبتدأ من الزوال، حتى المغرب، هل نعلم ماذا نقول في يوم عرفة؟ كل ذلك تكلفت ببيانه السنة المطهرة، أنا لا زلت أتكلم عن نوع واحد من أنواع بيان السنة المطهرة للقرآن الكريم، وهو تفصيل المجمل، وضربت أمثلة بالعبادات، أو بأركان الإسلام الأربعة بعد الشهادتين؛ لأبين أن أركان الإسلام، وما أدراك ما أركان الإسلام بنيانه الأول، الأساس في بنيانه، الذي لن يقبل عمل منه بعد ذلك إلا على أساس هذه الأركان، لن نستطيع أن نفهمها، ولا أن نطبقها إلا في ضوء السنة المطهرة.
فكأن الذي لن يفهم السنة، ولن يحتج بها لن يستطيع أن يصلي، ولن يستطيع أن يحج أو يصوم أو يؤدي زكاته
…
إلخ وتفصيل المجمل أي: تفصيل مجمل القرآن من السنة لم يقتصر على أركان الإسلام فقط، أنا نضرب الأمثلة بأهم الأشياء، إنما إذا نزلت إلى أمثلة أخرى، فحدث ولا حرج، وأكرر أنني ما زلت في نوع واحد وهو تفصل المجمل، مثلًا: حين يقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَ ا} (البقرة: 275) ما هو الربا؟ وما هي الأصناف التي يدخلها، وما هي الأصناف التي لا يدخلها؟ حين يقول مثلًا: البيع {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} ما هو البيع الحلال، وما صوره وما شروطه، وكيف يمضي ومتى يفسد ومتى يصح؟ إلى آخر.