الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الثالث
(السنة هي المصدر الثاني للتشريع - حجية السنة (1))
معنى كون السنة هي المصدر الثاني للتشريع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد، وعلى آله وأحبابه، وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنعلم جميعًا -أهل السنة والجماعة- أن السنة المطهرة هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب الله تعالى، هذا أمر أجمع عليه علماء الأمة قديمًا وحديثًا لم يخالف في ذلك إلا من لا حظّ له في الإسلام، نسأل عز وجل السلامة.
معنى كون السنة هي المصدر الثاني للتشريع: أنها واجبة الاتباع، وأنها في ذلك مثل القرآن الكريم سواءً بسواء. هناك من يشكك في هذه القضية، ويحاول أن يثير بعض الشبهات حول هذه المسألة، والغرض في النهاية -كما قلنا- هو الطعن في الشريعة الإسلامية التي ختم الله بها كل الديانات، ولن يرضى من عباده بعد مجيء الإسلام إلا دين الإسلام، قال الله تعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (آل عمران: 19)، وقال سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85).
ما معنى حجية السنة؟ معناها: أن السنة حجة، وأنه يجب العمل بها؛ فهي حجة من حجج الله تعالى على خلقه، مصدر من مصادر التشريع بعد القرآن الكريم، أو هي المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم. هذه القضية، وهي قضية حجية السنة أستطيع أن أقول عنها: إنها قضية قرآنية، وقضية إيمانية، وقضية عقدية.
هي قضية إيمانية؛ لأنها جزء من إيمان المؤمن الذي لن يتم إيمانه إلا بهذا الأمر، وهي أيضا قضية عقدية بمعنى: أنه يجب على المسلم أن يعتقد اعتقادًا جازمًا قاطعًا أن السنة حجة علينا، وأنه يجب العمل بها، كما يجب العمل بالقرآن الكريم تماما. هذا معنى كونها قضية عقدية.
أنا هنا أريد أن أوضح أن قضية حجية السنة قضية إيمانية إيماننا لن يتم إلا بها، وعقيدتنا لن تتم إلا بها.
ما المقصود بكلمة أنها قضية قرآنية؟ يعني: أنها من القضايا التي اهتم بها القرآن الكريم جدّا بأساليب متعددة وبطرق مختلفة؛ لأنها -كما قلت- قضية إيمان، وقضية عقيدة، فلابد أن تكون محل الاهتمام القرآني. وقد اهتم القرآن الكريم بقضايا الإيمان، فمثلًا: إذا أردت أن أقول: ما هي القضية رقم واحد في القرآن الكريم؟ أو ما هي القضية الأم أو الأب، أي من التعبيرات التي تبين أهمية الأمر؟ هي قضية الوحدانية. سنجد القرآن الكريم اهتم جدًّا بها أيما اهتمام، وعشرات الآيات التي تكلمت عن الوحدانية؛ لأنها أم القضايا وأبو القضايا، وتفرعت عنها كل القضايا، والعلاقة الصحيحة للمسلم بإيمانه أن يبدأ بتوحيد الله تبارك وتعالى. كل ذلك بديهي، لكن أنا أضربها كمثال لاهتمام القرآن الكريم بالقضية.
وأيضا اهتم بقضية البعث، ولا تكاد تخلو سورة من السور المكية بالذات؛ لأنها اصطدمت مع الواقع الذي كان فيه خلل في عقيدتهم بالنسبة لقضية الوحدانية، وبالنسبة لقضية البعث لم نجد سورة مكية إلا واهتمت بالأمرين معًا، وأقامت عليهم الأدلة الكثيرة جدًّا.
اهتم القرآن الكريم جدًا بها، واهتمامه بها أخذ صورًا متعددة، منها: كثرة الآيات التي تعرضت للمسألة، آيات ربما تزيد عن خمسين آية، وهذا وجه من وجوه اهتمام القرآن بها، وهي الآيات الكثيرة التي تعرضت للمسألة، وكثير من المسلمين إذا تعرض لقضية الاحتجاج بالسنة لا يكاد يذكر إلا آية الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر: 7)، مع أنني أستطيع أن أقول بصراحة ووضوح: إنه لا توجد سورة من سور القرآن الكريم إلا واهتمت إما ضمنًا، وإما صراحة بقضية اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم.