الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الدرس الخامس
(حجية السنة (3))
استكمال الأدلة من السنة على وجوب اتباع السنة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأحبابه، وأصحابه وأزواجه الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فنواصل كلامنا عن بقية أدلة السنة الدالة على ضرورة اتباع السنة المطهرة.
العلماء أشاروا -ومنهم ابن حزم، ومنهم الشيخ عبد الغني عبد الخالق -رحمه الله تعالى- في كتابه (حجية السنة) - إلى أدلة كثيرة تحتم اتباع السنة المطهرة، منها دليل الإيمان.
دليل الإيمان معناه أن كل الآيات، وكل الأحاديث بينت أننا لن ينعقد إيماننا، ولن يتم إلا إذا حكّمنا الرسول -صلى الله عليه وسل م- في كل شأن من شئون حياتنا.
مرت بنا هذه الآيات، وهذه الأحاديث في الدرسين الماضيين، لكن لأن العلماء جعلوه دليلًا مستقلًّا وهو دليل الإيمان، فإننا نشير إليه في عجالة، حين يقول الله تبارك وتعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (النساء: 59) نرى هنا أن الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم قد علق الإيمان على رد التنازع إلى القرآن وإلى السنة، وكما قلت: نادنا أولًا بصفة الإيمان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} (النساء: 59).
ف الله تعالى يطلب أن نطيع الرسول، وقبل ذلك طلب بنا أن نؤمن بالرسول -صلى الله عليه وسل م- في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ} (النساء: 136) وفي قوله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: 158) فمقتضى ذلك أن نؤمن بالله ورسوله لأن الله تبارك وتعالى طلب من الإيمان بذلك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}
وفي آية الأعراف {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (الأعراف: 158).
مقتضى ذلك أن نؤمن بالله وبالرسول، ثم إن الإيمان يقتضي الإيمان التصديق بكل ما جاء به هذا الرسول، إن حدث عكس ذلك؛ يعني هب أن واحدًا مثلًا يزعم أنه آمن بالرسول ثم لم يؤمن ولم يصدق بكل ما جاء به هذا الرسول، هل تسلم له قضية الإيمان هذه؟ لا يمكن؛ لأنه جزء من إيماننا بالرسول -صلى الله عليه وسل م- أن نؤمن وأن نصدق بكل ما جاء به هذا الرسول، من القرآن من السنة، كل ما جاءنا به نصدقه، وإلا فلن يكون هناك مؤمن، بل لن تنسجم قضية الإيمان أصلًا إذا شك أو ارتاب أحدنا في شيء مما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسل م-.
إذن هي قضية واضحة جدًّا، أولًا: أن الله علق الإيمان على طاعتنا للرسول -صلى الله عليه وسل م-. وقبل ذلك طلب منا أن نؤمن بالله وبرسوله -صلى الله عليه وسل م- وأنه ينبغي أن يكون في ذهن كل مؤمن أنه لن يكون مؤمنًا حقًّا إلا إذا صدق الرسول في كل ما أخبر به.
ولا ينسجم -كما قلنا- أن يتصور أحد أنه مؤمن ثم هو يكذب ببعض ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسل م- إذن كيف تؤمن به؟ وما معنى أنك تؤمن أو مصدق بأنه رسول؟ تصديقك بأنه رسول يعني هو من عند الله تبارك وتعالى ويخبر عن الله تعالى.
يقول الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- في (الرسالة) وهي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر -عليه رحمة الله- وقد رقم فقراتها، في الفقرة 239 وما بعدها يقول الإمام الشافعي رحمه الله:"فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له أول شيء في خطوات الإيمان، وكل شيء بعده تبع له. فجعل كمال ابتداء الإيمان الذي ما سواه تبع له الإيمان بالله ثم برسوله، فلو آمن عبد به -أي بالله تعالى- ولم يؤمن برسوله لم يقع عليه اسم كمال الإيمان حتى يؤمن برسوله معه".
لعل الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقصد بكمال الإيمان هنا أي: كمال
انعقاده، فإن انعقاده ليس الكمال المعروف المضاد للنقص، بمعنى أن أصل الإيمان موجود، ثم قد يتعرض لشيء من النقص، فلا يكون كاملًا، لا، إنما المقصود بكمال الإيمان هنا؛ أي انعقاد الإيمان؛ أي كمال انعقاده، لن يكون إلا بالإيمان بالله تعالى وبرسوله -صلى الله عليه وسل م-.
فانعقاد الإيمان لا يكون إلا بذلك، ومن هنا قلنا قبل، وها نحن نكرر أن الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسل م- جزء من إيماننا بالله تعالى، والذي يكذب الرسول -صلى الله عليه وسل م- هو في نفس الوقت يكذب الله تعالى؛ لأن الله تعالى هو الذي أرسله، ومن هنا وجبت طاعة الرسول بمقتضى هذا الإيمان في كل ما يبلغه عن ربه ما دمت قد آمنت بأنه رسول وصدقته واتبعته، فعليك أن تصدق كل ما أخبر به عن الله تعالى، ولا يجوز أبدًا لا في عقل، ولا في واقع، ولا في نقل أن يزعم أحد الإيمان ثم هو يكذب ببعض ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الإمام الشافعي أيضًا في موطن آخر من مواطن رسالته: وكل ما سن -هو هنا تكلم عن رسول الله -صلى الله عليه وسل م- وكل ما سن يقصد النبي صلى الله عليه وسلم فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته أي: طاعة الله عز وجل يعني اتباعنا للنبي -صلى الله عليه وسل م- هي طاعة لله -تعالى-.
"وجعل في اتباعه" الضمير في اتباعه يعود إلى النبي -صلى الله عليه وسل م- طاعته تعود على الله تعالى.
كلام الشافعي: "وكل ما سن أي النبي -صلى الله عليه وسل م- فقد ألزمنا الله اتباعه، وجعل في اتباعه طاعته، وفي العنود عن اتباعها أي المعاندة عن السنة معصيته أي: معصية الله سبحانه وتعالى التي لم يعذر بها خلقًا، ولم يجعل له من اتباع رسول الله -صلى الله عليه وسل م- أو سنن رسول الله -صلى الله عليه وسل م- مخرجًا".
يعني: لا عذر لأحد أبدًا في مجانبة السنة وفي معصية الله تعالى المترتبة على معصية
السنة، الله تعالى لم يعذر أحدًا أبدًا لم يقبل عذرا من أحدًا في تخلفه عن طاعة النبي -صلى الله عليه وسل م- وعن امتثال أمره، ولم يجعل لأحد أبدًا من اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسل م- مخرجًا.
إذن هذه أقوال تبين أن الإيمان الذي هو دليل من أدلة أهل السنة؛ يعني ترتيبه كالآتي:
أولًا: نؤمن بالرسول -صلى الله عليه وسل م- بأنه من عند الله، وإيماننا بهذا الرسول -صلى الله عليه وسل م- يرتب عليه أن نؤمن بصدقه في كل ما أخبره به عن الله عز وجل وفي وجوب اتباعه. هذه مجموعة من القضايا المتلازمة التي تندمج وتتحد فتصبح قضية واحدة، كل جزئية منها مبنية على الجزئية التي قبلها، أنت صدقت أنه رسول، هذا التصديق يقتضي أن تصدق في كل ما أخبر به عن الله تعالى، وأيضًا يقتضي أن تتبعه في كل ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسل م- وأن تعلم أن اتباعك للنبي -صلى الله عليه وسل م- هو عين الطاعة لله عز وجل وأن معصية النبي -صلى الله عليه وسل م- هي معصية لله -تعالى-.
هذا التلازم لا بد أن يكون واضحًا في ذهن كل مؤمن، ولنعلم أيضًا أن الله عز وجل لم يقبل عذرًا من أحد من خلقه في مجانبة السنة أو معاندتها أو في عدم اتباعها، وأيضًا لا مخرج لنا إلا باتباع النبي -صلى الله عليه وسل م-.
إذن هذا دليل الإيمان الذي لم يخالف فيه أحد من أهل السنة والجماعة، والذين يعلمون أن الإيمان يحتم على أتباعه، وعلى أبنائه أن يصدقوا النبي -صلى الله عليه وسل م- وأن يتبعوه في كل ما جاء به من عند الله تبارك وتعالى.
أيضًا من الأدلة الدالة على وجوب اتباع السنة دليل الشيخ عبد الغني عبد الخالق -رحمه الله تعالى- سماه دليل العصمة، خلاصته أن الأمة أجمعت على عصمته -صلى الله عليه وسل م- عما يخل بالتبليغ.
كل الأمة مجمعة على أن الله قد عصمه أن يقع في شيء ما يكون سببًا في خلل التبليغ الذي أرسله الله تعالى به، والذي وضحه في كثير من آيات القرآن الكريم
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} (المائدة: 67)، وأيضًا {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} (الشورى: 48) إلى آخر الأدلة التي تبين مهمة التبليغ للنبي -صلى الله عليه وسل م - لكي يؤدي النبي -صلى الله عليه وسل م- التبليغ على الوجه الذي يرضي الله عز وجل لا بد أن يكون معصومًا من كل شيء يخل بهذا التبليغ.
فهل كان لا يؤمر بالتبليغ بشيء من أحاديثه ثم يقولها هو من عند نفسه؟ يعني هو مبلغ عن الله عز وجل وإن لم يبلغ فلن يكون قد أدى الرسالة، كما قال الله تعالى {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (المائدة: 67) فهل الله عز وجل لم يأمره بتبليغ بعض الأحاديث ثم هو بلغها؟ أو هو قالها من عند نفسه؟ أتى بها من عند نفسه؟ ما حكمنا على من يقول بذلك؟
أظن الإجابة واضحة، إذن الله عز وجل عصمه أن يخل بأمانة التبليغ، لا بانتقاص شيء منها، ولا بإضافة شيء إليها، فكل ما قاله النبي -صلى الله عليه وسل م- هو تبليغ عن الله تبارك وتعالى.
إذن: لماذا جعل الله طاعتنا للنبي -صلى الله عليه وسل م- هي طاعة لله عز وجل؟ لأن -كما قلنا- هو يقول بأمر الله ويبلغ مراد الله
…
إلخ. فهل هناك جملة من الأحاديث النبوية مثلًا بعضها -أيًّا كان الرقم- النبي -صلى الله عليه وسل م- أتى بها من عند نفسه، ولم يكن فيها مبلغًا عن الله تعالى؟ وهل لو قبل عقل ذلك يكون قد أيقن أن النبي -صلى الله عليه وسل م- قام بهمة التبليغ على الوجه الذي يرضي الله عز وجل؟
أعتقد أن الإجابة واضحة، لا يمكن أبدًا أن يقبل عقل مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسل م- كما قلت أنقص أو نقص شيئًا من التبليغ أو زاد شيئًا فيه من غير أمر الله تعالى.
إذن دليل العصمة هذا من الأدلة القوية على وجوب اتباع السنة، لماذا؟