الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهنا يظهر بوضوح منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين، فالمتقدمون يعلون الزيادة إذا كانت من راوٍ دون بقية الرواة الثقات ولو كان ثقة حافظاً، أما المتأخرون فإنهم على خلاف هذا ويعدونها زيادة حفظ.
فإذا أعلّ البخاري، وأبو حاتم، والترمذي، ويحيى بن معين، والعقيلي، والدارقطني، حديثاً فمن الناس بعدهم؟! ولا أدري كيف قال الشيخ أحمد شاكر بتخطئتهم جميعاً؟!
ومن هنا يظهر خطأ الشيخ عداب الحمش في موضوع الزيادة عند الترمذي حينما تناوله في أطروحته وخرج بنتيجة مضطربة فقال مرة:"مذهب الترمذي هو قبول زيادة الثقة غالباً كما هو صريح قوله "(1).
وقال مرة ثانية:" قلت: في هذا القدر من الأمثلة كفاية للوقوف على صنيع الحافظ الترمذي في قبول زيادة الثقة مطلقاً كما هو مذهب شيخه البخاري"(2).وبين غالباً، ومطلقاً فرق كبير؟!!، ناهيك عن خطأ النتيجة الني توصل إليها.
والحق أن الباحث حينما يستقرئ الجامع الكبير للإمام الترمذي يجد عشرات الأمثلة الناصعة الدالة على إعلال هذا الإمام الجهبذ لمثل هذه الزيادات، وهو الذي يمثل، ويكمّل خط الإمام الكبير علي بن المديني، والبخاري، رحمهم الله تعالى.
وللمزيد انظر الأحاديث في جامعه بالأرقام:
(61و395و447و620و594و595و621و639و683و692و718و730و 845و866
…
و878و893و924و948و969و983و1012و1028و1073و1178و1182و1228و1371و1395و1555و1604و1605و1652و1665وو1770و 1777و2036و2586 و2591و2835و2838و2844و2908و3036و3047و 3054و3071و 3088 و3089 و3092 و3119 و3186و 3262 و3265 و 3266 و3303 و 3316)
المبحث السادس: عند الإمام النسائي:
يعد الإمام النسائي من الأئمة المبرزين في الحديث وفنونه، بل من أشهر أقرانه،
(1) أقوال الترمذي في الرجال ص260.
(2)
أقوال الترمذي ص227.
ومن يقرأ سننه، وأقواله في العلل يعرف ذلك.
وقد استقرأت سننه (الكبرى، والمجتبى) لأعرف منهجه في قبول الزيادة أو ردها فوجدته يسلك مسلك الأئمة المتقدمين في ذلك، فهو يقبل زيادة الثقة بشروطها التي بيناها، ويردّها بمفهوم المتأخرين إذا ما تفرد بها -راوٍ واحد- عن جماعة الرواة في الشيخ نفسه، سنداً أو متناً.
وعمدتي في ذلك أقواله التي يعل بها الأحاديث، أما ما سكت عنه فإنني لا أتعرض له لأنني لا أدري لعله يقبلها أو يردها؟
ولكن من خلال الأحاديث التي صرح بها قبولاً أو رداً وجدته على منهجية واضحة ثابتة وهي رد الزيادة إذا خالف راويها بقية الرواة -كما أسلفنا-.
وقد سبقني إلى هذا زميلنا الطالب محمد محمود سليمان في رسالته: " علل الحديث وتطبيقاتها في كتاب المجتبى للإمام النسائي "؛ إلى دراسة منهجية النسائي في قبول الزيادة أو ردها في فصل مستقل ولكنني لم أقف على تصريح منه يبين فيما إذا كان يقبل الزيادة أم لا؟ سوى الأمثلة التطبيقية، وقد ناقشها مناقشة جيدة، بان من خلالها أن الإمام النسائي لم يقبلها، بل يعل الرواية المتصلة بالمرسلة، والمرفوعة بالموقوفة إذا كان راويها واحداً انفرد عن أقرانه الثقات بها.
وكل الأمثلة التي مثل بها الباحث كانت تقضي بهذا الأمر، ولم يذكر مثلاً واحداً قبل فيه الإمام النسائي الزيادة، على منهجية المتأخرين (1)،وهذا هو الذي وقفنا عليه من خلال استقرائنا لمنهجه في كتابه السنن، وسأذكر بعض الأمثلة التي تبين ذلك:
1 -
أخرج النسائي في الكبرى 2/ 254 (3320): فقال:
أنبأنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن حفصة بنت سيرين، عن الرباب، عن عمها سلمان بن عامر يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر فإنه بركة، وإن لم يجد تمراً فالماء فإنه طهور ". قال أبو عبد الرحمن: هذا الحرف (فإنه بركة)،لا نعلم أن أحداً ذكره غير ابن عيينة، ولا أحسبه محفوظاً.
أقول: دار الحديث على عاصم الأحول رواه عنه:
- الثوري: أخرجه أحمد 4/ 17، والترمذي (695)، والنسائي في الكبرى 2/ 254
(1) انظر علل الحديث وتطبيقاتها في كتاب المجتبى ص292 - 333.
(3320)
، وابن خزيمة 3/ 378 (2067).
- وأبو معاوية: أخرجه أحمد 4/ 18، والترمذي (695).
- وثابت بن يزيد: أخرجه الدارمي 2/ 13 (1701).
- وعبد الواحد بن زياد: أخرجه أبو داود (2355).
- ومحمد بن فضيل: أخرجه ابن ماجه (1699)،وابن خزيمة 3/ 378 (2067).
- وحماد بن زيد: أخرجه ابن خزيمة 3/ 378 (2067).
- وشعبة: أخرجه الطيالسي (1181) و (1261)،والبيهقي 4/ 239.
كلهم عن عاصم بلفظ متقارب (1).
ورواه سفيان بن عيينة عن عاصم بالسند نفسه فزاد في متنه (فإنه بركة): أخرجه الحميدي 2/ 362 (823)، وأحمد 4/ 17، والترمذي (658)، والنسائي في الكبرى 2/ 254 (3320)، وابن خزيمة 3/ 378 (2067).
وهذه الزيادة انفرد بها سفيان وهو ثقة جبل ولكن النسائي قال:"ولا أحسبه محفوظاً ".
2 -
قال النسائي 5/ 130: أخبرنا نوح بن حبيب القومسي قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا ابن جريج قال حدثنا عطاء عن صفوان بن يعلى بن امية عن أبيه أنه قال: ليتني أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ينزل عليه
…
فقال أين الرجل الذي سألني آنفاً فأتي بالرجل فقال: أما الجبة فاخلعها، وأما الطيب فاغسله ثم أحدث إحراماً)، فقال أبو عبد الرحمن:(ثم أحدث إحراماً) ما أعلم أحداً قاله غير نوح بن حبيب ولا أحسبه محفوظاً.
أقول: دار الحديث على يحيى بن سعيد القطان رواه عنه:
- أحمد بن حنبل: أخرجه أحمد 4/ 222.
- ومسدد بن مسرهد: أخرجه البخاري (4985) تعليقاً.
- ومحمد بن بشار: أخرجه ابن خزيمة 4/ 191 (2670).
- وعيسى بن يونس: أخرجه ابن الجارود في المنتقى ص117 (447و448).
كلهم عن يحيى بن سعيد القطان به بلفظ متقارب (2).
(1) انظر المسند الجامع 7/ 53 (4844).
(2)
انظر المسند الجامع 15/ 739 (12139).
ورواه نوح بن حبيب القومسي -وهو ثقة (1) - عن يحيى بالسند نفسه وزاد: (ثم أحدث إحراماً):أخرجه النسائي 5/ 130 وفي الكبرى 2/ 332 (3684)، والدارقطني في السنن 2/ 231.
فهذه الزيادة زادها ثقة ولكن النسائي أعلها.
3 -
قال النسائي 6/ 67: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا حماد بن سلمة وغيره عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير (ح) وعبد الكريم عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس، عبد الكريم يرفعه إلى ابن عباس وهارون
لا يرفعه قالا: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي وهي لا تمنع يد لامس؟ قال: " طلقها، قال: لا أصبر عنها ، قال: استمتع بها ".
قال أبو عبد الرحمن: هذا الحديث ليس بثابت، وعبد الكريم ليس بالقوي وهارون أثبت منه، أرسل الحديث، وهارون ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم.
وقال في 6/ 170: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا النضر بن شميل قال: حدثنا حماد ابن سلمة قال: أنبأنا هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس أن رجلاً قال: يا رسول الله إن تحتي امرأة لا ترد يد لامس، قال: طلقها، قال:"إني لا أصبر عنها، قال فأمسكها "،قال أبو عبد الرحمن: هذا خطأ والصواب مرسل ".
أقول: أما طريق عبد الكريم بن أبي المخارق فلا نتشاغل به لأنه ضعيف وقد خالف الثقة.
وأما حديث هارون: فقد دار الحديث على حماد بن سلمة رواه عنه يزيد بن هارون -وغيره كما قال النسائي- مرسلاً: أخرجه النسائي 6/ 170، وفي الكبرى 3/ 370 (5659)، من طريق يزيد بن هارون به (2).
ولم أقف على بقية الطرق ولكن كلام النسائي يدلل على ذلك.
ورواه النضر بن شميل عن حماد بن سلمة فزاد في إسناده ابن عباس (3). أخرجه النسائي 6/ 170، وفي الكبرى 3/ 370 (5659).
(1) التقريب (7203).
(2)
انظر المسند الجامع 9/ 203 (6503).
(3)
مصدر سابق.
وهنا أعل النسائي زيادة النضر بن شميل رغم كونه ثقة ثبت (1)، لأنه زاد على باقي الرواة.
وقد رواه معمر بن راشد مثل رواية حماد -المرسلة-: أخرجه عبد الرزاق 7/ 98 (12365).
4 -
أخرج النسائي 2/ 64 فقال: أخبرنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثني شعبة وهشام عن قتادة قال: قلت لجابر بن يزيد ما يقطع الصلاة؟ قال: كان ابن عباس يقول المرأة الحائض والكلب. قال يحيى: رفعه شعبة.
قلت: دار الحديث على قتادة، رواه عنه - مرفوعاً -:
شعبة بن الحجاج: أخرجه أحمد 5/ 83، وأبو داود (703)،والنسائي 2/ 64 وفي الكبرى1/ 272 (827)،وابن ماجه (949)،وابن خزيمة 2/ 22 (832)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 458، والطبراني في الكبير 12/ 140 (12824)، وابن حبان 6/ 148 (2387)،والبيهقي2/ 274 (2).
ورواه (هشام وسعيد بن أبي عروبة وهمام بن منبه) موقوفاً: أخرج طريق هشام: النسائي 2/ 64 وفي الكبرى 1/ 272 (827)(3)، وقال أبو داود عقب (703): وقفه سعيد وهشام وهمام.
وقال البيهقي 2/ 274: قال يحيى بن القطان: (لم يرفع هذا الحديث أحد عن قتادة غير شعبة، قال يحيى: وأنا أفرقه، قال: ورواه ابن أبي عروبة وهشام عن قتادة يعني موقوفاً).
أقول: هذا يعني أن شعبة زاد عليهم فرفعه، وأوقفوه، وهم أكثر عدداً وكلهم ثقات.
والنسائي هنا لم يورد الرواية المرفوعة، وإنما أورد الموقوفة، وأشار إلى المرفوعة إشارة، فهو يعلها، وكذا أبو داود وغيرهما.
وعدَّ الشيخ أحمد شاكر هذه زيادة ثقة فقال:"ورفع شعبة زيادة ثقة فهي مقبولة
(1) التقريب (7135).
(2)
انظر المسند الجامع 8/ 240 (6015).
(3)
مصدر سابق.