الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال السخاوي ت (902) هو: " ما رواه الضعيف مخالفاً "(1).
وقال السيوطي ت (911) في ألفيته (2):
المنكر الذي روى غير الثقة مخالفاً في نخبة قد حققه
قابله المعروف والذي رأى ترادف المنكر والشاذ نأى.
المبحث الثاني: مفهوم الحديث المنكر عند المتأخرين:
من خلال التعريفات التي مرت يتضح اختلاف علماء المصطلح، وكذا علماء الحديث الآخرين من غير أهل المصطلح في مفهوم الحديث المنكر على مذاهب عدة يمكن إجمالها بالآتي:
المطلب الأول: المنكر: هو الحديث الذي يتفرد به الراوي مطلقاً:
أي:"مطلق التفرد": نسب جمهور المتأخرين إلى الحافظ البرديجي ت (301 هـ) هذا القول مستدلين على ذلك من قوله في معنى المنكر:" أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل ولا يعرف متنه من غير روايته لا من الوجه الذي رواه عنه ولا من وجه آخر"(3).
هكذا فهم ابن الصلاح كلام البرديجي هذا، فقال بعد أن نقل النص:"وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث "(4).
وقال الحافظ العراقي:
والمنكر الفرد كذا البرديجي
…
أطلق والصواب في التخريج (5)
وقال أيضا:"كثيراً ما يطلقون المنكر على الراوي لكونه روى حديثاً واحداً "(6).
وقال السخاوي: في تعريف المنكر عند البرديجي:"وهو الذي لا يعرف متنه من
(1) فتح المغيث 1/ 223، وانظر توضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 3 - 4.
(2)
الألفية ص93، البيتان 180 - 181، وانظر تدريب الراوي 1/ 200.
(3)
مقدمة ابن الصلاح ص80، وانظر شرح علل الترمذي2/ 653وفتح المغيث، السخاوي1/ 222 وغيرها.
(4)
مصدر سابق.
(5)
فتح الغيث شرح ألفية الحديث، السخاوي 1/ 222.
(6)
الرفع والتكميل، اللكنوي ص 201.
غير وجه راويه فلا متابع له فيه ولا شاهد" (1).
وقال السيوطي: "وَصفَ الذهبي في"الميزان"عدة أحاديث في مسند أحمد وسنن أبي داود وغيرهما من الكتب المعتمدة بأنها منكرة، بل وفي الصحيحين أيضاً، وما ذاك إلا لمعنى يعرفه الحفاظ وهو أن النكارة ترجع إلى الفردية ولا يلزم من الفردية ضعف متن الحديث فضلاً عن بطلانه"(2).
أقول هذا كلام غير دقيق فليس مراد البرديجي- رحمه الله أن مطلق التفرد مردود، بل هو ينهج نهج الأوائل حيث إنّ الحكم على الرجل عندهم يكون على أساس المتون التي يأتي بها فمراده هنا ألا يكون متن الحديث غير معروف من طرق أخرى.
وقد نص هو على هذا فقال:"إذا روى الثقة من طريق صحيح عن رجل من
…
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً لا يصاب إلا الرجل الواحد لم يضره أن لا يرويه غيره إذا كان متن الحديث معروفاً ولا يكون منكراً ولا معلولاً " (3).
فتفرد الثقة بحديث -متن- لا يضره إلا إذا كان فيه أمر لا يعرفه من لا يفوتهم معرفته أو جاء بأمر يستنكر وهاك الدليل:
قال البرديجي في حديث:"رواه عمرو بن عاصم عن همام عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم:"إني أصبت حداً فأقمه عليَّ " (4) الحديث: هذا عندي حديث منكر وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم "(5).
وتمام الحديث كما جاء في لفظ البخاري:" إني أصبتُ حداً فأقمه في كتاب الله، قال: أليس قد صليت معنا؟ قال: نعم، قال: فإنَّ الله قد غفر لك ذنبك أو قال حدّك".
ولما كان هذا الحديث عنده معلولاً كان لا بد أن يكون له علة: وقد أعله بأخف رواة السند ضبطاً:"عمرو بن عاصم الكلابي"، فقال: وهو عندي وهم من عمرو بن عاصم،
(1) فتح المغيث 1/ 222.
(2)
الحاوي للفتاوى 2/ 210.
(3)
شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 654، وانظر الرفع والتكميل، اللكنوي ص 201.
(4)
الحديث متفق عليه أخرجه البخاري (6823)، ومسلم (2765)، وغيرهما من طريق عمرو بن عاصم، وأخرجه مسلم (2765) من طريق أبي امامة.
(5)
شرح العلل 2/ 654 - 655
وقال أبو حاتم في العلل: " الحديث باطل بهذا الإسناد "(1).
إذن فالمنكر عند البرديجي لا يعني مجرد التفرد بل الخطأ الذي يقع في الحديث.
ومع أننا نتحفظ على قوله هذا، بل وعلى قول أبي حاتم الرازي ببطلان إسناده، لكون الحديث مخرج بهذا الإسناد في الصحيحين، لكن هذا لا يمنع أن يكون عالم مثل أبي حاتم الرازي يعتقد ببطلان إسناده، ومتابعة البرديجي له والحكم عليه بالنكارة.
أما قول الحافظ ابن حجر:" هذا مما ينبغي التيقظ له فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده"(2)، فإني أفهم من كلام الحافظ: أن الأوائل كانوا يطلقون النكارة على ما تفرد به الضعيف المعتبر، ولا يطلقونها على تفرد الثقة أو الصدوق؟! وهذا كلام متعقب بما يلي:
إن نسبة هذا إلى أحمد والنسائي وغيرهما نسبة خاطئة فالإمام أحمد والنسائي وابن القطان وغيرهم كانوا يعلون تفرد الثقة وغيره إذا كان متن الحديث فيه مخالفة للأصول أو تقرير حكمٍ تعم به البلوى ولم ينقل إلا من طريق واحد، وقد بيناه فيما سبق، ونذكر بعضا هنا:
أعل الإمام أحمد حديث مالك بن أنس لأنه تفرد فيه وخالف متنه المحفوظ عنده، فمثلاً الحديث الذي أخرجه البخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنه:" أن الذين جمعوا الحج والعمرة طافوا حين قدموا لعمرتهم وطافوا لحجهم حين رجعوا من منى .. "(3).
قال:"لم يقل هذا أحد إلا مالك. وقال: لا أظن مالكاً إلا غلط فيه ولم يجئ به أحد غيره. وقال مرة: لم يروه إلا مالك ومالك ثقة "(4).
قال ابن رجب:"ولعل أحمد إنما استنكره لمخالفته للأحاديث في أن القارن يطوف طوافاً واحداً "(5).
(1) العلل 1/ 454 (1364).
(2)
النكت2/ 674.
(3)
أخرجه البخاري (1638) ومسلم 2/ 870 (1211) وغيرهما.
(4)
شرح العلل2/ 654.
(5)
مصدر سابق.
قلت: وهو الذي أراده الإمام أحمد والله أعلم.
وفي هذا أبلغ الرد على الحافظ ابن حجر في قوله الذي مر، وكذا ما رواه إسحاق بن هانئ قال: " قال لي أبو عبد الله-يعني أحمد- قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله يعني ابن عمر، أخطأ إلا في حديث واحد لنافع عن أبن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر امرأةٌ فوق ثلاثة أيام
…
(1) الحديث قال أبو عبد الله: فأنكر يحيى بن سعيد عليه.
قال أبو عبد الله: قال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن ابن عمر مثله قال أبو عبد الله: لم يسمعه إلا من عبيد الله فلما بلغه عن العمري صححه " (2).
قال ابن رجب:"وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر وكلام الإمام أحمد قريب من ذلك"(3).
قلت: فكيف إذن صرح الحافظ ابن حجر في أكثر من موضع: أن المتقدمين يقبلون تفرد الثقة؟ وهو القائل:" المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له "، بل وحتى على رأيه هو في كون الصدوق يقبل تفرده-كما مر-فقد ناقض نفسه إذ قال:"فالصدوق إذا تفرد بشيءٍ لا متابع له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن فهذا أحد قسمي الشاذ
…
". (4)
وهكذا تحصل أن قول من يقول إنّ المتقدمين يطلقون النكارة على مجرد التفرد، هو قول ضعيف والصواب هو ما قدمناه من كونهم يلحظون سلامة الحديث أولاً، وهل هو محفوظ أو لا؟.
ويؤيد هذا أنّ الخطيب البغدادي بوّب باباً سماه: "باب ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث"(5)
فالقول إن المنكر هو:"ما انفرد به الراوي هو قول منقوض بالأفراد الصحيحة"(6)،
(1) أخرجه مسلم 2/ 975 (1338)،وأبو داود (1727).
(2)
شرح العلل2/ 655 - 656.
(3)
شرح العلل2/ 656
(4)
النكت2/ 674.
(5)
الكفاية في علم الرواية ص140.
(6)
الاقتراح، إبن دقيق العيد ص198.