الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته، وهذا باب قد اشتبه كثيراً على غير النقاد، والصواب ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده من تنقية حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين وسفيان بن حسين في غير الزهري ونظائرهما متعددة، وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحداً كحديث العلاء بن عبد الرحمن مثلاً عن أبيه عن أبي هريرة فإن مُسلماً يصحح هذا الإسناد ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان وهو من روايته على شرطه في الظاهر ولم ير إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث وتفرده وحده به وهذا أيضاً كثير يعرفه من له عناية بعلم النقد ومعرفة العلل، وهذا إمام الحديث البخاري يعلل حديث الرجل بأنه لا يتابع عليه ويحتج به في صحيحه ولا تناقض منه في ذلك". (1)
قلت: وهذه المرجحات يصعب معرفتها إلا بالتخمين الذي قد يخطئ أو يصيب لأنه لم يصرح بها؟! فلا سبيل لمعرفتها.
المطلب الأول: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك:
وقد وقفت خلال استقرائي لصحيح البخاري على بعض الأمثلة التي قد يظنها البعض قبولاً للزيادة، فسأوردها هنا لبيان أنها ليست من هذا القبيل:
1 -
قال الإمام البخاري (5273):حدثنا أزهر بن جميل قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا خالد-الحذاء-عن عكرمة عن ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:أقبل الحديقة وطلقها تطليقة ". قال أبو عبد الله: لا يتابع فيه عن ابن عباس.
حدثنا إسحاق الواسطي حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة أن أخت عبد الله بن أُبي بهذا وقال: تردين حديقته؟ قالت: نعم فردتها، وأمره أن يطلقها. وقال إبراهيم بن طهمان عن خالد عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم "وطلقها ".وعن أيوب بن أبي تميمة عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال جاءت امرأة ثابت بن قيس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني لا أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني لا أطيقه فقال رسول الله
(1) ((حاشية ابن القيم على سنن أبي داود المطبوع مع عون المعبود للعظيم آبادي 10/ 292 - 293.
- صلى الله عليه وسلم:" فتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم ".
قلت: دار الحديث على عبد الوهاب الثقفي رواه عنه أزهر وحده متصلاً: أخرجه البخاري (5273)، والنسائي 6/ 169،وفي الكبرى 3/ 369 (5657)، والطبراني في الكبير 11/ 247 (1969)، والدارقطني 3/ 254 والبيهقي 7/ 313.
قال الدارقطني في التتبع: " وأصحاب الثقفي غير أزهر يرسلونه "(1).
قلت: ولم أقف على من أخرجه عن الثقفي مرسلاً؟
وأعتقد أن الدارقطني فهم خطأً من كلام البخاري أنه روي مرسلاً عن الثقفي، ويؤيد هذا أن الدارقطني لم يذكر من أرسله؟.
ومراد الإمام البخاري أنه روي على الاختلاف الذي ذكره هو عقب الحديث، أي أن الاختلاف يدور على خالد الحذاء لا على الثقفي. (2)
وإنما خالف خالد الطحان عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحذاء، في روايته الحديث مرسلاً، أخرجه البخاري (5274)،والبيهقي 7/ 313.
ورواه إبراهيم بن طهمان عنه - الحذاء - مرسلاً أيضا، أخرجه البخاري (5274) تعليقاً، ووصله ابن حجر في التغليق (3).
وأما عن قول البخاري عقب الحديث " لا يتابع فيه عن ابن عباس " قال الحافظ ابن حجر: " لا يتابع أزهر بن جميل على ذكر ابن عباس في هذا الحديث بل أرسله غيره ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة، ولهذا عقبه برواية خالد وهو ابن عبد الله الطحان عن خالد وهو الحذاء عن عكرمة مرسلاً، ثم برواية إبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلاً وعن أيوب موصولاً ورواية إبراهيم بن طهمان عن أيوب الموصولة وصلها الإسماعيلي ". (4)
هكذا قال الحافظ ابن حجر، وإنما أعلّ البخاري الحديث لكونه غير معروف عند الحفاظ متصلاً عن الثقفي إلا من طريق أزهر، وأظن أن ابن حجر أخذ هذا من كلام
(1) التتبع ص489.
(2)
انظر سنن البيهقي 7/ 313، ومقدمة فتح الباري ص 534.
(3)
انظر تغليق التعليق 4/ 462.
(4)
فتح الباري.9/ 401.
الدارقطني في التتبع إذ قال: " وأصحاب الثقفي غير أزهر يرسلونه أيضاً "؟ قال ابن حجر في المقدمة: بعد نقل كلام الدارقطني:"قلت: قد حكى البخاري الاختلاف فيه وعلقه لإبراهيم بن طهمان عن خالد الحذاء مرسلاً، وعن أيوب موصولاً، وذلك لما يقوي رواية جرير بن حازم، وفي رواية أبي ذر عن المستملي من الزيادة قال البخاري عقب حديث أزهر: لا يتابع فيه عن ابن عباس، وهذا معنى قول الدارقطني أن أصحاب الثقفي يرسلونه، وقد ذكرت من وصل حديث إبراهيم بن طهمان في تغليق التعليق ". (1)
أقول: وهكذا تكون الموازنة بين طريقين فحسب، طريق الثقفي، وطريق خالد الطحان، أما عن طريق إبراهيم بن طهمان فأنه لم يصح عند البخاري، لذا علقه، وإنما أورده أصلاً لبيان زيادة وردت فيه وهو قوله:"وطلقها".
وكذا الثقفي ثقة أيضاً. (2) فاختار البخاري طريق الثقفي لأنه توبع متابعة قاصرة إذ توبع في شيخه (الحذاء) تابعه أيوب بن أبي تميمة، أخرجه البخاري (5275 و 5276 و 5277)، والبيهقي 7/ 313، وكذا قتادة السدوسي، أخرجه البيهقي 7/ 313.
وفي هذا رد على الدارقطني في تتبعه على البخاري، وأما أزهر هذا فإنه وإن كان ثقة، لكنه ليس من المتقنين الأثبات، كما تدل على ذلك ترجمته، ولذا فإن البخاري لم يخرج له إلا هذا الحديث، ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة الباقين إلا النسائي، فلعل هذا من أوهامه، ولعل الحافظ ابن حجر إنما قال:"صدوق يغرب"،من أجل هذا الحديث (3)؟
2 -
وقال البخاري: (6820):حدثني محمود، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر:" أن رجلا من أسلم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم حتى شهد على نفسه أربع مرات قال له النبي صلى الله عليه وسلم:أبك جنون؟ قال: لا، قال: أحصنت؟ قال: نعم، فأمر به فرجم بالمصلى فلما أذلقته الحجارة فر، فأدرك فرجم حتى مات فقال له النبي صلى الله عليه وسلم خيراً وصلى عليه ". لم يقل يونس
(1) مقدمة فتح الباري ص 534، انظر المسند الجامع 9/ 200 (6498) و9/ 201 (6499).
(2)
جاء في التقريب (3261):" ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين"،وتعقبه صاحبا التحرير 2/ 398:"الثابت أن الناس حجبوا عنه عند تغيره ".
(3)
التقريب (303)،وتتبعه مصاحبا التحرير 1/ 109 فقالا:" ولم يصفه أحد بالأغراب البتة "؟.
وابن جريج عن الزهري فصلى عليه سئل أبو عبد الله هل قوله فصلى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر قيل له: رواه غير معمر؟ قال لا.
قلت: أخرجه البخاري من حديث محمود قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري به، فزاد زيادة:"وصلى عليه"،خالف بها جمهرة الرواة الذين رووه عن معمر إذ قالوا في حديثهم " ولم يصلِ عليه ".
وقد تعقب على الإمام البخاري من وجهين:
الأول: إيراده هذا الطريق الذي خالف فيه، وسيأتي الكلام عليه.
الثاني: قوله: لم يقل يونس وابن جريج عن الزهري فصلى عليه سئل أبو عبد الله هل قوله فصلى عليه يصح أم لا؟ قال: رواه معمر قيل له رواه غير معمر؟ قال لا.
فأشعر أن المنفرد بالزيادة هو معمر؟ والصحيح أن المنفرد بها هو محمود بن غيلان:
فقد روي الحديث عن عبد الرزاق عن معمر بالسند نفسه دون الزيادة، بل بنفي الصلاة عليه، رواه عن عبد الرزاق أكثر من عشرة رواة، وانفرد محمود عنهم بالزيادة.
فقد أخرجه: أحمد 3/ 323 فقال: حدثنا عبد الرزاق.
وأخرجه مسلم 3/ 1318 (1691) من طريق إسحاق بن إبراهيم.
وأخرجه إبن الجارود 1/ 206 (813)، طريق محمد بن يحيى الذهلي.
وأخرجه النسائي 4/ 62،وفي الكبرى 1/ 635 (2083)،و 4/ 280 (7176) من طريق محمد بن يحيى الذهلي، وطريق نوح بن حبيب القومسي.
وأخرجه النسائي في الكبرى 4/ 280 (7176) من طريق محمد بن رافع النيسابوري.
وأخرجه أبو داود (4430)، والترمذي (1429) من طريق الحسن بن علي الخلال.
وأخرجه أبو داود (4430) من طريق محمد بن المتوكل العسقلاني.
وأخرجه أبو عوانة 4/ 125 (6265) من طريق إسحاق الدبري.
وأخرجه الدارقطني 3/ 127، والبيهقي 8/ 218، من طريق أحمد بن منصور الرمادي.
وأخرجه ابن حبان 7/ 362 (3094) من طريق محمد بن الحسن بن السري.
كلهم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر به مرفوعاً (1)، بعضهم قال:" ولم يصل عليه "، وبعضهم سكت عنها.
وأما طريق يونس الذي ذكره البخاري فقد أخرجه في صحيحه (5270 و 6814)، ومسلم 3/ 1318 (1691)، وأبو عوانة 4/ 126 (6266).
وأخرجه البخاري من طريق عقيل بن خالد (6816).ومن طريق شعيب (5272)، وأخرجه معلقاً عن الزهري (7168).
وأخرجه الدارمي 2/ 213 (2315)، ومسلم 3/ 1318 (1691)، وأبو عوانة 4/ 126 (6266) من طريق ابن جريج.
وقد خطّأ البيهقي 8/ 218 حديث البخاري، وقال الحافظ ابن حجر 12/ 154 - 155: " قوله وصلى عليه هكذا وقع هنا عن محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وخالفه محمد بن يحيى الذهلي وجماعة عن عبد الرزاق فقالوا في آخره ولم يصل عليه قال المنذري في حاشية السنن: رواه ثمانية أنفس عن عبد الرزاق فلم يذكروا قوله وصلى عليه
…
فهؤلاء أكثر من عشرة أنفس خالفوا محموداً منهم من سكت عن الزيادة ومنهم من صرح بنفيها
…
وقد اعترض عليه في جزمه بأن معمراً روى هذه الزيادة مع أن المنفرد بها إنما هو محمود بن غيلان عن عبد الرزاق وقد خالفه العدد الكثير من الحفاظ فصرحوا بأنه لم يصل عليه، لكن ظهر لي أن البخاري قويت عنده رواية محمود بالشواهد
…
".
وقال الزيلعي في معرض كلامه على الزيادة في الأحاديث:"وفي موضع يغلب على الظن خطؤها كزيادة معمر في حديث ماعز الصلاة عليه، رواها البخاري في صحيحه وسئل هل رواها غير معمر؟ فقال: لا. وقد رواه أصحاب السنن الأربعة عن معمر وقال فيه: "ولم يصل عليه
". فقد اختلف على معمر في ذلك، والراوي عن معمر هو عبد الرزاق، وقد اختلف عليه أيضاً، والصواب: أنه قال: ولم يصل عليه "(2).
قلت: وهذه الشواهد قد تنفع في جبر المتن، وأما السند فلا، وأما عن تخريج البخاري له فنجيب عنه بما يأتي:
1 -
إنها ليست من قبيل الزيادة، لتحقق المخالفة، فجماعة من الثقات قالوا: لم
(1) انظر المسند الجامع 4/ 183 (2642).
(2)
نصب الراية 1/ 336.