الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإلا فمن تأمل كتاب تأريخ البخاري تبين له قطعا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة " (1).
وقال الحافظ ابن حجر: " إن البخاري ليس له عمل مطرد في قبول الزيادة أو ردها بل يصوب الإرسال أحياناً لقرينة تظهر له، ويصوب الاتصال أحياناً أخرى حسب القرينة "(2).
قلت: وهذا كلام جيد صحيح، وسيتبين لنا الأمر في الفصل التطبيقي لاحقا إن شاء الله تعالى.
المطلب الخامس: مذهب الإمام مسلم
.
قال في صحيحه: "حكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه قبلت زيادته، فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو لمثل هشام بن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابها عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم "(3).
وقال في التمييز: " والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يكثر عليهم الوهم في حفظهم "(4).
ووضع أول باب في التمييز يتعلق بحيثية مهمة في الزيادة، وهي التفرد والمخالفة فقال:" السمة التي تعرف بها خطأ المخطئ في الحديث وصواب غيره إذا أصاب ".
ثم ذكر لنا وجهتين: إحداهما: أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً ينسب في إسناد خبره خلاف نسبته التي هي نسبته .... إلى أنْ قال: " والجهة الأخرى:
(1) شرح علل الترمذي 2/ 638.
(2)
النكت على ابن الصلاح 2/ 609.
(3)
مقدمة ابن الصلاح 1/ 7، وانظر شرح مسلم، النووي 1/ 58.
(4)
التمييز ص 189، وانظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 642.
أن يروي نفر من حفاظ الناس: حدثنا عن مثل الزهري أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمّن حدّث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكي مَنْ وصفنا من الحفاظ فيعلم حينئذٍ أن الصحيح من الروايتين ما حدّث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً، على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث مثل شعبة وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم، وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم في حفظ الحفاظ وخطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك " (1).
وهذا هو مذهب المتقدمين كما قال الإمام مسلم فهم يقضون برواية الجماعة على الواحد وعندهم: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد، إذ في العدد الكثير تقل احتمالية نسبة الخطأ إليهم، بخلاف الواحد وإنْ كان حافظاً فاحتمالية الخطأ والوهم واردة منه.
ولعل أحدهم يورد شبهة أنْ كلام الإمام مسلم هنا لا يعني الزيادة والتي مرادها تفرد راوٍ واحد عن الجماعة - إذا كانوا ثقات - في نفس الشيخ بزيادة في السند أو المتن.
فأقول: قد يشمل النص السابق للإمام مفهوم كل مخالفة ولكنّ الزيادة تدخل في معنى كلامه جزماً، إذ قد انطبق ذلك في أمثلة، وعَدَ الإمام مسلم بإيرادها في تتمة النص: " وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم
…
".
ثم أورد تلكم الأمثلة فمنها:-
ردَّ زيادة الإمام مالك - على جلالة قدره وحفظه - في حديث (105)، بوبه فقال:" ذكر حديث وهم مالك بن أنس في إسناده ". -ثم قال-: " حدثنا مسلم
قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا مالك عن هشام عن أبيه أنه سمع عبد الله بن عامر بن ربيعة يقول:" صلينا وراء عمر بن الخطاب الصبح فقرأ سورة يوسف وسورة الحج قراءة بطيئة، فقلت: إذن والله كان يقوم حين يطلع الفجر، قال أجل". سمعت مسلماً يقول: فخالف أصحاب هشام هلم جرا مالكاً في هذا الإسناد، في هذا الحديث. (106) أبو أسامة عن هشام قال: أخبرني عبد الله بن عامر بن ربيعة قال:" صليت خلف عمر فقرأ سورة الحج وسورة
(1) التمييز ص170 - 172 بتصرف.