الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذن: فأبو داود استعمل مصطلح "غير محفوظ " لما انفرد به ثقة، وكذا لما خالف، ولما زاد وأطلقه على زيادة مجهول العين وزيادة ضعيف، وعلى تفرد من لا يحتمل تفرده.
هكذا يتبين لنا أن مفهوم " غير محفوظ " أعم عند أبي داود مما نسب إليه الشيخ محمد حوى في رسالته وأعم مما ينسب المتأخرون إليه.
والصواب: أنّ كل ما ليس له أصل متابع أو لم يعرفه أهل الحفظ هو غير محفوظ عنده خالف به ثقة أم غير ثقة - والله أعلم -.
المطلب الرابع: مذهب الإمام الترمذي:
وأما عند الإمام الترمذي:"فقد استعمله بما يشمل الشاذ والمنكر أو استعمالاً يشمل كل ما يندرج تحت المخالفة وتفرد الضعفاء ومن يلتحق بهم"(1).
وفيما يأتي أمثلة توضح ذلك وتثبته:
1 -
المثال الأول: قال الترمذي في الجامع (203)" باب ما جاء في الأذان بالليل ":
حدثنا قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين ابن أم مكتوم ".قال أبو عيسى: وفي الباب عن ابن مسعود وعائشة وأنيسة وأنس وأبي ذر وسمرة. قال أبو عيسى: حديث ابن عمر حديث حسن صحيح، وقد اختلف أهل العلم في الأذان بالليل فقال بعض أهل العلم: إذا أذن المؤذن بالليل أجزأه ولا يعيد، وهو قول مالك، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وقال بعض أهل العلم: إذا أذن بليل أعاد، وبه يقول: سفيان الثوري وروى حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر:" أن بلالاً أذن بليل فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينادي إن العبد نام ".قال أبو عيسى: هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم".
قال: وروى عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع أن مؤذناً لعمر أذن بليل فأمره عمر
(1) هذا ما توصل إليه شيخنا الدكتور عداب الحمش في أطروحة الدكتوراه الموسومة: (أقوال الإمام الترمذي في الرجال) وهي نتيجة صحيحة، ولكني وجدت الشيخ قد خالفها وناقضها في أكثر من موضع!، أنظرها ص210.
أن يعيد الأذان وهذا لا يصح أيضاً لأنه عن نافع عن عمر منقطع ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث والصحيح رواية عبيد الله وغير واحد عن نافع عن ابن عمر والزهري عن سالم عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إن بلالاً يؤذن بليل".
قال أبو عيسى: ولو كان حديث حماد صحيحاً، لم يكن لهذا الحديث معنى إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن بلالاً يؤذن بليل فإنما أمرهم فيما يستقبل فقال: إن بلالاً يؤذن بليل ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل: إن بلالاً يؤذن بليل. قال علي بن المديني: حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم هو غير محفوظ، وأخطأ فيه حماد بن سلمة ".
التعليق:
خالف حماد بن سلمة ما رواه عبد الله بن عمر وغيره في حديثه، فحكم الترمذي على مخالفة مثل حماد وهو " ثقة " متكلم في حفظه آخر أيامه" (1)،بأنها غير محفوظة.
الاستنتاج:
وهذا يعني أنه يطلق لفظة "غير محفوظ"على مخالفة الثقة.
2 -
وقال: (3163):"حدثنا محمود بن غيلان قال: حدثنا النضر بن شميل قال: أخبرنا صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر أسرى ليلة حتى أدركه الكرى أناخ فعرس ثم قال:"يا بلال اكلأ لنا الليلة قال: فصلى بلال ثم تساند إلى راحلته مستقبل الفجر فغلبته عيناه فنام فلم يستيقظ أحد منهم وكان أولهم استيقاظاً النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي بلال فقال بلال: بأبي أنت يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتادوا، ثم أناخ فتوضأ فأقام الصلاة ثم صلى مثل صلاته للوقت في تمكث ثم قال: أقم الصلاة لذكري ".
قال: هذا حديث غير محفوظ رواه غير واحد من الحفاظ عن الزهري عن سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا فيه عن أبي هريرة، وصالح بن أبي الأخضر يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه ".
التعليق:
خالف صالح بن أبي الأخضر غيره من الحفاظ في روايتهم عن الزهري فقد وصله
(1) أنظر تهذيب الكمال (1466)، والتقريب (1499)، والتحرير1/ 318.
وهم أرسلوه فعند الترمذي حديثه غير محفوظ، وصالح عند الترمذي -نفسه- ضعيف كما صرح بذلك عقب الحديث.
الاستنتاج:
وهذا يعني أن مخالفة الضعيف للثقات يعدها"غير محفوظة ".
3 -
وقال في جامعه (719)"ما جاء في الصائم يذرعه القيء":
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ثلاث لا يفطرن الصائم الحجامة والقيء والاحتلام ".
قال أبو عيسى: حديث أبي سعيد الخدري حديث غير محفوظ وقد روى عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد وغير واحد هذا الحديث عن زيد بن أسلم مرسلاً ولم يذكروا فيه عن أبي سعيد وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم يضعف في الحديث قال: سمعتُ أبا
داود السجزي يقول: سألت أحمد بن حنبل عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فقال: أخوه عبد الله بن زيد لا بأس به قال: وسمعت محمداً يذكر عن علي بن عبد الله المديني قال: عبد الله بن زيد بن أسلم ثقة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف قال محمد: ولا أروي عنه شيئاً ".
4 -
وكذا ما جاء في (1082) باب"ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه " إذ قال:
حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن ابن عجلان عن بن وثيمة النصري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".
قال: وفي الباب عن أبي حاتم المزني وعائشة قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً قال أبو عيسى: قال محمد: وحديث الليث أشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظاً".
قلت: عبد الحميد بن سليمان هو الضرير: ضعيف (1).
(1) التقريب (3764).
5 -
وفي حديث (720) باب:"باب ما جاء فيمن استقاء عمداً"قال: حدثنا علي بن حجر قال: حدثنا عيسى بن يونس عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض ".
وفي الباب عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد. قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس، وقال محمد: لا أراه محفوظاً، قال أبو عيسى: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح إسناده وقد روي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة بن عبيد:"أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر"،وإنما معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائماً متطوعاً فقاء فضعف فأفطر لذلك هكذا روي في بعض الحديث مفسراً والعمل عند
أهل العلم على حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصائم إذا ذرعه القيء فلا قضاء عليه وإذا استقاء عمداً فليقض وبه يقول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ".
التعليق:
حكم الترمذي على هذا الحديث بأنه " غير محفوظ " لمجرد تفرد هشام بن حسان به دون مخالفة فقال: " حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام
…
" فهو حسن -معلول- عند الترمذي مع أن هشاماً ثقة، بل " أثبت الناس في ابن سيرين" (1)، ومحمد بن سيرين ثقة ولكنه لما انفرد بالحديث ولم يتابع عليه انحطت درجته، ولمّا توبع بروايات الباب حسن طريقه -والله أعلم-.
فهو " غير محفوظ " من رواية أبي هريرة كما قال البخاري بل محفوظ من رواية غيره.
وهذا يعني أنه -الترمذي- أقر البخاري على حكمه بأنه غير محفوظ، مع أنه لم يخالف.
وهكذا يتبين أن الترمذي يطلق لفظة " غير محفوظ " وقد يريد بها مخالفة الثقة أو غير الثقة أو التفرد مطلقاً.
(1) التقريب (2124) وانظر التحرير 1/ 432.