الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
الحديث الشاذ
المبحث الأول: تعريف الحديث الشاذ:
الشاذ في اللغة:
مأخوذ من "شذّ، يشذّ شذاً أو شذوذاً: ندر عن الجمهور وشذّه هو كمدّه لا غير. وشذّ وأشذه والشذاذ: القلال والذين لم يكونوا في حيهم ومنازلهم"(1).
قال ابن حزم: " إنّ كل من خالف أحداً فقد شذ عنه وكل قول خالف الحق فهو شاذ عن الحق فوجب أن كل خطأ فهو شذوذ عن الحق وكل شذوذ عن الحق فهو خطأ"(2).
وفي الاصطلاح:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: الشاذ: " ما رواه "المقبول" مخالفاً لمن هو أولى منه"(3).
فالشاذ إذن من أقسام الحديث الضعيف كما هو مقرر. (4)
هنا أسأل: ما مراد الحافظ ابن حجر بـ "المقبول": هل هو الضعيف المعتبر كما قرره في التقريب (5)؟ أم الضعيف غير المعتبر؟ أم الثقة؟.
فإن قيل: أراد به الضعيف أو الضعيف المعتبر، قلنا: لازمه أن الشاذ والمنكر واحد، وقد فرق بينهما الحافظ ابن حجر بل عد ذلك غفلة بقوله:" وقد غفل من سوى بينهما"(6)، وإن قيل أراد به الثقة، قيل له: فلماذا لم يصرح بذلك؟
(1) القاموس المحيط باب الذال مادة "شذ" 1/ 354، وانظر مختار الصحاح مادة "شذ" ص (332 - 333).
(2)
الإحكام 4/ 576.
(3)
نزهة النظر ص50، وانظر تدريب الراوي، السيوطي 1/ 196.
(4)
انظر مصدر سابق.
(5)
انظر مقدمة التقريب 1/ 52، وقد عدها في المرتبة السادسة.
(6)
نزهة النظر ص52، وانظر صفحة 42 من مبحث المنكر.
أقول: إنما قال ذلك لأنه رأى التصريح بالثقة يخالف صنيع الأئمة والضعيف كذلك، فأراد التوفيق بينهما فقال: المقبول وأراد به الذي يحتج به مطلقاً منفرداً أو متابعاً، يعني -صحيح
الحديث وحسنه- فقط (1)،والله أعلم.
ومع كل ذلك فعلى تعريفه: - ما خالف المقبول- يكون قد عارض نفسه فقد نقل عنه السيوطي في التدريب عند تعريف الحديث الصحيح قوله: "مجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق أو أكثر عدداً لا يستلزم الضعف، بل يكون من باب صحيح وأصح
…
" (2)؟ فتأمل!
وتأمل قوله في حد الصحيح: " إن شرط الصحيح أن لا يكون الحديث شاذاً"(3)، فهل الشاذ صحيح؟ أو حسن؟ أو ضعيف؟ والأمثلة كثيرة لمن يتتبع.
وفي الحقيقة لم أقف على قولٍ "لمتأخر"، يعطي الشاذ حقيقة مفهومه لأنه لم يُستقرأ بشكل صحيح، بل استُنتج فقط، والأعم الأغلب منهم يكرر عبارة سابقه، مع إجلالنا لهم، والاعتراف بفضلهم.
من أجل ذلك يقول السيوطي:" الحديث الشاذ عسير ولعسره لم يفرده أحدٌ بالتصنيف". (4)
وإن هذا المصطلح نادر الاستعمال لدى المتقدمين، فإذا تتبعت أقوالهم في كتب العلل فإنك لا تكاد تجد فيها كلمة " الشاذ "،، ولا يعني هذا أنهم لا يعتبرون الشذوذ علة، وإنما أوردوا ما يقال فيه الشاذ بعبارات أخرى واضحة مثل قولهم: هذا خطأ، هذا غير محفوظ، هذا وهم، ونحوها، وسأعرض الأقوال التي استطعت أن أقف عليها في كتب المصطلح، حتى نحدد مفهوم الحديث الشاذ عندهم.
أقوال علماء المصطلح في تعريف الحديث الشاذ:
قال الحاكم النيسابوري ت (405): " الشاذ هو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم
(1) انظر النكت على ابن صلاح 2/ 674، وصفحة 42 من بحث المنكر.
(2)
تدريب الراوي 1/ 45.
(3)
النكت على ابن الصلاح 2/ 654.
(4)
تدريب الراوي 1/ 194.
فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة." (1).
وهو أول تعريف للشاذ في كتب المصطلح كنوع من أنواع علوم الحديث، إذ لم أقف على تعريفه في أول كتاب في مصطلح الحديث وهو كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي " للحافظ الرامهرمزي ت (360هـ).
وقال أبو يعلى الخليلي ت (446): " الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة فما كان من غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به"(2).
أما الخطيب البغدادي ت (463): فإنه لم يصرح لنا بتعريف للشاذ في الكفاية أو غيرها من كتبه -والله أعلم- وإنما بوب باباً سماه " ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث"(3)،ونقل كلام أئمة الشأن في ترك الاحتجاج بالحديث الشاذ.
وقال الميانشي ت (571): " فهو أن يرويه راو معروف لكنه لا يوافقه على روايته المعروفون "(4)
وقال الحافظ ابن الصلاح ت (643):" الأمر في ذلك على تفصيل نبينه فنقول: إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه فإن كان ما انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط، كان ما انفرد به شاذاً مردوداً وإن لم يكن فيه مخالفة لما رواه غيره وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره فينظر في هذا الراوي المنفرد فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده به خارماً له مزحزحا له عن حيز الصحيح ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم
(1) معرفة علوم الحديث ص119.
(2)
الإرشاد 1/ 176.
(3)
الكفاية ص 142.
(4)
ما لا يسع المحدث جهله ص 11.
نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر، فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان: أحدهما الحديث الفرد المخالف، والثاني الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم (1).
وتعقبه الحافظ ابن جماعة ت (773) فقال: " وهذا التفصيل حسن ولكنه مخل لمخالفة الثقة من هو مثله في الضبط وبيان حكمه"(2).
وقال الإمام النووي ت (676):" فالصحيح التفصيل: فإن كان بتفرده مخالفاً أحفظ منه وأضبط كان شاذاً مردوداً، وإن لم يخالف الراوي فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بضبطه كان تفرده صحيحاً، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسناً، وإن بعد كان شاذاً منكراً مردوداً والحاصل أن الشاذ المردود: هو الفرد المخالف والفرد الذي ليس في رواته من الثقة والضبط ما يجبر به تفرده"(3).
وقال ابن دقيق العيد ت (702): " هو ما خالف راويه الثقات أو ما انفرد به من لا يحتمل حاله أن يقبل ما تفرد به"(4).
ورجح الحافظ ابن كثير ت (774): مذهب الشافعي وهو أنه إذا كان المنفرد عدلاً ضابطاً حافظاً فحديثه صحيح، وأما إن كان المنفرد غير حافظ وهو عدل ضابط فحديثه حسن وإن فقد الشروط فإنه مردود.
ثم قال: فإن هذا لو رد لردت أحاديث كثيرة من هذا النمط وتعطلت كثير من المسائل عن الدلائل. (5) ورجح الشيخ أحمد شاكر مذهب ابن كثير في تعليقه - الباعث الحثيث-. (6)
وقال الحافظ العراقي ت (806):
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة فيه الملا فالشافعي حققه
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 76.
(2)
المنهل الروي ص50.
(3)
تقريب النواوي بشرحه تدريب الراوي، السيوطي 1/ 195 - 196.
(4)
الاقتراح ص197.
(5)
انظر اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص55.
(6)
انظر مصدر سابق.