الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: والزائد أولى أن يؤخذ، وهذا ليس مما نحن فيه فإن مراده أن الصحابة روى بعضهم فيمن يفوته الحج عليه القضاء مع الدم، فأخذ بقبول من زاد الدم فإذا روي حديثان مستقلان في حادثه وفي أحدهما زيادة فإنها تقبل من الثقة كما لو تفرد الثقة بأصل الحديث وليس هذا من باب زيادة الثقة، ولا سيما إذا كان الحديثان موقوفين عن صحابيين وإنما قد يكون أحياناً من باب المطلق والمقيد. وأما مسألة زيادة الثقة التي نتكلم فيها ههنا فصورتها: أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد، ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، لم يذكرها بقية الرواة " (1).
أقول: توقف الإمام أحمد في زيادة الإمام مالك: " من المسلمين"، لما ظن أن الإمام مالك قد تفرد بها ولم يتابع حيث قال:" كنت أتهيب حديث مالك " من المسلمين "، يعني حتى وجده من حديث (العمريين) (2) قيل له: أمحفوظ هو عندك من المسلمين؟ قال: نعم "(3).
قال إبن رجب: " وهذه الرواية تدل على توقفه في زيادة واحد من الثقات ولو كان مثل مالك حتى يتابع على تلك الزيادة وتدل على أن متابعة مثل العمري لمالك مما يقوي رواية مالك ويزيل عن حديثه الشذوذ والإنكار "(4).
وهذا أوضح مثال كون الإمام أحمد لا يقبل الزيادة ولو كانت من مثل مالك حتى يتابع!.
المطلب الرابع: مذهب الإمام البخاري:
لم يصرح الإمام البخاري في مصنفاته (5) حول قضية قبول الزيادة أو عدمه، خلا ما نقل عنه بعض المتأخرين من القول بقبولها؟
قال الخطيب البغدادي في الكفاية: " أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال: أنبأنا
(1) شرح علل الترمذي 2/ 635.
(2)
هما عبد الله وأخوه عبيد الله ابنا عمر بن حفص العمري، والحق أن المتابعين لمالك في هذا الحديث كثر كما سيأتي بيانه.
(3)
شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 632.
(4)
مصدر سابق.
(5)
أقول: أعني على مفهوم المتأخرين.
محمد بن نعيم الضبي قال: سمعت أبا إسحاق: إبراهيم بن محمد بن يحيى يقول: سمعت محمد بن هارون المكي يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري، وسئل عن حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه عن صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح إلا بولي؟
فقال: الزيادة من الثقة مقبولة وإسرائيل بن يونس ثقة، وأن كان شعبة والثوري أرسلاه فانّ ذلك لا يضر الحديث " (1). فهذا الحديث جاء مرة متصلاً ومرة مرسلاً، قال الترمذي: " ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم:" لا نكاح لا بولي "، عندي أصح لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث فإن رواية هؤلاء عندي أشبه لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، ومما يدل على ذلك ما حدثنا محمود بن غيلان قال حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نكاح لا بولي؟ فقال: نعم "، فدل هذا الحديث على أن سماع شعبة والثوري عن مكحول هذا الحديث في وقت واحد "(2).
وهذا يعني: أن شعبة رواه بالسماع على أبي إسحاق بقراءة سفيان (3).
وأما من رواه متصلاً فهم:
(شريك بن عبد الله، وأبو عوانة وزيد بن الحباب عن يونس عن أبي إسحاق وإسرائيل بن يونس، وقيس بن الربيع)(4). والظاهر انهم سمعوه في مجالس متعددة (5).
فتبين مما تقدم أن هذه ليست زيادة ثقة كالتي في كتب المصطلح، موضوع
(1) الكفاية ص413، وانظر تدريب الراوي 1/ 184.
(2)
جامع الترمذي حديث (1101و 1102).
(3)
انظر تدريب الراوي 1/ 184 - 185، وقد زعم السيوطي أن الطيالسي أخرج سؤال حوار شعبة مع سفيان ولم أقف عليه في المطبوع بل أخرجه من طريق أبي عوانة عن أبي اسحاق فحسب انظر المسند (523).
(4)
انظر جامع الترمذي حديث (1101و 1102)، وشرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 636. والكفاية، الخطيب ص411.
(5)
انظر شرح علل الترمذي2/ 636.
دراستنا، بل هذه من باب مختلف الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: " الاستدلال بأن الحكم للواصل دائماً على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول، منها: أن يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص من غيرهم.
ووافقهم على ذلك أبو عوانة وشريك النخعي وزهير بن معاوية وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه.
وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد
…
. فشعبة وسفيان إنما أخذاه معاً في مجلس عرضاً-كما ترى- ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على ما أخذ عنه عرضاً في محل واحد.
هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين مع أن الشافعي رضي الله عنه يقول: " العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد ".
فتبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل بل بما يظهر من قرائن الترجيح ويزيد ذلك ظهوراً تقديمه الإرسال في مواضع أخر ". (1)
والذي يبدو لي والله أعلم أن هذا المثال لا يصح للتمثيل به في قضية زيادة الثقة لأن الذين وصلوه أكثر عدداً، وأن شعبة وسفيان لم يخطئا به وكذا من وصله فكلهم سمعوه من أبي إسحاق، فقد يكون أبو إسحاق رواه مرة مرسلاً ومرة مرفوعاً أو يكون سمعه هكذا من أبي بردة فانه متكلم في سماع أبي بردة من أبيه؟
والذي يهمنا هنا أن هذا حتى ولو ثبتت نسبته إلى البخاري فانه لا يعني في كل تعارض بين الأحاديث ناهيك عن صنيعه في تاريخه ومصنفاته الأخرى من إعلال الموصول بالمرسل (2).
قال إبن رجب:" وهذه الحكاية إن صحت فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث.
(1) النكت على ابن الصلاح 2/ 606 - 607، وانظر تدريب الراوي، السيوطي 184 - 185.
(2)
انظر النكت على ابن الصلاح2/ 607.