الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن خلال استقرائي لهذه الكتب وكتب أخرى، تبين لي:-أن المتقدمين أطلقوا على زيادة راوٍ على راوٍ آخر، أو جماعة رواة على جماعة آخرين مصطلح زيادة ثقة. (1)
المبحث الأول: عند الإمام مالك بن أنس:
يقف المتفحص لمنهجية الإمام مالك في موطئه على أنَّه يقدم المرسل على الموصول والموقوف على المرفوع في أعم أحاديثه، ولعل ذلك يعود إلى منهجية راسخة في ذهنه لا يمكننا الوقوف عليها إذ لم يصرح بها هو في موطئه.
ومن خلال استقرائي لمنهج الإمام مالك في موطئه، بدراسة أسانيده تبين لي أنَّه لم يقبل ولا في حديث واحد زيادة الثقة على قاعدة المتأخرين في فهمهم لها، بل على العكس فقد رد أحاديث من مثل ذلك، منها مثلاً:
1 -
أخرج في الموطأ (774) فقال: عن زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح العامري أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: " كنا نخرج زكاة الفطر صاعاً من طعام أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر أو صاعاً من أقط أو صاعاً من زبيب وذلك بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ".
وأخرجه أحمد 3/ 73،والدارمي (1671)،والبخاري (1505و 1506و 1508)، ومسلم2/ 678 (985)،والترمذي (673)،والنسائي5/ 51كلهم من طرقٍ عن زيد بن أسلم به. (2)
وأخرجه أحمد 3/ 23و98،والدارمي (1670)،ومسلم 2/ 678 (985)، وأبو داود (1616)،وابن ماجة (1829)،والنسائي 5/ 51، وابن خزيمة (2407) و (2418) من طرقٍ عن داود بن قيس به. (3)
وأخرجه مسلم 2/ 679 (985)،والنسائي 5/ 51 من طريق الحارث بن عبد الرحمن بن ذباب به. (4)
وأخرجه أبو داود (1617)،والنسائي 5/ 53،وابن خزيمة (2419) من طريق عثمان بن حكيم بن حزام به. (5)
(1) انظر ص208 من هذا البحث.
(2)
انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352).
(3)
سبق.
(4)
سبق.
(5)
انظر المسند الجامع 6/ 291 (4352).
فهؤلاء (زيد بن أسلم، داود بن قيس، الحارث وعثمان) رووه عن عياض بألفاظ متقاربة. (1)
وأخرجه الحميدي (742)،وأبو داود (1618)،والنسائي 5/ 52 وفي الكبرى 2/ 28 (2293)، وابن خزيمة (2414)، والبيهقي 4/ 172، والدارقطني 2/ 146 من طرقٍ عن سفيان بن عيينه عن ابن عجلان عن عياض فزاد فيه (دقيق).
وقد أخرجه مسلم 2/ 679 (985) من طريق حاتم بن إسماعيل عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله بن أبي السرح دونها. (2)
وأخرجه أبو داود (1618) من طريق يحيى القطان وابن خزيمة (2413) من طريق حماد بن مسعدة كلاهما عن ابن عجلان عن عياض دونها. (3)
فانفرد ابن عيينة عنهم بها وهو ثقة جبل.
فلو قال مالك بالزيادة لأوردها هنا وخاصة وأنَّ سفيان ثقة والزيادة فيها حكم زائد.
لذا قال البيهقي: "فلم يذكر أحد منهم الدقيق غير سفيان، وقد أنكر عليه "(4).
2 -
وأخرج في (1287): عن يحيى بن سعيد قال: أخبرني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده قال:" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في اليسر والعسر والمنشط والمكره وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقول أو نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ".
أقول: مدار الحديث على عبادة بن الوليد رواه عنه جماعة:
- يحيى بن سعيد الأنصاري: أخرجه البخاري (7199)، والنسائي 7/ 137و138و139.
-ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر -جميعاً-:أخرجه مسلم 3/ 1470 (1709).
- ويحيى بن سعيد الأنصاري وعبيد الله بن عمر ومحمد بن عجلان -جميعاً-:أخرجه مسلم 3/ 1470 (1709)، وابن ماجة (2866).
(1) سبق.
(2)
سبق.
(3)
سبق.
(4)
سنن البيهقي 4/ 172.
-ويزيد بن الهاد: أخرجه مسلم 3/ 1470 (1709).
-والوليد بن كثير: أخرجه النسائي 7/ 139.
كلهم عن عبادة بن الوليد بألفاظ متقاربة (1).
ورواه محمد بن إسحاق عن عبادة فزاد فيه (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب
…
على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا)،أخرجه أحمد 5/ 316.
قال الحافظ ابن حجر بعد أن ساق حديث ابن إسحاق: " ولكن الحديث في الصحيحين كما سيأتي في الأحكام ليس فيه هذه الزيادة، وهو من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبادة بن الوليد، والصواب أنّ بيعة الحرب بعد بيعة العقبة، لأن الحرب إنما شرع بعد الهجرة "(2).
أقول: وإخراج الإمام مالك له دون الزيادة يعني عدم قبوله لها ولو قبلها لأخرجها وخاصة وأن ابن إسحاق ثقة في المغازي (3)، وقد صححه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على مسند أحمد (4).
3 -
وأخرج مالك (1064) عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن ابن عوف:" كيف صنعت يا أبا محمد في استلام الركن؟ فقال عبد الرحمن: استلمت وتركت، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبت ".
أقول: مدار الحديث على هشام بن عروة، رواه عنه:
- مالك: كما في الموطأ (1064)، والحاكم 3/ 306.
- معمر: أخرجه عبد الرزاق 5/ 34 (8900).
- وابن عيينة: أخرجه عبد الرزاق 5/ 34 (8901).
-وجعفر بن عون: أخرجه البيهقي 5/ 80 وقال: " هذا مرسل وكذلك رواه مالك عن هشام ".
فهؤلاء (مالك، ومعمر، وابن عيينة، وجعفر) جميعاً رووه عن هشام مرسلاً.
(1) انظر تفصيل هذا في المسند الجامع 8/ 110 (5604).
(2)
فتح الباري 1/ 92.
(3)
انظر تهذيب الكمال 6/ 221 (5646)، وميزان الاعتدال 3/ 468 (7197) والتهذيب 9/ 39.
(4)
مسند أحمد 37/ 374 (22700).
ورواه زهير بن معاوية عن هشام عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلاً -، أخرجه البزار 3/ 266 (1057) وقال:"وهذا الحديث لا نعلمه روي عن عبد الرحمن بن عوف إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وقد رواه جماعة فلم يقولوا: عن عبد الرحمن بن عوف ".
أقول: فلو كان الإمام مالك يأخذ بزيادة الثقة فلماذا عَدَلَ عن المتصل إلى المرسل؟ وزهير ثقة (1).
وقد أعلّه الدارقطني في علله 4/ 292 (574) وعدَّ المرسل هو المحفوظ.
4 -
وأخرج مالك في (1462):عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد أنه قال: " أتت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار: أما إنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل أبو بكر السدس بينهما ".
أقول: مدار الحديث على يحيى بن سعيد الانصاري، رواه عنه:
- مالك: أخرجه في الموطأ (1462)، ومن طريقه البيهقي 6/ 235.
وذكر الدارقطني في العلل 1/ 287 (77) أن علي بن مسهر وحماد بن سلمة رووه مثل رواية مالك.
ورواه سفيان بن عيينة فزاد عليهم التصريح بأن اسم الرجل هو"عبد الرحمن بن سهل وأنه من أهل بدر ":أخرجه عبد الرزاق 10/ 275 (19084)،وسعيد بن منصور 1/ 55 (81)، والدارقطني في السنن 4/ 90 - 91، والبيهقي 6/ 235.
قال الدارقطني في العلل 1/ 287 (77): "يرويه ابن عيينة منفرداً سمّى الرجل الأنصاري، فقال: عبد الرحمن بن سهل، وذكر أنه شهد بدراً مع النبي صلى الله عليه وسلم ورواه حماد بن سلمة وعلي بن مسهر وجماعة عن يحيى بن سعيد عن القاسم فقالوا فيه:" فقال رجل من الأنصار لأبي بكر"،ولم يسموه، ولم يقولوا من أهل بدر".
أقول: فلو كان مالك يقبل الزيادة لأوردها هنا؟.
5 -
وأخرج مالك (2478): عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة: "أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها
(1) التقريب (2051).
فقضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرةٍ: عبدٍ أو وليدةٍ ".
دار الحديث على أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف رواه عنه:
- محمد بن شهاب الزهري: أخرجه مالك (2478)، والشافعي في الأم 6/ 107،وأحمد 2/ 236 و2/ 274،والبخاري (5758 و 5760 و6740و6904و6909 و6910)،ومسلم (1681)، والترمذي (2111)، والنسائي 8/ 48، والطحاوي في شرح المعاني 3/ 205، والبيهقي 8/ 112 من طرقٍ عن الزهري به. (1)
-ومحمد بن عمرو: أخرجه أحمد 2/ 438 من طريق يحيى بن سعيد وفي 2/ 498 من طريق يزيدبن هارون، والترمذي (1410) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وابن ماجة (2639) من طريق محمد بن بشر. كلهم عن محمد بن عمرو (2) بلفظ مقارب لرواية الزهري.
ورواه أبو داود (4579) من طريق عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو (3)، فزاد عليهم " أو فرس أو بغل "وقال:" روى هذا الحديث حماد بن سلمة وخالد بن عبد الله عن محمد بن عمرو، ولم يذكرا (فرس أو بغل) ". (4)
هكذا وجدنا ستة من الثقات يروون الحديث عن محمد بن عمرو من غير هذه الزيادات، وتفرد بها عيسى بن يونس وهو ثقة مأمون كما قال الحافظ ابن حجر (5).
أقول: فلو صحت الزيادة عند مالك لماذا لم يأخذ بها هنا وفيها فائدة زيادة حكم شرعي؟ وكذا يدلل على منهج البخاري ومسلم في عدم إيرادهما لها.
6 -
وأخرج في (2111) فقال: عن جعفر بن محمد عن أبيه: " أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد ".
قلت: دار الحديث على جعفر بن محمد الصادق روي عنه مرة مرسلاً ومرة متصلاً، رواه عنه:
- سفيان الثوري: أخرجه الترمذي (1345)، وابن أبي شيبة 4/ 544
(1) انظر المسند الجامع 17/ 362 (13765).
(2)
انظر المسند الجامع 17/ 362 (13765).
(3)
سبق.
(4)
انظر تفصيل تخريج الحديث في المسند الجامع 17/ 362 (13765) و 17/ 263 (13766).
(5)
التقريب (5341).