الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
زيادة الثقة
يعد هذا المبحث "زيادة الثقة" من أصعب مباحث علوم الحديث، وتنبعث أهميته من كثرة الزيادات التي يزيدها الرواة الثقات في الأحاديث وما يترتب عليها من زيادة حكم أو تخصيص عام، أو تقييد مطلق، والإشكال يقع في قبول تلك الزيادة أو ردها؟ فهم ثقات والتوثيق مظنة لقبولها، والانفراد عن بقية الرواة مظنة الخطأ والخطأ وارد من الثقات ومن دونهم.
وتنازع العلماء في ذلك بين قابل للزيادة مطلقاً وآخر راد لها مطلقاً والآخر يشترط شروطاً لها والآخر يتوقف فيها
…
وهكذا وقد ألصق الكثير من المتأخرين بالمتقدمين القول بأنها مقبولة وادعوا على ذلك إجماعاً كما سيأتي، وهذا النوع من العلوم الصعبة التي يعز من يتقنها، قال الحاكم:"وهذا مما يعز وجوده ويقل في أهل الصنعة من يحفظه
…
" (1).
وصورة زيادة الثقة هي: أن يروى جماعة من الرواة حديثاً واحداً بإسناد واحد ومتن واحد فيزيد بعضهم فيه زيادة لم يذكرها بقية الرواة (2).
والزيادة إما أنْ تكون في المتن أو في السند.
ولنستقرئ آراء أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين لنرى مدى موافقة الأواخر للأوائل في مفهوم "زيادة الثقة" وسنقرن الأقوال بالتطبيق العملي في مصنفاتهم، وعللهم ليتبين لنا الأمر بوضوح إن شاء الله تعالى.
المبحث الأول: تعريف زيادة الثقة لغة واصطلاحاً:
الزيادة في أصل اللغة: مصدر زاد يزيد زيداً، وهي النماء والكثرة، خلاف النقص، وتطلق الزيادة على معان، منها: التكليف يقال: تزيد في كلامه، وتزودت الإبل أي تكلفت. ومنها الراوية: إذ سميت مزادة، وهي تكون من جلدين يزاد بينهما بجلد ثالث
(1) معرفة علوم الحديث ص130.
(2)
انظر شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 635.
لتتسع، وسميت مزادة لمكان الزيادة (1).
وأما الثقة لغةً: فهو يعني المؤتمن وهو مصدر قولك: وثق به يثق، وأنا واثق به وهو موثوق به، ورجل ثقة، وكذلك الاثنان والجميع، وقد يجمع على الثقات، وهو في التذكير والتأنيث سواء (2).
وفي الاصطلاح:
عرفها الحاكم النيسابوري بقوله:"معرفة زيادات ألفاظ فقهية في أحاديث ينفرد بالزيادة راوٍ واحد"(3).
وقال ابن رجب:"أن يروي جماعة حديثاً واحداً بإسناد واحد، ومتن واحد فيزيد بعض الرواة فيه زيادة، لم يذكرها بقية الرواة"(4).
وصورة الزيادة التي تعنى هنا، كما عرفها أهل المصطلح: تفرد راو واحد ثقة عن بقية الرواة بنفس السند عن نفس الشيخ، بزيادة لفظة في المتن، أو وصل مرسل، أو رفع موقوف، ونحوه.
وأما إذا كان أكثر من واحد كأن يتابع ذلك الثقة بثقة آخر، أو ممن يعتبر به في المتابعة خرج عن أن يكون هذا الحديث من قبيل زيادة الثقة، وإنما هو من قبيل المختلف، لاحتمال أن يكون الشيخ رواه على الوجهين، فحمله كل جماعة على وجه، وسنفصل القول فيه كما سيأتي.
وأما مراد الأئمة بقولهم:"ثقة":فهو العدل الضابط، وجمع أبو عمر بن الصلاح تلك الخصال فقال:-
" أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على أنه يشترط فيمن يحتج بروايته أن يكون عدلاً ضابطاً لما يروي، وتفصيله أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدّث من كتابه، وإن كان يحدث بالمعنى اشترط مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل
(1) انظر لسان العرب 4/ 182، ومعجم مقاييس اللغة، ابن منظور 3/ 40، وأساس البلاغة 280.
(2)
لسان العرب ابن منظور 12/ 250.
(3)
معرفة علوم الحديث ص 130.
(4)
شرح علل الترمذي 2/ 635.
المعنى" (1).
وبالتأمل في هذه الصفات وغيرها مما ذكرها العلماء نجد أنها ترجع إلى أمرين هما: العدالة والضبط.
وعرّف الخطيب البغدادي العدل بأنه:"من عرف بأداء فرائضه ولزوم ما أمر به وتوقي ما نهي عنه وتجنب الفواحش المسقطة وتحري الحق والواجب في أفعاله ومعاملاته فمن كان هذا حاله فهو الموصوف بأنه عدل في دينه ومعروف بالصدق في حديثه"(2).
قال الحافظ ابن حجر:"المراد بالعدل: من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة"(3).
والمروءة التي ينبغي توافرها في الراوي المعدل كثيراً ما قيست بالمقاييس الخُلقية الإنسانية المشتركة ويستشهد الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم:"من عامل الناس فلم يظلمهم وحدَّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو من كملت مروءته وظهرت عدالته ووجبت أخوته وحرمت غيبته"(4).
ويشترط في العدالة أمور: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والتقوى، والاتصاف بالمروءة، وترك ما يخل بها (5).
والضابط:" من يكون حافظاً متيقظاً غير مغفل ولا ساهٍ ولا شاكٍّ في حالتي التحمل والأداء وهذا هو الضبط التام وهو المراد "(6).
والضبط كما قال العلماء ضبطان: ضبطُ صدرٍ وضبط كتاب. (7)
ويعرف كون الراوي ضابطاً بمقاييس قررها العلماء واختبروا به ضبط الرواة وهو كما لخصه ابن الصلاح:"أن نعتبر أي نوازن رواياته بروايات الثقات المعروفين بالضبط والإتقان فإن وجدنا روايته موافقة ولو من حيث المعنى لرواياتهم أو موافقة لها في الأغلب
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 94.
(2)
الكفاية في علم الرواية ص80.
(3)
نزهة النظر ص38، وانظر منهج النقد في علوم الحديث، د. نور الدين عتر ص79
(4)
الكفاية ص78،والحديث أخرجه ابن شهاب في مسنده 1/ 332.
(5)
نزهة النظر ص38،وانظر منهج النقد في علوم الحديث، د. نور الدين عتر ص79.
(6)
توضيح الأفكار، الصنعاني ص 8.
(7)
انظر نزهة النظر ص38.