الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: مفهوم زيادة الثقة عند المتقدمين:
المطلب الأول: مذهب الإمام يحيى بن معين:
لم أقف على قول صريح يقبل فيه الإمام يحيى بن معين زيادة الثقة، أو يردها كما عرّفها أهل المصطلح، بل يدلل صنيعه على عدم قبولها إلا بشروطها المعتبرة، كما سنبينها، وهو مذهب الأئمة المتقدمين، فمثلا:
رد زيادة يحيى بن آدم وهو ثقة (1) في زيادة رفع في حديث" إذا أجمرتم الميت فأوتروا "(2)، فقال:" لم يرفعه إلا يحيى بن آدم .. ولا أظن هذا الحديث إلا غلطا "(3).
قال النووي: " وكأن ابن معين بناه على قول بعض المحدثين أن الحديث إذا روي مرفوعاً، وموقوفاً فالحكم للوقف، والصحيح أن الحكم للرفع، لأنه زيادة ثقة، ولا شك في ثقة يحيى بن آدم "(4).
قلت: لم يقل أحد من المحدثين أن الحديث إذا جاء موقوفاً ومرفوعاً فالحكم للوقف، بل درسوا ذلك واصدروا الأحكام.
المطلب الثاني: مذهب الإمام الشافعي:
قال الشافعي رحمه الله: " إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو بأن يأتي بشيء يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ وهم عدد "(5).
وقد ذكر الشافعي-هذا في مواضع، وكثيرا ما قال: العدد أولى بالحفظ من الواحد" (6).
ونقل البيهقي مناظرة بين الإمام الشافعي وغيره في قضية تعارض الرفع والوقف، فقال:
" أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الربيع قال:
(1) التقريب (7496).
(2)
أخرجه ابن حبان 7/ 301 (3031)، والبيهقي 3/ 405.
(3)
نقله البيهقي في السنن 3/ 405.
(4)
نصب الراية، الزيلعي 2/ 264.
(5)
الأم 8/ 563، وانظر النكت على ابن الصلاح2/ 688.
(6)
اختلاف الحديث، الشافعي ص177، وانظر النكت 2/ 688.
قال الشافعي لبعض من يناظره، وللمناظرة موضع مع ثبوت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرح الإستسعاء في حديث نافع عن ابن عمر أنه قال، وأنا نقول: إن أيوب قال، وربما قال نافع: فقد عتق منه ما عتق، وربما لم يقله، قال: وأكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه، قال الشافعي رحمه الله: فقلت له: لا أحسب عالما بالحديث ورواته يشك في أن مالكا أحفظ لحديث نافع من أيوب لأنه كان ألزم له من أيوب ولمالك فضل حفظ الحديث أصحابه خاصة ولو استويا في الحفظ فشك أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك، إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو يأتي بشيء في الحديث يشركه فيه من لم يحفظ منه ما حفظ منه هم عدد وهو منفرد وقد وافق مالكا في زيادة وإلا فقد عتق منه ما عتق يعني غيره قال وزاد فيه بعضهم ورق منه ما رق قال الشيخ رحمه الله أما حديث أيوب فقد ذكرناه فيما مضى
…
.
- قال البيهقي -: وأخبرنا أبو عمرو الأديب قال: أنبأ أبو بكر الإسماعيلي قال: أخبرني أبو يعلى قال: حدثنا أبو الربيع قال: حدثنا حماد قال: حدثنا أيوب عن نافع عن بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
…
" من أعتق نصيبا من عبد أو شركا كان له في عبد فكان له من المال ما يبلغ ثمنه بقيمة العدل فهو عتيق قال فلا أدري أهو في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو شيء قاله نافع وإلا فقد عتق منه ما عتق أخرجاه في الصحيح هكذا وفي دلالة ظاهرة على أنه كان يشك فيه ومالك بن أنس رحمه الله أثبته عن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فالحكم له دونه وأما فضل حفظ مالك فهو عند جماعة أهل الحديث كما قال الشافعي رحمه الله "(1).
ففي هذا النص فوائد عدة: إذ بين الإمام الشافعي منهجيته في قبول الزيادة، أو ردها، فإذا كانت الزيادة بين راويين ثقتين أحدهما يزيدها، والآخر يتركها قبلت، لأنه: لم يكن في هذا موضع لأن يغلط به الذي لم يشك، وكذا إذا توبع صاحب الزيادة، وأما
إذا روى جماعة حديثاًعلى وجه ثم زاد عليهم ثقة واحد منفرد لم يقبل منه لأنه يكون قد أخطأ فيه، وهذا النوع الثاني المردود هو الذي يسميه عامة أهل المصطلح: زيادة ثقة!
قال الحافظ ابن حجر: "فأشار إلى أنّ الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر
(1) سنن البيهقي 10/ 278.
عددا أنها تكون مردودة" (1).
ثم قال: "ونقل الماوردي عن مذهب الشافعي في مسألة الوقف والرفع؟ الوقف يحمل على أنه رأي الراوي، والمسند على أنه روايته.
قلت -ابن حجر-: ويختص هذا بأحاديث الأحكام أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر. وما نقله الماوردي عن مذهب الشافعي قد جزم به أبو الفرج بن الجوزي وأبو الحسن ابن القطان وزاد: أن الرفع يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قد قصر في حفظه أو شك في رفعه قلت-ابن حجر-:وهذا غير ما فرضناه في أصل المسألة-والله أعلم- ثم إنه يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسلك الجادة " (2).
قلت: قد بان بطلان هذه النسبة إلى الإمام الشافعي مما مر من قوله الصريح، أما عن توجيه الحافظ ابن حجر كونه يختص بأحاديث الأحكام لا يسلم له، إذ لا وجه لهذا التخصيص. وأما عن قوله "ثم انه يقابل بمثله فيترجح الوقف: بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسالك الجادة " فمراده: أن القائلين بترجيح الوصل على الإرسال يحتجون بأن المرسل قد يكون سها أو غفل عن وصله فأجابهم الحافظ ابن حجر: وهذا يقابل بمثله في المتصل فقد يكون وهم فيه الراوي المتصل فاعتقد أنه موصول على العادة والجادة المسلوكة من قبل الراوي فيعتقد مثلاً أنه مادام في العادة عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم فانه يصل رواية عكرمة المرسلة باعتبار العادة، وحينئذ تترجح المرسلة؟ وهو جواب عظيم.
ثم قال الحافظ ابن حجر: " وأعجب من ذلك إطلاق كثير من الشافعية القول بقبول زيادة الثقة، مع أن نص الشافعي يدل على غير ذلك؛ فإنه قال في أثناء كلامه على ما يعتبر به حال الراوي في الضبط ما نصه: " ويكون إذا أشرك أحدا من الحفاظ لم
يخالفه، فإن خالفه فوجد حديثه أنقص كان في ذلك دليل على صحة مخرج حديثه، ومتى خالف ما وصفت أضر ذلك بحديثه! " (3)،- ثم عقّب بقوله -
: " ومقتضاه إنه إذا خالف فوجد حديثه أزيد أضر ذلك بحديثه، فدل على أن زيادة العدل عنده لا يلزم قبولها مطلقاً، وإنما
(1) النكت على ابن الصلاح 2/ 688.
(2)
النكت على ابن الصلاح 2/ 610.
(3)
هكذا النص في النكت، وهو في الرسالة ص 463 - 464: باختلاف لفظي يسير.