الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(22997)
.
- وإسماعيل بن جعفر: أخرجه الترمذي (1345) وقال: هذا أصح، والبيهقي 10/ 169. كلاهما عن جعفر بن محمد به مرسلاً.
ورواه عنه عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي - وهو ثقة (1) - فوصله، أخرجه الشافعي في المسند 2/ 180، وأحمد 3/ 305، والترمذي (1344)، وابن ماجة (2369)، والدارقطني 4/ 212، والبيهقي 10/ 169 - 170.
كلهم من طرق عن عبد الوهاب الثقفي به (2).
أقول: فلو قال الإمام مالك بقبول الزيادة فلماذا لم يوردها هنا؟
وقد أعل المتصل كل من الأئمة أبي حاتم، وأبي زرعة الرازيين، والترمذي -كما مر -، وابن عدي، ابن التركماني (3).
وهكذا يتضح لنا أنَّ الإمام مالك لم يقبل زيادة الثقة، بل رَدَّ زيادات كثيرة في الإسناد إذ أوردها مرسلة في حين رواها غيره متصلة، كما رد زيادات مهمة في المتن تفرد بها ثقات، والأمثلة المذكورة لها نظائر عديدة في الموطأ لمن يتتبع.
المبحث الثاني: عند الإمام البخاري:
لم أقف بعد طول بحث في صحيح الإمام البخاري وبالاستعانة بكتب الشروح والتخريج على حديث واحد - بحدود اطلاعي - يقبل فيه زيادة الثقة بمعناه عند المتأخرين، وهو أن يزيد راوٍ واحد على مجموعة رواة رووا الحديث عن الشيخ نفسه، بل على العكس فهو دوماً يجتنب الأحاديث التي ينفرد بعض الرواة بزيادة في متونها أو أسانيدها، وأحياناً يعلقها مع أنَّ كل رجال السند ثقات ولكنه يرغب عنه للاختلاف فيه، ومن أمثلته حديث أبي بكرة رضي الله عنه في حجة الوداع الذي أخرجه مسلم بزيادة تركها البخاري، قال القاضي عياض: " وقد روى البخاري هذا الحديث عن ابن عون فلم يذكر فيه هذا الكلام فلعلّه تركه عمداً
…
" (4).
(1) التقريب (4261).
(2)
انظر المسند الجامع 4/ 192 (2656).
(3)
انظر علل ابن أبي حاتم 1/ 467 (1402)، والكامل في الضعفاء 1/ 238، والجوهر النقي 10/ 171.
(4)
شرح مسلم 11/ 171،وسيأتي الكلام عليه مفصلاً عند كلامنا على الإمام مسلم.
وأخرج حديث مالك عن وهب بن كيسان: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام ومعه ربيبه عمر ابن أبي سلمة فقال: " سمِّ الله وكل ممّا يليك "(1)، فاختار رواية مالك المرسلة التي أخرجها في الموطأ (2)،وترك الموصولة التي صحت عن مالك خارج الموطأ (3)،مع أن الرواية الموصولة وإن كانت خارج الموطأ فقد رواها اثنان ممن أخرج لهما في صحيحه وهما: خالد بن مخلد القطواني ويحيى بن صالح الوحاظي، فأخرج الطحاوي في شرح المشكل (155) رواية يحيى بن صالح، وأخرج الدارمي (2025) و (2051) والطحاوي في شرح المشكل (154) من طريق خالد بن مخلد، ولذلك قال الدارقطني في الإلزامات والتتبع:"وهذا الحديث أرسله مالك في الموطأ، ووصله عنه خالد بن مخلد ويحيى بن صالح وهو صحيح متصل".
نعم أخرج البخاري الرواية الموصولة عن غير مالك (5377) لكنه اقتصر في رواية مالك على الرواية المرسلة، لأنَّ هذه الزيادة عن مالك لم تصح عنده، وإنْ صحت عند غيره، وهذا يبين بوضوح أنَّه يعل الرواية المتصلة بالمرسلة.
وكذا الأحاديث المعلقة أو المرسلة التي يوردها في صحيحه تاركاً الطرق الموصولة لعلة يراها، إمّا لكون الراوي الذي زاد أقل حفظاً أو ضبطاً، أو لأن الذين أرسلوه أكثر فيتركها البخاري لهذه الأسباب أو لغيرها.
وأحياناً يورد الرواية المرسلة ثم يعقبها بالمتصلة وهذا غاية في الإعلال لأنه أراد أن ينبه على كون المرسلة أصح، وأن المتصلة لم تفته فأخرجها عقبها - والله أعلم - ومثالها: ما أخرجه في (4320) فقال: " حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر قال: يا رسول الله .. (ح) وحدثني محمد بن مقاتل قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه قال: لمّا قفلنا من حنين سأل عمر النبي صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بوفائه ". وقال بعضهم: حماد عن أيوب عن نافع ابن عمر. ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فهنا أورد البخاري طريق حماد بن زيد عن أيوب عن نافع أن عمر - مرسلاً -
(1) أخرجه برقم (5378).
(2)
الموطأ (1698).
(3)
انظر الإلزامات والتتبع ص245، وفتح الباري 9/ 654.
أولاً ثم أعقبها بالروايات المتصلة وقد اختلف فيها، فذهب ابن حجر في الفتح إلى أنَّ البخاري أشار إلى
أنَّ الرواية - المرسلة - مرجوحة لأن جماعة من أصحاب شيخه أيوب خالفوه - أي حماد - فوصلوه وأرسله؟ (1) وهذا عكس للمسألة فمنهج البخاري أنْ يذكر الرواية المعلولة بعد الرواية الأصل ثم يتكلم عليها، ولو كان الأمر مثلما يقول الحافظ ابن حجر لمَا استدركها عليه الدارقطني في التتبع كونه أخرجه مرسلاً وقد صحَّ متصلاً؟ أضف إلى قوله: وقول حماد المرسل أصح (2)
وقد يورد الإمام البخاري المرسل لينبه عليه كما يقول الحافظ ولكنه يقدمها بالمتصل لأن كتابه كتاب صحيح، لا كتاب علل وهذا حينما يتساوى الأمر عنده فيكون المتصل قد صح من وجه والمرسل قد صح من وجه ولا وجه للترجيح - عند البخاري - فيقدم المتصل ثم يردفه المرسل.
ومثاله: ما أخرج البخاري (1626) فقال: حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة عن زينب عن أم سلمة رضي الله عنها شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (ح). وحدثني محمد بن حرب حدثنا أبو مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام عن عروة عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم:" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون ففعلت ذلك فلم تصل حتى خرجت ".
فهنا البخاري أورد الرواية المتصلة عن محمد بن عبد الرحمن عن عروة ثم أعقبها برواية هشام عن عروة المرسلة. حاكياً الخلاف فيه كعادته. (3)
وقلْ مثل ذلك إذا رواه جماعة متصلاً وجماعة مرسلاً فإنه يذكر الخلاف فيه في العادة. يقول الحافظ في مثل هذا النوع: " والذي عرفناه بالاستقراء من صنيع البخاري أنه لا يعمل في هذه الصورة بقاعدة مطردة، بل يدور مع الترجيح إلاّ إن استووا فيقدم الوصل ". (4)
ولمّا لم يصرّح لنا الإمام البخاري بمنهجه في صحيحه عامة وبمنهجه في زيادة الثقة خاصة، فلا يسعنا إلاّ استقراء منهجه التطبيقي في صحيحه، وهذا منهج ظني ولكنه لا
(1) فتح الباري 8/ 43.
(2)
الإلزامات والتتبع ص370.
(3)
انظر فتح الباري 3/ 621 - 622.
(4)
فتح الباري 11/ 722.
يبعد كثيراً عن الواقع الحقيقي، لهذا فإنَّ عجبي لا يكاد ينتهي من بعض علماء المصطلح من المتأخرين حينما
ينسبون للإمام البخاري القول بقبول الزيادة مطلقاً متعكزين على بعض النصوص الواردة عنه، ولبيان ذلك أقول:
أطلق البخاري عبارة " الزيادة من الثقة مقبولة " مرة واحدة، ونص الحافظ ابن حجر على أنه قبول زيادة الثقة الحافظ (1) وذلك في حديث (1483):"حدثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريا العشر وما سقي بالنضح نصف العشر".
وعقّبه في (1484) فقال: حدثنا مسدد حدثنا يحيى حدثنا مالك قال حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" ليس فيما أقل من خمسة أوسق صدقة ولا في أقل من خمسة من الإبل الذود صدقة ولا في أقل من خمس أواق من الوَرِق صدقة ".
قال أبو عبد الله:"هذا تفسير الأول إذا قال ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ويؤخذ أبداً في العلم بما زاد أهل الثبت أو بينوا ".
قال أبو عبد الله:"هذا تفسير الأول لأنه لم يوقت في الأول يعني حديث ابن عمر وفيما سقت السماء العشر وبين في هذا ووقت والزيادة مقبولة والمفسر يقضي على المبهم إذا رواه أهل الثبت كما روى الفضل بن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة وقال بلال: قد صلى فأخذ بقول بلال وترك قول الفضل ".
أقول: وقد اختلف رواة صحيح البخاري في موقع هذا الكلام هل هو عقب حديث ابن عمر أم حديث أبي سعيد الخدري (2)، وهذا كله لا يعنينا هنا، وإنما الذي
(1) فتح الباري 3/ 445.
(2)
في نسخة الفتح - هذه - عقب حديث ابن عمر. وقد رجح ابن حجر أنه عقب حديث أبي سعيد فقال في فتح الباري 3/ 445:" وقوله قال أبو عبد الله هذا تفسير الأول الخ هكذا وقع في رواية أبي ذر هذا الكلام عقب حديث ابن عمر في العشري ووقع في رواية غيره عقب حديث أبي سعيد المذكور في الباب الذي بعده وهو الذي وقع عند الإسماعيلي أيضا وجزم أبو علي الصدفي بأن ذكره عقب حديث ابن عمر من قبل بعض نساخ الكتاب انتهى ولم يقف الصغاني على اختلاف الروايات فجزم بأنه وقع هنا في جميعها قال: وحقه أن يذكر في الباب الذي يليه قلت ولذكره عقب كل من الحديثين وجه لكن تعبيره بالأول يرجح كونه بعد حديث أبي سعيد لأنه هو المفسر للذي قبله وهو حديث ابن عمر فحديث ابن عمر بعمومه ظاهر في عدم اشتراط النصاب وفي إيجاب الزكاة في كل ما يسقى بمؤونة وبغير مؤونة ولكنه عند الجمهور مختص بالمعنى الذي سيق لأجله وهو التمييز بين ما يجب فيه العشر أو نصف العشر بخلاف حديث أبي سعيد فإنه مساق لبيان جنس المخرج منه وقدره فأخذ به الجمهور عملاً بالدليلين كما سيأتي بسط القول فيه بعد إن شاء الله تعالى وقد جزم الإسماعيلي بأن كلام البخاري وقع عقب حديث أبي سعيد ودل حديث الباب على التفرقة في القدر المخرج الذي يسقى بنضح أو بغير نضح فإن وجد ما يسقى بهما فظاهره أنه يجب فيه ثلاثة أرباع العشر إذا تساوى ذلك وهو قول أهل العلم قال ابن قدامة لا نعلم فيه خلافاً وإن كان أحدهما أكثر كان حكم الأقل تبعا للأكثر نص عليه أحمد وهو قول الثوري وأبي حنيفة واحد قولي الشافعي والثاني يؤخذ بالقسط ويحتمل أن يقال إن أمكن فصل كل واحد منهما أخذ بحسابه وعن ابن القاسم صاحب مالك العبرة بما تم به الزرع ". انتهى فرجّح ابن حجر أنّه يخص حديث أبي سعيد وإن كان لذكره عقب كل حديث منهما وجه، والذي أراه والله أعلم أنَّه يخص الحديث الثاني حديث أبي سعيد لأن الكلام واضح عن ترتيب الحديثين والثاني هو الذي يفسر.
يهمنا هنا أنَّ الإمام
البخاري أطلق عبارة"زيادة الثقة"،وأراد بها زيادة أبي سعيد على ابن عمر رضي الله عنهما، ويؤكد هذا تمثيله بـ "كما روى الفضل بن عباس
…
"آخر الكلام، فمثّل بزيادة " بلال "على" الفضل" رضي الله عنهما، فنبّه إلى معنى الزيادة المقبولة عنده، وإلاّ فإنَّه لا يقبل الزيادة - بمفهوم المتأخرين - كما مر معنا.
ويدلل على هذا أنه لا يوجد في هذا الحديث زيادة تفرد بها راو على آخر، فما المناسبة في سياق كلام البخاري إذن؟
ولو سلمنا جدلاً أنه يريد زيادة الرواة دون الصحابي فإنه يقصد معناها عند المتقدمين كما حررناه. (1)
وقد صرّح أيضاً بقبول الزيادة بين الصحابة، إذا ما اختلفوا في حديث ما في كتابه " جزء رفع اليدين " إذ قال:
" ما زاده ابن عمر وعلي وأبو حميد في عشرة من الصحابة من الرفع عند القيام من الركعتين صحيح لأنهم لم يحكوا صلاة واحدة فاختلفوا فيها وإنما زاد بعضهم على
(1) انظر ص208.
بعض، والزيادة مقبولة من أهل العلم ". (1)
ورغم أن زيادة الصحابة بعضهم على بعض لا خلاف فيها إلاّ أنَّ الإمام البخاري وضع لنا شرطاً هو عدم اتحاد المجلس، فإذا ما اتحد المجلس وجب الترجيح، والله أعلم.
وقد أفادني أستاذي الدكتور بشار عواد معروف كلاماً نفيساً فقال: " أن الذي عناه البخاري في كلامه هذا ليس المسألة الاصطلاحية التي عناها المتأخرون في كتب المصطلح، فقد ساق البخاري حديثاً عن صحابي مبهما ثم ساقه من طريق آخر مفسراً، وطبيعي أن يقبل مثل هذا، لأن هذا حديث مستقل، وذاك حديث مستقل آخر ايضاً، ولأن كتاب البخاري كتاب فقه أكثر منه كتاب حديث، كان من الطبيعي أنه يسوق الدليل وما يفسره، فهذا عمل الفقهاء، وهذا لا
علاقة له بموضوع زيادة الثقات أصلاً، لأن الزيادة إنما تقع في حديث الصحابي الواحد، وليس في حديث الصحابيين، وأهل العلم متفقون على تفاوتهم أن حديث كل صحابي هو حديث مستقل عن الصحابي الآخر".
لذا فإن علماء المصطلح لا يستدلون بهذا القول على دعوى قبول الزيادة عند البخاري، لأنهم يعرفون أنَّ زيادات الصحابة بعضهم على بعض لا علاقة لها بمعنى زيادة الثقة الذي يناقشونه، وإنما غاية استدلالهم هو حديث (لا نكاح إلا بولي) وقول الإمام البخاري فيه:" الزيادة من الثقة مقبولة "(2)، وقد أجبنا عنه سلفاً. (3)
وهنا عليَّ أن أضع سؤالاً: إذا قال قائل أنَّ البخاري يقبل الزيادة، فعليه أن يأتينا بمثال من صحيحه يدلل فيه على صحة دعواه؟ والمثال الذي لابد منه: أنْ يزيد راوٍ واحد زيادة ينفرد بها عن بقية الرواة عن الشيخ نفسه في الحديث نفسه - متناً أو سنداً - فإذا كان أكثر من واحد ووجدنا له متابعاً - للراوي المنفرد - بطل الاستدلال به لأنه من قبيل مختلف الحديث. وبحدود اطلاعي واستقرائي لصحيح البخاري لم أقف على مثالٍ واحد تنطبق عليه هذه الشروط اللهم إلاّ بعض الأحاديث التي سنذكرها وهي ليست من قبيل الزيادة، وإنما هي من قبيل المزيد في متصل الأسانيد أو من قبيل المدرج، أو الرواية بالمعنى
…
الخ.
(1) نقلاً عن فتح الباري 2/ 283.
(2)
انظر الكفاية في علوم الرواية، الخطيب ص413، وتدريب الراوي 1/ 184.
(3)
انظر ص208.
ثم أقول: لو صحَّ فرضاً عندنا مثال أو مثالان، فإن ذلك لا يعني أنَّه يقبل الزيادة وإنما هو من باب انتقاء تلك الأحاديث انتقاءاً، ولا ندري لماذا، وما هي قواعده؟ لأنه لم يصرح بها أصلاً يقول الإمام البخاري:"لو نُشِرَ بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت كتاب التاريخ ولا عرفوه، ثم قال: صنفته ثلاث مرات"(1) فما بالك بالصحيح .
ومثل هذا لا يمكن أن يقف أمام الكم الهائل من الأحاديث والزيادات التي وقعت من ثقات حفّاظ ولكن البخاري لم يقبلها ولم يدونها في صحيحه، بل آثر الرواية المنقطعة والمرسلة عليها!!
يقول الحافظ ابن حجر: " إن البخاري ليس له عمل مطرد في قبول الزيادة أو ردّها بل يصوّب الإرسال أحياناً لقرينة تظهر له، ويصوّب الاتصال أحياناً أخرى حسب القرينة "(2).
وقال ابن القيم: "وأما تصحيحه حديث يحيى بن أبي سليم في غير هذا فلا إنكار عليه فيه، فهذه طريقة أئمة الحديث العالمين بعلله يصححون حديث الرجل ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات، ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره، وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس، طائفة تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح وقد احتج به فيه فحيث وجدوه في حديث قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحاب الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات ولم يكن معلولاً ويتركون من حديثه المعلول وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به فإن لهم في هذا نظراً واعتباراً اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وجد حديث مثل هذا أن يكون صحيحاً، ولهذا كثيراً ما يعلل البخاري ونظراؤه حديث الثقة بأنه لا يتابع عليه. والطائفة الثانية يرون الرجل قد تكلم فيه بسبب حديث رواه وضعف من أجله فيجعلون هذا سبباً لتضعيف حديثه أين وجدوه فيضعفون
(1) تاريخ بغداد للخطيب 2/ 325 - 326،وقد تحرف هذا القول في المطبوع من فتح الباري فصار:"كيف صنفت البخاري"(هدي الساري ص673).
(2)
النكت على ابن الصلاح 2/ 609.