الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المتقدمون (1).
وفيما يخص بحثنا وهو لب علم العلل، فإن المتقدمين لهم منهج واضح في قبول الزيادة أو ردها.
ولمعرفة ذلك أو توضيحه أخذنا دراسة أقوالهم ومنهجهم في ذلك في مصنفاتهم وسنذكر بعض الأمثلة.
المبحث الأول: عند الإمام أبي حاتم الرازي:
من خلال استقراء صنيع الإمام أبي حاتم في كتابه العلل (2) وجدت أن أبا حاتم يقبل الزيادة إذا كانت من ثقة بمفهوم المتقدمين للزيادة (3)، بل صرح بأكثر من موضع على قبول الزيادة فقال:(والزيادة من الثقة مقبولة)(4)، وكانت تلك الزيادة هي من باب واحد أمام واحد أو جماعة أمام جماعة، أو جماعة أمام واحد.
ولم أقف له على قبولٍ للزيادة بمفهوم المتأخرين وهي أن يزيد راو واحد ثقة على جماعة من الثقات في نفس الشيخ - سنداً أو متناً - لا تصريحاً ولا صنيعاً.
وسأذكر بعض الأمثلة من كتابه العلل:
1 -
رد زيادة شعبة بن الحجاج فقال في1/ 428 (1288): قال عبد الرحمن: " سألت أبي عن حديث رواه غندر- محمد بن جعفر -، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد عن سلميان بن رزين، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي تكون له المرأة فيطلقها، ثم يتزوجها رجل فطلقها قبل أن يدخل بها فترجع إلى زوجها الأول؟ قال: " لا حتى تذوق العسيلة ". قال أبي: قد زاد عندي في هذا الإسناد رجلا لم يذكره الثوري وليست هذه الزيادة بمحفوظة. قال أبو محمد: حدثنا أحمد بن سنان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن علقمة، عن رزين الأحمري، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم،وسمعت أبا زرعة وسئل عن هذين الحديثين فقال: الثوري أحفظ، قال أبو محمد: واختلف عن الثوري، فروى ابن مهدي
(1) انظر مقدمة أستاذنا الدكتور بشار معروف لجامع الترمذي 1/ 34 - 41.
(2)
هو كتاب (علل الحديث) لابنه العلامة عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي.
(3)
انظر ص208 من هذا البحث.
(4)
انظر العلل: 361، 1397، 1442.
كما حدثنا أحمد بن سنان وروى الفريابي فيما حدثنا الغزي عنه عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن رزين، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخبرنا أبو محمد قال: حدثنا أبو زرعة، عن ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن علقمة ابن مرثد، عن سليمان وقال وكيع مرة: رزين بن سليمان، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم،وروى أبو أحمد الزبيري وحسين بن حفص ومحمد بن كثير، عن الثوري كما رواه الفريابي يقول: عن سليمان بن رزين، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم،وحدثنا الأحمسي، عن وكيع، عن سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن رزين بن سليمان، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
أقول: رد أبو حاتم زيادة شعبة ورجح حديث سفيان الثوري المرسل، وكذا فعل أبو زرعة.
2 -
ورد زيادة شعبة أيضاً 2/ 295 (2393): إذ روى عبد الرحمن فقال:" سألت أبي عن حديث رواه احمد بن أبي شعيب الحراني، عن مسكين بن بكير، عن شعبة، عن أبي رجاء، عن الحسن قال: سألت أنساً عن النشرة، فقال: ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها من عمل الشيطان؟ فقال أبي: هذا خطأ إنما هو أبو رجاء، قال سألت الحسن عن النشرة، فقال: ذكروا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا من كلام الحسن وقيله".
أقول: قد خطأ أبو حاتم زيادة شعبة في وصل الحديث، ولم يعده زيادة ثقة؟
3 -
وقد خطأه أيضاً في 2/ 388 (2675)، قال عبد الرحمن:" سألت أبي، عن حديث رواه أبو سعيد الأشج، عن عقبة ابن خالد، عن شعبة، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد قال: قال أبو بكر: ألست أحق الناس بهذا ألست أول من أسلم، ألست صاحب كذا، ألست صاحب كذا؟ قال أبي: الناس يروون هذا الحديث، عن أبي نضرة، عن أبي بكر مرسلاً، لا يقولون فيه عن أبي سعيد".
أقول: رد زيادة شعبة في وصل الحديث وعلله أن الناس يرسلونه؟
4 -
وفي 2/ 437 (2816) قال عبد الرحمن:" سألت أبي عن حديث رواه أبو عبيدة السقطي، عن الأنصاري، عن ابن جريج، عن الحسن بن مسلم، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من وهب هبة ثم عاد فيها فهو كالكلب يعود في قيئه"فسمعت أبي يقول: ليس هكذا يروى إنما يرويه عن طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل ولا أعلم أحداً تابع هذه الرواية من حديث الحسن بن مسلم مرفوع موصل".
أقول: أعله أبو حاتم لأن ابن جريج لم يتابع في وصله؟ فجعل تفرد الثقة بزيادة علة إذا لم يتابع عليها.
ورد أيضاً زيادة حماد بن زيد لأنه زاد على أقرانه فرفع ما أوقفوه.
5 -
وقال عبد الرحمن في 1/ 449 (1351):"سألت أبي عن حديث رواه حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا يحل دم امرئٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث"؟ قال أبي: حدثنا سليمان بن حرب وأحمد بن يونس، عن حماد بن زيد هكذا، وحدثنا ابن ربيعة، عن عثمان، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبي: غلط ابن الطباع، حديث عبد الله بن عامر غير مرفوع، هو موقوف، فإنَّ حماد بن سلمة رواه عن يحيى بن سعيد، عن أبي أمامة بن سهل
،عن عثمان موقوف. قلت لأبي أيهما أشبه؟ قال: لا أعلم أحداً يتابع حماد بن زيد على رفعه قلت فالموقوف عندك أشبه؟ قال: نعم ".
أقول فتأمل إعلال أبي حاتم لزيادة -زادها ثقة- لأنه لم يتابع عليها.
وكذا رد زيادة عبد الله بن المبارك (1) وزيادة ابن عيينة (2)؟
وهما ثقتان جبلان؟
فالأصل عند أبي حاتم أن المتابعة هي التي تزيل الغرابة والنكارة (3) إذا ما انفرد الثقة بشيء عن أقرانه في الحديث ذاته.
6 -
قال عبد الرحمن:1/ 309 (927):"سألت أبي عن حديث رواه الهقل وعمرو بن هاشم، عن الأوزاعي، عن سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ثلاثة كلهم ضامن على الله ".؟ قال: ورواه الوليد وغيره، عن الأوزاعي، عن سليمان، عن أبي أمامة موقوف قال أبي: هقل أحفظ والحديث موقوف أشبه ".
أقول: رد أبو حاتم رواية الأحفظ؟ وقدم عليها رواية الجماعة.
ويتضح القصد أكثر إذا وقفنا على هذا المثال:
7 -
1/ 193 (554): " قال أبو محمد: سألت أبي عن حديث رواه ملازم بن عمرو
(1) برقم (1029).
(2)
برقم (861).
(3)
المنكر -عند المتقدمين- أعم مما يصطلح عليه المتأخرون لأنه يشمل الشاذ والمنكر أي تفرد الثقة والضعيف -كما مر-.
ومحمد بن جابر فاختلفا فروى ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:" لا وتران في ليلة"،وروى محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل عن أبيه ولم يبين أيهما أصح ووددت أيوب بن عتبة قد وافق ملازم بن عمرو في توصيل هذا الحديث عن قيس بن طلق نفسه فقال: عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيدل أن الحديث موصلاً أصح ".
فقد اختلف فيه ملازم بن عمرو أبو عمرو اليمامي وهو- صدوق - كما قال ابن حجر (1)، ومحمد بن جابر اليمامي وهو - صدوق - أيضاً (2).
فزاد ملازم زيادة وصل على محمد بن جابر ولكن أبا حاتم لم يقبلها بل قال: " وددت أيوب بن عتبة قد وافق ملازم بن عمرو في توصيل هذا الحديث عن قيس بن طلق نفسه فقال: عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدل أن الحديث موصولاً أصح "، وأيوب بن عتبة هو اليمامي: ضعيف (3)؟ فجعل أبو حاتم المتابعة -ولو من ضعيف- تصحيحاً للزيادة، فتأمل ؟
كما أنه رد زيادة الثوري في:
8 -
حديث 1/ 96 (258): "سألت أبي عن حديث رواه الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله:" أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فكبر فرفع يديه ثم لم يعد " قال أبي: هذا خطأ يقال وهم فيه الثوري، وروى هذا الحديث عن عاصم جماعة فقالوا كلهم: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم افتتح فرفع يديه ثم ركع فطبق وجعلها بين ركبتيه، ولم يقل أحد ما رواه الثوري"(4).
وقد أعله أحمد في العلل ومعرفة الرجال 1/ 639 - 671 وعد الوهم من وكيع، وأعله أيضاً الدارقطني في العلل 5/ 172 (804)،وعد الوهم من أبي حذيفة، عن سفيان.
9 -
وكذا في حديث:1/ 101 (273):"سألت أبي عن حديث رواه محمد بن فضيل بن غزوان، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن للصلاة أولاً وآخراً، وان أول وقت الفجر حين يطلع الفجر "،وذكر مواقيت الصلاة؟ قال
(1) التقريب (7053)، واستدرك عليه صاحبا التحرير فقالا: بل ثقة، التحرير 3/ 443.
(2)
التقريب (5777)،وقال صاحبا التحرير:(بل ضعيف) 3/ 221.
(3)
التقريب (619).
(4)
انظر المسند الجامع 11/ 528 (3029).،