الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والحكم الخلاف فيه ما اشترط وللخليلي مفرد الراوي فقط
ورد ما قالا بمفرد الثقة كالنهي عن بيع الولا والهبة
وبقول مسلم روى الزهري تسعين فرداً كلها قوي (1)
وقال لحافظ ابن حجر العسقلاني ت (852):"وفي الجملة فالأليق في حد الشاذ ما عرف به الشافعي "(2).
وقال في النزهة: " الشاذ ما رواه المقبول مخالفاً لمن هو أولى منه. وهذا هو المعتمد في تعريف الشاذ بحسب الاصطلاح "(3).
وهو الذي رجحه السخاوي ت (902) فقال: "فالأليق في حد الشاذ ما عرفه الشافعي، ولذا اقتصر عليه شيخنا في شرح النخبة عليه ". (4) وكذا السيوطي ت (911) في التدريب (5) والصنعاني (6) ت (1182).
المبحث الثاني: مفهوم الحديث الشاذ عند المتأخرين:
بعد أن ذكرنا أقوال أهل المصطلح في الحديث الشاذ، سنشرع في ذكر مذاهب الأئمة المتأخرين - بصورة عامة - في مفهوم الحديث:" الشاذ " ثم نناقش آراءهم.
ويمكن أن نقسم مفهوم الحديث الشاذ حسب أقوالهم إلى مذاهب:
المذهب الأول: الشاذ هو تفرد الثقة مطلقاً
.
وهو ظاهر قول الحاكم النيسابوري، قال:" الشاذ هو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث أو وهم فيه راو أو أرسله واحد فوصله واهم فأما الشاذ فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة."(7).
قال الحافظ ابن حجر: " والحاصل من كلامهم أن الخليلي يسوي بين الشاذ والفرد
(1) ألفية الحديث بشرحها فتح المغيث، السخاوي 1/ 217.
(2)
النكت 2/ 671.
(3)
نزهة النظر ص51.
(4)
فتح المغيث 1/ 222.
(5)
تدريب الراوي 1/ 196.
(6)
توضيح الأفكار 1/ 379.
(7)
معرفة علوم الحديث ص119.
المطلق فيلزم على قوله أن يكون في الشاذ الصحيح فكلامه أعم، وأخص منه كلام الحاكم لأنه يقول: إنه تفرد الثقة فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي لأنه يقول: إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه" (1).
وقال السخاوي: الشاذ عند الحاكم هو: " ما انفرد به ثقة من الثقات وليس له أصل متابع لذلك الثقة فاقتصر على قيد الثقة وحده وبين ما يؤخذ منه أنه يغاير المعلل، من حيث إن ذلك وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، من إدخال حديث في حديث أو وصل مرسل أو نحو ذلك"(2).
وقال ابن الوزير: " ففي رواية الخليلي هذه عن حفاظ الحديث: أنهم لم يشترطوا في الشاذ مخالفة الناس"(3)، قال الصنعاني:" كما لم يشترطها الحاكم"(4).
قال ابن الصلاح: " أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره -يريد الحاكم وأبا يعلى- فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط كحديث: " إنما الأعمال بالنيات" فإنه حديث فرد"(5).
وتعقبه الحافظ ابن حجر بأمرين: " أحدهما: أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد الثقة فلا يرد عليهما تفرد الحافظ، لما بينهما من الفرق، والثاني أن حديث النية لم يتفرد به عمر بل قد رواه أبو سعيد وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم "(6).وكذا السيوطي إذ قال: " وأجيب بأنهما أطلقا الثقة فتشمل الحافظ وغيره، والثاني أنّ حديث النية لم ينفرد به عمر، بل رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أبو سعيد الخدري
…
.. " (7).
قلت: إما عن قولهم: إن أبا سعيد الخدري وغيره من الصحابة رضي الله عنهم تابعوا عمر بن الخطاب -
(1) النكت على ابن الصلاح 2/ 652 - 653.
(2)
فتح المغيث 1/ 219.
(3)
توضيح الأفكار 1/ 379.
(4)
انظر مصدر سابق.
(5)
مقدمة ابن الصلاح ص 76.
(6)
توضيح الأفكار، الصنعاني 1/ 380 ولم أقف عليه في مؤلفات ابن حجر.
(7)
تدريب الراوي، السيوطي 1/ 197، وانظر الارشاذ، الخليلي1/ 167، وتوضيح الأفكار، الصنعاني 2/ 380.
صلى الله عليه وسلم - فهذا الاستدلال مردود لأن حديث أبي سعيد لا يصح البتة، وقد أجمع أهل العلم على أن الحديث لم يصح إلا من طريق عمر وبالإسناد المعروف: يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الحافظ العراقي:
وذو الشذوذ ما يخالف الثقة فيه الملا فالشافعي حققه
والحاكم الخلاف فيه ما اشترط وللخليلي مفرد الراوي فقط
ورد ما قالا بمفرد الثقة كالنهي عن بيع الولا والهبة
وبقول مسلم روى الزهري تسعين فرداً كلها قوي (1)
فالحافظ العراقي قد اعترض على الحاكم والخليلي بما تفرد به الثقة؟ فإنه مقبول، ومثل له بحديث "النهي عن بيع الولاء وهبته"(2)، فإنه لم يصح إلا من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر حتى قال مسلم عقبه:" الناس كلهم في هذا الحديث عيال عليه"(3)، وكذا بما قاله الإمام مسلم:" وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيه أحد بأسانيد جياد"(4)
أقول: إن أبا عبد الله الحاكم أول من تكلم من كتّاب المصطلح في الشاذ وكلامه في كتابه " معرفة علوم الحديث " واضح بين، وهو أن الشاذ ما انفرد به الثقة وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة في المتن أو الإسناد، وقد مثل بثلاثة أمثلة، منها ما ذكره بقوله:"حدثنا أبو بكر محمد بن احمد بن بالويه قال: حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً، ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب ".
(1) فتح المغيث، السخاوي 1/ 217.
(2)
أخرجه البخاري (6756)، ومسلم 2/ 1145 (1506).
(3)
مسلم 2/ 1145 (1506).
(4)
مسلم 3/ 1268 (1647).
قال أبو عبد الله: هذا حديث رواته أئمة ثقات وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نعلله بها، ولو كان الحديث عند الليث عن أبي الزبير عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين خرج عن أن يكون معلولاً ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل ولا عند أحد ممن رواه عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل فقلنا الحديث شاذ.
وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي قال: كان قتيبة بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي خيثمة حتى عد قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث كتبوا عنه هذا الحديث وقد أخبرناه
أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال حدثنا قتيبة فذكره.
قال أبو عبد الله: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجباً من إسناده ومتنه ثم لم يبلغنا عن أحد منهم انه ذكر للحديث علة، وقد قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب وحدثنا به عن أبي عبد الرحمن النسائي وهو إمام عصره عن قتيبة بن سعيد ولم يذكر أبو عبد الرحمن ولا أبو علي للحديث علة، فنظرنا فإذا الحديث موضوع وقتيبة بن سعيد ثقة مأمون.
حدثني أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: سمعت صالح بن حفصويه النيسابوري - قال أبو بكر: وهو صاحب حديث- يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ فقال: كتبته مع خالد المدائني، قال البخاري: وكان خالد المدائني يدخل الأحاديث على الشيوخ " (1).
أقول: لي مع أبي عبد الله الحاكم في هذا الحديث وقفات:
1 -
لا يعني من عدم تكلمهم في علة الحديث عند إيراده أنهم لم يتكلموا فيه أصلاً.
2 -
الإمام النسائي لم يخرج هذا الحديث من طريق قتيبة أصلاً، وإنما أخرجه من
(1) معرفة علوم الحديث ص119 - 122.
طريق مالك بن أنس عن أبي الزبير عن أبي الطفيل به، على الوجه الصحيح (1).
3 -
قد تكلم فيه الأئمة وأعلوه، فممن أعله: أبو حاتم الرازي في العلل (2)،وقال أبو داود:"لم يروه إلا قتيبة وحده "(3)،وهو إعلال واضح، وقال الترمذي بعد أن ساق الحديث:" حديث معاذ حديث حسن غريب تفرد به قتيبة، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ حديث غريب، والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن
النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. رواه قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي وبهذا الحديث يقول الشافعي وأحمد وإسحاق يقولان: لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما " (4). ونقل هو إعلال الإمام البخاري الحديث بخالد المدائني.
ثم قال -أعني الحاكم-:" ومن هذا الجنس: حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي بمرو الثقة المأمون من أصل كتابه قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سيار قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي، قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثني أبو الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال:" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر يرفع يديه إذا كبر وإذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع ". قال أبو عبد الله: وهذا الحديث شاذ الإسناد والمتن إذ لم نقف له على علة وليس عند الثوري عن أبي الزبير هذا الحديث ولا ذكر أحد في حديث رفع اليدين أنه في صلاة الظهر أو غيرها ولا نعلم أحداً رواه عن أبي الزبير غير إبراهيم بن طهمان وحده تفرد به إلا حديث يحدث به سليمان بن أحمد الملطي من حديث زياد بن سوقة وسليمان متروك يضع الحديث، وقد رأيت جماعة من أصحابنا يذكرون أن علته أن يكون عن محمد بن كثير عن إبراهيم ين طهمان وهذا خطأ فاحش وليس عند محمد بن كثير عن إبراهيم بن طهمان حرف فيتوهمون قياساً أن محمد بن كثير يروي عن إبراهيم بن طهمان كما روى أبو حذيفة لأنهما جميعاً رويا عن الثوري وليس
(1) المجتبى 1/ 258 والكبرى برقم (1480)، وانظر المسند الجامع 15/ 224 (11511).
(2)
علل الحديث 1/ 91.
(3)
سنن أبي داود (1220).
(4)
جامع الترمذي (553) و (554).
كذلك فإن أبا حذيفة قد روى عن جماعة لم يسمع منهم محمد بن كثير منهم إبراهيم بن طهمان وشبل بن عباد وعكرمة بن عمار وغيرهم من أكابر الشيوخ. حدثنا أبو الحسين عبد الرحمن بن نصر المصري الأصم ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو بن خزيمة البصري بمصر قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثنا أبي عن ثمامة عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشرط من الأمير، يعني ينظر في أموره، وحدثنا جماعة من مشايخنا عن أبي بكر محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو عمرو محمد بن خزيمة البصري بمصر وكان ثقة فذكر الحديث بنحوه.
قال أبو عبد الله: وهذا الحديث شاذ بمرة فإن رواته ثقات وليس له أصل عن أنس ولا عن غيره من الصحابة بإسناد آخر" (1).
قلت: ويظهر بجلاء منهج الحاكم في عد تفرد الثقة شذوذاً، إذ عد حديث أنس: " كان منزلة قيس بن سعد
…
"، شاذاً وهو مخرج في صحيح البخاري (2)، قال الحافظ ابن حجر: "والحاكم موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذاً، ولا مشاحة في الاصطلاح " (3)
أقول: ويؤيد ما استنتجه منه علماء المصطلح من أنه أراد به تفرد الثقة مطلقاً؛ صنيعه في أمكنة أخرى، منها ما ذكره في كتابه المدخل إلى الإكليل، والأمثلة التي مثل بها، وكذلك بعض الأحاديث التي أعلها في المستدرك.
ففي كتابه المدخل إلى الإكليل ذكر أقسام الحديث الصحيح المتفق عليه، وفي (القسم الرابع من الصحيح المتفق عليه) قال: " هذه الأحاديث الأفراد والغرائب التي يرويها الثقات العدول تفرد بها ثقة من الثقات، وليس لها طرق مخرجة في الكتب
…
" (4).
ثم ضرب لهذا القسم أمثلة منها: حديث اتفق على إخراجه الشيخان وهو حديث عائشة رضي الله عنها في سحر النبي صلى الله عليه وسلم (5)، ثم قال الحاكم عقبه: " هذا الحديث مخرج في
(1) معرفة علوم الحديث ص119 - 122.
(2)
برقم (7155)، وانظر تخريجه كاملا في المسند الجامع 2/ 440 (1484).
(3)
النكت على ابن الصلاح 2/ 670 - 671.، وانظر فتح المغيث، السخاوي 1/ 220.
(4)
المدخل إلى الإكليل ص 39.
(5)
وتمام الحديث:" عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت:" سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه يفعل الشيء وما فعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة وهو عندي لكنه دعا ودعا ثم قال يا عائشة أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ فقال: مطبوب قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم: قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة وجف طلع نخلة ذكر، قال: وأين هو؟ قال: في بئر ذروان فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس من أصحابه فجاء فقال: يا عائشة كأن ماءها نقاعة الحناء أو كأن رؤوس نخلها رؤوس الشياطين! قلت: يارسول الله أفلا استخرجته؟ قال: قد عافاني الله فكرهت أن أثور على الناس فيه شرا. فأمر بها فدفنت ".
الصحيح وهو شاذ بمرّة ".فالحاكم هنا موافق على أنه صحيح حجة لكنه يصفه بالشذوذ باعتبار التفرد فقط.
ومن أمثلة ذلك:-
ما أخرجه الحاكم في المستدرك فقال:" حدثني علي بن حمشاذ العدل قال: حدثنا عبيد بن عبد الواحد وأخبرني أحمد بن محمد العنزي حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قالا: حدنا محمد بن أبي السري العسقلاني، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن للإسلام ضوءاً ومناراً كمنار الطريق ".هذا حديث صحيح على شرط البخاري فقد روي عن محمد بن خلف العسقلاني واحتج بثور بن يزيد الشامي فأما سماع خالد بن معدان عن أبي هريرة فغير مستبعد فقد حكى الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عنه أنه قال لقيت سبعة عشر رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولعل متوهماًيتوهم أن هذا متن شاذ فلينظر في الكتابين ليجد من المتون الشاذة التي ليس لها إلا إسناد واحد ما يتعجب منه ثم ليقس هذا عليها "(1).
ومثل أيضاً بحديث ابن عمر في المسح، قال الحاكم:" حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني، قال: حدثنا بشر بن بكر حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت المدينة يوم الجمعة فدخلت على عمر بن الخطاب فقال لي: "متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا، فقال أصبت السنة ". هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وله شاهد آخر عن عقبة بن عامر؛ حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق الاسفرائيني قال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، قال: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: حدثنا
(1) المستدرك 1/ 70.
المفضل بن فضالة قال: سألت يزيد بن أبي حبيب عن المسح على الخفين فقال: أخبرني عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر أنه أخبره أنه وفد إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاما قال عقبة: وعليّ خفاف من تلك الخفاف الغلظ فقال لي عمر:" متى عهدك بلباسهما؟ فقلت: لبستهما يوم الجمعة وهذا يوم الجمعة فقال لي: أصبت السنة ". وقد صحت الرواية عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان لا يوقت في
المسح على الخفين وقتا وقد روي هذا الحديث عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح رواته عن آخرهم ثقات إلا أنه شاذ بمرة " (1).
وهكذا لا يبقى شك في أن الشذوذ عند الحاكم ليس وصفاً مناقضاً للصحة، بل هو عبارة عن وصف الحديث بالتفرد بأصل لا متابع له فيه بغض النظر عن قبوله أو رده (2).
والدليل على اضطراب الحاكم في إطلاق الشاذ أنه لم يقصر إطلاقه على ما تفرد به الثقة كما عرفه (3)، بل أطلقه على حديث الضعيف.
ومنه: قال في المستدرك: " حدثنا أحمد بن كامل القاضي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرقي، قال: حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي، قال: حدثنا محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن جميع بن عمير الليثي قال: أتيت عبد الله بن عمر رضي الله عنه فسألته عن علي رضي الله عنه فانتهرني ثم قال: ألا أحدثك عن علي؟ هذا بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وهذا بيت علي رضي الله عنه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ببراءة إلى أهل مكة، فانطلقا فإذا هما براكب فقالا: من هذا؟ قال: أنا علي يا أبا بكر هات الكتاب الذي معك، قال: وما لي! قال: والله ما علمت إلا خيراً، فأخذ علي الكتاب فذهب به ورجع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما إلى المدينة، فقالا: ما لنا يا رسول الله؟ قال: مالكما إلا خير، ولكن قيل لي: إنه لا يبلغ عنك إلا أنت أو رجل منك ". هذا حديث شاذ والحمل فيه على جميع بن عمير وبعده على إسحاق بن بشر " (4).
قلت: أما جميع بن عمير فهو التيمي الكوفي:"صدوق يخطئ ويتشيع "(5)، وأما
(1) المستدرك 1/ 289.
(2)
انظر المنهج المقترح، العوني ص267.
(3)
معرفة علوم الحديث ص119.
(4)
المستدرك 3/ 53.
(5)
التقريب (968)، وقال صاحبا التحرير 1/ 222 " بل ضعيف ".