المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: عند المتأخرين: - الشاذ والمنكر وزيادة الثقة - موازنة بين المتقدمين والمتأخرين

[عبد القادر المحمدي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول: مفهوم الحديث المنكر والشاذ وزيادة الثقة

- ‌تمهيد

- ‌أولاً: مفهوم مصطلح " المتقدمين " و " المتأخرين

- ‌ثانياً: منهج النقد الحديثي بين المتقدمين والمتأخرين:

- ‌أولاً: عند المتقدمين

- ‌ثانياً: عند المتأخرين:

- ‌ثالثاً: التفرد:

- ‌الفصل الأولالحديث المنكر عند أهل المصطلح

- ‌المبحث الأول: تعريف الحديث المنكر:

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الحديث المنكر عند المتأخرين:

- ‌المطلب الأول: المنكر: هو الحديث الذي يتفرد به الراوي مطلقاً:

- ‌المطلب الثاني: المنكر: التفرد مع المخالفة (مطلقاً) - مرادف للشاذ

- ‌المطلب الثالث: المنكر: تفرد الضعيف:

- ‌المطلب الرابع: المنكر: مخالفة الضعيف للثقة أو الثقات:

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الحديث المنكر عند المتقدمين

- ‌المطلب الأول: مذهب الإمام يحيى بن معين

- ‌المطلب الثاني: مذهب الإمام علي بن المديني

- ‌المطلب الثالث: مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌المطلب الرابع: مذهب الإمامين أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين:

- ‌المطلب الخامس: مذهب الإمام البخاري:

- ‌المطلب السادس: مذهب الإمام مسلم:

- ‌المطلب السابع: مذهب الإمام أبي داود:

- ‌المطلب الثامن: مذهب الإمام الترمذي:

- ‌المطلب التاسع: مذهب الإمام أبي بكر البرديجي:

- ‌المطلب العاشر: مذهب الإمام النسائي:

- ‌الفصل الثانيالحديث الشاذ

- ‌المبحث الأول: تعريف الحديث الشاذ:

- ‌المبحث الثاني: مفهوم الحديث الشاذ عند المتأخرين:

- ‌المذهب الأول: الشاذ هو تفرد الثقة مطلقاً

- ‌المذهب الثاني: الشاذ هو تفرد الراوي مطلقاً:

- ‌المذهب الثالث: الشاذ: مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو أكثر

- ‌المذهب الرابع: الشاذ هو المخالفة، مرادفاً للمنكر " وهو الحديث الخطأ

- ‌المبحث الثالث: مفهوم الحديث الشاذ عند المتقدمين:

- ‌المطلب الأول: عند الإمام الشافعي:

- ‌المطلب الثاني: عند الإمام الترمذي:

- ‌المبحث الرابع: مصطلح " غير محفوظ

- ‌المطلب الأول: مذهب الإمام البخاري:

- ‌المطلب الثاني: مذهب الإمام مسلم:

- ‌المطلب الثالث: مذهب الإمام أبي داود:

- ‌المطلب الرابع: مذهب الإمام الترمذي:

- ‌المطلب الخامس: مذهب الإمام النسائي:

- ‌المبحث الخامس: علاقة الشاذ بالمنكر:

- ‌الفصل الثالثزيادة الثقة

- ‌المبحث الأول: تعريف زيادة الثقة لغة واصطلاحاً:

- ‌المبحث الثاني: مفهوم زيادة الثقة عند المتأخرين:

- ‌المطلب الأول: قبولها مطلقاً:

- ‌1 - الحاكم النيسابوري

- ‌2 - أبو يعلى الخليلي

- ‌3 - ابن حزم الظاهري

- ‌4 - الخطيب البغدادي

- ‌5 - أبو عمرو ابن الصلاح

- ‌ النووي

- ‌ ابن جماعة

- ‌ الحافظ العراقي

- ‌9 - الحافظ السخاوي

- ‌10 - الشيخ أحمد محمد شاكر:

- ‌مناقشة أمثلة القائلين بقبول الزيادة مطلقاً

- ‌أولاً: مناقشة أمثلة أبي عبد الله الحاكم:

- ‌ثانياً: مناقشة أمثلة الخطيب البغدادي:

- ‌ثالثاً: مناقشة أمثلة الحافظ ابن الصلاح:

- ‌المطلب الثاني: الرد مطلقاً:

- ‌المطلب الثالث: القبول وفق القرائن:

- ‌1 - ابن حبان البستي

- ‌2 - الإمام الدارقطني

- ‌3 - ابن دقيق العيد

- ‌4 - الحافظ العلائي

- ‌ الحافظ الذهبي

- ‌6 - ابن رجب الحنبلي

- ‌7 - ابن الوزير

- ‌8 - الحافظ ابن حجر العسقلاني

- ‌المطلب الرابع: قرائن قبول زيادة الثقة عند المتأخرين:

- ‌المطلب الخامس: التوقف في قبول الزيادة، أو ردها

- ‌المطلب السادس: مفهوم زيادة الثقة عند الأصوليين:

- ‌المبحث الثالث: مفهوم زيادة الثقة عند المتقدمين:

- ‌المطلب الأول: مذهب الإمام يحيى بن معين:

- ‌المطلب الثاني: مذهب الإمام الشافعي:

- ‌المطلب الثالث: مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌المطلب الرابع: مذهب الإمام البخاري:

- ‌المطلب الخامس: مذهب الإمام مسلم

- ‌المطلب السادس: مذهب الإمام الترمذي

- ‌المطلب السابع: مذهب الحافظ ابن خزيمة

- ‌المبحث الرابع: قرائن قبول زيادة الثقة عند المتقدمين:

- ‌الباب الثاني: التطبيق العملي في كتب الأئمة المتقدمين

- ‌تمهيد

- ‌أولاً: في الإسناد:

- ‌ثانياً: في المتن:

- ‌الفصل الأولالتطبيق العملي في كتب الرواية

- ‌المبحث الأول: عند الإمام مالك بن أنس:

- ‌المبحث الثاني: عند الإمام البخاري:

- ‌المطلب الأول: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك:

- ‌المطلب الثاني: زيادات أعرض عنها البخاري:

- ‌المبحث الثالث: عند الإمام مسلم:

- ‌المطلب الأول: زيادات أعرض عنها الإمام مسلم:

- ‌المطلب الثاني: ما كان ظاهره القبول وهو ليس كذلك:

- ‌المبحث الرابع: عند الإمام أبي داود:

- ‌المبحث الخامس: عند الإمام الترمذي:

- ‌المطلب الأول: مصطلح (حسن) عند الترمذي:

- ‌المطلب الثاني: مصطلح " غريب " عند الترمذي:

- ‌المطلب الثالث: زيادات أعرض عنها الإمام الترمذي:

- ‌المبحث السادس: عند الإمام النسائي:

- ‌المبحث السابع: عند الحافظ ابن خزيمة:

- ‌الفصل الثانيالتطبيق العملي في كتب العلل

- ‌المبحث الأول: عند الإمام أبي حاتم الرازي:

- ‌المبحث الثاني: عند أبي زرعة الرازي:

- ‌المبحث الثالث: عند الإمام البخاري وتلميذه الترمذي:

- ‌المبحث الرابع: عند الإمام مسلم:

- ‌المبحث الخامس: عند الإمام الدارقطني:

- ‌قائمة المصادر والمراجع

- ‌الهمزة والألف:

- ‌حرف الباء:

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف اللام

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

الفصل: ‌ثانيا: عند المتأخرين:

العلم الظاهر الذي قد رواه الناس " (1)، وقال عبد الرزاق:" كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر " (2).

‌ثانياً: عند المتأخرين:

وأمّا منهج أئمة الحديث من المتأخرين في النقد فإنه نحا منحىً آخر بدأ بابي عبد الله الحاكم إذ فرّق بين السند والمتن، فكان نقطة تحول في علم الحديث ويتضح منهجه في ذلك في حكمه على أحاديث كثيرة أنها صحيحة الإسناد، وكان لا بد أن يخرجها صاحبا الصحيحين، البخاري ومسلم، فقال مرات لا تحصى: " صحيح على شرطيهما ولم

يخرجاه "، " صحيح الإسناد على شرطيهما ولم يخرجاه "، " إسناده صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه "، " صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجه "، وهكذا.

فجعل صحة الإسناد شرطاً لقبول الحديث، متغاضياً عن صحة المتن فأدخل متون منكرة، ومعلولة، ظاهر إسانيدها صحيحة (3). وهكذا بدأ علم الحديث يأخذ منحىً جديداً يختلف عمّا كان عليه قبل الحاكم النيسابوري.

يقول الإمام الذهبي ً في معرض الكلام عن عنعنة المدلس:"وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث، فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود، عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفقدت العبارات المتيقنة، وبمثل هذاونحوه دخل الدّخل على الحاكم في تصرفه في المستدرك "(4).

ولما شرع المتأخرون بكتابة مصطلح الحديث -وهذا أمر طبيعي، إذ هو تلبية لحاجة طلبة العلم لمصطلح نظري ييسر لهم ولوج علم الحديث، خاصة بعد ضعفه في تلك الأزمان كما بينه العلماء في ذلك الوقت فوضعت كتب المصطلح- أصبح النقد عندهم قائماً على الإسناد، في الأعم الأغلب واصبح من وثقه المتقدمون صُحَحَ حديثه، ومن ضعفه المتقدمون ضُِعفَ حديثه، ومن تركه المتقدمون حكموا على حديثه بالضعف الشديد، مع عدم إدراكهم دائماً لمسألة الانتقاء.

(1) شرح علل الترمذي، ابن رجب 2/ 622.

(2)

فتح المغيث، السخاوي 2/ 310.

(3)

انظر بحث " منهج الذهبي في تلخيص مستدرك الحاكم "، لزميلنا الشيخ عزيز رشيد.

(4)

الموقظة ص46.

ص: 31

إن هذا العمل جعلهم في بعض الأحيان يتبعون قواعد صماء لا ينظرون فيها إلى معاني الحديث أو فقهه، أو مخالفته، أو موافقته للقواعد العملية للشريعة التي سار عليها المتقدمون، وأدخل هذا العلم في متاهات صعبة.

إن الاعتماد على الإسناد حسب، واستناداً إلى توثيق الرجال وتضعيفهم جعلهم يلزمون المتقدمين بأشياء لم تكن تلزمهم، كما فعل الإمام الدارقطني في الإلزامات والتتبع، وكما فعل أبي عبد الله الحاكم في المستدرك مع كثرة أخطائه (1)، ولكنه بلا شك جاء بكثير من الأسانيد التي استخدمها الشيخان في كتابيهما ولكنهما لم يرويا هذه الأحاديث التي ساقها أو غيرها لأسباب لا نعرفها عموماً، ومن َثمّ أخذت فكرة الأسانيد التي على شرط

البخاري، أو شرط مسلم تظهر منذ ذلك الوقت المبكر عند المتأخرين مما خلق إرباكاً كبيراً ومساءلات لا حد لها في الأحاديث التي أوردها المتأخرون بموجب هذه القواعد النقدية التي لم يعرفها المتقدمون، ولا عملوا بها.

يقول أستاذنا الدكتور بشار: " شاع عند المتأخرين، ومنهم الحاكم، من قول: إن هذا الحديث على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، وكأن شروطهما كانت معروفة لكل أحد من الناس، نعم، حاول بعض المتأخرين معرفة شروط الشيخين بالاستقراء ونقل بعض النصوص، كما فعل محمد بن طاهر المقدسي ت507 هـ، والحازمي ت584 هـ، ولكن هذا في حقيقة أمره مجرد تخمين واستنتاجات قائمة على استقراء غير تام لصنيع الشيخين في كتابيهما، فإن أحداً لا يمكنه الجزم بالطريقة التي تم بموجبها اختيار المؤلفين أحاديث كتابيهما، قال ابن طاهر المقدسي في مقدمة كتابه: " اعلم أن البخاري ومسلماً ومن ذكرنا بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم " (2)،وقد انتقى الشيخان من الأحاديث انتقاءً لا ندرك تماماً الأسس التي تم بموجبها هذا الانتقاء، فلا ندري مثلاً لماذا انتقيا من موطأ مالك هذه الأحاديث، ولماذا انتقيا هذه المرويات من حديث نافع مولى ابن عمر رضي الله عنه؟ ولماذا انتقيا

(1) من المعروف أن كثيرا من الرجال الذين زعم الحاكم أنهم من رجال البخاري أو مسلم هم ليسوا من رجالهما.

(2)

شروط الأئمة الستة ص 17.

ص: 32

هذه المرويات من أحاديث الثقات أمثال: أيوب السختياني، وجرير بن حازم، وجعفر بن إياس اليشكري، والليث بن سعد، وعبيد الله بن عمر العمري، وغيرهم .. ، فلماذا أخذا من مروياتهم ما أخذا وتركا ما تركا؟؟ فليس هناك من جواب إلا القول بالانتقاء.

وقل مثل ذلك في الرواة المتكلم فيهم الذين أخرجا لهما في صحيحيهما، إذ انتقيا من أحاديثهم أصحها، أو قل أسلمها من العيوب مما يصلح في بابه، إذ أخرجاها في غير أبواب الحلال والحرام. واستعاض بعضهم بقولهم:" رجاله رجال الصحيح "، أو" رجاله رجال البخاري"، أو " رجاله رجال مسلم ". وهذا فيه نظر من وجهين:

الأول: إن كون رواة الإسناد من رجال الشيخين أو أحدهما لا يعني أن الشيخين قد أخرجا بهذا الإسناد، أعني برواية الواحد عن الآخر

الثاني: أن الشيخين قد رويا لرجال من رجالهما ممن عرفوا بالضعف، فانتقيا قليلاً، أو كثيراً من حديثهم الصحيح، فكيف عندئذٍ نوهم بأن حديث مثل هذا الشيخ أو الراوي صحيح في جملته

." (1).

وحاول بعض المتأخرين أن يجدوا أشياء جديدة فاتت المتقدمين - بزعمهم- كأن يوصلوا المرسل، ويرفعوا الموقوف، أو يزيدوا في لفظة ما لم تكن معروفة عند المتقدمين وهي بجميعها إما أن تكون مما تركه المتقدمون لعلة فيه، أو سرقه السراقون.

فمن أمثلة ذلك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أنا مدينة العلم وعلي بابها "(2).

قلت: جاء هذا الحديث من طرق متعددة هي أكثر من سبعة عشر طريقاً عن ثلاثة من الصحابة: " علي، وجابر، وابن عباس " رضي الله عنهم.

فهذا الحديث أعلّه المتقدمون -أصلاً-، قال يحيى بن معين:" رأيت عمر بن إسماعيل بن مجالد ليس بشيء كذاب رجل سوء خبيث حدث عن أبى معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنا مدينة العلم وعلي بابها "؟ وهو حديث ليس له أصل. قال عبد الله: وسألت أبى عنه فقال: ما أراه إلا صدق. أنبأنا عبد الرحمن قال: سألت أبى عن عمر بن إسماعيل بن مجالد فقال: ضعيف الحديث، أخبرنا عبد الرحمن قال:

(1) مقدمة تأريخ بغداد 1/ 173 - 176 بتصرف، وانظر تمامه هناك فإن فيه زيادة فائدة.

(2)

أخرجه الترمذي (3732)، وفي العلل الكبير (699)، والحاكم 3/ 137 و138، والطبراني في الكبير 11/ 65 (11061).

ص: 33

سئل أبو زرعة عن عمر بن إسماعيل بن مجالد فقال: أملى علينا عن أبى معاوية عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:أنا مدينة العلم وعلى بابها "، فأتيت يحيى بن معين فذكرت ذلك له فقال: قل يا عدو الله متى كتبت أنت هذا عن أبي معاوية؟ إنما كتبت أنت عن أبي معاوية ببغداد ولم يحدث أبو معاوية هذا الحديث ببغداد؟! "(1).

وأعله أيضا الإمام أحمد، وقال:" ما سمعناه! "، وعده كذباً! (2).

وأنكره الإمام البخاري (3)، والترمذي (4)،وكذا جهبذ العلل من المتأخرين الإمام الدارقطني (5)، وقال جمهور المحققين من المتأخريين:"موضوع "،كابن عدي (6)، والعقيلي (7)، وابن الجوزي (8)، والذهبي (9) وغيرهم، وإنما أعلّوه باعتبار أصل المتن، وأنّه لم يصح به.

قال ابن حبان: " كل من حدّث بهذا المتن إنما سرقه من أبي الصلت وإن قلب إسناده "(10). وعدَّ الدارقطني جماعة ممّن سرقه، حتى بلغوا عشرة (11).

فالحديث بهذا المتن لا يصح، ولو جاء من طريق صحيح لأنه لم يحفظ، وكل الطرق موضوعة له.

ثم جاء الحاكم ليصححه؟! ويقول:" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"(12)؟

(1) الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم 6/ 99 (514).

(2)

العلل ومعرفة الرجال 2/ 107 (645).

(3)

علل الترمذي الكبير ص 375 (699)

(4)

الجامع (3732)، والعلل ص 375 (699).

(5)

العلل 3/ 247 (386)، وانظر لسان الميزان، ابن حجر 1/ 179 (574).

(6)

الكامل 2/ 412 (840)، و5/ 67 (1244).

(7)

الضعفاء 3/ 149 (1134).

(8)

الموضوعات 1/ 348 فما بعد.

(9)

تذكرة الحفاظ 1/ 1231 (1047)، وميزان الاعتدال 1/ 249 (428)، وفي 2/ 145 (1527) وغيرها.

(10)

المجروحين 2/ 152.

(11)

ذكره الدكتور الدميني، في كتابه مقاييس نقد متون السنة ص 167، ولم أقف عليه.

(12)

المستدرك 3/ 138.

ص: 34

وتبعه الحافظ ابن حجر العسقلاني فقال: " حسن بمجموع طرقه "(1)، وقال في لسان الميزان:"وهذا الحديث له طرق كثيرة في مستدرك الحاكم أقل أحوالها أن يكون للحديث أصل فلا ينبغي أن يطلق القول عليه بالوضع "(2).

وإنما قال ذلك لأنه: " اعتبر كثرة الطرق دليلاً على حسنه، وإن لم تسلم واحدة منها من الطعن "(3).

فالفرق بين منهجية النقد عند المتأخرين تختلف كثيراً عنها عند المتقدمين وأكثر ما يوضح هذا الفارق هو مبحث (زيادة الثقة)، إذ كم من أحاديث مرفوعة ردّها

المتقدمون لكون المحفوظ (موقوفاً) أو (مرسلاً)، أو غيرها من العلل رغم أنَّ الزائد ثقة، ثم يأتي بعدهم المتأخرون ليصححوا مثل ذلك اعتماداً على صحة السند وأن الزائد قد حفظ والحافظ حجة على من لم يحفظ؟

فعكسوا ميزان النقد، وتحول فيما بعد معيار صحة الحديث وعدمه هو اتصال السند، بنقل العدول الضابطين، أمّا (من غير شذوذ) فكان نصيبه خمطاً، إذ الشاذ قد يكون اسماً بلا مسمى!؟، فالبعض زعم أنّ الأئمة قد سووا بين الشاذ والفرد المطلق؟، فيلزم أن يكون في الشاذ الصحيح وغير الصحيح، وبعضهم خصصه فأطلقه على تفرد الثقة وهذا يلزم أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ (4)؟! وهذا يعني أنّ قول الناقد:"شاذ " قد يريد به الحديث الصحيح الفرد الذي لا يتابع!،وهو قول مردود كما بينه الحافظ ابن حجر، كما سيأتي.

ثم جاءت بعض النصوص التي فصلت الإسناد عن المتن، فقد يصح الحديث سنداً ولا يصح متناً ثم تطلق عبارة التصحيح هكذا (إسناده صحيح، ورجاله ثقات)، فتعكّز عليها بعض المتأخرين، وخاصة من المعاصرين ليصححوا مئات، بل آلاف الأحاديث المعلولة تحت هذا الغطاء:" إسناده صحيح ".

بل كم تعكزّ بعض المعاصرين على عبارات الأئمة من المتأخرين الذين فصلوا

(1) نقلاً عن الأسرار المرفوعة- الموضوعات الكبرى -، القاري ص118، وكشف الخفاء، العجلوني 1/ 235.

(2)

لسان الميزان 2/ 122 (513).

(3)

الدميني، نقد متون السنة ص167.

(4)

انظر النكت على ابن الصلاح 2/ 652، وانظر ص 86 من هذا الكتاب.

ص: 35

تصحيح السند عن المتن: كقول ابن الصلاح: " قد يقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولا يصح لكونه شاذاً أو معللاً "(1).

وكقول الإمام النووي: " قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة "(2). فهذه وأمثالها من أقوال الأئمة من المتأخرين استغلت في إطلاق صحة الإسناد على صحة المتن عند بعض المعاصرين.

فأقوال هؤلاء الأئمة لا تعني أن الحديث صحيح، وإنما مقصدهم منها بيان أحوال الرواة بأنهم ثقات أو فيهم صدوق، ويبقى الحديث في خانة الإختبار حتى يجزم بعدم شذوذه وخطئه، ومع هذا فإنّ ظاهر هذه النصوص ساعد على انتشار منهجية فصل الإسناد عن

المتن في الحكم على الحديث الواحد لدى المتأخرين ولا سيما لدى المعاصرين، حيث كان تصحيحهم وتحسينهم وتضعيفهم مبنياً على ظواهر الإسناد وأحوال رواته بغض النظر عن متنه، وترسّخ ذلك في عملهم بل تجاوز الأمر حتى إنهم حاكموا المتقدمين على قواعد المتأخرين، فإذا ما أعل النقاد المتقدمون حديثاً تفرد به ثقة أو صدوق بحجة تفرده به، أو إذا أعلوا ما زاده على الآخرين بحجة عدم وجود المتابعة له، يرفضونه بمنتهى البساطة لخروجه من حدود منهجهم الذي يؤسس على ظواهر الإسناد وأحوال الرواة، وأحياناً يعللون ذلك بقولهم:" كما هو مقرر في كتب المصطلح"!

وهذا ما دفع بعض الطاعنين إلى انتقاد كتب الحديث كونها لا تهتم بالمتون، وإنما جلّ اهتمامهم وعنايتهم تنصب في معالجة الأسانيد (3).

وفي هذا يقول الدكتور المليباري:" إن كثيرا من المشتغلين بالأحاديث يتسابقون إلى تخريجها أو تحقيق مصادرها ويقومون بتصحيحها أو تعليلها بصورة توهم أن علم الحديث أمور رياضية تقوم على حسابات خاصة، واعتبارات محددة تقاس عليها جميع الأحاديث فيقولون: هذا صحيح لأن رجاله ثقات، وهذا حسن لذاته لكون راويه صدوقاً، وهذا ضعيف لضعف راويه، وفي حالة وجود متابعة أو شاهد يقولون تقوى هذا

(1) مقدمة ابن الصلاح ص23.

(2)

تقريب النووي مع التدريب 1/ 129، وانظر فتح المغيث، السخاوي 1/ 62 ونظرات جديدة، المليباري ص63.

(3)

انظر نظرات جديدة في مصطلح الحديث، الميليباري ص64.

ص: 36

الحديث فأصبح صحيحا لغيره أو حسنا لغيره، وهكذا تحول التصحيح والتحسين والتضعيف أمرا سهلا، يتأهل الجميع لتناوله بمجرد التعرف على هذه الطريقة، وحفظ القواعد من كتب مصطلح الحديث! بل إنهم لا يبالون بما قد يصادفهم أثناء بحوثهم من تعليل النقاد أو تصحيحهم فيرفضونه بمنتهى البساطة لخروجه من التقديرات التي تقيدوا بها، فعلى سبيل المثال يعل النقاد حديثا من مرويات ثقة بحجة تفرده به، أو زيادته أو مخالفته لغيره فيأتي بعض المعاصرين ويقول: كلا إنه صحيح؟!! ورواته ثقات، ولا يضر التفرد هنا أو لا تضر الزيادة لان صاحبها ثقة، وإذا صحح النقاد حديثا من مرويات راوٍ ضعيف أو حديثاً من

مرويات المدلس الذي عنعن فيه، فيقول المعاصر: كلا إنّ الحديث ضعيف، لأن فبي سنده راوياً ضعيفاً، أو عنعنة المدلس كما هو مقرر في كتب المصطلح " (1).

هذا المنهج في الحكم على المرويات هو الذي شاع عند المتأخرين، وهو الذي استقرّ عليه المعاصرون؟! فكم من حديث أعله المتقدمون ثم يأتي الشيخ العلامة أحمد شاكر ليصححه ويخطأ الأئمة المتقدمين (2)، أو يأتيك الشيخ الألباني ليوّهمهم، ويستدرك عليهم طريقاً شاهداً - هو في الغالب مما سجره المتقدمون - يصحح به عرج الرواة؟ ثم يقول لك بعدها:" كما هو مقرر عند أهل العلم "، أو " كما هو مقرر في كتب المصطلح "!، ومن أمثلة ذلك:

صحح الشيخ الألباني: في سلسلته الصحيحة 1/ 103 (565): حديث أبي معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أحصوا هلال شعبان لرمضان ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فإنها ليست تغمي عليكم العدة".

قلت: أخرجه الترمذي (687)، وقال:"حديث أبي هريرة لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية، والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا تقدموا شهر رمضان بيوم ولا يومين "، وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث محمد بن عمرو الليثي.

(1) نظرات جديدة في علوم الحديث ص 47.

(2)

انظر مثلاً ص321و326و370 من هذا الكتاب.

ص: 37

وأخرجه الدارقطني 1/ 162واللفظ له، والحاكم 1/ 578 وقال:"صحيح على شرط مسلم "، والبيهقي 4/ 206.

قلت: ثم أورد الألباني متابعا لأبي معاوية من طريق يحيى بن راشد المازني، قال الألباني:" ضعيف يصلح للاعتبار والاستشهاد فثبت أن الحديث حسن ".

قلت - الباحث-: أورد هذه المتابعة أبو حاتم في العلل 1/ 245 (718) وقال: "ليس هذا بمحفوظ ".ورد الألباني تعليل أبي حاتم بقوله:"فكأنه لم يقع له من طريق أبي معاوية، كما لم تقع للترمذي هذه الطريق، وبالجمع بينهما ينجو الحديث من الشذوذ والمخالفة "!!.

قلت: إنما أعله الإمامان أبو حاتم والترمذي كونه غير محفوظ عندهما بهذا الإسناد، لا لكون رجال الإسناد ضعفاء، فالحديث هذا غير محفوظ ولو جاء باسناد كله ثقات.

أما عند المتأخرين: فقد صححه أبو عبد الله الحاكم، وقال الألباني:"إنما هو حسن فقط .. "(1).

ونظرا لشيوع هذا المنهج عند الكثير من المحققين المعاصرين فقد اتهموا النقاد المتقدمين بالتعصب للمذهب، ومن ذلك ما قاله محقق علل الترمذي الكبير اعتراضاً على تصحيح الإمام البخاري، والترمذي وغيرهما لحديث" لا نكاح إلا بولي " (2):"أخطأ الترمذي في تصحيح الحديث .... وقد حاول كثيرون تصحيح هذا الحديث ووصله وسلكوا في ذلك كله مسلك لحاجة في أنفسهم أساسها التعصب المذهبي، والعياذ بالله "(3)، وقال أيضاً:"ما صحح هذا الحديث أحد إلا لهوى في نفسه والعياذ بالله "(4). فتأمل!!

وإن تعجب، فعجب قول أحدهم:" لو درس أبو حاتم أو غيره من الأئمة حتى البخاري دراسة وافية لما تجاوزوا - في نظري - النتائج التي توصلت إليها لأني

(1) انظر مثلاً سلسلته الصحيحة برقم: (535و 537 و 545 و548 و 565و589و599و610و724و727و733 و750و833و899).

(2)

أنظر تفصيل الحديث ص 181.

(3)

علل الترمذي، تحقيق الشيخ صبحي السامرائي وجماعة معه ص 156.

(4)

علل الترمذي ص 157.

ص: 38

بحمد الله طبقت قواعد المحدثين بكل دقة، ولم آل في ذلك جهدا " (1)

ونتج عن هذا مناهج عجيبة غريبة في تصحيح الأحاديث، أو تضعيفها عند بعض المتأخرين وكثير من المعاصرين، فمن يتتبع - مثلاً- الشيخ الألباني في كيفية تصحيحه للأحاديث وتضعيفها يقف مذهولاً! فمنهجه منهج غريب فريد، لم يسبق إليه، وسأمثل بحديث واحد صححه في سلسلته الصحيحة ليتبين خطورة غياب منهج الأئمة المتقدمين في تصحيح الأحاديث وإعلالها:

فقال في حديث (551): " أفضل الساعات جوف الليل الآخر ":

أخرجه أحمد 4/ 385 (2) عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد، قلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام وإطعام الطعام، قلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده،

قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: خلق حسن، قال: قلت: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت، قال: قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك عز وجل، قال: قلت: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال: قلت: أي الساعات أفضل؟ قال: جوف الليل الآخر

" (3).

قلت - والقائل الألباني -: وهذا إسناد ضعيف: محمد بن ذكوان وهو الطاحي، وشهر ضعيفان، لكن الحديث ثبت غالبه من طرقٍ أخرى:

أولاً: الفقرة الأخيرة منه: أخرجها أحمد 4/ 187 (4) من طريق أبي بكر بن عبد الله عن حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، ورجاله ثقات غير أبي بكر وهو ابن أبي مريم فإنه سيئ الحفظ.

وأخرج هو (5) 5/ 111 - 113 - 114،وابن ماجه (1364) من طريق يزيد بن طلق

(1) ذكره د. حمزة المليباري نظرات جديدة في علوم الحديث ص 48.

(2)

جاء في المطبوع من السلسلة 5/ 385 وهو خطأ.

(3)

انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 170 (10783).

(4)

جاء في المطبوع من السلسلة 5/ 187 وهو خطأ، وانظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 172 (10785).

(5)

أي الإمام أحمد.

ص: 39

عن عبد الرحمن البيلماني عن عمرو بن عبسة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله

من أسلم؟ قال: حر وعبد قال: فقلت: وهل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من أخرى؟ قال: جوف الليل الآخر" (1)،وقال ابن ماجه:" الليل الأوسط " وهو شاذ.

قلت: وابن البيلماني: ضعيف، وابن طلق: مجهول، لكن لهذه الفقرة طريق أخرى صحيحة عن عمرو بن عبسة تجد الكلام عليها في صحيح أبي داود (1198).

ثانياً: فقرة " أي الجهاد أفضل " فقد أخرج أحمد 4/ 114 من طريق أبي قلابة عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان قال: وما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة، قال: فما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد، قال: وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم، قال: فأي الجهاد

أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما حجة مبرورة أو عمرة " (2).

قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين فهو صحيح إن كان أبو قلابة واسمه عبد الله بن زيد - سمعه من عمرو فإنه مدلس، وعلى كل حال فهذه الفقرة ثابتة بمجموع الطريقين، والله أعلم.

ثالثاً: فقرة " أي الهجرة أفضل ":قد جاءت في الطريق آنف الذكر فهي حسنة أيضاً.

رابعاً: فقرة أي الصلاة أفضل: هذه صحيحة لأن لها شواهد منها عند مسلم وغيره من حديث جابر:" أفضل الصلاة طول القنوت ".

خامساً: فقرة " الصبر والسماحة ": لها شاهد من حديث جابر وله عنه طريقان:

الأولى: عن الحسن عنه أنه قال: " قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة " أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (ق 184/ 2)، ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن الحسن وهو البصري مدلس، ولم يصرح بالسماع.

(1) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 167 (10781).

(2)

انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 162 (10778).

ص: 40

الثانية: عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر، أخرجه ابن أبي الدنيا في الصبر (43/ 2)،وابن عدي في الكامل من طريق أبي يعلى.

قلت: ويوسف هذا ضعيف لكن الحديث قوي بمجموع طرقه الثلاث.

سادساً: فقرة (حر وعبد): أخرجها مسلم في صحيحه 2/ 208 - 209 من طريق أخرى عن عمرو بن عبسة (1).أهـ كلام الألباني.

قلت - الباحث -: هذا المنهج لم يسبق إليه الشيخ البتة، وهو منهج غريب جداً، إذ قسم حديثاً واحداً إلى فقرات، ثم أتى بشواهد من عدة أحاديث مختلفة أغلبها ضعيفة - كما قال هو - لكل فقرة من الفقرات، فصحح الجميع!!. ولو أخذ المتقدمون بهذه الطريقة لما أعلوا حديثاً، بل تصبح كتب العلل عديمة النفع، وأنا أسأل مَن من المتقدمين صحح على هذه الطريقة؟!. ومن هنا أصبحت عملية تصحيح الحديث وتضعيفه عملية سهلة، فما عليك إلا أن تضع بين يديك تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر العسقلاني ثم تفتش عن حال رجال السند فإن كان رجاله كلهم ثقات فهو صحيح، وإن كان فيه صدوق أو أكثر فهو حسن، وإن كان فيه ضعيف فهو ضعيف، وهلم جراً .. ، فأصبح تصحيح الحديث وتضعيفه أمرا ميسوراً يقدر عليه كل واحد، فظهرت مئات الأسماء كمحققين ومخرّجين، ومصححين ومضعفين لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ممن لا يميزون بين كوعهم وبوعهم -كما يقال -! ولا يعرفون أبجديات هذا العلم الشريف، ثمّ يخطئون أئمة النقد وجهابذة العلل.

ومن ثم يقول الشيخ عبد الرحمن المعلمي - وهو من أبرز المعاصرين الذين فهموا منهجية المتقدمين في النقد -:" إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة

فإنهم يتطلبون له علة، فإذالم يجدوا له علة قادحة مطلقاً حيث وقعت أعلّوه بعلة ليست بقادحة مطلقاً، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذلك المنكر، فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا، مع أن الراوي غير مدلس ". - ثم أردف -: " ومن ذلك الإعلال بالحمل على الخطأ وإن لم يتبين وجهه

.ومن ذلك إعلالهم بظن أن الحديث أُدخل على الشيخ، كما ترى في لسان الميزان في ترجمة الفضل بن الحباب، وغيرها، وحجتهم في هذا أن عدم القدح بتلك العلة مطلقا إنما بني على أنّ دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا

(1) انظر تفصيل الحديث في المسند الجامع 14/ 164 (10780).

ص: 41