الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الحافظ ابنُ حجر:"وقد نوزع أبو داود في حكمه عليه بالنكارة مع أن رجاله من رجال الصحيح"(1)،ثم قال:"لا يصلح مثالاً للمنكر فلنذكر مثالاً للمنكر غيره"(2)،وقال السخاوي:"ولم يوفق أبو داود على الحكم عليه بالنكارة
…
" (3)،ولسنا هنا بصدد ذكر تصحيح الحديث أو عدمه، بل الذي يعنينا أن الحديث المنكر عند الكثير من المتقدمين يعني المخالفة مطلقاً سواء كان المخالف ثقة أم غير ثقة، وقد استنكره أبو داود لأن هماماًخالف"في متن الحديث"المحفوظ عن الزهري، إذ المحفوظ ما أخرجه الشيخان من حديث الزهري الذي رواه عنه الجم الغفير من أصحابه عن أنس:" أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم ألقاه" (4).
وقد خَطّأ بعضُ المتأخرين التسويةَ بينهما، أي: المنكر والشاذ، كالحافظ ابن حجر وغيره فقال:"قد غفل من سوى بينهما"(5)
وقال السيوطي في ألفيته:
. . . . . . والذي رأى
…
ترادف المنكر والشاذ نأى. (6)
المطلب الثالث: المنكر: تفرد الضعيف:
قال ابن الصلاح: و"مثال الثاني: وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده .. "(7)، وقال ابن جماعة:"هو ما تفرد به من ليس بثقة ولا ضابط فهو المنكر"(8).
وقال ابن كثير:"المنكر: وهو كالشاذ إن خالف راويه الثقات فمنكر مردود، وكذا إن لم يكن عدلاً ضابطاً وإن لم يخالف فمنكر مردود، وأما إن كان الذي تفرد به عدلاً
(1) النكت 2/ 677.
(2)
النكت 2/ 226.
(3)
فتح المغيث 1/ 226.
(4)
سيأتي الكلام عليه ص65.
(5)
نزهة النظر ص52.
(6)
الألفية (ص93). البيت 181.
(7)
مقدمة ابن الصلاح ص80.
(8)
المنهل الروي ص51.
ضابطاً حافظاً (1) قبل شرعا، ولا يقال له منكر " (2).
قال العلامة أحمد شاكر تعليقاً عليه: أي "إنّ ما انفرد به الراوي الذي ليس معدلاً ولا ضابطاً فهو منكر مردود مع أنه لم يخالف غيره في روايته لأنه انفرد بها، ومثله لا يقبل تفرده "(3).
قال الحافظ ابن حجر:"وأما إذا انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشيءٍ لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث "(4).
قلت: كما أسلفنا القول: إن مفهوم الحديث المنكر عند المتقدمين أوسع مما ينسب إليهم من كونه:"مخالفة الضعيف للثقات "،فهو قد يشمل تفرد الثقة وقد يشمل كما قال بعض علماء المصطلح تفرد المتروك، الذي لا تحل الرواية عنه، وكما بيناه قبل قليل.
وقال الإمام مسلم:"علامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم ولم تكد توافقها فإن كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله "(5).
قال النووي عقب كلام الإمام مسلم:"يعني به المنكر المردود فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث، وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطاً متقناً "(6).
وهذا كلام يحتاج إلى دليل فما عرفنا عالماً من المتقدمين يصحح حديثا ثم يطلق عليه لفظ النكارة؟ وإنما أراد الإمام النووي في هذا - والله أعلم - الدفاع عن نظريته في قبول زيادة ثقة مطلقاً، كما سيأتي بيانه.
وأما الحافظ ابن حجر فقال عقبه:"فالرواة الموصوفون بهذا هم المتروكون فعلى
(1) في المطبوع (عدل ضابط حافظ) فلعله خطأ مطبعي.
(2)
اختصار علوم الحديث بشرحه الباعث الحثيث ص 55.
(3)
مصدر سابق.
(4)
النكت على ابن الصلاح 2/ 675.
(5)
المقدمة 1/ 7،وانظر شرح مسلم للنووي 1/ 56 - 57
(6)
شرح مسلم 1/ 56 - 57 ..
هذا رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة وهذا هو المختار" (1).
أقول:-إن عبارة الإمام مسلم واضحة وهو مذهب المتقدمين، وهو أن المحدث إذا خولف بمن هو أحفظ أو أكثر أو نحو ذلك من مقاييسهم حكم على روايته بالنكارة أو الخطأ أو أي عبارة تدل على ذلك دون النظر إلى مرتبته، فإذا كثرت المناكير في حديثه خرج عن كونه ثقة، وتتناسب زيادة النكارة في الحديث تناسباً طردياً مع درجة ضعفه.
فليس كل من جاء بمنكر هو ضعيف، قال ابن القطان: لا يضر الراوي ألا يتابع إلا إذا كثرت منه رواية المناكير ومخالفة الثقات (2). وقال ابن دقيق العيد:" قولهم: روى المناكير لا يقتضي بمجرده ترك روايته حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث، لأن منكر الحديث وصف في الرجل يستحق به الترك لحديثه والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة .. "(3)
وقال الذهبي: " ما كل من روى المناكير يضعف "(4)، وقال اللكنوي:" لا تظن من قولهم هذا حديث منكر أن راويه غير ثقة، فكثيراً ما يطلقون النكارة على مجرد التفرد،
…
.. وكذا لا تظن من قولهم: فلان يروي المناكير، أو حديثه هذا منكر، ونحو ذلك أنه ضعيف " (5)
ومثال هذا القسم:
ما أخرجه الترمذي بسنده قال: حدثنا عمرو بن علي، قال حدثنا يحيى بن سعيد القطان، قال حدثنا المغيرة بن قرة السدوسي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل أو أطلقها وأتوكل؟ قال:" اعقلها وتوكل" قال عمرو بن علي قال يحيى: وهذا عندي حديث منكر (6).
قال أبو عيسى: وهذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث أنس بن مالك
(1) النكت 2/ 675.
(2)
انظر مقدمة فتح الباري ص 555 - 556.
(3)
نصب الراية 1/ 179بتصرف يسير، وانظر الرفع والتكميل، الكنوي ص 203.
(4)
ميزان الاعتدال 1/ 118.
(5)
الرفع والتكميل ص 199 - 200.
(6)
أخرجه الترمذي (2517)، والعلل في آخر الجامع 5/ 715.