الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما صرح بذلك الحافظ ابن الصلاح وغيره من علماء المصطلح (1).
وقد حكم الأئمة على أحاديث انفرد بها رواة صدوقون بإنها صحيحة وعلى أحاديث أنفرد بها ثقات بإنها منكرة أو شاذة تبعاً لمتن الحديث أو إسناده، وتبعاً لما يقع فيها من المخالفة.
المطلب الثاني: المنكر: التفرد مع المخالفة (مطلقاً) - مرادف للشاذ
-:
قال ابن الصلاح:"المنكر ينقسم قسمين على ما ذكرناه في الشاذ فإنه بمعناه مثال الأول، وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات: رواية مالك عن الزهري عن علي بن حسين عن عمر ابن عثمان عن أسامة بن زيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم" (2) فخالف مالك غيره من الثقات في قوله: عمر بن عثمان بضم العين وذكر مسلم صاحب الصحيح في كتاب التمييز (3): أن كل من رَواه من أصحاب الزهري قال فيه عمر بن عثمان يعني بفتح العين وذكر أن مالكاً كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان كأنه علم أنهم يخالفونه وعمرو وعمر جميعاً ولدا عثمان غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو بفتح العين وحكم مسلم وغيره على مالك بالوهم فيه والله أعلم.
ومثال الثاني، وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يتحمل معه تفرده: ما رويناه من حديث أبي زكريا يحيى بن محمد بن قيس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"كلوا البلح بالتمر فإن الشيطان إذا رأى ذلك
غاظه ويقول عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق " (4)،تفرد به أبو زكريا وهو شيخ صالح، أخرج عنه مسلم في كتابه غير أنه لم يبلغ مبلغ من يتحمل تفرده والله أعلم"(5).
قلت: فلم يميز ابن الصلاح بين المنكر والشاذ كما هو واضح، وتعقبه الحافظ ابن
(1) انظر مقدمة ابن الصلاح ص80.
(2)
أخرجه البخاري (1588 و 4283 و 6764) وغيره.
(3)
لم أقف عليه في المطبوع الذي بين يديّ.
(4)
أخرجه النسائي في الكبرى رقم (6677)، وابن ماجه (3332)،والحاكم 4/ 135.
(5)
مقدمة ابن الصلاح ص80.
حجر في النكت فقال:" ليس بعبارته ما يفصل أحد النوعين عن الآخر، نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة"(1).
وقال ابن دقيق العيد:"هو كالشاذ، وقيل هو ما انفرد به الراوي وهو قول منقوض بالأفراد الصحيحة "(2)،فهو أيضاً يسوي بين المنكر والشاذ.
وقال الحافظ العراقي في ألفيته (3):
والمنكر الفرد كذا البرديجي
…
أطلق والصواب في التخريج
إجراء تفصيل لدى الشذوذ مر
…
فهو بمعناه كذا الشيخ ذكر
فهو على مذهب ابن الصلاح في اعتبار الشاذ والمنكر واحداً.
ويبدو أن الذهبي يسوي بينهما (4)، لكن السخاوي علل ذلك بقوله:"وأما جمع الذهبي بينهما في حكمه على بعض الأحاديث فيحتمل أن يكون تقدم الفرق بينهما ويحتمل غيره "(5).
وقد مَثَّلَ الحافظ العراقي على ذلك فقال:"ولنذكر مثالاً للمنكر" ثم أورد حديث همام عن ابن جريج عن الزهري عن أنس رضي الله عنه:" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه"(6)،أخرجه أبو داود وقال عَقبهُ:"هذا حديث منكر وإنما يعرف عن ابن جريج عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس:"أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق ثم
ألقاه" (7)،والوهم فيه من همام ولم يروه إلا همام"(8)،قال الحافظ العراقي: وهمام ثقة احتج به أهل الصحيح ولكنه خالف الناس (9)، أي: خالفهم في الإسناد والمتن.
(1) النكت 2/ 674.
(2)
الاقتراح ص198.
(3)
فتح المغيث، السخاوي 1/ 222.
(4)
انظر الموقظة ص42.
(5)
فتح المغيث 1/ 223.
(6)
أخرجه أبو داود (19)، والترمذي (1746)، وابن ماجه (203).
(7)
أخرجه البخاري (5868)، ومسلم 3/ 1657 (2093) وغيرهما.
(8)
سنن أبي داود (19).
(9)
انظر فتح المغيث 1/ 226.