الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب (لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ)
5266 -
حَدَّثَنِى الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ الرَّبِيعَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِى كَثِيرٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ إِذَا حَرَّمَ امْرَأَتَهُ لَيْسَ بِشَىْءٍ. وَقَالَ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). طرفه 4911
5267 -
حَدَّثَنِى الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ
ــ
باب: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]
5266 -
(صباح) -بفتح الصاد وتشديد الموحدة- هو البزار لا الزعفراني (يعلى) على وزن يحيى (قال ابن عباس: إذا حرم امرأته ليس بشي) أي؛ لا يكون طلاقًا، واستدل على ذلك بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم العسل ثم أكله و {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
فإن قلت: ما وجه دلالة قصة تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما ادعاه ابن عباس أن من حرم امرأته لا شيء عليه، قلت: قال بعض الشارحين: فإن قلت: لِمَ خصص النبي صلى الله عليه وسلم بالطلاق قلت: لما تقدم في سورة التحريم أن ابن عباس قال في الحرام: يكفّر عن يمينه. هذا كلامه، ولا فائدة فيه؛ لأن ابن عباس لما سئل عن تحريم المرأة هو طلاق أم لا؟ أجاب بأنه ليس بطلاق، وللمبالغة في نفي الطلاق قال: ليس بشيء، واستدل عليه بشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريمه، فالإشكال إنما هو في أن السؤال إذا كان في وقوع الطلاق، وقضية رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه شيء يتعلق بالطلاق، إنما كان لأنه حرم على نفسه مباحًا فلا بد من بيان وجه دلالته على نفي الطلاق الذي سئل عنه.
والتحقيق في هذا المقام: أن وجه الدلالة هو أنه كان قد حرم على نفسه مباحًا، وهذا أيضًا قد حرم على نفسه امرأته، وإنما يكون تحريم المرأة فيما يكون مباحًا له منها لا ذات المرأة، ولا يباح له منها إلا البضع وسائر الممتعات، ومعنى التحريم لا دلالة فيه على الطلاق بوجه. هذا توجيه كلام ابن عباس، وجعله الجمهور من كنايات الطلاق؛ لأن التحريم يمكن أن يصدق تارة بتحريم البضع، وتارة بالطلاق، فجعل مناط الحكم نيته.
5267 -
5268 - ثم روى في الباب سبب تحريم رسول الله صلى الله عليه وسلم العسل روايتين مختلفتين. الأولى: أنه شرب العسل عند زينب، الثانية: عند حفصة، وفي رواية زينب قالت
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ زَعَمَ عَطَاءٌ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ، وَيَشْرَبُ عِنْدَهَا عَسَلاً، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أَيَّتَنَا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ إِنِّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَدَخَلَ عَلَى إِحْدَاهُمَا فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ «لَا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ» . فَنَزَلَتْ (يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ) إِلَى (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ) لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِىُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ) لِقَوْلِهِ «بَلْ شَرِبْتُ عَسَلاً» . طرفه 4912
ــ
عائشة: (تواصيت أنا وحفصة على أن نقول له: أكلت مغافير). وفي قصة حفصة: اتفقت عائشة وسودة وصفية على ذلك القول. قال النووي: حديث زينب أصح، نقله عن النسائي، وهو الموافق لقوله تعالى:{وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} [التحريم: 4] هما عائشة وحفصة كما تقدم مرارًا في حديث طويل أن ابن عباس سأل عمر في طريق الحجاز ففسره بعائشة وحفصة. هذا وحديث مارية لم يصح فيه حديث وإن رواه كثير من الناس، ولو صح [خلا] منافاة لما ذكرنا مرارًا جواز تعدد الأسباب، ونقل عن القاضي أنه قال أيضًا: إن الصواب قصة زينب. قلت: هذا الذي يجب اعتقاده، لأن الآية لا يمكن صرفها إلى قصة حفصة؛ لأن الرواية صريحة في عائشة وسودة وصفية، فكيف يعقل ضمير المثنى في:{وَإِنْ تَظَاهَرَا} [التحريم: 4].
وأراد بعض الشارحين التوفيق بين الحديثين فقال: يجوز أنه شرب عند حفصة أولًا، فلما قيل له ما قيل ترك الشرب بلا تحريم، ثم لما شرب عند زينب وقيل له فيه حرّمه. هذا كلامه، ولا وجه له أما أولًا: فلاتفاق العلماء أنه لم يقع منه إلا مرة واحدة إما عسل أو ماؤه. وأما ثانيًا: فلو وقع مرتين لكان العتاب يوجه على الفريقين لاشتراكهما في الافتراء عليه والاحتيال، ولما لم يتعرض إلا لاثنتين {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4]. دل قطعًا على أن لا دخل لغيرهما في هذا الباب، ثم هدد الكل بأن لا يقع منهن شيء في حقه مرة أخرى بقوله:{عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5].
(ابن جريج) بضم الجيم مصغر، وكذا (عبيد بن عمير) مصغر الاسمين ................
5268 -
حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِى الْمَغْرَاءِ حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ الْعَسَلَ وَالْحَلْوَاءَ، وَكَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الْعَصْرِ دَخَلَ عَلَى نِسَائِهِ، فَيَدْنُو مِنْ إِحْدَاهُنَّ، فَدَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ، فَاحْتَبَسَ أَكْثَرَ مَا كَانَ يَحْتَبِسُ، فَغِرْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ لِى أَهْدَتْ لَهَا امْرَأَةٌ مِنْ قَوْمِهَا عُكَّةً مِنْ عَسَلٍ، فَسَقَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ شَرْبَةً، فَقُلْتُ أَمَا وَاللَّهِ لَنَحْتَالَنَّ لَهُ. فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ إِنَّهُ سَيَدْنُو مِنْكِ، فَإِذَا دَنَا مِنْكِ فَقُولِى أَكَلْتَ مَغَافِيرَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ لَا. فَقُولِى لَهُ مَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِى أَجِدُ مِنْكَ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ لَكِ سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ فَقُولِى لَهُ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ. وَسَأَقُولُ ذَلِكَ، وَقُولِى أَنْتِ يَا صَفِيَّةُ ذَاكِ. قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَاّ أَنْ قَامَ عَلَى الْبَابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُبَادِيَهُ بِمَا أَمَرْتِنِى بِهِ فَرَقًا مِنْكِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا قَالَتْ لَهُ سَوْدَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلْتَ مَغَافِيرَ قَالَ «لَا» . قَالَتْ فَمَا هَذِهِ الرِّيحُ الَّتِى أَجِدُ مِنْكَ. قَالَ «سَقَتْنِى حَفْصَةُ شَرْبَةَ عَسَلٍ» . فَقَالَتْ جَرَسَتْ نَحْلُهُ الْعُرْفُطَ فَلَمَّا دَارَ إِلَىَّ قُلْتُ لَهُ نَحْوَ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَارَ إِلَى صَفِيَّةَ قَالَتْ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا دَارَ إِلَى حَفْصَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَسْقِيكَ مِنْهُ. قَالَ «لَا حَاجَةَ لِى فِيهِ» . قَالَتْ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاللَّهِ لَقَدْ حَرَمْنَاهُ. قُلْتُ لَهَا اسْكُتِى. طرفه 4912
ــ
(أبي المغراء) بفتح الميم وغين معجمة مع المد. و (جرست نحله) الجرس في الأصل: الصوت الخفي، وإنما أطلق على أكل النحلة لأن لها صوتًا خفيًّا عند أكل الأزهار والأنوار (العرفط) بضم العين على وزن قنفذ الطلح (أن أبادئه) -بالباء الموحدة- من البداية، ويروى بالنون من النداء. (فَرَقًا) -بفتح الفاء والراء- الخوف (والله لقد حَرَمناه) -بتخفيف الراء- من الحرمان أي: جعلناه محرومًا (قلت لها) أي: لسودة، القائل: عائشة (اسكتي) أي: بلغنا ما قصدناه من المراد، قالته من شدة الفرح لما رامت، وقيل: خافت أن يفشو ذلك فيبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الشارح المذكور: فإن قلت: كيف جاز لنسائه هذا الاحتيال عليه؟ قلت: كانت هذه صغيرة مكفرة معفوًا عنها هذا كلامه، وأنا أقول: لو كانت المكفرة عنها لم يقل لهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] فإن التوبة إنما تكون من ذنب لم يكن مكفرًا عنه.