المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أهمية هذا الموضوع في الكتاب والسنةونصيبه من الدراسة والتأليف - الولاء والبراء في الإسلام

[محمد بن سعيد القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة فضيلة الشيخ العلامةعبد الرزاق عفيفي

- ‌التمهيد

- ‌شروط لا إله إلا الله

- ‌الولاء والبراء من لوازم لا إله الله

- ‌الرد على من زعم أن كلمة التوحيد لفظ فقطمع بيان المذهب الصحيح في الأحاديث الواردة بخصوصها

- ‌آثار الإقرار بلا إله إلا الله في حياة الإنسان

- ‌تعليق لا بد منه

- ‌الفصل الأولتعريفه وأهميته في الكتاب والسنة

- ‌الولاء في اللغة:

- ‌ البراء في اللغة:

- ‌أهمية هذا الموضوع في الكتاب والسنةونصيبه من الدراسة والتأليف

- ‌ طريقة القرآن والسنة في غرس عقيدة (الولاء والبراء

- ‌من لوازم محبة الله اتباع رسول الله

- ‌الفصل الثاني

- ‌أولياء الرحمن وأولياء الشيطانوطبيعة العداوة بينهما

- ‌طبيعة العداوة بين الفريقين

- ‌الفصل الثالث

- ‌عقيدة أهل السنة والجماعة في الولاء والبراء

- ‌الولاء والبراء القلبي:

- ‌موقف أهل السنة والجماعة من أصحاب البدع والأهواء:

- ‌أسوة حسنة في الولاء والبراء من الأمم الماضية

- ‌أ- إبراهيم الخليل عليه السلام:

- ‌(ب) أمثلة أخرى على طريق الحق والهدى:

- ‌الفصل الخامس

- ‌الولاء والبراء في العهد المكي

- ‌الملتقى الأولوأولى خطوات الطريق

- ‌سمات العلاقة بينالمسلمين وأعدائهم في العهد المكي

- ‌بر الأقارب المشركين

- ‌كيف كانت صورة البراء في العهد المكي

- ‌لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ

- ‌فرج من الله قريب

- ‌صيغة البيعة

- ‌الفصل السادس

- ‌الولاء والبراء في العهد المدني

- ‌نبذة تاريخية

- ‌وقفة عند المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

- ‌سمات الولاء والبراء في العهد المدني

- ‌ثانياً: النفاق والمنافقون:

- ‌أ- صور البراءة من المشركين:

- ‌ب- البراء من أهل الكتاب:

- ‌ج- البراء من المنافقين:

- ‌د- قطع الموالاة مع الأقارب إذا كانوا محادين لله ورسوله:

- ‌الفصل السابع

- ‌صور الموالاة ومظاهرها

- ‌ما يقبل من الأعذاروما لا يقبل في هذه الصور

- ‌موقف المسلم تجاه هذه الصور:

- ‌الفصل الثامن

- ‌الرد على الخوارج والرافضةفي عقيدة الولاء والبراء

- ‌الفصل الأول

- ‌حق المسلم على المسلم

- ‌الفصل الثاني

- ‌الهجرة

- ‌أ- الإقامة في دار الكفر

- ‌ المراد بإظهار الدين:

- ‌ب- الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام

- ‌ الهجرة هجرتان

- ‌الفصل الثالث

- ‌الجهاد في سبيل الله

- ‌ أهداف الجهاد

- ‌حكم التجسس على المسلمين

- ‌الفصل الرابع

- ‌هجر أصحاب البدع والأهواء

- ‌كيفية مخالطة الناس

- ‌موقف المسلم من أصحاب البدع

- ‌الفصل الخامس

- ‌انقطاع التوارث والنكاح بين المسلم والكافر

- ‌الفصل السادس

- ‌النهي عن التشبه بالكفار والحرصعلى حماية المجتمع الإسلامي

- ‌أصل المشابهة:

- ‌متى تكون الموافقة ومتى تكون المخالفة

- ‌ما بين التشبه والولاء من علاقة

- ‌مثال واحد من مشابهة اليهود والنصارى(العيد)

- ‌صورة مشرقة من صورالتميز في المجتمع الإسلامي الأول

- ‌الأمكنة التي يمنع أعداء اللهمن دخولها والإقامة فيها

- ‌اعتراض وجوابه

- ‌الفصل السابع

- ‌تعامل المسلمين مع غير المسلمين

- ‌ المبحث الأول: الفرق بين الموالاة وحسن المعاملة:

- ‌(كلمة حول ما يسمى بزمالة الأديان)

- ‌الفرق بين الموالاة والمعاملة بالحسنى

- ‌ المبحث الثاني التعامل مع الكفار:

- ‌1- البيع والشراء:

- ‌2- الوقف عليهم أو وقفهم على المسلمين:

- ‌3- عيادتهم وتهنئتهم:

- ‌4- حكم السلام عليهم:

- ‌ المبحث الثالث: الانتفاع بالكفار وبما عندهم:

- ‌التقية والإكراه

- ‌متى تكون التقية

- ‌الإكراه:

- ‌شروط الإكراه

- ‌أنواع الإكراه:

- ‌الفصل الأولكيف طبق السلف الولاء والبراء

- ‌ موقف عبد الله بن عبد الله بن أبي

- ‌الفصل الثانيصورة الولاء والبراء في عصرنا الحاضر

- ‌ محمد عبده

- ‌ عباس محمود العقاد

- ‌ طه حسين

- ‌1- التربية والتعليم:

- ‌ الابتعاث

- ‌ رفاعة الطهطاوي

- ‌صورة من صورالولاء الفكري المعاصر

- ‌2- وسائل الإعلام:

- ‌3- نشر كتب المستشرقين:

- ‌4- المذاهب اللادينية:

- ‌ القومية والوطنية

- ‌الخاتمة

- ‌الإسلام طريق الخلاص وسبيل النجاة

الفصل: ‌أهمية هذا الموضوع في الكتاب والسنةونصيبه من الدراسة والتأليف

‌أهمية هذا الموضوع في الكتاب والسنة

ونصيبه من الدراسة والتأليف

إنه من الجدير بالذكر أن هذا الموضوع - الولاء والبراء - رغم أهميته ووضوحه في الكتاب والسنة إلا أن نصيبه من الدراسة والتأليف في الكتب العقدية القديمة قليل جداً. وذلك راجع في نظري إلى ثلاثة أمور:

(1)

إن هذا المفهوم العقدي كان من الوضوح والنصاعة عند المسلمين الأولين بمكان، حيث إنهم - من خلال سيرتهم وتاريخهم الوضيء - كانوا على درجة عالية جداً من الصفاء العقدي، والتميز الواضح، وقيامهم أيضاً - بالجهاد في سبيل الله. كل ذلك جعل هذا الأمر واضحاً وجلياً في حسهم وأيضاً رجوعهم للكتاب والسنة في كل شيء.

(2)

إن طبيعة المجتمع الإسلامي الأول خاصة بعد الخلافة الراشدة لم تبرز فيه مشاكل عقدية حول هذا الموضوع وإنما نشأت حول صفات الله جل جلاله، وقامت الفرق المختلفة بالخوض فيها ، فكان لا بد أن يتصدى أهل السنة والجماعة لمعالجة ذلك الانحراف بأن يبينوا للناس أن لله صفات تليق بجلاله وعظمته. نثبتها له كما جاءت في الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تمثيل.

من هنا زخرت مؤلفاتهم رحمهم الله بالحديث في هذه الشأن، ولا تجد لهم ذكراً لقضية الولاء والبراء إلا في كلمات موجزة صغيرة كقولهم (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم)(1) .

(3)

وبعد خول علم الكلام في مؤلفات المسلمين العقدية، وتعكير صفوها بما ليس منها: لم يعد لهذا الموضوع ذكر البتة: وليس هو المنفرد بهذا الإقصاء، بل أنه تابع لإقصاء موضوع (لا إله إلا الله وما تقتضيه من توحيد الألوهية وما

(1) الطحاوية مع شرحها (ص 528) الطبعة الرابعة.

ص: 93

يضاد ذلك من نواقض الإسلام، التي لو شغل المسلمون أنفسهم ببيانها وعرضها للناس عرضاً صحيحاً سليماً بدلاً من تحويلها إلى قضايا ذهنية تجريدية لا علاقة لها بالسلوك الواقعي ولا بمعاني الإسلام الحقيقية لكان ذلك أجدى وأنفع للناس، وأقوم للقيام بما أراده الله منهم. ولو أن الأمة الإسلامية تقيدت بقول رسولها صلى الله عليه وسلم (تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)(1) . وعضت على ذلك بالنواجذ ما طمع فيها شرق ولا غرب، ولا تخبطت في متاهات التبعية العمياء للإلحاد والفكر الجاهلي سواء كان شرقياً أم غربياً على حد سواء.

وحين اقتصر المسلمون الأوائل على الوحيين العزيزين خرج منهم جيل فريد ليس له مثال لا سابق ولا لاحق، جيل اعتز بانتمائه لدينه الخالص، ففتح الدنيا ومزق ظلام الكفر والشرك وصدع باسم الله في الأرض من مشارف فرنسا غرباً إلى حدود الصين شرقاً.

ولعل من المناسب هنا أن نتحدث - ولو قليلاً - عن طريقة القرآن والسنة في عرض العقيدة بصفة عامة وجناية علم الكلام على المسلمين لنقف من خلال هذه النبذة على مدى الهوة بين صفاء النبع العقدي الرباني وبين جهالات علم الكلام.

لقد أدرك سلف هذه الأمة رحمهم الله أن كتاب الله العزيز هو: كتاب هداية وليس كتاب فلسفة ونظريات فارغة لا تمس الواقع. وأيقن ذلك الجيل أن الله هو خالق النفس البشرية وأنه هو العليم وحده بما يصلحها، فلما أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم كان هو النور الهادي للنفوس، ومصدر كل خير لها، وهو أيضاً النذير لها من كل ما يورد موارد الهلاك والخسران. وميزة الخطاب القرآني: أنه يخاطب (الإنسان) كوحدة متصلة فيها الروح والجسد وفيها العقل والعاطفة، وفيها حب

(1) مسند أحمد (ج4/126) وجامع بيان العلم لابن عبد البر 2/222 وسنن ابن ماجة: المقدمة (ج1/16 ح43) وفي سنده عبد الرحمن بن عمرو السلمي لم يوثقه غير ابن حبان. وذكره المنذري في الترغيب والترهيب 1/46 عن أبي عاصم في كتاب السنة وقال إسناده حسن. انظر جامع الأصول (ج1/293)(حاشية) .

ص: 94

الخير وكره الشر:

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا {7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا {8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا {9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا { [سورة الشمس: 7-10] .

هكذا هي الطريقة القرآنية في عرضها للعقيدة:

إنها (طريقة لا تخاطب الذهن المجرد ولكنها تخاطب (الإنسان) كله، وتخاطبه - أول ما تخاطبه 0 عن طريق الوجدان ولا يمنع هذا أن تدعو عقله للمشاركة في الأمر، ولكنها لا تخاطبه منفرداً إنما تخاطبه دائماً والوجدان مستجاش، فيأخذ دوره في التلقي منفعلاً بالقضية، متحركاً للإيمان بها، لا مجرد مساجل فيها بالمنطق والبرهان: والقرآن حين يصنع ذلك فهو يستجيب للفطرة البشرية كما خلقها الله فالله الذي خلق هذه الفطرة هو الذي أنزل هذا القرآن مفصلاً على قدها، مستجيباً لها، ومجيباً لها، وباعثاً ومقوماً في آن. والعقل جزء من هذه الفطرة ولا شك، وله دوره في قضية الإيمان.. ولكن الله يعلم الشروط اللازمة لهذا العقل حين يتناول قضية من قضايا (الحياة) أنه يمكن أن يعمل وحده حين يكون دوره هو التعرف على سنة من سنن الكون لا مجال فيها للوجدان، أما في قضية الإيمان فإنه لا يستقل بهذا الأمر وحده، بل تشاركه العاطفة والوجدان) (1) .

وإذا تصفحنا التاريخ الإسلامي لنبحث عن تاريخ الانحراف في الدراسات العقدية لوجدنا أن ذلك قد وقع في العهد الأموي بشكل بسيط ولكنه بلغ قمته في العهد العباسي إبان ترجمة العلوم اليونانية والهندية والفارسية إلى اللغة العربية.

فبعد أن اتسعت الفتوحات وامتدت رقعة الدولة الإسلامية ودخل في الإسلام أناس أظهروا الإسلام وأبطنوا النفاق والزندقة حصل خلط في المترجمات، فلم يفرق بين الغث والسمين من تلك العلوم الأجنبية.

ولما أصبح شغل أكثر الناس هو الترف العقلي: رأوا أن يستوردوا غثاء الجاهلية الإغريقية وسمي ذلك عند المخدوعين به (فلسفة) !! وانبهروا بهذا

(1) دراسات قرآنية للأستاذ محمد قطب (ص149) بقليل من التصرف.

ص: 95

المستورد الدخيل وما فيه من عجمة تعقيد ولعب بالألفاظ ودلالتها. وقادهم هذا الانبهار إلى إلباس التصور الإسلامي قناعاً غريباً عليه في ذاته، وغريباً عليه في عرضه، وغريباً أيضاً على أهله. وسر ذلك: أن (هناك جفوة أصيلة بين منهج الفلسفة ومنهج العقيدة وبين أسلوب الفلسفة وأسلوب العقيدة، وبين الحقائق الإيمانية الإسلامية وتلك المحاولات الصغيرة المضطربة المفتعلة التي تتضمنها الفلسفات والمباحث اللاهوتية البشرية)(1) .

وحري بنا أن نسأل: ما هو سر محاولة التوفيق بين الفلسفة البشرية الجاهلية التي نمت وترعرعت في جو وثني كافر، وبين المورد العذب دين الله (الإسلام) ؟.

هل كان ذلك نتيجة للتقليد الأعمى والسعي وراء كل ناعق؟

أم أنه كان نتيجة للقعود عن الجهاد ونشر العقيدة في ربوع الأرض؟

أم هو الترف العقلي ومجابهة أصحاب الجدل بنفس أسلوبهم؟

أم أن وراء ذلك كيداً من أعداء الإسلام في محاولة تشويه صفاء هذه العقيدة وخلطها بالشوائب الغريبة عنها؟!

والذي يظهر لي - والله أعلم - أن هذه الأسباب مجتمعة لها دورها كل بحسب أهميته إلا أنه من خلال تتبع قصة الترجمة في عهدها الأول يظهر لي: أن كيد أعداء الدين وافق هوى عند بعض المسلمين خاصة بعض الحكام في العهد العباسي - كالمأمون مثلاً - فحدث ما حدث من ترجمة لكتب المباحث السوفسطائية اليونانية وغيرها.

ويصدق ذلك: أن المأمون بعث إلى حاكم صقلية المسيحي يطلب منه أن يبادر بإرسال مكتبه صقلية الشهيرة الغنية بكتب الفلسفة!!

وتردد الحاكم في إرسالها، وجمع رجالات دولته واستشارتهم حول هذا الطلب فأشار عليه المطران الأكبر بقوله:(إرسلها إليه، فوالله ما دخلت هذه العلوم في أمة إلا أفسدتها) فأذعن الحاكم لمشورته وعمل بها. ثم أحضر المأمون حنين بن

(1) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته للأستاذ سيد قطب (ص10- 11) دار الشروق.

ص: 96

إسحاق (1)

- وكان فتى لسناً - وأمره بنقل ما يقدر عليه من كتب حكماء اليونان إلى العربية، فامتثل لأمره. وكان المأمون يعطيه من الذهب زنة ما ينقله من الكتب إلى العربية مثلاً بمثل. مما جعل حنيناً يكتب على ورق غليظ ويباعد بين الأسطر ويكتب بالحروف الكبيرة (2) !!؟ وصدق - والله - المطران الصقلي: إن هذه الكتب ما دخلت أمة إلا أفسدتها ترى من أين جاءت محنة الإمام أحمد بن حنبل وظهور المبتدعة أيام المأمون وغيره. ومن أين جاءت المصطلحات المبتدعة كالجوهر والعرض والواجب والممكن وغيرها؟ إنه لم يأت كل ذلك إلا من ترجمة علم الكلام الجاهلي وخلطه بالعقيدة الإسلامية ليصنع من ذلك كله ما يسمي بـ "الفلسفة الإسلامية"!!

وإذا علمنا: أن المترجمين كان جلهم نصارى (3) . وقد كتبوا في الترجمة العربية ما يعتقدونه ويدينون به. فكيف يوثق بنصراني يعتقد التثليث وهو يترجم للمسلمين كتباً يتعلمونها ويعلمونها أبناءهم ويستفيدون منها في مؤلفاتهم؟ لقد صدق الشاعر حين قال:

ومن جعل الغرب له دليلا

يمر به على جيف الكلاب

ولمزيد من إيضاح وبيان البون الشاسع بين طريقة القرآن والسنة في عرض العقيدة وبين علم الكلام نذكر الأمور التالية في المباينة بينهما، لا من باب المقارنة فلا وجه للمقارنة في الحقيقة، إذ الأمر كما يقول الشاعر:

(1) هو حنين بن اسحاق، طبيب، مؤرخ، مترجم، كان أبوه صيدلانياً من أهل الحيرة، أخذ العربية عن الخليل بن أحمد، وأخذ الطب عن يوحنا بن ماسويه وغيره، وتمكن من اللغات اليونانية والسريانية والفارسية فانتهت إليه رئاسة المترجمين في عهد المأمون الذي عينه رئيساً لديوان الترجمة وبذل له الأموال والعطايا.

لخص كثيراً من كتب أبقراط وجالينوس، وكان يحفظ الياذة هوميروس ومترجماته تزيد على المائة.

انظر الأعلام للزركلي (ج2/287) الطبعة الرابعة.

(2)

انظر كتاب "عصر المأمون"(ص375 - 377) للدكتور أحمد مزيد رفاعي الطبعة الثانية سنة 1346 هـ الناشر دار الكتب المصرية.

(3)

انظر في هذا كتاب الجانب الإلهي للأستاذ محمد البهي (ص177) .

ص: 97

ألم تر أن السيف ينقص قدره

إذا قيل أن السيف أمضى من العصا

وإنما من باب التنبيه والتذكير (1) .

(1)

في المصدر: فمصدر العقيدة القرآنية: الله رب العالمين. أما مصدر "علم الكلام" فعقول البشر القاصرة الهزيلة.

(2)

في المنهج والسبيل: فغاية علم الكلام: إثبات وحدانية الخالق، وإنه لا شريك له ويظن المتكلمون أن هذا هو المراد بـ " لا إله إلا الله " بينما المراد منها ما سبق أن شرحناه في التمهيد ثم إن علم الكلام يسعى لتحقيق "المعرفة" في الوقت الذي نجد فيه الطريقة القرآنية تهدف إلى "الحركة" من وراء المعرفة، فتحول تلك المعرفة إلى قوة دافعة لتحقيق مدلولها في عالم الواقع وتستجيش الضمير الإنساني ليحقق وجوده في الأرض إلى ربها، وتحيا حياة كريمة رفيعة تتفق مع الكرامة التي كتبها الله للإنسان (2) .

ثم إن المنهج القرآني يدعو إلى (عبادة الله وحده) قال تعالى:

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَاّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاعْبُدُونِ { [سورة الأنبياء: 25] .

وأوصى المصطفى صلى الله عليه وسلم معاذاً حين بعثه إلى اليمن: أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده، فإذا عرفوا ذلك دعاهم للفرائض (3) ولم يأمره أن يدعوهم أولاً إلى "الشك " أو "النظر" كما هي طريقة المتكلمين!!.

(1) ينظر في هذا الموضوع كتاب "العقيدة في الله " للأستاذ عمر سليمان الأشقر: (ص27) إلى (ص38) الطبعة الأولى سنة 1399 مـ الناشر مكتبة الفلاح بالكويت.

(2)

انظر: خصائص التصور الإسلامي ومقوماته (ص10-11) .

(3)

الحديث موجود في: صحيح البخاري (ج3/322 ح 1458) وصحيح مسلم (ج1/50 ح19) كتاب الإيمان.

ص: 98

(والله سبحانه وتعالى عندما يبعث الناس لا يسألهم عن العلوم الحسية والبدهية، والمنطق، والطبيعي، والجوهر والعرض - بل يسألهم عن استجابتهم للرسل أو عدمها

{كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ {8} قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ {9} وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ {10} فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ { [سورة الملك 8-11] . (1)

ووحدانية الخالق التي هي غاية علم الكلام: لم تنفع المشركين الذين حاربهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يقرون بها كما أخبر الله عنهم:

{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ { [سورة لقمان:25] .

(3)

قوة التأثير: الذي هو طابع العقيدة الربانية: مما يجعل لها سلطاناً قوياً على نفوس معتنقيها. بعكس الفلسفة والكلام اللذين يدلان على جهل أصحابها كما قال أحدهم - وهو سقراط - (الشيء الذي لا أزال أعلمه جيداً هو أنني لست أعلم شيئاً)(2) .

(4)

الأسلوب: فالعقيدة الربانية تخاطب الكينونة الإنسانية بأسلوبها الخاص، وهو أسلوب يمتاز بالحيوية والإيقاع. واللمسة المباشرة والإيحاء بالحقائق الكبيرة، مع بساطة في العرض ووضوح في البيان وإعجاز في اللفظ والمعنى.

(1)"العقيدة في الله " للأشقر (ص31)

(2)

المصدر السابق (ص32) .

ص: 99

مما يجعل إدراك هذه العقيدة سهلاً لكافة المستويات البشرية. وهذا كله بخلاف الفلسفة والكلام، وبخلاف تلك المصطلحات المعقدة التي لا تزيد الشك إلا شكاً وحيرة وضلالاً (1) .

وأسلوب المتكلمين يسير على نمط واحد في كل قضية يتحدث عنها فهو لا يخرج عن قوله: (فإن قيل لنا كذا: قلنا لهم كذا) .

أما الأسلوب القرآني فإنه يعرض العقيدة على نمطين:

الأول: توحيد في الإثبات والمعرفة. أي إثبات حقيقة الرب وصفاته وأفعاله وأسمائه كما أخبر به عن نفسه وكما أخبر رسوله الكريم، وهذا موجود في أول سورة الحديد وطه، وآخر الحشر، وأول السجدة، وأول آل عمران، وسورة الإخلاص بكاملها (2) .

الثاني: توحيد في الطلب والقصد: وهذا ما تضمنته سورة

{قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ {و {تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَاّ نَعْبُدَ إِلَاّ اللهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ { [سورة آل عمران: 64] .

وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها وأول سورة يونس وأوسطها وآخرها وأول سورة الأعراف وآخرها وجملة سورة الأنعام.

(1) انظر خصائص التصور الإسلامي والعقيدة للأشقر (ص35) .

(2)

شرح العقيدة الطحاوية (ص 88) طبع المكتب الإسلامي

ص: 100

ويعرف الأول: بأنه توحيد علمي خبري، والثاني بأنه: توحيد إرادي طلبي (1) .

ونظرة واحدة إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في عرضه لهذه العقيدة وتربيته الفذة لصحابته كافية في الدلالة على أن من سلك طريقاً غير طريق القرآن والسنة في عرض العقيدة فقد سلك "سبلاً" لا تلتقي مع صراط الله المستقيم.

روى الأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن (2) .

وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (3) حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: أنهم كانوا يستقرئون من النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعاً (4) .

يقول الأستاذ سيد قطب رحمه الله:

(لقد كان تلقي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه العقيدة أشبه ما يكون بتلقي الجندي في الميدان " الأمر اليومي" ليعمل به فور تلقيه، ولذلك لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه، فكان يكتفي بعشر آيات حتى يحفظها ويعمل بها كما جاء في حديث ابن مسعود)(5) .

هكذا كان صدر هذه الأمة مقتصراً على كتاب الله وسنة رسوله في عقيدته. ولكن الانحراف الذي طرأ على المسائل العقدية في العصور المتأخرة سببه حركة الترجمة والانبهار بفلسفة اليونان وعلومهم. ولو كان هناك وعي وتفكير في الأشياء المترجمة لاقتصر على ترجمة العلوم البحتة كالهندسة والكيمياء والطب وغيرها من العلوم النافعة وبشرط أن تكون صياغة ترجمتها متفقة مع عقيدة المسلمين. ولكن

(1) المصدر السابق (ص88) .

(2)

مقدمة الحفاظ ابن كثير لتفسيره (ج1/13) .

(3)

هو عبد الله بن حبيب السلمي القارىء لأبيه صحبة. روى عن مجموعة من كبار الصحابة وهو تابعي ثقة توفي سنة 72 هـ وقيل 85 هـ وانظر تهذيب التهذيب (ج5/183) .

(4)

المصدر السابق (ج1/13) .

(5)

معالم في الطريق (ص15) .

ص: 101

الخطأ الذي حصل كان ترجمة جميع العلوم ومنها "الإلهيات" عند أرسطو وأفلاطون وغيرهم!

إنه خطأ فاحش وقع فيه من وقع وإلا فما هو الدافع لاستيراد ما عند الوثنيين واستخدام أهل الكتاب في ذلك؟

وصدق حبر هذه الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حين قال محذراً (.. أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم فلا والله ما رأينا رجلاً منهم يسألكم عن الذي أنزل إليكم)(1) .

والذي حصل كما يقول الشيخ محمد الغزالي:

(إن صفو هذه العقيدة قد تعكر بالفكر الأجنبي الذي أقحم على الحياة الإسلامية وبضروب الجدل التي زجى بها المتبطلون أوقات فراغهم)(2) .

ولكن رحمة الله بعباده تكفله جل جلاله بحفظ هذا الدين تجلت في إيجاد علماء أعلام، في كل عصر ومصر، قاموا بواجب الدعوة إلى الله والجهاد في سبيله وتبصير الأمة بما شردت عنه، وزهدت فيه.

لذلك حين رأى كثير من الأئمة رحمهم الله هذا الداء الدخيل يحل على المسلمين في تصورهم وعقيدتهم قاموا بواجبهم الجهادي نحوه.

فهذا الإمام الجليل الشافعي رحمه الله يقول:

"حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأقبل على الكلام "(3) .

ويقول أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رحمهما الله:

" العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم "(4) .

ثم عقب شارح الطحاوية على ذلك بقوله:

" كيف يرام الوصول إلى علم الأصول بغير اتباع ما جاء به الرسول "(5)

(1) صحيح البخاري (ج13/496 ح 7523) كتاب التوحيد.

(2)

الإسلام والطاقات المعطلة (ص112) الطبعة الثانية.

(3)

شرح الطحاوية (ص72) .

(4)

المصدر السابق (ص73) .

(5)

المصدر السابق (ص73) .

ص: 102

وذكر ابن الجوزي رحمه الله:

(أن أصل الدخل في العلم والاعتقاد: من الفلسفة وذلك أن خلقاً من العلماء في ديننا لم يقنعوا بما قنع رسول الله صلى عليه وسلم من الانعكاف على الكتاب والسنة، بل أوغلوا في النظر في مذاهب أهل الفلسفة وخاضوا في الكلام الذي حملهم على مذاهب ردية أفسدوا بها العقائد)(1) .

أما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيقول:

(هؤلاء أهل الكلام المخالفون للكتاب والسنة الذين ذمهم السلف والأئمة، أنهم لم يقوموا بكمال الإيمان ولا بكمال الجهاد، بل أخذوا يناظرون أقواماً من الكفار وأهل البدع الذين هم أبعد عن السنة منهم، بطريق لا يتم إلا برد بعض ما جاء به الرسول، وهذا لا يقطع أولئك الكفار بالعقول فلا آمنوا بما جاء به الرسول حق الإيمان، ولا جاهدوا حق الجهاد. وأخذوا يقولون: أنه لا يمكن الإيمان بالرسول ولا جهاد الكفار، والرد على أهل الإلحاد والبدع إلا بما سلكناه من المعقولات!!، وإن ما عارض هذه المعقولات من السمعيات يجب رده تكذيباً، أو تأويلاً، أو تفويضاً. لأنها أصل السمعيات، وإذا حقق الأمر عليهم وجد الأمر بالعكس)(2) .

وكلمة أخيرة نذكرها للعبرة والعظة، وهي كلمة لأحد أولئك الذين خاضوا في بحر الكلام اللجي ثم خرجوا منه يطلبون النجاة. إنها كلمة أبي عبد الله محمد بن عمر الرازي حيث قال:

(لقد تأملت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تشفي عليلاً، ولا تروي غليلاً. ورأيت أقرب الطرق. طريقة القرآن.. ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي)(3) . هذا وإنه لحري بالأمة، وبعد أن عاشت قروناً من الضياع والتخبط أن تعود إلى المشكاة الربانية كتاب الله وسنة رسوله، فتتدبر معانيها، وتعمل بما فيها ففي ذلك النجاح

(1) صيد الخاطر: تحقيق الطنطاوي (ص205) الطبعة الثانية 1398 هـ.

(2)

موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول (1/238) تحقيق محيي الدين عبد الحميد ومحمد حامد الفقي.

(3)

شرح الطحاوية (ص227) .

ص: 103