الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك التغني بأمجاد أوروبا ومعرفة "أبطال" حضارتها، وفصل الدين عن الدولة، وأن الدين علاقة بين العبد وربه ولا دخل له في شؤون الحياة
…
كل ذلك كان ثماراً طبعية للغزو الثقافي (1) .
وأخيراً: فإن هذه المناهج التعليمية قد جردت المسلم من ولائه لله ورسوله ودينه وإخوانه المؤمنين ومحت عداوته لأعداء الله، فنشأ جيل لا يعرف الصلة بالله، ولا يقيم ولاءه وانتماءه على أساس عقيدته بل على ما تعلمه وانتسب إليه من المذاهب والانتماءات الجاهلية.
صورة من صور
الولاء الفكري المعاصر
وتستوقفني هنا صورة واحدة أجد أن ذكرها هنا ذو أهمية بالغة ذلك أن هذه الصورة يظهر فيها بوضوح حب التبعية للغرب، مع الاعتزاز والفخار بالتعليم العلماني والمطالبة - وبإلحاح شديد - بعودته - إن كان قد فقد - وإلا ففتح الأبواب له على مصارعها إذا كان مضيقاً عليه.
كتب رئيس تحرير جريدة يومية مقالاً طويلاً بعنوان "الإنسان العربي ومعضلة التعليم" وجاء هذا المقال في صفحتين كاملتين من الجريدة هما الصفحة الثانية والثالثة.
وإليك مقتطفات من هذا المقال لترى فيه الصورة الصادقة للولاء والتبعية لأعداء الله.
قال الكاتب: (إن التعليم في البلاد العربية ارتبط بأسلوبين مختلفين:
الأول: المنهج الذي وضعه دنلوب باشا البريطاني ناظر المعارف في مصر، والذي انعكست آثاره على بقية الرقعة العربية من خلال الاتفاقيات الثقافية الثنائية أو
(1) حبذا الاطلاع بتوسع على رسالة "العلمانية وأثرها في العالم الإسلامي" للأستاذ سفر بن عبد الرحمن الحوالي
الجماعية ويقوم هذا المنهج التعليمي على إبطال القدرة على التفكير (وتفريخ) العديد من الكتبة الذين يؤدون وظائف روتينية لا تحتاج إلى أكثر من معرفة متقنة قواعد القراءة والكتابة.. وبنظرة مجردة نجد أن غالبية المتعلمين في بلادنا ينتمون إلى هذه المدرسة ") .
وصدق الكاتب في أكثر ما قاله هنا وإن كان اعتراضنا على منهج دنلوب لا يقتصر على هذه النقطة إنما ينصب ابتداء على نقطة أخطر منها بكثير هي تخريج أجيال من المسلمين لا تعرف حقيقة الإسلام بل تتجه إلى الانسلاخ من الإسلام والارتماء في تبعية ذليلة للغرب. ثم تابع معي ما يقول:
"والأسلوب الثاني في التعليم داخل الوطن العربي. بريطاني أيضاً، ويهدف هذا الأسلوب - على خلاف الأول - إلى خلق مجموعات بشرية تمتلك القدرة على التفكير السليم بالأنماط الغربية (!!) .
"وتجسد هذا الأسلوب في مدرستي كلية فكتوريا في الإسكندرية والقاهرة.. وعلى خلاف ما قيل عن هذه المدارس التي اتهمت بالتربية الاستعمارية أو الأدوار التبشيرية فإن الأدلة الدامغة تثبت أن معظم مفكري أبناء الأمة العربية الذين تلقوا تعليمهم الأولي والثانوي داخل منطقة الشرق الأوسط ينتمون إلى إحدى هاتين المدرستين ذلك لأن النظام التعليمي بهما يعتمد على أسلوب البحث العلمي (!) الذي ينمي في الطفل والشاب طوال مدارج التعليم: القدرة على التفكير السليم وإيجاد العلاقات بين الظواهر المختلفة.
"وتتضح جدية هذا الدور التعليمي من واقع المناهج الدراسية المقررة التي كانت هي ذات المناهج المقررة على الطلبة البريطانيين بأسلوب اكسفورد وكامبردج في مراحل التعليم العام، المبدئي والإعدادي والثانوي.. فالباعث الحقيقي لوضع هذا الأسلوب التربوي والتعليمي من خلال فكتوريا الإسكندرية والقاهرة كان يهدف "إلى" إيجاد مجموعات من أبناء البلاد العربية، بمستوى ثقافي قادر على التفاهم والتعامل مع الغرب في مواطن المعرفة العلمية، التي تربط بينهم بأسلوب المخاطبة المتعارف عليها (!) .
"واستطاع بالفعل أبناء الأمة العربية المتخرجون من هاتين المدرستين حتى بعد تلقيهم التعليم الجامعي سواء في بريطانيا أو أمريكا أو حتى داخل الوطن العربي أن يقوموا بأدوار واضحة في خدمة مصالح بلادهم من المواقع المختلفة نتيجة توافر القدرة لديهم في مخاطبة الغرب بالأسلوب العلمي المقبول والمفهوم نتيجة انسجام منطق التفكير عندهم مع المعطيات الحضارية المعاصرة (!) .
ثم تحدث الكاتب – وهو يؤدي دوره – عن الصراع بين مدرسة فكتوريا ومدرسة دنلوب وعن الرابطة التي جمعت بين خريجي كلية فكتوريا ثم قال إن هذه الرابطة ألقيت ولكن مع هذا الإلغاء (ظل الترابط والود) قائماً بين هؤلاء الخريجين، حتى قامت رابطتهم الجديدة المنظمة بشكل دقيق في العاصمة البريطانية لندن. ولقد أقيم هذا الاحتفال الجديد في يوم الجمعة 4 مايو سنة 1979م.
وبعد هذا تساءل الكاتب: لماذا ألغيت هذه الكلية مع أن مدرسة دنلوب لا تزال قائمة؟ ثم تحدث عن البديل للمناهج الهزيلة التي تدرس الآن فقال:
(وبغض النظر عن تعاطفي الشخصي مع كلية فيكتوريا كمدرسة أجنبية وجدت على التراب العربي، تشرفت بالانتماء إليها: فإنني أجد أن الإسراع في فتحها الآن بالأنماط التعليمية التي كانت تمارسها من المنابع الفكرية السائدة في اكسفورد وكامبردج كفيلة بأن تمثل أولى الخطوات السليمة على الخط العلمي الذي نهدف إليه
…
ومن الممكن التوسع في فتح المدارس الأجنبية المختلفة البعيدة عن السمات التبشيرية وهي كثيرة وكفيلة بإخراج أنماط متعددة من التفكير العلمي السليم الذي يلتقي مع غيره من أنماط علمية سليمة أخرى، ليؤدي التفاعل بينهم إلى خلق القدرة العربية في الوصول إلى أسلوب المخاطبة مع الغرب، والتعبير عن مصالحنا وأهدافنا القومية) (1)
إنني أعتقد أن هذه الفقرات التي أوردتها كافية في الدلالة على صدق صورة هذه الموالاة للغرب، وهي صادقة أيضاً في براء هذا الفكر الإسلامي السليم.
(1) جريدة عكاظ / العدد الاسبوعي رقم 4728 بتاريخ 16/6/1399 هـ.