الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: أنت وذاك، فأمر به فصلب، وأمر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى، ثم أمر به فأنزل، ثم أمر بقدر، في رواية ببقرة من نحاس فأحميت، وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر، فإذا هو عظام تلوح، وعرض عليه فأبى، فأمر به أن يلقى فيها، فرفع في البكرة ليلقي فيها، فبكى فطمع فيه ودعاه فقال له: إني إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله، فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله!
وفي بعض الروايات: أنه سجنه ومنع عنه الطعام والشراب أياماً ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه، ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل؟ قال: أما أنه قد حل لي ولكن لم أكن لأشمتك في، فقال له الملك: فقبل رأسي وأنا أطلقك، فقال: وتطلق معي أسارى المسلمين، قال: نعم فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده، فلما رجع قال عمر بن الخطاب: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة، وأنا أبدأ، فقام فقبل رأسه (1)
أنواع الإكراه:
(1)
الإلجاء حيث ينعدم الرضا والاختيار، وتنتفي الإرادة والقصد، وذلك بالوقوع تحت التعذيب الشديد أو نحو ذلك، وهذه الحالة هي التي نزلت فيها آية النحل: {مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان { (2)[سورة النحل: 106] .
(1) تفسير ابن كثير (4/526) .
(2)
كتاب: حد الإسلام وحقيقة الإيمان للأستاذ عبد المجيد الشاذلي (ص523) مكتوب بالآلة الكاتبة
(2)
التهديد: حيث ينعدم الرضا، ولا ينعدم الاختيار تماماً وهذه في مثل الحالة التي يختار فيها الإنسان أخف الضررين مثل حال شعيب عليه السلام مع قومه إذ خيروه بين العودة إلى الكفر أو الخروج من قريتهم
{قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ {88} قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَاّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ { [سورة الأعراف: 88-89] .
فلا تجوز الاستجابة لمثل هذا الإكراه لهذا النص ولقوله تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ { (1)[سورة العنكبوت: 10] .
(1) كتاب: حد الإسلام وحقيقة الإيمان للأستاذ عبد المجيد الشاذلي (ص523) مكتوب بالآلة الكاتبة
(3)
الاستضعاف: وهنا لا تعذيب ولا تهديد ولكن المستضعف داخل تحت وضع مفروض عليه من غيره كالمقيم في مكة بعد هجرة المسلمين عنها، فإذا كان دخوله تحت هذا الوضع لعجزه عن دفعه وعن الخروج منه، ولو أمكنه ذلك لفعل مهما كانت تضحياته وتكاليفه فهذا قد عفا الله عنه (1) . أما إذا كان قادراً على الدفع أو الخروج ولم يفعل ذلك إيثاراً للعاقبة فقد سبق كلام الشيخ ابن عتيق وغيره في ذلك.
قال ابن تيمية: تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع، إن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً (2) .
كلمة أخيرة حول الإكراه
إنه من المهم والواجب التفريق بين الإكراه وبين مشاعر الخوف التي تتزاوج مع مشاعر الرجاء والتعظيم فإن هذه مشاعر عبادة.
كما أنه يجب أن نفرق بين الاستضعاف وبين الهزيمة الداخلية، والاستكانة للعدو والركون إليه وفقدان الثقة في الله وترك التوكل عليه.
ذلك أن الإنسان يملك في أحلك الظروف قوة عظيمة - هي قوة الرفض بقلبه - وهذه القوة سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم جهاداً في قوله "
…
ومن جهادهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " (3) .
فالانهزام أمام الباطل والموالاة التي يحتاجها الباطل حتى وهو قوي لا بد من
(1) المصدر السابق: (526) .
(2)
نقلاً عن الدفاع لابن عتيق (ص 30) .
(3)
صحيح مسلم (1/70 ح 50) كتاب الإيمان.
الامتناع عنها وهذا هو جهاد القلب، والله سبحانه يقول للمؤمنين بعد وقعة أحد
{وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146} وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {147} فَآتَاهُمُ اللهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {148} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ {149} بَلِ اللهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ { [سورة آل عمران: 146 - 150] .
وقال الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود: " بحسب امرىء يرى منكراً لا يستطيع أن يغيره أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره " ودلالة الكرة: الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل.
إن استعلاء القلب على الهزيمة الداخلية، وبقاء قوة رفضه للباطل مهما استطال وانتفش وقوة ضبطه للسلوك لتأكيد الاعتزال وعدم المشايعة بالعمل لهو جهاد القلب وإنه لجهاد له أثره الواقع في حياة الناس (1) .
(1) بتصرف: حد الإسلام للشاذلي (527-528) .
الباب الثالث