الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمره أن يخاطبهم بأنهم كافرون، وأنه لا يعبد معبوداتهم، وأنهم بريئون من عبادة الله أي أنهم على الشرك وليسوا على التوحيد، وأنه قد رضي بدينه الذي هو عليه وبرئ من دينهم الذي هم عليه كما قال تعالى:
{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {104} وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ { [سورة يونس: 104 - 105]
فمن قال مثل ذلك للمشركين لم تجب عليه الهجرة.
وليس
المراد بإظهار الدين:
أن يترك الإنسان يصلي ولا يقال له اعبد الأوثان! فإن اليهود والنصارى لا ينهون من صلى في بلدانهم ولا يكرهون الناس على أن يعبدون الأوثان؟! بل المقصود: أن إظهار الدين هو: التصريح للكفار بالعداوة كما احتج خالد بن الوليد على مجاعة (1) بأنه سكت ولم يظهر البراءة كما أظهرها ثمامة (2) واليشكري.
والقصة معروفة في السير، فما لم يحصل التصريح للمشركين بالبراءة منهم ومن دينهم لم يكن إظهار الدين حاصلاً (3) .
(1) هو مجاعة بن مروان بن سلمي الحنفي اليمامي. وكان من رؤساء بني حنيفة وكان ممن أسر يوم اليمامة. وكان بليغاً حكيماً. ومن حكمه قال لأبي بكر الصديق: إذا كان الرأي عند من لا يقبل منه، والسلاح عند من لا يقاتل به، والمال عند من لا ينفقه ضاعت الأمور الإصابة (3/362) .
(2)
هو ثمامة بن أثال بن النعمان بن سلمة الحنفي أبو أمامة اليمامي، حديثه في البخاري حين أسر ثم أسلم قال ابن اسحاق إن ثمامة ثبت على إسلامه لما ارتد أهل اليمامة وارتحل هو ومن أطاعة من قومه فلحقوا بالعلاء بن الحضرمي فقاتل معه المرتدين من أهل البحرين الإصابة (1/203) .
(3)
الدفاع (ص 16) والقصة المذكورة هنا أوردها المؤلف في كتابه (النجاة والفكاك) حيث قال: لما سار خالد إلى اليمامة لقتال المرتدين بعث قبله مائتي فارس، وقال من أصبتم من الناس فخذوه فأخذوا (مجاعة) في ثلاثة وعشرين رجلاً من قومه فلما وصلوا إلى خالد فقال له: يا خالد: لقد علمت أني قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته فبايعته على الإسلام وأنا اليوم على ما كنت عليه أمس، فإن يك كاذباً قد خرج فينا فإن الله يقول:(ولا تزر وازرة وزر أخرى) فقال خالد: يا مجاعة تركت اليوم ما كنت عليه أمس وكان رضاك بأمر هذا الكذاب وسكوتك، عنه وأنت أعز أهل اليمامة وقد بلغك مسيري - إقرار له ورضاء بما جاء به فهلا أبديت عذراً وتكلمت فيمن تكلم؟ فقد تكلم ثمامة فرد وأنكر، وتكلم اليشكري: فإن قلت: أخاف قومي. فهلا عمدت إلي أو بعثت إلي رسولاً؟ فقال: إن رأيت يا بن المغيرة أن تعفو عن هذا كله؟ فقال خالد: قد عفوت عن دمك، ولكن في نفسي حرج من تركك.
بيان النجاة والفكاك (ص 68- 70) .
(2)
أن يقيم عندهم مستضعفاً وقد بين الله الاستضعاف في كتابه فقال:
{إِلَاّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً { [سورة النساء: 98] .
وهذا الاستثناء بعد ما توعد المقيمين بين أظهر المشركين بأن
{مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا { [سورة النساء: 97] .
فاستثنى من لا يستطيع حيلة ولا يهتدون سبيلاً. قال ابن كثير: لا يقدرون على التخلص من أيدي المشركين ولو قدروا ما عرفوا يسلكون الطريق (1) .
وقال تعالى:
{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا
(1) ابن كثير (2/343) .
مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً { [سورة النساء: 75] .
فذكر في الآية الأولى: حالهم وهو العجز عن الخروج وعدم دلالة الطريق.
وذكر في الآية الثانية: مقالهم وهو أنهم يسألون الله أن يخرجهم من بلاد الشرك الظالم أهلها وأن يجعل لهم ولياً يتولاهم وناصراً ينصرهم، فمن كانت تلك حاله وهذا مقاله
{فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا { (1)[سورة النساء: 99] .
وقد ذكر البغوي: أن الأسير المسلم عند الكفار إذا استطاع الخلاص والانفلات منهم لم يحل له المقام بينهم، فإن حلفوه أنهم إن خلوه لا يخرج فحلف فخلوه، وجب عليه الخروج ويمينه يمين مكره لا كفارة عليه فيها، وإن حلف استطابة لنفوسهم من غير أن يحلفوه فعليه الخروج إلى دار الإسلام ويلزمه كفارة اليمين (2) .
أما حكم السفر إلى بلاد الكفار الحربية لأجل التجارة ففي ذلك تفصيل: فإن كان يقدر على إظهار دينه ولا يوالي المشركين جاز له ذلك فقد سافر بعض الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر رضي الله عنه وغيره إلى بلدان المشركين لأجل التجارة ولم ينكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أحمد في مسنده (3) وغيره.
(1) الدفاع (ص16) وما ذكره الشيخ حمد هنا موافق تماماً لإجابة الشيخين حسين وعبد الله ابني محمد بن عبد الوهاب حين سئلا في هذا الموضوع انظر مجموعة الرسائل والمسائل النجدية (1/39) الطبعة الأولى سنة 1346 هـ مطبعة المنار بمصر.
(2)
شرح السنة للبغوي: (10/246) .
(3)
هكذا في النص الذي في الجامع الفريد ولكنني بحثت عنه في المسند فلم أجده.