الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3)
إن مشاركتهم في الهدي الظاهر: توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التمييز ظاهراً بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين إلى غير ذلك من الأسباب الحكمية.
هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظاهر إلا مباحاً محضاً، لو تجرد عن مشابهتهم.
فأما إن كان من موجبات كفرهم فإنه يكون شعبة من شعب الكفر، فموافقتهم فيه موافقة في نوع من أنواع ضلالتهم ومعاصيهم. وهذا أصل ينبغي أن يتفطن إليه (1) .
مثال واحد من مشابهة اليهود والنصارى
(العيد)
العيد مظهر مميز للأمة، ومن هنا اخترته مثالاً واحداً من أمثلة التشبه باليهود والنصارى، وقد وردت الأدلة الكثيرة المحرمة للتشبه بهم في هذا الشأن من الكتاب والسنة والإجماع والاعتبار (2) .
أما الكتاب فقد قال تعالى:
{والذين لا يشهدون الزور} [سورة الفرقان: 72] .
قال مجاهد في تفسيرها إنها أعياد المشركين وكذلك قال مثله الربيع بن أنس
(1) نفس المصدر (ص12) .
(2)
أفاض شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذا الموضوع بما يكفي ويشفي في كتابه القيم اقتضاء الصراط المستقيم. ولذا فما أذكره هنا مقتبس من كلامه رحمه الله
والقاضي أبو يعلى والضحاك (1) .
وإذا كان الله قد مدح ترك شهودها الذي هو مجرد الحضور برؤية أو سماع فكيف بالموافقة بما يزيد على ذلك من العمل الذي هو عمل الزور لا مجرد شهوده؟
ومن السنة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما، يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه أبو داود (2) وأحمد والنسائي على شرط مسلم.
ووجه الدلالة: أن اليومين الجاهلين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة بل قال " إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما.." والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه، إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه. وهذه العبارة لا تستعمل إلا فيها ترك اجتماعهما كقوله تعالى:
{أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظلمين بدلا} [سورة الكهف: 50] .
وقوله صلى الله عليه وسلم "خيراً منهما " يقتضي الاعتياض بما شرع لنا عما كان في الجاهلية.
والمحذور في أعياد أهل الكتابين التي نقرهم عليها أشد من المحذور في أعياد الجاهلية التي لا نقرهم عليها، فإن الأمة قد حذروا مشابهة اليهود والنصارى وأخبروا إن سيفعل قوم منهم هذا المحذور، بخلاف دين الجاهلية فإنه لا يعود إلا في آخر الدهر عند اخترام أنفس المؤمنين عموماً، ولو لم يكن أشد منه فإنه مثله على ما لا يخفى، إذ الشر الذي له فاعل موجود يخاف على الناس منه أكثر من شر لا مقتضي له قوي (3) .
(1) المصدر السابق (ص181) .
(2)
كتاب الصلاة / 675 ح 134 وانظر اقتضاء الصراط المستقيم ص 184
(3)
انظر اقتضاء الصراط المستقيم (ص 184 - 186) .
أما الإجماع: فما هو معلوم من السير أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم، ومع ذلك لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك.
وكذلك ما فعله عمر بخصوص أهل الذمة - سيأتي ذكر ذلك قريباً - وما اتفق عليه الصحابة والفقهاء أن أهل الذمة لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وإذا كان هذا اتفاقهم فكيف يسوغ للمسلمين فعلها؟ أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها؟
وقد قال عمر رضي الله عنه: " إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم فإن السخطة تتنزل عليهم" رواه أبو الشيخ الأصبهاني ورواه البيهقي بإسناد صحيح (1) .
وأما الاعتبار: فالأعياد من جملة الشرع، والمناهج والمناسك التي قال الله فيها: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا { [سورة المائدة: 48] .
فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج، فإن الموافقة في جميع العيد: موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروعه: موافقة في بعض شعب الكفر، بل إن الأعياد من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره.
ولا ريب: أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة (2) .
ثم إن عيدهم من الدين الملعون هو وأهله، فموافقتهم فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
ومن أوجه الاعتبار أيضاً: أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل
(1) نفس المصدر (ص 182، 199) .
(2)
نفس المصدر (ص 208) .