الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثامن
الرد على الخوارج والرافضة
في عقيدة الولاء والبراء
قد يقول بعض من لا يدرك حقيقة العقيدة، ولا يعي مفاهيم (لا إله إلا الله) : أن مصطلح الولاء والبراء من مصطلحات الخوارج والشيعة فكيف يدرج في معتقد السلف الذين هم أهل السنة والجماعة؟
والجواب على هذا الاعتراض: من عدة وجوه:
(1)
نحن مطالبون بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما عقيدتنا وشريعتنا ونظام حياتنا، وأحسب أني قد ذكرت عدداً كبيراً جداً من عشرات الآيات في الولاء والبراء وعشرات الأحاديث النبوية الصحيحة في هذه القضية.
(2)
من منطلق سلفنا الصالح نقول: لسنا مستعدين للتنازل عن أي أمر من أمور ديننا الصغيرة - فضلاً عن أمور العقيدة الكبرى لأجل أن ناعقاً أخذ بعض مصطلحاتنا وبنى عليها مفاهيمه البدعية المنكرة.
(3)
هل يستطيع مسلم يؤمن بكتاب الله وسنة رسوله أن يقول إن إبراهيم عليه السلام وهو القدوة الأولى في الولاء والبراء - كما ذكرنا - استخدم مصطلحات الخوارج والرافضة الذين جاءوا بعده بآلاف السنين؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
(4)
إن قضية الولاء والبراء كمبدأ عقدي: مبدأ صحيح لا غبار عليه ورد به كتاب الله وسنة نبي الله ولكن الخطأ كل الخطأ والبدعة كل البدعة هو ما بنى
عليه هؤلاء السفهاء – من خوارج – ورافضة – من مفاهيم سقيمة خرجوا بها عن النصوص الصريحة وإجماع الأمة المحمدية. وصدق القائل.
وما ضر الورود وما حوته
…
إذا المزكوم لم يطعم شذاها
معتقد الخوارج في هذه القضية
أما الخوارج فهم الذين قال فيهم إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه: (هم الذين مرقوا من الدين. وفارقوا الملة، وشردوا عن الإسلام، وشذوا عن الجماعة فضلوا السبيل والهدى، وخرجوا على السلطان، وسلوا السيف على الأمة، واستحلوا دماءهم وأموالهم وعادوا من خالفهم إلا من قال بقولهم. وكان على مثل قولهم ورأيهم، وثبت معهم في بيت ضلالتهم، وهم يشتمون أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وأصهاره وأختانه، ويتبرأون منهم، ويرمونهم بالكفر والعظائم، ويرون خلافهم في شرائع الإسلام.. يقولون من كذب كذبة، أو أتى صغيرة أو كبيرة من الذنوب فمات من غير توبة: فهو في النار خالداً مخلداً أبداً.. وهم قدرية جهمية مرجئة رافضة، لا يرون الجماعة إلا خلف إمامهم.. ولا يرون للسلطان عليهم طاعة، ولا لقريش عليهم خلافة. وأشياء كثيرة يخالفون عليها الإسلام وأهله. وكفى بقوم ضلالة: أن يكون هذا رأيهم ومذهبهم ودينهم وليسوا من الإسلام في شيء. ومن أسمائهم الحرورية وهم أصحاب حروراء (1) وأزراقة: وهم أصحاب نافع بن الأزرق.. والنجدية: وهم أصحاب نجدة بن عامر الحروري.. والاباضية.. والصفرية وغيرهم.. كل هؤلاء خوارج، فساق مخالفون للسنة، خارجون من الملة، أهل بدعة وضلالة) (2) . وفرقة الخوارج قد انحرفت في مفهوم الولاء والبراء فهي لا تتولى من يدين بنحلتها القائمة على تكفير مرتكب الذنوب وخاصة الكبائر. وموقفهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يتولون أبا بكر وعمر ويتبرأون من عثمان وعلي (3) .
(1) قرية بالكوفة كانت بها وقعة على الخوارج بقيادة نجدة بن عامر. وانظر هامش السنة للإمام أحمد (ص84) وكتب الفرق.
(2)
كتال السنة للإمام أحمد (ص83 – 85) تصحيح إسماعيل الأنصاري (بتصرف بسيط) .
(3)
التنبيه والرد للملطي (ص53) .
وخلاصة القول في الرد عليهم: أن أهل السنة والجماعة يتبرأون منهم بسبب بدعتهم الضالة. ولا يتولونهم في شيء.
أما الولاء والبراء بمفهومه الصحيح فهو ما عليه أهل السنة والجماعة، ولا يضيرهم أن الخوارج قالوا بقضية الولاء والبراء. لأن العبرة ليست في العناوين والشعارات بل في المفاهيم والتصورات التي توافق الكتاب والسنة أو تناقضها ومن هنا فإن ولاء الخوارج وبراءهم الذي يعتقدونه: إنما هو بحسب أهوائهم وليس متفقاً مع نصوص الكتاب والسنة.
معتقد الرافضة في الولاء والبراء
وأما الرافضة: فهم الذين يتبرأون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويسبونهم وينتقصونهم، ويكفرون الأئمة إلا أربعة: علي، وعمار، والمقداد، وسلمان (1) .
وقال الأشعري: إنما سموا رافضة لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر (2) .
ولئن كان الخوارج قد انحرفوا في الأمور التي ذكرناها آنفاً عنهم: فإن الرافضة أيضاً لا يقلون جرماً عنهم حيث وقفوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم موقفاً مشيناً، ولعبت بهم الأيدي اليهودية الممثلة في شخصية عبد الله بن سبأ التي أخذت تنصب خيالات من الحب الكاذب لآل البيت وتتبرأ من بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاديهم مع آل البيت براء مما ألصقه بهم هؤلاء الرافضة.
قال ابن كثير:
(إن الطائفة المخذولة – الرافضة – يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك. وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون من رضي الله
(1) السنة للإمام أحمد: (ص82) . وفي قوله: يكفرون الأئمة الأربعة نظر فلعل الصواب: ويتولون.
(2)
مقالات الإسلاميين (1/89) .
عنهم (1) ؟ أما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله ويعادون من يعادي الله. وهم متبعون لا مبتدعون) (2) .
والرافضة تقول: لا ولاء إلا البراء أي لا يتولى أهل البيت حتى يتبرأ من أبي بكر وعمر. رضي الله عنهما! (3) .
ترى أي ثقة أو أمانة أو دين تبقى في أناس يطعنون في أفضل شخصيتين إسلاميتين في الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ولكن لا غرابة في ذلك من زمرة فضائحها في الكتب مسطورة فقد كانت الرافضة على طول تاريخها حرباً على أهل الإسلام، يوالون أعداء المسلمين من تتار وصليبيين وغيرهم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الرافضة توالي من حارب أهل السنة والجماعة، فهم يوالون التتار ويوالون النصارى. وقد كان بالساحل بين الرافضة وبين الفرنج مهادنة، حتى صارت الرافضة تحمل إلى قبرص خيل المسلمين وسلاحهم، وغلمان السلطان، وغيرهم من الجند والصبيان. إذا انتصر المسلمون على التتار أقاموا المآتم والحزن، وإذا انتصر التتار على المسلمين أقاموا الفرح والسرور. وهم الذين أشاروا على التتار بقتل الخليفة، وقتل أهل بغداد.
ووزير بغداد ابن العلقمي الرافضي هو الذي خامر على المسلمين وكاتب التتار، حتى أدخلهم أرض العراق بالمكر والخديعة، ونهى الناس عن قتالهم.
(وقد عرف العارفون بالإسلام: أن الرافضة تميل مع أعداء الدين، ولما كانوا ملوك القاهرة كان وزيرهم مرة يهودياً، ومرة نصرانياً أرمينياً، وقويت النصارى بسبب ذلك النصراني الأرميني، وبنوا كنائس كثيرة بأرض مصر في دولة
(1) يشير إلى قوله تعالى (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه)[سورة التوبة: 100] .
(2)
التفسير (4/142) .
(3)
شرح الطحاوية (ص 532) .
أولئك الرافضة المنافقين وكانوا ينادون بين القصرين: من لعن وسب فله دينار وإردب.
وفي أيامهم أخذت النصارى ساحل من المسلمين حتى فتحه نور الدين وصلاح الدين) (1) .
ومن أحفادهم في الوقت الحاضر النصيرية الكافرة التي ابتلى بها المسلمون، وذلك أن كفرها أشد من كفر اليهود والنصارى كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. وهم الذين كانوا أداة طيعة للاستعمار الفرنسي في غزوه لبلاد الشام. ويشنون اليوم حرباً شرسة على المسلمين في ديارهم وبعد: فإن أهل السنة والجماعة هم الذين يحبون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يفرطون في حب أحد منهم، ويتولونهم جميعاً ولا يتبرأون من أحد منهم، ويبغضون من يبغضهم ويرون أن حبهم دين وإيمان وإحسان وبغضهم كفر ونفاق وطغيان (2) .
وهم براء من الخوارج والرافضة ومن كل الفرق الضالة.
(1) الفتاوى (ج 28/636 - 637) .
(2)
انظر الطحاوية مع شرحها (ص 528) وقد اطلعت - بعد كتابة هذا الكتاب - على كتاب قيم يكشف أستار الشيعة ويفضحهم في عصرنا الحاضر وخصوصاً زعيمهم (الخميني) ذلك الكتاب هو (وجاء دور المجوس) لمؤلفه الدكتور عبد الله محمد الغريب وهو كتاب قيم في موضوعه فليراجعه من شاء ليستبين زيف باطلهم وخططهم ضد أهل السنة والجماعة؟ .
الباب الثاني
من مقتضيات الولاء والبراء
سبق القول في أول البحث: أن الولاء أصله الحب، والبراء أصله: البغض، وينشأ عنهما من أعمال الجوارح ما يؤيد صدق ذلك الحب أو يكذبه وما يؤكد ذلك البراء أو ما يبطل زعمه.
والحب عنصر أصيل في التصور الإسلامي دليل ذلك قول المولى جل وعلا:
{إن الذين ءامنوا وعملوا الصلحت سيجعل لهم الرحمن وداً} [سورة مريم: 69] .
وقوله: {إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ { [ٍسورة هود: 90] .
وقوله {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ { [سورة البروج: 14] .
وقوله: {الَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ { [سورة البقرة: 165] .
وقوله: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ { [سورة آل عمران: 31] .
ذلك أن نصاعة التصور الإسلامي في الفصل بين حقيقة الألوهية. وحقيقة العبودية لا تجفف ذلك النداء الحبيب بين الله وعباده، فهي علاقة الرحمة والعدل والود وليست كما يدعي أعداء الله: أن العلاقة بين العبد وربه علاقة جافة وعنيفة، علاقة قهر وقسر، وعذاب وعقاب، وجفوة وانقطاع!
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَاّ كَذِبًا { [سورة الكهف: 5] .
وحب الله لعبد من عبيده أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلا من عرف الله سبحانه بصفاته كما وصف نفسه وكما وصفه رسوله، وإلا من وجد إيقاع هذه الصفات في حسه ونفسه وشعوره.
حب العبد لربه نعمة لهذا العبد لا يدركها كذلك إلا من ذاقها. وإذا كان حب الله لعبد من عبيده أمراً هائلاً عظيماً، وفضلاً غامراً جزيلاً، فإن إنعام الله على العبد بهدايته لحبه، وتعريفه هذا المذاق هائل عظيم (1) .
ومن نعمة الله على عباده المؤمنين أن جعل المحبة فيه هي الوشيجة العظمى بينهم، وهي المورد العذب الذي ينهلون منه جميعاً، ثم جعل سبحانه وجود المحبة للقوم ولما يلحق بهم المحب سبيلاً للحاق بهم يؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب) (2) . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: جاء رجل إلى رسول الله
(1) بتصرف. الظلال (2/918 - 191) .
(2)
صحيح البخاري كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (10/577 ح 6168) .
صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: كيف تقول في رجل أحب قوماً ولم يلحق بهم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (المرء مع من أحب)(1) .
وعن أنس أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال ما أعددت لها؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله قال (أنت مع من أحببت)(2) .
على أنه من الواجب ذكره هنا: أن هذا الحب ليس مجرد أماني أو أحلام تناقضها الأفعال القبيحة. أو (هرطقة) رقعاء الصوفية أو.. أو.. الخ وإنما هو حب بالقلب وعمل بالجوارح قال تعالى:
{لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا { [سورة النساء:123] .
وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ { [سورة آل عمران: 31] .
قال الحسن: لا تغتر بقولك: المرء مع من أحب إن من أحب قوماً اتبع آثارهم، ولن تلحق الأبرار حتى تتبع آثارهم، وتأخذ بهديهم، وتقتدي بسنتهم، وتمسي وتصبح وأنت على منهاجهم، حريصاً أن تكون منهم، وتسلك سبيلهم وتأخذ طريقهم وإن كنت مقصراً في العمل فإن ملاك الأمر أن تكون على
(1) صحيح البخاري كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (10/557 ح 6169) وصحيح مسلم (4/2034 ح 2640) كتاب البر.
(2)
صحيح البخاري كتاب الأدب باب علامة الحب في الله (10/557 ح 6171) وصحيح مسلم (4/2032 ح 2639) كتاب البر.
استقامة، أما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء الردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في القول والعمل، وسلكوا غير طريقتهم فصار موردهم النار؟ (1)
والمحبة تنقسم إلى أربعة أقسام: (2)
(1)
محبة شركية: وأصحابها هم الذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {165} إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ {166} وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ { [سورة البقرة: 165- 167] .
(2)
حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله وهذه صفة المنافقين.
(3)
محبة طبيعية: وهي محبة المال والولد إذا لم تشغل عن طاعة الله ولا تعين على محارم الله فهي مباحة.
(4)
حب أهل التوحيد وبغض أهل الشرك: وهي أوثق عرى الإيمان، أعظم ما يعبد به العبد ربه.
(1) الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي: بعثت بالسيف بين يدي الساعة لابن رجب (ص133) تحقيق محمد حامد الفقي.
(2)
ذكر ذلك الإمام محمد بن عبد الوهاب: مجموعة التوحيد (ص17) طبعة دار الفكر.
وما دامت المحبة في الله هي أوثق عرى الإيمان كما ورد في الحديث أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله (1) فإن الطريق الموصل إليها وإلى موالاة الله عز وجل هو: اتباع شرعه الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وبغير هذا الطريق تكون دعوى الولاية كاذبة كما كان المشركون يتقربون إلى الله تعالى بعبادة من يعبدونه من دونه كما قال الله عنهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى { [سورة الزمر: 3] .
وكما حكى عن اليهود والنصارى أنهم قالوا:
{نَحْنُ أَبْنَاء اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ { [سورة المائدة: 18] .
مع إصرارهم على تكذيب رسله وارتكاب مناهيه وترك فرائضه (2) .
ومتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه، ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه وإرادته إلا لما يريده منه مولاه، فإذا تحقق القلب بالتوحيد التام لم يبق فيه محبة لغير الله، ولا كراهة لغير ما يكره الله، ومن كان كذلك لم تنبعث جوارحه إلا بطاعة الله، وإنما تنشأ الذنوب من محبة ما يكرهه الله، أو كراهة ما يحبه الله وذلك ينشأ من تقديم هوى النفس على محبة الله وخشيته (3) .
ويصور شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عظمة محبة الله ولذتها فيقول: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة) . وقال بعضهم: مساكين أهل الدنيا خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها، قالوا: وما أطيب ما فيها؟
(1) سبق تخريجه.
(2)
انظر جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص 316) .
(3)
انظر جامع العلوم والحكم (ص320) .
قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والإقبال عليه، والإعراض عما سواه (1) .
أما البغض في الله فهو أمر ملازم للحب في الله لا ينفصل عنه، لأن المحب يحب ما يحب محبوبه، ويبغض ما يبغض محبوبه، ويوالي من يوالي محبوبه، ويعادي من يعادي محبوبه، ويرضى لرضاه، ويغضب لغضبه، ويأمر بما يأمر به، وينهى عما نهى عنه فهو موافق له في ذلك.
ومعلوم أن من أحب الله المحبة الواجبة فلا بد أن يبغض أعداءه، ولا بد أن يحب ما يحبه من جهادهم كما قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ { [سورة الصف: 4] .
وقد وصف المولى سبحانه وتعالى عباده الذين يحبهم ويحبونهم فقال:
{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ { [سورة المائدة: 54] .
أي إنهم يعاملون المؤمنين بالذلة واللين وخفض الجناح، ويعاملون الكافرين بالعزة والشدة عليهم، والغلظة. فهم يحبون من أحبه الله فيعاملونه بالمحبة والرأفة واللين، ويبغضون أعداء الله الذين يعادونه فيعاملونهم بالشدة والغلظة كما قال تعالى:
{أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ { [سورة الفتح: 29] .
(1) مدارج الساكين (1/454) .
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ { (1)[سورة المائدة: 54] .
وأعداء الله لهم البغض ولهم من المؤمنين الجهاد
{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ { [سورة التوبة: 14] .
ومن هنا فإن من مقتضيات الولاء والبراء: حق المسلم على المسلم. فما هو ذلك الحق؟
(1) انظر جامع العلوم والحكم (ص317) .