الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ { [سورة الحج: 78] .
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَاّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ { [سورة البقرة: 130] .
فهذه الأخبار من الله لأمة محمد صلى الله عليه وسلم عن فعل إبراهيم عليه السلام من أجل الاقتداء به في الإخلاص، والتوكل على الله وحده، وعبادة الله وحده والبراء من الشرك وأهله ومعاداة الباطل وحزبه.
(ب) أمثلة أخرى على طريق الحق والهدى:
كما سبق أن ذكرنا أن دعوة الأنبياء واحدة. دعوة لعبادة الله وحده وإفراده بالدينونة والتأله والحب والرضى بحكمه وشرعه، والبراءة من كل طاغوت معبود من دون الله سواء بالرغبة أو الرهبة
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ { [سورة النحل: 36] .
فإننا نجد أمثلة مشرقة ونماذج إيمانية رفيعة على طريق العقيدة الغراء.
إنهم المؤمنون، أينما وحيثما كانوا وحلوا وفي أي عصر ومصر عاشوا. يوردها ربنا تبارك وتعالى في محكم تنزيله، حتى تكون لنا أسوة حسنة. وتسلية لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم عما كان يلاقيه هو وصحابته الأخيار.
وما أحوج الداعية المسلم - وهو الحريص على حب الخير لكل الناس - أن يتدبر هذه الأمثلة والنماذج الإيمانية فسيجد فيها العزاء والتسلية فيما يلاقيه من
مشقة وعنت. وإذا كانت هذه سنة الله في أنبيائه وعباده الصالحين أن يتعرضوا للأذى والعنت – وهم أكرم خلق الله على الله – فمن باب أولى أن يلاقي دعاة الهدى والخير صنوفاً شتى من الأذى والسخرية والاستهزاء والعذاب وسيجدون معية الله تصحبهم وترعاهم وحفظه وقدره يحوطهم. وكل ما يلقونه إنما هو ابتلاء واختيار كما قال تعالى:
{مَّا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ { [سورة آل عمران: 179] .
وحين يثبت المؤمنون على الحق، ويتوكلون على الله حق توكله، ويخافونه وحده، ولا يخافون إلا الله، فسيكون هذا دافعاً عظيماً لدخول الناس في دين الله، والاهتداء بهديه، والاقتداء بهؤلاء الصادقين الذين ضحوا بكل غال ونفيس، وزهدوا فيما عند الناس راغبين ومؤملين فيما عند الله.
ومن هذه الأمثلة التي نريد الحديث عنها باختصار، نوح عليه الصلاة والسلام فقد دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً فلم يؤمن معه إلا القليل، والموقف الذي نريد أن نتحدث عنه من مواقفه عليه السلام هو موقفه مع ابنه الذي عصاه وأبى أن يستجيب لدعوة أبيه. قال تعالى:
{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ {42} قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَاّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ {43} وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ
عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {44} وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ {45} قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {46} قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَاّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ { [سورة هود: 42 – 47] .
" إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين ليست وشيجة الدم والنسب، وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة. وليست وشيجة اللون واللغة. ولا الجنس والعنصر، ولا الحرفة والطبقة إنها وشيجة العقيدة.
"أما الوشائج الأخرى فقد توجد ثم تنقطع العلاقة بين الفرد والفرد.
(ويبين الله لنوح لماذا لا يكون ابنه من أهله؟ " إنه عمل غير صالح " فوشيجة الإيمان قد انقطعت بينكما " فلا تسألن ما ليس لك به علم " إنه ليس من أهلك ولو كان هو ابنك من صلبك)(1) .
وهنا يأتي الإذعان الكامل والخوف من الله سبحانه وطلب مرضاته ورحمته فيقول عبده الصالح نوح {رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين} .
(1) في ظلال القرآن (4/1887)
لقد استعلى نبي الله على العاطفة ورضي بحكم الله، فلا لجاجة ولا التواء، ولا معذرة ولا تأويل، بل تسليم مطلق، واتباع لما يحب الله ويرضى، واعرض عما يكره ويبغض وولاء بمن يحب الله وبراء وعداء لمن حاد الله ولو كان أقرب قريب.
ولم يكن شأن نبي الله نوح عليه السلام هذا مقصوراً على هذا الابن الكافر، بل أيضاً مع زوجته، ويا له من امتحان عظيم في الزوجة والابن!
هذه الزوجة تحدث عنها القرآن وعن نظيرة لها وشبيهة بفعلها وهي زوجة لوط عليه السلام، فقد ابتلى هذان النبيان بزوجتين فاسدتين ذكرهما الله لنا مثلاً في كتابه العزيز فقال:
{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ { [سورة التحريم: 10] .
على أن مما يجب التنويه عنه هنا – استطراداً – أن هذه الخيانة في الدين، وليست في الفاحشة، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء عليهم السلام.
أما امرأة نوح فكانت تفشي سره، إذا آمن معه أحد أخبرت الجبابرة من قومها، وامرأة لوط تخبر قومها بضيوف زوجها من أجل فعل السوء القبيح (1) .
وعلى النقيض من هذا الفعل المشين من هاتين المرأتين يضرب لنا القرآن مثلاً عالياً في الإيمان والاستعلاء على الكفار من قبل امرأة مؤمنة هي زوجة فرعون اللعين قال تعالى:
{وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ
(1) انظر تفسير ابن كثير (8/198)
رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ { [سورة التحريم: 11] .
(إن هذه المرأة لم يصدها طوفان الكفر الذي تعيش فيه، في قصر فرعون عن طلب النجاة وحدها، وقد تبرأت من قصر فرعون طالبة إلى ربها بيتاً في الجنة وتبرأت من صلتها بفرعون فسألت ربها النجاة منه، وتبرأت من عمله مخافة أن يلحقها من عمله شيء وهي ألصق الناس به. " ونجني من فرعون وعمله" وتبرأت من قوم فرعون وهي تعيش بينهم " ونجني من القوم الظالمين " أنه مثل للاستعلاء على عرض الحياة الدنيا في أزهى صورة، فقد كانت امرأة فرعون، أعظم ملوك الأرض يومئذ!! في قصر فرعون أمتع مكان تجد فيه امرأة ما تشتهي! لقد استعلت على هذا بالإيمان ولم تعرض عنه فحسب، بل اعتبرته شراً ودنساً وبلاء تستعيذ بالله منه.
إنها امرأة واحدة في مملكة عريضة قوية. وقفت وحدها في وسط ضغط المجتمع وضغط القصر، وضغط الملك، وضغط الحاشية، ورفعت رأسها للسماء! إنه التجرد الكامل من كل هذه المؤثرات والأواصر) (1) .
إن وقوف هذه المرأة أمام ذلك الجبار من الأهمية بمكان، عل في ذلك ما يدفع تثبيط الشيطان وحزبه لبعض دعاة الإسلام وهم يخافون أن يمسهم الناس بشيء لم يكتبه الله عليهم.
ألا فلنأخذ من قرآننا عبرة وعظة، وشحنة عمل، ومنهاج دنيا وآخرة حتى نقوم بما كلفنا الله به وشرفنا بالانتساب إليه وهي الدعوة إلى الله.
يقول قتادة: كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده ـ فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها لتعلموا أن الله حكم عدل، لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه (2)
(1) في ظلال القرآن (6/3622) بتصرف
(2)
تفسير ابن كثير (8/199)
وهناك أيضاً نموذج آخر، وعلم من أعلام دعاة صراط الله المستقيم. أنه مثل رفيع في الولاء لله ودينه وعبادة الصالحين في النصرة والجهاد بقدر الطاقة لإعلاء كلمة الله، والبراءة من الكفار بعد إقامة الحجة والبرهان عليهم، إنه مؤمن آل فرعون.
لننظر في موقفه وفي ولائه حين عزم الطاغية فرعون على قتل رسول الله موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام. لقد قال مؤمن آل فرعون كما حكاه القرآن عنه:
{وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ { [سورة غافر: 26] .
واسم هذا الرجل حبيب النجار والمشهور أنه قبطياً من آل فرعون. وكان يكتم إيمانه عن قومه القبط، ولم يظهره إلا هذا اليوم حين قال فرعون
{ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى { [سورة غافر: 26] .
فأخذت الرجل غضبه لله عز وجل و (أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)(1) .
ولا أعظم من هذه الكلمة وهي قوله أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله (2) .
(1) أخرجه أبو داود (4/514 ح 4344) في كتاب الملاحم والترمذي (6/338 ح 2175) في كتاب الفتن وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه، وابن ماجة (2/1329 ح 4011) في الفتن ومسند أحمد (3/19) والنسائي في البيعة (7/161) وقال الألباني صحيح: انظر المشكاة (2/1094) .
(2)
انظر تفسير ابن كثر (7/130) .
فانظر إلى ولاء هذا الرجل المؤمن لنبي الله موسى ونصرته له، وتدبر براءة من الطاغية حتى وهو يصب عليه العذاب.
وأخيراً نقف مع الفتية الصلحاء (أصحاب الكهف) الذين تركوا الأهل والولد والوطن والعشيرة حين علموا أنه لا طاقة لهم بمواجهة ومجابهة قومهم فنجوا بأنفسهم إلى ذلك الكهف الذي تجلت فيه معجزة عظيمة يسوقها الله لنا عبرة وعظة في حفظه لعباده الصالحين.
قال تعالى:
{إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13} وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا {14} هَؤُلاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا {15} وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَاّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا { [سورة الكهف: 13-16] .
لقد كان موقف هؤلاء الفتية صريحاً وواضحاً وحاسماً. وحين تتباين الطريقان ويختلف المنهجان لا يعود هناك سبيل إلى الالتقاء ولا للمشاركة في الحياة. بل لا بد من الفرار بالعقيدة.
انهم ليسوا رسلاً إلى قومهم فيواجهوا بالعقيدة الصحيحة ويدعوهم إليها، ويتلقوا ما يتلقاه الرسل، إنما هم فتية تبين لهم الهدى في وسط ظالم كافر، ولا حياة لهم في هذا الوسط إن هم أعلنوا عقيدتهم وجاهروا بها. وهم أيضاً لا
يطيقون مداراة قومهم، وعبادة آلهتهم على سبيل التقية وإخفاء عبادتهم لله.
على أن الأرجح أن أمرهم قد كشف فلا بد من الفرار بدينهم إلى الله، وقد فروا إلى كهف خشن ضيق، مؤثرين له على كل زينة من زينة الحياة الدنيا.
إنهم يستروحون رحمة الله ويحسونها ظليلة فسيحة ممتدة (ينشر لكم ربكم من رحمته) ولفظه (ينشر) تلقي ظلال السعة والبحبوحة والانفساح فإذا الكهف فضاء فسيح رحيب، تنتشر فيه الرحمة وتتسع خيوطها.
إنه الإيمان! وما قيمة الظواهر؟ وما قيمة القيم والأوضاع والمدلولات التي تعارف عليها الناس في حياتهم الأرضية؟
إن هناك عالماً آخر في جنبات القلب المعمور بالإيمان، المأنوس بالرحمن عالماً تظلله الرحمة والرفق والاطمئنان والرضوان (1) .
وهكذا تتعد الأمثال في جميع الوشائج والروابط، وشيجة الأبوة في قصة نوح ووشيجة البنوة والوطن في قصة إبراهيم، ووشيجة الأهل والعشيرة والوطن جميعاً في قصة أصحاب الكهف، ورابطة الزوجية في قصص امرأتي نوح ولوط وامرأة فرعون.
هكذا يمضي الموكب الكريم حتى تجيء الأمة الوسط، فنجد هذا الرصيد من الأمثال والنماذج والتجارب، فتمضي على النهج الرباني للأمة المؤمنة وتفترق العشيرة الواحدة والبيت الواحد حيث تفترق العقيدة.
{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ { [سورة المجادلة: 22] .
(1) الظلال (4/2262) بتصرف بسيط.
لقد جمعت هذه العقيدة صهيباً الرومي وبلالاً الحبشي، وسلمان الفارسي وأبا بكر العربي القرشي تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله (وتوارت عصبية القبيلة والجنس والأرض وقال لهم صلى الله عليه وسلم (دعوها فإنها منتنة)(1) . وقال (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)(2) فانتهى أمر هذا النتن، وماتت نعرة الجنس. واختفت لوثة القوم، واستروح البشر أرج الآفاق العليا، ومنذ ذلك اليوم لم يعد وطن المسلم هو الأرض وإنما وطنه هو (دار الإسلام) ، تلك الدار التي تسيطر عليها عقيدة، وتحكم فيها شريعة الله وحدها (3) .
وتبقى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرة صحابته الأخيار منار هدي وإصلاح لمن سلك ذلك السبيل، ورضي بذلك النهج القويم.
أما من حاد عن ذلك وابتعد فالله ليس بوليه، وإنما وليه (الطاغوت)
{وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ { [سورة البقرة: 257] .
(1) صحيح البخاري (8/648 ح 4095) كتاب التفسير وصحيح مسلم (4/1999 ح 2584) كتاب البر والصلة.
(2)
صحيح مسلم (ج 3/1476 ح 1848 وح 1850) كتاب الإمارة وأبو داود (5/342 ح 5121) كتاب الأدب.
(3)
انظر معالم في الطريق (ص 143) .