الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بروحها، وإنه لمن المستحيل أن تعجب بروح مدنية مناهضة للتوجيه الديني، وتبقى مع ذلك مسلماً صحيحاً.
" إن الميل إلى تقليد التمدين الأجنبي نتيجة الشعور بالنقص هذا ولا شيء سواه، ما يصاب به المسلمون الذين يقلدون المدنية الغربية "(1)
و
أصل المشابهة:
أن الله جبل بني آدم - بل سائر المخلوقات - على التفاعل بين الشيئين المتشابهين، وكلما كانت المشابهة أكثر: كان التفاعل في الأخلاق والصفات أتم. والمشاركة بين بني الإنسان أشد تفاعلاً فلأجل هذا الأصل وقع التأثر والتأثير في بني آدم فاكتسب بعضهم، أخلاق بعض بالمشاركة والمعاشرة.
والمشابهة في الأمور الظاهرة: توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي، وقد رأينا اليهود والنصارى الذين عاشروا المسلمين أقل كفراً من غيرهم، كما رأينا المسلمين الذين أكثروا من معاشرة اليهود والنصارى هم أقل إيماناً من غيرهم ممن جرد الإسلام (2) .
ثم إن المشاركة في الهدي الظاهر: توجب مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان وهذا أمر محسوس، بل إنها تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.
وإذا كانت المشابهة في الأمور الدنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ نعم. إنها تقتضي إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد. والمحبة لهم تنافي الإيمان كما قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ
(1) الإسلام على مفترق الطرق. ترجمة د. عمر فروخ (ص 81 - 83) الطبعة الثامنة سنة 1974م دار العلم للملايين.
(2)
بتصرف: اقتضاء الصراط المستقيم: 220
وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { [سورة المائدة: 51] .
وثبوت ولايتهم يوجب عدم الإيمان، لأن عدم اللازم يقتضي عدم الملزوم (1) .
وهنا لابد أن نورد بعض النصوص الكثيرة والمستفيضة من الكتاب والسنة التي نهت عن مشابهة الكفار واتباع أهوائهم.
منها قوله تعالى:
{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ {18} إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ { [سورة الجاثية: 18-19] .
يقول في تفسيرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: جعل الله محمداً صلى الله عليه وسلم على شريعة من الأمر شرعها له وأمره باتباعها، ونهاه عن اتباع أهواء الذين لا يعلمون وقد دخل في الذين لا يعلمون كل من خالف شريعته. وأهواءهم: هي ما يهوونه وما عليه المشركون من هديهم الظاهر الذي هو من موجبات دينهم الباطل وتوابع ذلك، فموافقتهم فيه اتباع لما يهوونه ولهذا يفرح الكافرون بموافقة المسلمين لهم في بعض الأمور ويسرون بذلك.
ولو فرض أن الفعل ليس من اتباع أهوائهم: فلا ريب أن مخالفتهم في ذلك
(1) اقتضاء الصراط المستقيم بتصرف من (ص 219-222) .
أحسم لمادة متابعتهم في أهوائهم وأعون على حصول مرضاة الله في تركها (1) .
ومن الأدلة أيضاً قوله تعالى:
{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِير { [سورة البقرة: 120] .
فانظر كيف جاء في الخبر "ملتهم" وفي النهي "أهواءهم" لأن القوم لا يرضون إلا باتباع الملة مطلقاً. والزجر وقع عن اتباع أهوائهم في قليل أو كثير، ومن المعلوم أن متابعتهم في بعض ما هم عليه من الدين: نوع متابعة لهم في بعض ما يهوونه، أو مظنة لمتابعتهم فيما يهوونه (2)
وممن الأدلة القرآنية أيضاً ما ورد في سورة البقرة بخصوص تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة قال تعالى:
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ { [سورة البقرة: 145] .
(1) اقتضاء الصراط المستقيم (ص14) .
(2)
المصدر السابق (ص15) .
إلى قوله تعالى:
{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ { [سورة البقرة: 150] .
قال غير واحد من السلف: معناه لئلا يحتج اليهود عليكم بالموافقة في القبلة فيقولوا: قد وافقونا في قبلتنا فيوشك أن يوافقونا في ديننا. فقطع الله بمخالفتهم في القبلة هذه الحجة، وبين سبحانه أن من حكمة فسخ القبلة وتغييرها: مخالفة الكافرين في قبلتهم ليكون ذلك أقطع لما يطمعون فيه من الباطل، وهذا المعنى ثابت في كل مخالفة وموافقة فإن الكافر إذا اتبع في شيء من أمره كان له من الحجة مثل ما كان – أو قريب مما كان – لليهود من الحجة في القبلة (1) .
ومن الأدلة القرآنية أيضاً الدالة على النهي عن التشبه بهم في أي حال وأي وضع قوله تعالى:
{فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ { [سورة يونس: 89] .
وقوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ { [سورة الأعراف: 142] .
وقال تبارك وتعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ
(1) نفس المصدر (ص16) .
غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا { [سورة النساء: 115] .
كل ذلك يدل على أن جنس مخالفتهم وترك مشابهتهم أمر مشروع (1)
أما السنة النبوية فورد فيها نصوص كثيرة في هذا الموضوع ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم " من تشبه بقوم فهو منهم "(2) . وفي هذا الحديث يقول ابن تيمية:
إسناده جيد وأقل أحواله: أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى:
{وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ { [سورة المائدة: 51] .
وهو نظير ما قاله عبد الله بن عمرو: " من بنى بأرض المشركين وصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة "(3) . فقد يحمل هذا على التشبه المطلق الذي يوجب الكفر.. وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو المعصية: كان حكمه كذلك.
أما من فعل الشيء واتفق أن الغير فعله أيضاً، ولم يأخذه أحدهما عن صاحبه ففي كون هذا تشبهاً نظراً. لكن قد ينهى عن هذا لئلاً يكون ذريعة إلى التشبه ولما فيه من المخالفة (4) . ومن الأدلة النبوية أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً وذراعاً ذراعاً حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم" قلنا: يا رسول الله: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ (5) .
وفي الصحيح أيضاً: عن ابن عمر: أن الناس نزلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على
(1) انظر نفس المصدر (ص16) .
(2)
سنن أبي داود كتاب اللباس (4/314 ح 4031) ومسند أحمد (7/142 ح 5114) وقال الشيخ أحمد شاكر إسناده صحيح وقال الألباني: صحيح انظر صحيح الجامع (5/270 ح 6025) .
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص83) والأثر سبق تخريجه.
(4)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص 82 – 83) .
(5)
سبق تخريجه.
الحجر – أرض ثمود – فاستقوا من آبارها وعجنوا به العجين فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهريقوا ما استقوا ويعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة (1) .
ولما كان للمشركين شجرة يعلقون عليها أسلحتهم ويسمونها "ذات أنواط" قال بعض الناس: يا رسول الله: اجعل ذات أنواط كما لهم ذات أنواط؟ فقال صلى الله عليه وسلم " الله أكبر، قلتم كما قال قوم موسى لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، إنها السنن لتركبن سنن من كان قبلكم "(2) . فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم مجرد مشابهتهم الكفار في اتخاذ شجرة يعكفون عليها، معلقين عليها سلاحهم، فكيف بما هو أطم من ذلك من مشابهتهم المشركين أو هو الشرك بعينه؟ (3) .
أيهما أعظم – يا ترى – شجرة يعلق عليها سلاح نهي عنها لأن فيها اقتداء بفعل الكفار أم نظام حياة فيه التشريع والتحليل والتحريم والإلزام والعقوبة على المخالفة.
ومن الأحاديث الواردة في النهي عن التشبه قوله صلى الله عليه وسلم "إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم "(4) .
وقوله صلى الله عليه وسلم " خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم "(5)
وقوله صلى الله عليه وسلم " ليس منا من تشبه بغيرنا"(6) .
(1) صحيح مسلم (4/2285 ح 2981) .
(2)
مسند أحمد (5/218) إسناد صحيح ورجاله رجال الصحيح
(3)
اقتضاء الصراط المستقيم (ص 314) .
(4)
صحيح البخاري كتاب الأنبياء باب نزول عيسى (6/496 ح 3462) وصحيح مسلم (3/1663 ح 2103) كتاب اللباس.
(5)
سنن أبي داود (1/427 ح 652) كتاب الصلاة وقال الألباني: صحيح. انظر صحيح الجامع (3/106 ح 3205) .
(6)
سنن الترمذي (ح 7/335 ح 2696) وقال: إسناده ضعيف. ولكن الألباني حسنه. انظر صحيح الجامع (5/101 ح 5310) .