الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نبيه، أنصار دينه أنصار عباده المؤمنين، وليسوا أنصار الجاهلية وطواغيتها وجبابرتها الذين هم في أعين الناس كبار وهم حقيقة الأمر صغار وأقزام!!
ولما كان العام المقبل وصل إلى مكة من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة الأولى فبايعوه، وكانت البيعة على الإسلام وأرسل معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير (1) رضي الله عنه يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقههم في الدين، ويؤمهم في الصلاة (2) .
وقدم مصعب رضي الله عنه ومعه وفد كريم من الأنصار في موسم الحج فكانت بيعة العقبة الكبرى حيث تساءلوا وهم خارجون من المدينة: حتى متى نترك رسول الله يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟
(لقد بلغ الإيمان أوجه في هذه القلوب الفتية، وآن لها أن تتنفس عن حماسها، وأن تفك هذا الحصار الخانق المضروب حول الدعوة والداعية (3) .
صيغة البيعة
تكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغب في الإسلام ثم قال:(أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم) فأخذ البراء
(1) هو مصعب بن عمير بن هاشم نشأ في بيت ثري، مدللاً غاية الدلال، وكان يعرف بأنه أعطر أهل مكة ثم أسلم فانقلبت تلك النعومة إلى خشونة ورجولة كان من السابقين للإسلام ومن المهاجرين للحبشة في الهجرة الأولى، ثم هاجر للمدينة، وشهد بدراً وحمل اللواء في أحد فاستشهد، وفي الصحيح أن مصعباً لم يترك إلا ثوباً فكان إذا غطوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا رجليه خرج رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اجعلوا على رجليه شيئاً من الأذخر) ، انظر صحيح البخاري كتاب الجنائز (3/142 ح 1276) والاستيعاب لابن عبد البر ج (3/468) والاصابة لابن حجر (ج 3/421) ومصعب بن عمير للأستاذ محمد بريغش وغير ذلك من كتب السير.
(2)
السيرة لابن هشام (2/76) .
(3)
فقه السيرة للشيخ محمد الغزالي (ص157) .
بن معرور (1) بيده ثم قال: نعم والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعك مما نمنع منه أزرنا (2) فبايعنا يا رسول الله فنحن والله أبناء الحروب، وأهل الحلقة (3)، ورثناها كابراً عن كابر. فاعترض أبو الهيثم بن التيهان (4) فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها – يعني اليهود – فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني، أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم "(5) .
قال ابن هشام: الهدم الهدم: يعني الحرمة، أي ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم (6)
ثم قال: أسعد بن زرارة (7) فقال: رويداً يا أهل يثرب: فإنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وإن إخراجه اليوم مناوأة للعرب كافة، وقتل خياركم وإن تعضكم السيوف، وإما أنتم قوم تصبرون على ذلك
(1) هو البراء بن معرور الخزرجي الأنصارى أول من بايع وأول من استقبل القبلة وأول من أوصى بثلث ماله، وأحد النقباء من الأثنى عشر. انظر الإصابة (ج1/144) والأعلام للزركلي (1/47) الطبعة الرابعة. والحديث في المسند (3/461) .
(2)
أي نساءنا.
(3)
أي السلاح.
(4)
أبو الهيثم بن التيهان: مالك بن عتيك الأنصاري الأوسي: أحد النقباء. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عثمان بن مظعون وشهد المشاهد كلها وهو القائل في رثاء رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد جدعت آذاننا وأنوفنا غداة فجعلنا بالنبي محمد " توفي فى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المدينة سنة عشرين. انظر الاستيعاب (4/200) والإصابة (4/212) والمعارف لابن قتيبة (ص270) تحقيق ثروت عكاشة والأعلام للزركلي (5/258) .
(5)
السيرة لابن هشام: (2/84 – 85) والحديث في المسند (ج2/274) طبعة الساعاتي مع الفتح الرباني.
(6)
السيرة لابن هشام: (2/84 – 85) والحديث في المسند (ج2/274) طبعة الساعاتي مع الفتح الرباني.
(7)
أسعد بن زرارة. أبو أمامه الأنصاري الخزرجي النجاري، شهد العقبتين وكان نقيباً على قبيلته. ذكر الواقدي أنه مات على رأس تسعة أشهر من الهجرة. وقال البغوي: بلغني أنه أول من مات من الصحابة بعد الهجرة وأنه أول ميت صلى عليه النبى صلى الله عليه وسلم. قال ابن حجر: وقد اتفق أهل المغازي والتواريخ أنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر. الإصابة (1/34) .
فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبنة فبينوا ذلك، فهو أعذر لكم عند الله، فقالوا يا أسعد: أمط عنا بيدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، ثم قاموا إليه رجلاً رجلاً فبايعوه (1) .
أجل: (وإنه الإيمان بالله والحب فيه، والإخوة على دينه، والتناصر باسمه، ذلك كله كان يتدافع في النفوس المجتمعة في ظلام الليل بجوار مكة السادرة في غيها، يتدافع ليعلن أن أنصار الله سوف يحمون رسوله كما يحمون أعراضهم، سوف يمنعونه بأرواحهم، فلا يخلص إليه أذى وهم أحياء)(2) .
ترى: أي صورة أعظم من هذه الصورة لهذا الولاء الصادق؟ لقد كانت بيعة على دين الله ومرضاته. وانظر إلى رد المصطفى صلى الله عليه وسلم " بل الدم الدم والهدم الهدم أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " هذه هي الصلة الحقيقية والوشيجة الصادقة لعلاقة المسلم بأخيه المسلم. لقد أصبح الدم واحداً. " أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم " وهكذا تنقطع علائق الدم الجاهلي والتناصر الجاهلي والولاء الجاهلي ليحل محلها الولاء الإسلامي والوقوف في الصف الإسلامي والبراءة من الكفر وأهله واعتناق الإخوه الجديدة التي أمر الله بها. إنها البديل الصالح لتلك الوشائج الجاهلية كما قال صلى الله عليه وسلم "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً "(3) .
وهكذا نصل إلى معرفة ما فعل الله بنبيه ودعوته ومن معه، وما هيأ لهم من النصرة والمنعة والدار التي يقام فيها حكم الله وشريعته ومنهاجه في الأرض. أرض الأنصار. أرض الذين يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.
فإلى صورة جديدة مشرقة للولاء في العهد المدني.
(1) مسند أحمد (3/322، 339، 394) والحاكم (2/624 – 625) والبيهقي في السنن الكبرى (9/9) .
(2)
فقه السيرة للشيخ الغزالي (ص 161) .
(3)
صحيح البخاري: كتاب الأدب (10/442 ح 6026) وصحيح مسلم كتاب البر والصلة (ج4/1999 ح 2585) .